اسم الله الرفيق 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى ( الرفيق ) :
أسماء الله الحسنى لها تطبيقات عملية للمؤمن :
أيها الإخوة الكرام ، لازلنا في اسم ( الرفيق ) وهذا الاسم له تطبيقات عملية ، تخص الإنسان المؤمن ، بل إن كل اسم من أسماء الله الحسنى له تطبيقات عملية تخص المؤمن .
" يَا عَائِشَةُ ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ " [متفق عليه] .
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَا عَائِشَةُ ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ " [مسلم] .
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ " [مسلم] .
حظُّ المؤمن من اسم ( الرفيق ) :
ما حظ المؤمن من هذا الاسم ؟
1 – الرفق بالنفس في التكاليف والعبادات :
أولا : ينبغي أن يكون الإنسان رفيقاً بنفسه ، فقد يفعل من الأعمال ما لم يحتمل تبعتها ، نفسك مطيتك إلى الله فارفق بها ، وهناك أعمال تسبب بعدًا عن الله ، وأعمال تسبب غيابا بينك وبين الله ، فارفق بنفسك، ولا تحمّلها ما لا تطيق ، فهذا الذي يستقيم على أمر الله عز وجل ، هذا الذي يقف عند حدود الله ، هذا الذي يتقرب إلى الله يسعد نفسه بالقرب إلى الله ، أما إذا عمل أعمالاً لا ترضي الله فقد أقام باختياره وبفعل يده حجاباً بينه وبين الله ، فحمّل نفسه من آلام البعد وجفوة المعصية ما لا يطيق .
لذلك ورد في الأثر : " نفسك مطيتك فارفق بها "
فأول حظ من حظوظ المؤمن من هذا الاسم أن استقامته على أمر الله تجعل هذه الاستقامة الطريق إلى الله سالكاً ، إذًا : هو ينعم في جنة القرب ، وفي الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ، والدليل : " وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ " [محمد:6] .
قال بعض العلماء : " مساكين أهل الدنيا ، جاؤوا إلى الدنيا ، وخرجوا منها ، ولم يذوقوا أطيب ما فيها ، إن أطيب ما في الدنيا القرب إلى الله عز وجل " هذه اسمها جنة القرب .
يقول بعض العلماء : " ماذا يفعل أعدائي بي ؟ بستاني في صدري ، إن أبعدوني فإبعادي سياحة ، وإن حبسوني فحبسي خلوة ، وإن قتلوني فقتلي شهادة ، فماذا يفعل أعدائي بي ؟ " .
أيها الإخوة ، الإنسان يسعد لقربه من الله ، فإذا فعل بعض المعاصي والآثام ، أو إذا قصر في بعض الحقوق كان الحجاب بينه وبين الله ، فحمّل نفسه مالا تطيق ، لذلك نفسك مطيتك فارفق بها ، هذه من ناحية ، من ناحية ثانية لو أن الإنسان حمل نفسه ، من العبادات ما لا يطيق ينطبق عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام : " إن هذا الدين متين ، فأوغل فيه برفق فإن المنبت ، لا أرضا قطع ، ولا ظهرا أبقى " [البزار عن جابر بسند فيه ضعف، كما في الجامع الصغير] .
لذلك افعل من الأعمال ما تطيق : فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ ، قَالَ : " مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَتْ : فُلَانَةُ ، تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا ، قَالَ : مَهْ ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ ، فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا ، وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَادَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ " [متفق عليه] .
وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " سَدِّدُوا ، وَقَارِبُوا ، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ " [متفق عليه] .
افعل من العبادات ما تستطيع أن تستمر عليها ، أما هذا الذي يفور ، ثم يضعف ، خطه البياني صاعد صعودا حادا ، ثم يهبط هبوطاً مريعاً ، فليست هذه حكمة من عند المؤمن .
" فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا "
افعلوا ما تطيقون .
" وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ "
فالإنسان له مجلس علم يحافظ عليه ، له أوراد يحافظ عليها ، له تلاوة قرآن يومية يحافظ عليها ، الاستمرار ينشأ عنه حالة اسمها التراكم ، تراكم العبادات ، تراكم الأذكار ، تركم التلاوات ، هذه تفعل فعلاً عجيباً ، تعمل قرباً من الله عز وجل .
لذلك أول بنود الرفق : ارفق بنفسك ، لا تحمّلها من المعاصي والآثام ما لا تطيق ، لا تجعلها في جفوة عن الله عز وجل ، ولا تحمّلها من العبادات ما لا تطيق ، عندها تكون هناك نكسة ، البطولة أن تكون العبادات مستمرة .
" وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ "
الغلو إما بالتفريط أو بالإفراط ، إذًا نفسك مطيتك ، فارفق بها ، هذا أول بند من تطبيقات اسم ( الرفيق ) .
الرفق في الإنفاق من تمام الرفق بالنفس :
حتى في الإنفاق ، قال تعالى : " وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ " [البقرة:195] .
من أدق تفسيرات الآية ، أنفق في سبيل الله ، لأنك إن لم تنفق تلق بنفسك في التهلكة ، وقال بعض المفسرين : أنفق في سبيل الله ، فإنك إن أنفقت مالك كله تلقِ نفسك في التهلكة ، لذلك سيدنا رسول الله ما قبِل من صحابي ماله كله ، إلا الصديق فقط ، كان يرفض أن يأخذ مال الصحابي كله .
" وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ " [البقرة:195] .
تهلك إن لم تنفق ، وتهلك إن أنفقت مالك كله ، في ساعة فورة إيمان تنفق مالك كله ، فإذا أصبحت فقيراً ربما انتكست ، لذلك نفسك مطيتك فارفق بها ، هذا المعنى الأول .
2 – الرفق بالنساء :
أقرب الناس إليك زوجتك ، فلذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " أكرموا النساء ، فو الله ما أكرمهن إلا كريم ، وما أهانهن إلا لئيم " [ورد في الأثر] .
هذه رفيقة العمر ، هذه شريكة العمر ، ينبغي أن ترفق بها ، هي أقرب الناس إليك ، وهي أولى الناس بحسن معاملتك ، وما مِن إنسان كامل ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ " [متفق عليه] .
هذا رفق بالإنسان ، الإنسان بحكمة يسعد بزوجة من الدرجة الخامسة ، ومن دون حكمة ، وعن طريق العنف يشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، لذلك أكبر عطاء إلهي الحكمة ، قال تعالى : " وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا " [البقرة:269] .
" أكرموا النساء، فو الله ما أكرمهن إلا كريم ، وما أهانهن إلا لئيم " [ورد في الأثر] .
" اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ "
النبي الكريم يوصيك بالمرأة .
ومن أدق ما قرأت في قوله تعالى : " وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " [النساء:19] .
قال بعض المفسرين: " ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها بل أن تحتمل الأذى منها " .
هذا رفق بالإنسان ، والبيت فيه لطف ، فيه إلقاء سلام ، فيه ابتسامة : " كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً " [ابن عساكر عن عائشة بسند ضعيف] .
كان يقول عن النساء : " لا تكرهوا البنات ، فإنهن المؤنسات الغاليات " [الحاكم والطبراني عن عقبة بن عامر بسند ضعيف] .
والحب تصنعه أنت بيدك ، بابتسامه ، بإلقاء سلام ، بالتسامح ، أحياناً بالمعاونة .
عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ : مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ ؟ قَالَتْ : " كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ " [البخاري] .
كان يكنس داره ، ويرفو ثوبه ، ويحلب شاته ، وكان في مهنة أهله ، فمعاونة الزوج برفق شيء رائع جداً ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخيرية في البيت ، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي " [الترمذي] .
يمكن لأخلاق الإنسان خارج البيت أن يكون أن تنضوي تحت مصلحته ، بالتعبير المستعمل الآن ( بيزنس ) لطفه وأناقته ، وسلامه وابتسامته جزء من عمله ، حتى ينتزع إعجاب الناس ، ويحقق مصالحه ، لكن في البيت لا رقابة عليه ، لذلك بطولة المؤمن أن يكون في البيت رفيقا بأهله ، محتملا لبعض الأخطاء ، وما مِن شيء يعكر الصفاء بينه وبين زوجته، يتسامح معها، وتتسامح معه، قال تعالى : " وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ " [الطلاق:6] .
بالمناسبة ، قال تعالى : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180] .
من معاني هذه الآية : أنك تتقرب إلى الله بالتخلق بكماله ، الله عز وجل رفيق يحب كل رفيق ، فمن التخلق بكمال الله أن تكون رفيقاً ، فإن كنت رفيقاً كان الرفق وسيلة إلى الدخول على الله عز وجل ، تتقرب إلى الله بالتخلق بكماله ، فإذا كان الله رفيقاً بعباده فكن رفيقاً بمن حولك ، وأقرب الناس إليك زوجتك .
السيدة عائشة مرة حدثت النبي صلى الله عليه وسلم فترة طويلة عن أبي زرع وأم زرع ، وحدثته عن شجاعته وكرمه ، وأنه كان زوجًا نموذجيا ، لكنها تأسفت أشد الأسف حينما أعلمته في النهاية أنه طلقها ، فكان عليه الصلاة والسلام رفيقا بها ، فقال لها : أنا لك كأبي زرع لأم زرع ، غير أني لا أطلقك .
هذه الزوجة مَن لها غيرك ؟ أحيانا لا يحلو للزوج إلا أن يمازح زوجته بشأن الزوجة الثانية والطلاق ، هذا ليس من مزاحاً ، بل يقيم هوة بينه وبينها ، ويجرحها ، أوقد يكسرها بهذا المزاح ، لذلك ترفّق بهذه المرأة التي جعلها الله هدية لك .
إذًا : أكرموا النساء فو الله ما أكرمهن إلا كريم ، ولا أهانهن إلا لئيم ، إنهن مؤنسات غاليات .
كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً ، وكان في مهنة أهله ، وهذا نوع من الرفق ، وكمال الإنسان يتبدى أوضح ما يتبدى في بيته ، وينبغي أن تكون بيوتات المسلمين جنة بالود ، ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان ، فلو جئت بطعام نفيس ، لو أسكنتهم بيتاً فخماً ، هم يريدون مودتك ، يريدون ابتسامة ، يريدون الحب ، والمرأة بالذات الحب يغلب عليها ، أطعمها طعاماً خشناً ، وكن لطيفاً معها أفضل ألف مرة من أن تطعمها طعاماً نفيسا ثم تقسو عليها ، والحب بيدك ، وهناك مقولات يقولها العوام ، بعد فترة يألف كل منهما صاحبه ، وينعدم الحب بينهما ، هذا كلام بخلاف ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام ، قال عليه الصلاة والسلام : " الحمد لله الذي رزقني حب عائشة " [ورد في الأثر] .
ومن سعادة المرء أن يحب زوجته ، لأنها حليلته ، ولأنها أم أولاده ، والأمر بيدك ، الله عز وجل ما كلفنا ما نطيق ، قال تعالى : " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا " [البقرة:286] .
ينبغي أن تكون رفيقا بنفسك ورفيقا بزوجتك .
3 – الرفق بالأولاد :
وينبغي أن تكون رفيقاً بأولادك ، الحديث الرائع : " علموا ، ولا تعنفوا ، فإن المعلم خير من المعنف " [الجامع الصغير عن أبي هريرة بسند ضعيف] .
علم ولا تعنف ، استخدم المكافآت بدل العقوبات ، لا تقل : لو أن رحلا لم يصلِّ الصبح سوف أضربه ، هناك كلام آخر ، من صلى معي الفجر سوف أكافئه بمبلغ من المال أو بهدية ، أسلوب المكافآت رائع جداً ، اجعل العلاقة بينك وبين أولادك علاقة طيبة ، أنا لا أشك أن كل أب يحب أولاده ، لكن يقسوا عليهم اجتهادهاً ، وهذا خطأ كبير ، حتى إنهم علمونا في الجامعة في علم النفس التربوي أن الأم التي ترضع ابنها ، إن أرضعته برقة ولطف فمن نتائج هذا الإرضاع بهذه الطريقة أخلاق رضية ، أما إذا أرضعته بعنف فربما كان هذا الإرضاع هو سبب في قسوته أحياناً .
شيء دقيق جداً ، فلذلك : " علموا ، ولا تعنفوا ، فإن المعلم خير من المعنف " .
4 – الرفق بالوالدين :
بقي الوالدان ، العطف في اللغة يفيد التجانس .
مثلا : لا تقل : اشتريت مئة دنم من الأرض وملعقة ، لا تناسب إطلاقاً ، اشتريت أرضا وبيتاً ، أو مركبة وبيتاً ، ملعقة وشوكة ، هل تصدق أن الله سبحانه وتعالى رفع بر الوالدين إلى مستوى عبادته ، قال تعالى : " وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً " [الإسراء:23] .
لأنه عطف الإحسان بالوالدين على عبادة رب العالمين ، فرفع البر إلى أعلى مستوى .
" وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً " [الإسراء:23] .
لذلك لو أن في اللغة كلمة أقلّ من كلمة أف لقالها الله عز وجل ، وإرضاء الأب والأم أحياناً في غير معصية ، الأوراق تختلف ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، والدليل : " وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا " [لقمان:15] .
إذًا : لابد من الترفق في معاملة الوالدين ، حتى لو عصيتهما في معصية لله ينبغي أن تترفق في عدم تلبية رغبتهما لا بعنف ولا بقسوة .
أيها الإخوة ، الأب والأم كانا سبب وجودك في الحياة ، والله عز وجل خلق الإنسان : " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا " [الإنسان:1] .
لكن هذا الإنسان كان عن طريق هذين الوالدين ، فلابد من بر الوالدين ، والترفق بهما ، لذلك : " إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا " [الإسراء:23] .
الإنسان مثلا يقول : أنا عندي أربعة أولاد ، لما يتقدم في السن أين هو ساكن ؟ عنده ابنه ، كان أولاده عنده ، فأصبح عندهم ، والأب الذي سنه معتدلة بره سهل جداً ، وأحيانا يتقدم الإنسان في السن ، وبعد سن معينة يكون فيه تكلس في العقل ، وأحياناً القصة الواحدة تعاد مئة مرة ، وأحياناً هناك أشياء لا علاقة له بها بر الوالدين في سن متأخرة ، وهما عندك في البيت هذا شيء يحتاج إلى جهد كبير ، لكن هذا العمل البطولي : " إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا " [الإسراء:23] .
أيها الإخوة ، صدقوا أن الذي يموت والداه وهما راضيان عنه يشعر بسعادة طول حياته ، لأنه أدى واجبه بالكمال والتمام ، لذلك يجب الرفق مع النفس ، ومع الزوجة ، و مع الأولاد ، والمؤمن رفيق ، لأن الله رفيق ، ولأن هذا الكمال اشتقه من الله عز وجل ، وبه يتقرب إلى الله ، وقد كاد الحليم أن يكون نبياً ، والحلم سيد الأخلاق .
5 – الرفق بالناس جميعا :
أنت موظف تحت يدك عشرة موظفين ، هؤلاء أتباعك ، وأنت موكل بهم ، تحاسبهم في تفوقهم ، وفي تقصيرهم ، لذلك الحديث الذي ينخلع القلب له يقول عليه الصلاة والسلام : " اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا ـ مدير مدرسة ، مدير جامعة ، مدير مؤسسة ، مدير أي مكان ـ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ " [مسلم عن عائشة] .
تحت يدك عشرة أشخاص " اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ " أحيانا يحمّل المدير العام الموظفين شيئًا لا يطاق ، يطالبهم بأشياء فوق طاقاتهم ، ويمنع عنهم الإضافات ، ويحمّلهم مالا يطيقون .
بالمناسبة أيها الإخوة الكرام ، ورد في الأثر : " إذا أردت رحمتي فارحموا عبادي "
في الامتحانات يكون مستوى السؤال في طاقة الناس جميعاً ، تجد البيوت فيها مآسٍ ، لأن المدرِّس أحيانا يرى بطولته في وضع أسئلة تعجيزية ، هذا خطأ كبير ، أو سؤال غير مدروس ، فهو غير رفيقٍ بطلابه .
أحياناً مدير عام يكلف الموظفين بعمل فوق طاقتهم فلذلك : " اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ " [مسلم] .
أيّ مدير عام ، أيّ منصب قيادي ، ارحم هؤلاء الذين هم دونك ، كن واقعياً ، تلطف بهم .
مرة كنت في دائرة ، المدير العام قال لموظف : كيف صحتك يا بني ؟ مرتاح ؟ هل يلزمك شيء ، يا الله يمضى شهر لا ينسى المستخدم هذه الكلمات ، هذا إنسان مثلك ، فكلما تواضع الإنسان مع من حوله قدر صعوبات الحياة ، وقدر المتاعب التي يعانيها الموظف .
أحيانا يعرف المدير العام أن المعاش قليل ، ولا يكفي ، ويكلفه فوق طاقته ، وبكلام قاسٍ ، بحكم السلطة التي يملكها .
" اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ " [مسلم] .
صور من رفق سيدنا عمر بالرعية :
سيدنا عمر سأل واليا أراد أن يمتحنه ، قال له : " ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ حسب الحكم الشرعي ، قال : أقطع يده ، قال له عمر : إذًا مَن جاءني مِن رعيتك مَن هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفني عن خلقه لنسد جوعتهم ، ونستر عورتهم ، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية " .
كان سيدنا عمر كلما قدم إليه والٍ من الولاة يسأله : كيف الأسعار عندكم ؟ من شدة رحمته برعيته ، وكان العلماء يسألون أتباعهم إن جاؤوا من سفر : كيف الأمطار عندكم ؟ هذه رحمة .
سيدنا عمر لما تولى الخلافة كان شديداً ، فخاف الناس من شدته ، فقال : " أيها الناس ، كنت خادم رسول الله وسيفه المسلول ، وجلواده ، وتوفي وهو عني راض ، الحمد لله على هذا كثيرا ، وأنا به أسعد ، ثم كنت خادم أبي بكر ، وسيفه المسلول ، وجلواده، وتوفي وهو عني راض ، وأنا أحمد الله على هذا كثيراً ، وبهذا أسعد، ثم آلت الأمور إلي ، فاعلموا أيها الناس ، أن تلك الشدة قد أضعفت ، وإنما تكون على المعصية والفجور ، أما أهل التقوى والعفاف فأنا ألْينُ لهم من أنفسهم ، وسأضع رأسي على الأرض ليطؤوه بأقدامهم ، لكم علي أيها الناس خمس خصال ، خذوني بهن ، لكم علي ألا آخذ من أموالكم شيئاً إلا بحقه ، ولا أنفقه إلا بحقه ، ولكم على ألا أجمركم في البعوث ، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا ، ولكم علي أن أزيد عطاياكم إن شاء الله تعالى " هكذا كان .
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ " [مسلم] .
مختارات
-
" اسكت إنما أهلك فرعون هامان "
-
قراءة الرسائل الربانية
-
المقصِد الأسمى للإنسان في الحيــــــاة ..
-
" معالم على طريق التوفيق : الرابع والعشرون : أترك أثرا قبل الرحيل "
-
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
-
أتخيّل!
-
" عقبة الإرجاء "
-
" لقد فتح لك الباب "
-
هل هناك أدعية وأذكار خاصة بصلاة المغرب ؟
-
حبُّ الصحابة له صلى الله عليه وسلّم