انتصاف شهر رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على اكتمال البدر، وانتصاف الشهر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.. ثم أما بعد..
أحبتي في الله..
إنكم في شهر لا يشبُهُه شهر، عظيم الأمر، جليل القدر، هو من أشرف أوقات الدهر، فضائله لا تحصى، ومحامده لا تُستقصى، موسمٌ وافرُ الأرباح لمن اتَّجر، مهلكٌ لأرواح من طغى فيه وفجر.
شهرٌ يفوق على الشهور بليلةٍ من ألف شهر فُضّلت تفضيلا
طوبى لعبدٍ صـح فيه صيامه ودعا المهيمن بكـرة وأصيلا
وبليله قـد قـام يختـم ورده متبتـلا لإلهـــه تبتيــل
لقد مضى من رمضان صدره، وانقضى منه شطره، واكتمل منه بدره، فاغتنموا فرصة تمرُّ مرَّ السحاب، ولِجوا قبل أن يُغلق الباب، وبادروا أوقاته مهما أمكنكم، واشكروا الله على أن أخّركم إليه ومكّنكم، واجتهدوا في الطاعة قبل انقضائه، وأسرعوا بالمثاب قبل انتهائه، فساعاته تذهب، وأوقاته تُنهب، وزمانه يُطلب، ويوشك الضيف أن يرتحل، وشهر الصوم أن ينتقل، فأحسنوا فيما بقي، يغفر لكم ما مضى، فإن أسأتم فيما بقي أُخذتم بما مضى وبما بقي.
تنصَّف الشهر وانهدم، وفاز من بحبل الله اعتصم، وخاف من زلّة القدم، واغتنم شهر رمضان خير مغتنم، وشقي الغافل العاصي بين الذل والسقم، والأمن والندم، ويا ويله يوم تحل على أهل المخالفة الآفات، يوم تنقطع أفئدة أهل التفريط بالزفرات، يوم يُحشر أهل المعاصي والدموع على الوجنات، يقول الرب العلي في الحديث القدسي: (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) [أخرجه مسلم].
وقف ابن الجوزي رحمه الله يعظ الناس فقال:
أيها الناس، إنّ شهركم قد انتصف، فهل فيكم من قهر نفسـه وانتصف؟، وهل فيكم من قـام فيه بما عرف؟ وهل تشوقت هممكم إلى نيل الشـرف؟ أيها المحسن فيما مضـى منه استمـر ودمْ، وأيها المسـيء وبخ نفسك على التفريـط ولُم، إذا خسرت في هذا الشهـر فمتى تربـح؟
وإذا لم تُقبل إلى الله فمتـــى تبـرح؟..
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله:عباد الله، شهر رمضان قد انتصف.. فمن منكم حاسب نفسه فيه لله وانتصف؟ من منكم قام في هذا الشهر بحقه الذي عرف؟ من منكم عزم قبل غلق أبواب الجنة أن يبني له غرفاً من فوقها غرف؟ إلا إن شهركم قد أخذ في النقص فزيدوا أنتم في العمل، فكأنكم به وقد انصرف، وكل شهر فعسى أن يكون منه خلف، وأما شهر رمضان فمن أين لكم منه خلف؟
تنصّف الشهر.. والهفاهُ، وانهدما
واختص بالفوز بالجنات من خـدما
وأصبح الغافل المسكين منكسرا
مثلي.. فيا ويحه، يا عُظم ما حُرما !!
من فاته الزرع في وقت البذار.. فما
تـراه يحصـد إلا الهـمَّ.. والنـدما !!
طوبى لمن كانت التقوى بضاعته
في شهره، وبحبل الله معتصما
شهرُ الصبرِ قد ذهب نصفُه، وفيه مِنَ الخير ما لا يمكن وصفُه.
أعاننا الله وإياكم على طاعته، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
سعيد بن مسفر أحمد الزهراني
مختارات