الشباب وإدمان المواقع الإباحية
الشباب هم عماد الأمة وصرحها الشامخ، بهم تزهر الأمم وتقوم الحضارات، لأنهم القوة المحركة والطاقات، وهم حماة الدين إذا انتشرت الشبهات، وهم حماة الوطن إذا حلت المدلهمات، هم القلب النابض للمجتمع، بهم يعيش ويقتات! وهم درعه إذا انتشرت الآفات، فكيف بهم قد نزلوا في مستنقع الدركات!
فلقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة اجتماعية مثيرة ذات أبعاد خطيرة، امتدت جذورها في كل النواحي، وكان لها آثارها المدمرة على مستوى الأفراد والجماعات على حد سواء، مما قد يشكل زعزعة للسلام والأمن المجتمعي إذا استمر الوضع على هذا الحال السيئ، وتبرز أهمية هذا الموضوع، في أن أحد طرفي المعادلة هم الشباب الذين يمثلون الطاقة المؤثرة في المجتمع، ذلك أن كثيرًا من الفتيان والفتيات قد غرقوا في بحر الإنترنت اللجي الذي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور!
والغارقون من الذكور والإناث على أحوال شتى؛ فمنهم من مات وفات، ومنهم من يحتضر وهو على حافة الخطر، ومنهم من فقد وعيه فأصبح مُخدرًا فلا يدرك قيمة وقته، ولا أهمية عمله، ولا مكانة أسرته، فلا معنى لمصطلح الواجب عنده! ولا مفهوم لكلمة العفة في قاموسه! إنه إنسان فقد إنسانيته! بل هو شبيه إنسان، سيُطوى اسمه في ذاكرة النسيان! إنه كائن غريب في سلوكياته وفي معاملاته! بشر اختل عنده الميزان القيمي والسلوكي، حتى صار لا يميز بين الأخلاق المحمودة والأخلاق المذمومة! وبعد أن أطلق العنان لبصره ومده بعيدًا، ليشاهد كل ما يرغب فيه، فليس عنده قائمة للممنوعات! ويتمتع في خلوته بتفريغ شهوته في غير منافذها الطبيعية النقية، فلا رادع يردعه، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
وكانت المحصلة النهائية بعد كل هذه التجاوزات الشرعية هي فقدان نور البصيرة، وغياب الحكمة بسبب نظر البصر إلى الحرام وارتكابه الآثام، فلا موقف له ولا رأي عنده! بل لا حضور له في بيته ومدرسته وعمله وشارعه!
عواقب غير حميدة
وبعد تشخيص لهذه الظاهرة المرضية من خلال الأبعاد النفسية والعقلية والجسمية والبيئية، تبين لي ما يلي:
أولًا: لقد تلوث هؤلاء بمستنقع المواقع الإباحية القذر، وأدمنوا مشاهدة مقاطعها المخلة بالحياء، وتداول صورها الفاضحة المنتهكة للعرض! ووقعوا في بلاء خطير فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: “إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه”.
ثانيًا: لقد فقد هؤلاء السيطرة على أنفسهم، فهم في حالة عدم التعيين، فضلًا عن التأثير في مجتمعاتهم، فهذا أمر مستبعد نوعًا ما، فأما بعضهم يمكن تصنيفه في قائمة الأمراض المزمنة، وأما البعض الآخر فإنه يمثل ورمًا خبيثًا في جسد المجتمع، يتنامى بسرعة رهيبة، قد يتسبب في نهاية الفرد، ويوشك أن يقضي على المجتمع بالكلية! أين هؤلاء الرجال من حفظ الدين والنفس والعرض والنسل والمال؟!
ثالثًا: هؤلاء ليسوا في حالتهم الطبيعية، وهم في حقيقة الأمر مرضى، وان اختلفت درجات مرضهم، لذا فإنه ينبغي علينا أن نتدرج في علاجهم، دون إشعارهم بأنهم غير أسوياء، فقد يخطأ البعض بتسميتهم بالأشباح وإن سهروا بالليل وناموا في النهار! فهدفنا إصلاحهم وإعادة إدماجهم في المجتمع، وليس تجريحهم وإهانتهم والتخلص منهم.
رابعًا: التحرز من هذه الأدواء المُعدية ضروري في معجم ثقافتنا الصحية، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج، فلنمنح اهتمامًا للبقية من فئة الشباب والشابات الذين يستعملون الإنترنت بصفة دائمة، ويُخشى عليهم من الإفراط أو التفريط، فُيساعدون في تنمية ذواتهم وتطوير قدراتهم في دورات تدريبية حول تقنيات الاستخدام الأمثل للإنترنت، من ذلك عدم فتح الرسائل مجهولة المصدر، لأنها لا تعد وأن تكون حالة من ثلاثة حالات: فإما أن تكون إباحية مضرة بالبدن، وإما أن تكون دعائية متلفة للوقت، أو حاملة للفيروسات مبددة للطاقة.
ويُوجهون دومًا إلى كل الضوابط والقواعد والمخاطر التي قد تقع، من ذلك وضع جهاز الكومبيوتر في غرفة الاستقبال ومقابل فتحة الباب، تجنب الدخول للإنترنت في حال عدم وجود أحد بالبيت، وفي حالة تأجج نار الشهوة وفورانها، ووضع خلفية آية قرآنية أو حديث نبوي فيه تهديد ووعيد كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
الأسباب
ويمكن أن ألخص أسباب هذا المرض الكثيرة في عوامل منها:
قلة الوازع الديني وضعف الصلة بالله، الفراغ الرهيب والبطالة، أصحاب السوء والشلل التائهة، التفكير في أمر الجنس بسبب حضور المجالس التي تتمحور حول هذا الموضوع، مشاهدة المناظر الفاضحة والصور الخليعة وتداولها، إطلاق البصر وتخليته من قيد الخوف والمراقبة.
الأعراض
إن لهذا المرض الخبيث أعراضا منها على سبيل المثال لا الحصر:
الإرهاق الشديد، كثرة النوم، زغللة العينين، الشرود الذهني، التدخين، شرب الخمر، المخدرات، عدم الرغبة في العمل، عدم وضوح الرؤية وغياب الهدف، حب العزلة، والتردد في اتخاذ القرار، ضعف الإرادة، الابتعاد عن المحاضرات، والأنشطة العلمية والثقافية والدعوية في المساجد والمدارس والنوادي.
الآثار
أما آثار هذا المرض الوخيمة التي تنجم عنه:
فهي فساد الخُلق، وضعف البصيرة، سواد الوجه، وشحوب في الجسم، ثم قلة الحياء وضعف لمراقبة الله-سبحانه وتعالى-. فالحياء لا يأتي إلا بخير، وهو سلوك يتولد من تمازج شيئين: شهودك لنعم الله-عز وجل-، ومشاهدتك لتقصيرك في جنبه، وإذا غاب الحياء فقد حل الفناء! ومن الآثار التي تهدد أمن المجتمعات وسلامتها شيوع الفاحشة من زنا وسحاق ولواط وشذوذ جنسي، نسأل الله العافية والسلامة.
خطوات احترازية
أما بخصوص الخطوات الاحترازية من هذا الوباء:
فإنها أساسا تكمن في الإيمان بالله والعمل الصالح، فمن توكل على الله كفاه، ومن اعتصم بالله وقاه. دون أن أُغفل الدور المهم الذي تقوم به بعض الإجراءات الوقائية التي من أهمها-على الإطلاق-غض البصر عما حرم الله، فالبصر باب القلب الأعظم، والنظرة تلو النظرة هي الخطر الداهم، وجناية النظر المحرم تتسبب في سوء الخاتمة، والعياذ بالله! ولله در القائل:
كل الحوادث مبدأها من النظــــر.... ومعظم النار من مستعـظم الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها.... فتك السهــام بلا قــوس ولا وتــــر
والمرء ما دام ذا عــين يقلبهــــا.... في أعين الغيد موقوف على الخطر
يــسـر مقلـته ما ضــر مهجتــــه.... لا مرحــبا بسرور عاد بالضــــرر
ولقد أمرنا خالقنا بغض البصر وحفظ الفرج فقال قولًا كريمًا: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.
ونعمة البصر هي منحة جليلة لا يعرف قدرها إلا من فقدها، فلنشكر الله عليها أولًا، ثم لنوظفها فيما يعود علينا بالنفع والفائدة، كالتدبر في كتاب الله المسطور ألا وهو القرآن الكريم، قال تعالى: “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”.
والتأمل في كتاب الله المنظور ألا وهو الكون الفسيح الأرجاء، قال تعالى: “قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” وقال أيضا: “انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ”. ويعتبر الزواج المبكر- لمن تيسرت له أسبابه- حصنًا منيعًا يحميك من هذا الانحراف الخطير، والذي يكلف الكثير.
طرق العلاج
وأما بخصوص علاج المدمنين من دخول هذه المواقع الإباحية، فإن هناك أربع عمليات جراحية غير مكلفة تساهم في التشافي من المرض تمامًا، وهي كالتالي:
التوبة: أول عملية يجريها المدمن بنفسه على نفسه وهي التوبة من الذنوب والمعاصي وتكون بالإقلاع عن الذنب فورًا، والعزم على عدم العودة، والندم على ما فات، قال تعالى: “وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”
الرياضة: وثاني العمليات هي المواظبة على ممارسة الأنشطة الرياضية وذلك لصقل الجسم والعناية به وتفريغ الطاقات فيما ينفع ولا يضر.
خطة للحياة: وثالث العمليات وضع خطة للحياة وترتيب الأولويات وضبط الأهداف، ثم الانهماك في الدراسة والعمل بما يعزز لنا الثقة بالذات، ويحقق لنا المشاريع والمنجزات.
مجاهدة النفس: ورابع العمليات هي مجاهدة النفس ومخالفة الهوى، وعصيان الشيطان، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ}
وصدق من قال:
إن الشباب إذا سما بطموحه.... جعل النجوم مواطئ الأقدام
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
مختارات