مدارسة:
قال تعالى:
﴿وَجَعَلۡنَا فِی ٱلۡأَرۡضِ رَوَ ٰسِیَ أَن تَمِیدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِیهَا فِجَاجࣰا سُبُلࣰا لَّعَلَّهُمۡ یَهۡتَدُونَ﴾ [الأنبياء ٣١]
في قوله عز وجل:
﴿وَجَعَلۡنَا فِیهَا فِجَاجࣰا سُبُلࣰا﴾
اختلف المفسرون في عود الضمير في قوله: (فيها)؛
هل يعود للأرض أم للرواسي (الجبال)؟
أي: هل السبل التي امتن الله بها في هذه الآية الطرق التي في الأرض جميعها أم الجبال فقط؟
على قولين للمفسرين:
واختار الطبري أن المقصود بها السبل في كل الأرض.
قال رحمه الله:
وإنما اخترنا القول الآخر في ذلك وجعلنا الهاء والألف من ذكر الأرض، لأنها إذا كانت من ذكرها داخل في ذلك السهل والجبل؛ وذلك أن ذلك كله من الأرض، وقد جعل الله لخلقه في ذلك كله فجاجا سبلا ولا دلالة تدلّ على أنه عنى بذلك فجاج بعض الأرض التي جعلها لهم سبلا دون بعض، فالعموم بها أولى.
وقد استحسنه ابن عطية أيضا
ويقويه الآيات الأخرى التي ليس فيه إشكال عودة الضمير بل هي صريحة إلى الأرض:
﴿وَأَلۡقَىٰ فِی ٱلۡأَرۡضِ رَوَ ٰسِیَ أَن تَمِیدَ بِكُمۡ وَأَنۡهَـٰرࣰا وَسُبُلࣰا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ﴾
وقوله تعالى:
﴿ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدࣰا وَسَلَكَ لَكُمۡ فِیهَا سُبُلࣰا وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦۤ أَزۡوَ ٰجࣰا مِّن نَّبَاتࣲ شَتَّىٰ﴾
وقوله تعالى:
ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مَهۡدࣰا وَجَعَلَ لَكُمۡ فِیهَا سُبُلࣰا لَّعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ١٠﴾
وقوله تعالى:
﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ بِسَاطࣰا ١٩ لِّتَسۡلُكُوا۟ مِنۡهَا سُبُلࣰا فِجَاجࣰا ٢.
لكن ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل رحمه الله
قالوا إن الضمير يعود هنا على الجبال
وأن الامتنان في هذه الآية خاص بالطرق في الجبال...
ويقوى هذا القول من وجوه
منها:
أن الأصل عودة الضمير لأقرب مذكور وهو هنا الرواسي.
قال ابن مالك: ( إذا ذُكر ضمير واحد بعد اثنين فصاعدًا جُعل للأقرب، ولا يجعل لغيره إلا بدليل من خارج ).
ثانيا:
أن الامتنان بالعموم في مواضع كما تقدم لا يمنع الامتنان بالخاص وله في القرآن نظائر
منها قوله تعالى
(وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَـٰنࣰا)
فامتن تبارك وتعالى بنعمته بالسكن في الجبال
مع الامتنان بعموم السكن في قوله تعالى:
(وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۢ بُیُوتِكُمۡ سَكَنࣰا...)
ومنها:
أن المنة في طرق الجبال وتسخير السبل فيها أعظم إذا الأصل في الجبال وعورتها لارتفاعها لكنه تعالى مع ذلك جعل فيها الفجاج والسبل ويسر فيها الطرق وهذا أظهر في كمال قدرته وأبلغ في قيام الحجة بنعمته والله أعلم.
مختارات