باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين
باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين
تطريز رياض الصالحين
عن حارثة بن وهب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر» . متفق عليه.
----------------
«العتل» : الغليظ الجافي. «والجواظ» : بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة: وهو الجموع المنوع، وقيل: الضخم المختال في مشيته، وقيل: القصير البطين. في هذا الحديث: بيان أن أكثر أهل الجنة الضعفاء، وأكثر أهل النار المتكبرون. وروي عن ابن عباس مرفوعا: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: الجواظ، والعتل، والجعظري» . قيل: وما الجواظ: قال: الجموع المنوع، البخيل بما في يديه. والجعظري: الفظ على ما ملكت يمينه، والغليظ لقرابته وجيرانه وأهل بيته. والعتل: الشرس الخلق، الرحب الجوف، الأكول الشروب، الغشوم الظلوم» .
باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين
تطريز رياض الصالحين
عن أبي عباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: مر رجل علىالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لرجل عنده جالس: «ما رأيك في هذا؟» ، فقال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع. فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم مر رجل آخر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما رأيك في هذا؟» فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع لقوله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هذا خير من ملء الأرض مثل هذا» . متفق عليه.
----------------
قوله: «حري» هو بفتح الحاء وكسر الراء وتشديد الياء: أي حقيق. وقوله: «شفع» بفتح الفاء. يشهد لهذا الحديث قوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ... [الحجرات (13) ] .
باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين
تطريز رياض الصالحين
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون. وقالت الجنة: في ضعفاء الناس ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها» . رواه مسلم.
----------------
في هذا الحديث: فضل الضعفاء والمساكين العاملين بطاعة الله التاركين لمعاصيه.
باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة» . متفق عليه.
----------------
في هذا الحديث: أن ذا القدر والجاه في الدنيا إذا لم يكن ذا تقوى، فليس له قدر عند الله. وفي الحديث الصحيح: «ولا ينفع ذا الجد منك الجد» . وفي الحديث الآخر: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» .
باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، أو شابا، ففقدها، أو فقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسأل عنها، أو عنه، فقالوا: مات. قال: « أفلا كنتم آذنتموني به» فكأنهم صغروا أمرها، أو أمره، فقال: «دلوني على قبره أو قبرها» فدلوه فصلى عليها، ثم قال: «إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم» . متفق عليه.
----------------
قوله: «تقم» هو بفتح التاء وضم القاف: أي تكنس. «والقمامة» : الكناسة، «وآذنتموني» بمد الهمزة: أي: أعلمتموني. في هذا الحديث: أن القبور لا ينورها إلا الأعمال الصالحة، أو الشفاعة المقبولة. وفيه: فضل تنظيف المساجد، والترغيب في شهود جنائز أهل الخير، ومشروعية الصلاة على قبر الميت لمن لم يصل عليه.
باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره» . رواه مسلم.
----------------
قوله: «مدفوع بالأبواب» ، أي أبواب الملوك والأمراء لحقارة قدره عندهم، ولو حلف يمينا بحصول أمر طمعا في كرم الله لأبره، إكراما له بإجابة سؤاله، وصيانته من الحنث في يمينه. كما قال أنس بن النضر: لا والله لا تكسر ثنية الربيع، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا أنس كتاب الله: القصاص» ، فرضي القوم أجمعون، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره» .
باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين
تطريز رياض الصالحين
عن أسامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قمت على باب الجنة، فإذا عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار. وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء» . متفق عليه.
----------------
«والجد» : بفتح الجيم: الحظ والغنى. وقوله: «محبوسون» أي: لم يؤذن لهم بعد في دخول الجنة. في هذا الحديث: فضل الفقراء الصابرين على الضراء، والشاكرين على السراء، وأنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء. وفيه: أن الذين يؤدون حقوق المال، ويسلمون من فتنته هم الأقلون، وأن الكفار يدخلون النار ولا يحبسون عنها. وفيه: أن عامة من يدخل النار النساء لإكثارهن اللعن. وكفر العشير.
باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى ابن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلا عابدا، فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتته أمه وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت. فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات. فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه، فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها فوقع عليها، فحملت، فلما ولدت، قالت: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما ... شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك. قال: أين الصبي؟ فجاؤوا به فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه، وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب. قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا. وبينا صبي يرضع من أمه فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة، فقالت أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع» ، فكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحكي ارتضاعه بأصبعه السبابة في فيه، فجعل يمصها، قال: «ومروا بجارية وهم يضربونها، ويقولون: زنيت سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل. فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فترك الرضاع ونظر إليها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فهنالك تراجعا الحديث، فقالت: مر رجل حسن الهيئة، فقلت: اللهم اجعل ابني مثله، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت سرقت، فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهم اجعلني مثلها؟! قال: إن ذلك الرجل كان جبارا، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، وإن هذه يقولون: لها زنيت، ولم تزن وسرقت، ولم تسرق، فقلت: اللهم اجعلني مثلها» . متفق عليه.
----------------
«المومسات» بضم الميم الأولى، وإسكان الواو وكسر الميم الثانية وبالسين المهملة؛ وهن الزواني. والمومسة: الزانية. وقوله: «دابة فارهة» بالفاء: أي حاذقة نفيسة. «والشارة» بالشين المعجمة وتخفيف الراء: وهي الجمال الظاهر في الهيئة والملبس. ومعنى «تراجعا الحديث» أي: حدثت الصبي وحدثها، والله أعلم. كان جريج في أول أمره تاجرا، وكان يزيد مرة، وينقص أخرى. فقال: ما في هذه التجارة خير، لألتمسن تجارة خيرا من هذه، فبنى صومعة وترهب فيها. رواه أحمد. وفي حديث مرفوع: «لو كان جريج عالما لعلم أن إجابته أمه أولى من صلاته» . وفي الحديث: إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع. وفيه: أن صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن. وفيه: إثبات كرامات الأولياء. وفي الحديث أيضا: أن نفوس أهل الدنيا تقف مع الخيال الظاهر، بخلاف أهل الحقيقة. كما قال تعالى: {فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون} [القصص (79، 80) ] .