شخصيتك وأثرها في حل المشاكل
من رحم المحنة تكون المنحة، لكن الأمر يتطلب «صبر وبصر».. صبر على البحث والتفكير في الخروج من المشكلة، وبصر نافذ يلمح الحل وسط ظلمات الألم وأشواك المآسي، وهذا ما يميز الأفذاذ عن غيرهم، فاستيعاب الصدمة وتلمس الحل هو الفارق الحقيقي بين النجاح والفشل، فالمشاكل لن تنتهي وستستمر إذا وجدت منا فكرا مغلقا وبصرا لا ينظر إلا تحت الأقدام.
من الفروق الهامة بين الشخصية الناضجة والشخصية السطحية، أن الشخصية السطحية تتسم بقدر من «القصور الذاتي» بمعنى أنها تظل في حركتها متأخرة عن متطلبات الواقع، فأثناء عملها ترتكب أخطاء وتواجه مشكلات، ولكن حركتها في معالجة تلك الأخطاء والمشكلات تظل بطيئة وتأتي متأخرة، بسبب ضحالة رصيدها من الشفافية والمرونة. هذا فضلا عن أنها تعجز عن إقامة حواجز بين التصلب الممدوح الذي يتمثل في الثبات والتمسك بالعقائد والمبادئ والمفاهيم الكبرى، وبين التصلب الذهني المذموم الذي يتمثل في نقص المرونة الذهنية، واعتناق بعض المفاهيم الخاطئة التي تجعل المرء فاقد للرشد الفكري.
السطحيون يتجنبون دوما مواجهة مشاكل الواقع على عكس الناضجون الذين يواجهون الواقع بتلهف مدركين أن أسرع الطرق لحل أي مشكلة هو التعامل معها بشكل حازم وفوري.. فالناضجون يتحدون مشاكلهم، بينما السطحيون يتهربون منها أو يتجاهلونها.
وعندما لا تسير الأمور وفق ما يتوقعه الشخص السطحي فإنه يضرب بقدميه الأرض سخطا وتذمرا، ويحبس أنفاسه ويبكي أو يتحسر على قدره، أما الشخص الناضج - في المقابل - فإنه يفكر بطريقة مختلفة، وباتجاه مختلف، ويستمر مواصلاً حياته الطبيعية بحلوها ومرها.
كما أنه عندما يُحبط أو يخيب أمل الشخص السطحي فإنه يبحث عن شخص ليلومه، بينما الشخص الناضج يبحث عن حل.. فالأشخاص السطحين يهاجمون الآخرين، بينما الناضجين يهاجمون المشاكل، ويستخدمون غضبهم كمصدر لطاقة التحرر من الأزمات، وحين يشعرون بخيبة الأمل أو الإحباط فإنهم يضاعفون جهدهم لإيجاد حلول لمشاكلهم.
إن النجاح ليس دائماً وليد الأفكار الثورية الضخمة، فكثيراً ما يكون مفتاحه فكرة بسيطة. والعقبة الرئيسية التي تعيق التطور الطبيعي للحياة هي «الأفكار المتحجرة» التي نفرضها على أنفسنا، فالبساطة صفة من صفات الحقيقة التي تتدفق من الداخل إلى الخارج، تحفزنا على التطور. وكل ما تحتاجه البساطة هو الصدق والمرونة والشفافية ليتفتّح الحس السليم وتتدفّق النوايا الحسنة وتتفجّر الثقة بامتلاك قوة العزم التي لا رجوع إلى الوراء بعد امتلاكها بتوفيق الله تعالى وتسديده.
التفكير السليم
يرى علماء النفس أنّ التفكير بالمشكلة يمرّ بأربع مراحل حتّى يتمكّن المرء بشكل عام من حلها:
1- مرحلة الاعتراف بالمشكلة، فبعض الناس أزمته أنه لا يريد أن يعترف أنّ هناك مشكلة أصلا، ولا يحاول أن يتفهّم طبيعتها، وبذلك يصعب عليه علاجها.
2 - مرحلة توليد الأفكار والفرضيات، فنضع احتمالات للحلّ على كثرتها وتنوعها.
3- مرحلة اختيار الفرضية المناسبة، فنرجّح إحدى الفرضيّات على أنّها هي الكفيلة بحل المشكلة ونعتمدها.
4- مرحلة التقويم من أول بدء العمل بها وحتى الوصول للإنجاز المطلوب، فالتقييم المستمر يضمن لنا التعديل الفوري إذا أخفقنا في أي مرحلة، وبذلك نوفر الوقت والجهد، ونخرج من الكبوة بأقل كلفة.
لكنّ هذه المراحل ـ كما يرى آخرون ـ ليست حتمية، أي ليس بالضرورة أن نستحضر الخطوات الأربع حتّى نصل إلى الحل، فقد يمكن التوصّل إلى الحلّ بإتباع بعضها، وبصفة عامّة فإنّنا نحتاج إلى تحديد المشكلة بالكشف عن أسبابها الرّئيسة والثانويّة، ودوافعها الكامنة، وأن نعالج الأسباب لا المظاهر، وقد نحتاج في ذلك إلى تعاون أصحاب التجربة ممّن نثق بهم ويُخلصون إلينا، أما الانكماش فإنه لا يحلّ المشكلة إنّما يضيف إليها مشكلة أخرى، ولذلك فنحن حينما ندعو إلى مواجهة مشاكلنا إنّما ننطلق من الترحيب بأيّة مشكلة تعصف بنا، لأنّها تستنفر أنبل وأفضل ما فينا من قوى روحيّة ونفسية وبدنية كامنة، وفي الحديث: [لمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم](صحيح الجامع:651).
إن أصحاب الطبيعة النفسية المعقدة لا تأتي سلوكياتهم بما تحب حتى لذاتها، لأنها في كثير من الأحيان تتحرك بالاندفاع أو بردود الأفعال بدلاً من التخطيط المسبق والنوايا الحسنة، ولا شك أن لهذه المسألة دورا كبيرا في كافة المجالات الإنتاجية والتنموية، لأن صاحب الطبيعة الصعبة - بقدر صعوبة مزاجه وتعامله - يعكر صفو العلاقات ويعكر آلية التعامل ويُعقَّد طرق تنفيذ المشاريع صغيرة كانت أم كبيرة، فهو من تعقيد إلى تعقيد. فما أحرى بنا أن نتبسط لكي تنبسط لنا الحياة، قال – صلى الله عليه وسلم-: [ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار غدا؟ على كل هين لين قريب سهل](صحيح الجامع:2609)
اسم الكاتب: د. خالد سعد النجار
مختارات