اسم الله الأحد 2
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الأحد ) :
1 – بين ( الأحد ) والواحد :
أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا في اسم ( الأحد ) وقد بينت في اللقاء السابق أن الواحد الذي لا شريك له ، والذي لا ند له ، ولا مثيل له ، ولا مشابه له .
لا يغيب عن بالكم أن الأعداد على نوعين ، أعداد كمية ، وأعداد نوعية ، فقد تقول : التقيت بأربعة طلاب ، هذا عدد كمي ، وقد تقول : هذا الطالب ترتيبه في النجاح الرابع ، الرابع نوعي ، الأربعة كمي .
لذلك الله واحد لا شريك له ، لكن الله أحد أي لا ند له ، ولا شبيه له ، ولا مماثل له .
2 – الكون يشهد أن الله ( الأحد ) الفرد الصمد :
أيها الإخوة ، هذا الكون العظيم ، كلمة كون عبر عنها القرآن الكريم بالسماوات والأرض ، والكون أو السماوات والأرض ما سوى الله ، في هذا الكون حقيقية واحدة ، أحدية هي الله ، الحق كل ما يؤكد وجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، هو الحق ، والحق كل عمل تتقرب به إلى هذه الحقيقة الوحيدة الأحدية ، اعتقادًا : كل ما يؤكد وجود الله ووحدانيته، وكماله هو الحق، وسلوكاً كل عمل يقرب إليه هو الحق ، هذا كلام شمولي ، وأما الباطل فكل ما يغفل هذه الحقيقة العظمى الأحدية أن الله موجود ، وأن الله واحد ، وأن الله كامل ، فهو الباطل ، أي توجه إلى غير الله ، أيّ تشريع صادر عن غير منهج الله ، أي تقييم لعمل بعيد عن منهج الله ، أي شيء يبتعد عن الله ، فهو الباطل ، بل أي عمل يبعدك عن الله أو يجعل حجاباً بينك وبين الله فهو باطل ، هذا كلام شمولي .
الله عز وجل أحد ، واحد أحد ، فرد صمد ، لم يلد ، ولم يولد ، هو الحقيقة الأحدية ، ولا شيء سواه ، ما سواه خاضع له ، فأيّ فكر ، أيّ كتاب ، أي تأليف ، أية قصة أي عمل ، أي طرح ، أي تفسير ، أي تعليق يؤكد وجود الله ، ويؤكد وحدانيته ، ويؤكد كماله فهو الحق ، وأي إغفال ، أو إبعاد عن هذه الحقيقة فهو الباطل ، وأي عمل يقرّب إليه فهو السلوك الحق ، وأي عمل يحجب عنه فهو السلوك الباطل ، هذا تعريف جامع مانع للحق والباطل .
الخير كله في اتباع منهج الواحد الأحد :
كلُّ عمل ، أو كل تصور ينطلق من منهج الله فهو الخير ، وكل عمل ، أو كل تصور يناقض منهج الله عز وجل فهو الشر ، وإذا بدا على شبكية العين أنه ممتع ، أو أنه نافع ، لكن في المآل يعد هذا شراً .
إذاً : الخير ما جاء به وحي السماء ، وما ناقضه فهو شر ، وإن بدا للناس ممتعاً أو مريحاً ، أو يعد كسباً لهم .
الجمال الحقيقي كل ما اشتق من الله عز وجل ، من تصور ، أو من موقف ، أو من عمل فهو الجمال الحق ، وهناك جمال الأخلاق ، وجمال التواضع ، وجمال الوفاء ، وجمال الرحمة ، فأيّ سلوك ، وأيّ تصور لم يؤخذ من منهج الله عز وجل ، بل أيّ سلوك تفلت من منهج الله فهو القبح بعينه ، هذه الحقيقة الأحدية هي ميزان الحق ، والخير ، والجمال .
الحق والباطل واللعب :
الآية الثانية :
" خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ "
وزهوق على وزن فعول ، وفعول من صيغ المبالغة ، وإذا بالغنا في الشيء فالمبالغة تتجه إلى الكم والنوع ، يعني أكبر باطل بالمئة السنة الماضية ، الباطل الذي شغل نصف العالم الشرقي ، والذي رفع شعار : ( لا إله ) ألم ينتهِ ؟
" إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً "
هذا الباطل عنده من القنابل النووية ما يدمر به القارات الخمس خمس مرات ، ومع ذلك :
" إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً "
يعني مليون نوع من الباطل زاهق ، وأكبر باطل زاهق ، فصيغة المبالغة تنصب على الكم أو النوع .
فلذلك : " خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ "
تعريف الحق : " وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً "
ما هو اللعب ؟ هو العبث ، عمل بلا هدف ، كاثنين جلسا ليلعبا النرد إلى الساعة الثالثة ليلا ، ماذا ينتج عن هذا ؟ عمل بلا هدف ، تضييع للوقت ، بتعبير آخر قتل للوقت ، أما لو قرأت كتابا ، لو التحقت بجامعة ، وقرأت الكتاب المقرر ، وفيه امتحان ، ونجحت أخذت شهادة ، الشهادة فيها تعيين ، والتعيين فيه دخل ، الدخل معه زواج ، الزواج معه بيت ، وعمل ، أي أثر مستقبلي ، هذا الباطل تضييع للوقت .
بالمناسبة أيها الإخوة ، الإنسان وقت ، الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، وما من يوم ينشق فجره ، إلا وينادي : يا ابن آدم ! أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة .
إذاً : الحق نقيض الباطل ، والباطل الشيء الزائل ، الحق إذاً الشيء الثابت والباقي والدائم .
الحق نقيض اللعب ، واللعب هو العبث ، والعبث عمل بلا أثر مستقبلي .
من صفات اللعب : لما يشتري الأب سيارة صغيرة لابنه ، ويمضي وقتاً طويلاً في تحريكها فوق أثاث البيت ، يرافق هذا التحريك صوت منه يدل على صعوبة الطريق ، هذه السيارة الصغيرة تملأ عالمه كله ، فلو أخذتها منه يكاد يموت من البكاء ، حينما يصبح طبيباً ، ويُذكر بأعماله ألا يضحك على نفسه ؟
من صفات اللعب أنك إذا تجاوزته رأيته صغيراً ، هذا لعب ، وقت ضائع ، عمل لا طائل منه ، عمل لا هدف له ، عمل لا جدوى منه .
فلذلك ورد في بعض الأحاديث :
هناك إنسان في الأفق الأعلى ، وإنسان في الأفق الأدنى ، إنسان تشغله معالي الأمور ، وإنسان يعيش في سفسافها ودنيها ، فلذلك الحق هو الشيء الثابت والهادف ، ليس باطلاً فهو ثابت ، وليس عبثاً فهو هادف .
الإنسان أين بطولته ؟ أين ذكاءه ؟ أين عقله ؟ في أن يربط نفسه مع الحق ، فإذا ربط نفسه مع الحق فله مستقبل في الدنيا والآخرة ، أما إذا ربط نفسه مع الباطل ، ما دام هذا الباطل قائماً ينعم به ، فإذا أزيح الباطل انتهى معه ، فكل الذكاء ، وكل البطولة ، وكل النجاح ، وكل الفلاح ، وكل التوفيق ، أن تربط نفسك مع الحق الأزلي الأبدي ، الثابت الباقي في الدنيا والآخرة .
هؤلاء الذين وقفوا مع النبي الكريم في محنته ، في أقسى أيام الدعوة ، أين هم الآن ؟ في أعلى عليين ، أسماءهم في لوحة الشرف ، وهؤلاء الذين انضموا للباطل القوي الغني ، قريش بقدرتها ، وغناها ، وأسلحتها ، وحقدها ، وفتكها ، أين هم الآن ؟ في مزبلة التاريخ .
أيها الإخوة ، هذا كلام دقيق ، الله عز وجل واحد أحد ، فرد صمد ، الحقيقة الإلهية حقيقة أحدية ، وأيّ تصور ، وأيّ فكر ، وأيّ طرح يؤكد وجود الله ووحدانيته وكماله فهو الحق ، وأي سلوك يقرب إليه فهو الحق ، وأي إغفال لهذه الحقيقة الأحدية فهو الباطل ، وأي سلوك يبعد عنها فهو الباطل ، من هنا كانت البطولة أن تكون مع الحق ، وأن تكون مع الشيء الثابت .
يروى أن أحد خصوم أبي حنيفة النعمان التقى به عند جعفر المنصور ، أراد هذا الخصم أن يوقع أبا حنيفة في حرج كبير ، قال له : إذا أمرني الخليفة ـ هو في حضرة الخليفة ـ أن أقتل إنساناً ، أأقتله أم أتريث ؟ فلعله مظلوم ؟ فسأله : هل الخليفة على الحق أم على الباطل ؟ قال له : على الحق ، قال له : كن مع الحق ، سؤال محرج جداً في حضرة الخليفة ، وكان شديداً قاسياً جداً ، فسأله أبي حنيفة : الخليفة على الحق أم على الباطل ؟ لا يتجرأ أن يقول : على الباطل ، قال له : على الحق ، قال له : كن مع الحق ، فلما خرج قال : أراد أن يقيدني فربطته .
إخواننا الكرام ، مرة ثانية النجاح كل النجاح ، الفلاح كل الفلاح ، الفوز كل الفوز التفوق كل التفوق ، البطولة كل البطولة ، أن تكون مع الحق ، مع الثابت ، أن تكون مع الله ، سبحانك إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت .
كل متاع الدنيا إلى مللٍ وفناء :
عندنا حقيقة دقيقة جداً في هذا الدرس ، لأنك مخلوق لمعرفة الله ، لأنك مخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض ، أنت في أصل التصميم لا نهائي ، فلا شيء يملؤك إلا الله ، وقد تختار وظيفة ، بعد أن تصل إليها تمل منها ، تختار المال بعد أن تحوزه تمل منه ، قد تختار المرأة ، الشيء الأول الذي يمتعك بعد حين تمله ، كل شيء ما سوى الله يمل ، وكل شيء ما سوى الله يخبو لمعانه ، وكل شيء ما سوى الله لا يمكن أن يمدك بسعادة مستمرة ، بل متناقصة ، هكذا شاءت حكمة الله .
هؤلاء الذين بلغوا كل أهدافهم المادية ، يعيشون بحالة ملل ، وسقم ، لأن نفسه مصممة بأن تعرف الله .
بشكل أو بآخر حينما تختار هدفاً أرضياً ، وأنت مصمم لمعرفة الله ، هذا الهدف ما دام بعيداً عنك لعلك تحلم به ، فإذا وصلت إليه انتهى ، هذه مشكلة الناجحين في الحياة .
لذلك هناك جسر بين قارتين ، يعد ثاني جسر في العالم ، في أثناء افتتاحه افتتحه رئيس الجمهورية ، وإلى جانبه المهندس من بلد يعد أحد خمسة مهندسين في العالم ، بعد أن قص الشريط الحريري ألقى بنفسه في البحر ، فنزل ميت ، فذهبوا إلى غرفته في الفندق فرأوا ورقة كتب عليها : ذقتُ كل شيء في الحياة ، فلم أجد لها طعماً ، فأردت أن أذوق طعم الموت .
ليس ثمة أصعب من إنسان يعيش بلا هدف ، إن ربطت نفسك مع الحق فأنت مع الله ، أنت مع الباقي ، الأزلي ، الأبدي ، الذي كل شيء بيده ، وإن لم تصل لهذه الحقيقة فقد تستمتع بالمال أحياناً ، بالمرأة أحياناً ، بقصر ، ببيت ، بمركز ، بمنصب ، هذه الأشياء بعد أن تصل إليها تفقد لمعانها ، ويخبو بريقها ، وتشعر أنها أصغر بكثير بما كنت تتوقع .
خاتمة :
إذاً : معنى أن الله ( الأَحَد ) يعني حقيقة أحدية ، وأيّ شيء يؤكد وجوده وكماله ، ووحدانيته فهو الحق ، وأي سلوك يقرب إليه فهو الحق ، وأي تصور يغفل ذاته العلية فهو باطل ، وأي حركة تبعدك عنه فهي الباطل ، فلذلك كن مع الحق ، ولا تخشَ أحداً ، كن مع الحق فالمستقبل لك ، كن مع الحق فخطك البياني في صعود مستمر .