باب إجراء أحكام الناس على الظاهر
باب إجراء أحكام الناس على الظاهر
تطريز رياض الصالحين
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:... «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى». متفق عليه.
----------------
قال الخطابي وغيره: المراد بهذا أهل الأوثان، ومشركوا العرب ومن لا يؤمن دون أهل الكتاب، ومن يقر بالتوحيد، فلا يكتفي بعصمته بقوله: (لا إله إلا الله). إذا كان يقولها في كفره، وهي من اعتقاده.
باب إجراء أحكام الناس على الظاهر
تطريز رياض الصالحين
عن أبي عبد الله طارق بن أشيم - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله تعالى». رواه مسلم.
----------------
قوله: «من قال لا إله إلا الله»، أي: مع قرينتها وهي: محمد رسول الله، «وكفر بما يعبد من دون الله»، أي: أي معبود كان، «حرم ماله ودمه»، على المسلمين «وحسابه» في صدقه وكذبه على الله تعالى.
باب إجراء أحكام الناس على الظاهر
تطريز رياض الصالحين
عن أبي معبد المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - قال: قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار، فاقتتلنا، فضرب إحدى يدي بالسيف، فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال: «لا تقتله» فقلت: يا رسول الله، قطع إحدى يدي، ثم قال ذلك بعد ما قطعها؟! فقال: «لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي... قال». متفق عليه.
----------------
ومعنى «أنه بمنزلتك» أي: معصوم الدم محكوم بإسلامه. ومعنى... «أنك بمنزلته» أي: مباح الدم بالقصاص لورثته لا أنه بمنزلته في الكفر، والله أعلم. في الحديث: دليل على أن كل من صدر عنه ما يدل على الدخول في الإسلام من قول أو فعل حكم بإسلامه، حتى يتبين منه ما يخالفه، وقد حكم - صلى الله عليه وسلم - بإسلام بني خزيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد بقولهم: صبأنا صبأنا، ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا. فلما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:... «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد». ثم واداهم. قوله: «لا تقتل فإن قتلته فإنه بمنزلتك» قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال. زاد البخاري في هذا الحديث أنه عليه السلام قال للمقداد: «إذا كان المؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، كذلك كنت تخفي إيمانك بمكة». قوله: «ومعنى أنك بمنزلته»، أي: مباح القصاص لورثته. الظاهر أنه لا يلزمه قصاص، ولكن تلزمه دية، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتل المقداد ولا أسامة، وودي الذين قتلهم خالد بن الوليد. والله أعلم.
باب إجراء أحكام الناس على الظاهر
تطريز رياض الصالحين
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم على مياههم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا المدينة، بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: «يا أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟!» قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذا، فقال: «أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟!» فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. متفق عليه.
----------------
وفي رواية: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أقال: لا إله إلا الله وقتلته»؟! قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح، قال: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!» فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ. (الحرقة) بضم الحاء المهملة وفتح الراء: بطن من جهينة: القبيلة المعروفة. وقوله: «متعوذا»: أي معتصما بها من القتل لا معتقدا لها. في هذا الحديث: دليل على جريان الأحكام على الأسباب الظاهرة دون الباطنة الخفية.
باب إجراء أحكام الناس على الظاهر
تطريز رياض الصالحين
عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين، وأنهم التقوا، فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وأن رجلا من المسلمين قصد غفلته. وكنا نتحدث أنه أسامة بن زيد، فلما رفع عليه السيف، قال: لا إله إلا الله، فقتله، فجاء البشير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله وأخبره، حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله، فقال: «لم قتلته؟» فقال: يا رسول الله، أوجع في المسلمين، وقتل فلانا وفلانا، وسمى له نفرا، وإني حملت عليه، فلما رأى السيف، قال: لا إله إلا الله. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أقتلته؟» قال: نعم. قال: «فكيف تصنع بلا إله إلا الله، إذا جاءت يوم القيامة؟» قال: يا رسول الله، استغفر لي. قال: «وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» فجعل لا يزيد على أن يقول: «كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة». رواه مسلم.
----------------
قوله: «فكيف تصنع بلا إله إلا الله»، أي: من يشفع لك، ومن يحاج عنك ويجادل إذا جيء بكلمة التوحيد. وقيل: كيف قتلت من قالها وقد حصل له ذمة الإسلام وحرمته.
باب إجراء أحكام الناس على الظاهر
تطريز رياض الصالحين
عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: إن ناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال: إن سريرته حسنة. رواه البخاري.
----------------
قال المهلب: هذا إخبار من عمر عما كان الناس عليه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعما صار بعده، ويؤخذ منه أن العدل من لم توجد منه ريبة.