" يجعل الله للمتقين من كل ضيق فرجا "
" يجعل الله للمتقين من كل ضيق فرجا "
أخبرنا ربنا تبارك وتعالى أنه من يتقيه فإنه يجعل له من كل ضيق مخرجاً " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا " [الطلاق: 2] ويجعل له من أمره يسراً " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا " [الطلاق: 4].
وقد عرَّفنا ربنا عز وجل بما تحقق للمؤمنين بتقاهم، ففي معركة بدر نصر الله المتقين وهم أذلة " وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " [آل عمران: 123].
وأخبرنا ربنا كيف أنزل عليهم ملائكته، فقال: " إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِّنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ " [آل عمران: 124- 127].
وأخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم قصة ثلاثة ممن قبلنا، كانوا في سفر، فأمطرتهم السماء، فأووا إلى غار، فجرف السيل صخرةً، فانطبقت على فم الغار، فأصبحوا كالمقبورين وهم أحياء، وعلموا أنه لا منجى من الله إلا إليه، فتقربوا بأفضل ما عملوه لله، فانفرجت الصخرة، وخرجوا يمشون، فقد جعل الله لهم من ضيقهم فرجاً، ومن بلائهم يسراً.
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خرج ثلاثة نفر يمشون، فأصابهم المطر، فدخلوا في غرا في جبل، فانحطّت عليهم صخرة، قال: فقال بعضهم لبعض: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه، فقال أحدهم: اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت أخرج فأرعى، ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلالب، فآتي به أبويّ فيشربان، ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي، فاحتبست ليلة، فجئت فإذا هما نائمان، قال: فكرهت أن أوقظهما، والصبية يتضاغون عند رجليّ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما، حتى طلع الفجر، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فأفرج عنا فرجة نرى منها السماء، قال: ففرج عنهم.
وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأةً من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء، فقالت: لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مائة دينار، فسعيت فيها حتى جمعتها، فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقه، فقمت تركتها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة، قال ففرج عنهم الثلثين.
وقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيراً بفرق من ذرة فأعطيته، وأبى ذاك أن يأخذ، فعمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، حتى شريت منه بقراً وراعيها، ثم جاء فقال: يا عبد الله أعطني حقي، فقلت: انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك، فقال: أتستهزئ بي؟ قال: فقلت: ما استهزئ بك، ولكنها لك، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنها، فكشف عنهم» [صحيح البخارى].
وذكر ابن كثير في تفسيره قصة طريفة، نقلها عن الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجل – حكى عنه أبو بكر محمد بن داود الدينوري، المعروف بالدُّقي الصوفي، قال هذا الرجل: كنت أكاري على بغل لي من دمشق إلى بلد الزَّبداني، فركب معي ذات مرة رجل، فمررنا على بعض الطريق، على طريق غير مسلوكة، فقال لي خذ في هذه، فإنها أقرب، فقلت: لا خبرة لي فيها، فقال: بل هي أقرب، سلكناها، فانتهينا إلى مكان وعر ووادٍ عميق، وفيه قتلى كثير، فقال لي: أمسك رأس البغل حتى أنزل، فنزل وتشمَّر، وجمع عليه ثيابه، وسلَّ سكيناً معه وقصدني، ففرت من بين يديه وتبعني، فناشدته الله، وقلت: خذ البغل بما عليه، فقال: هو لي، وإنما أريد قتلك، فخوَّفته الله والعقوبة، فلم يقبل، فاستسلمت بين يديه، وقلت: إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين؟ فقال: عجِّل، فقمت أصلي، فأرتج عليّ القرآن، لم يحضرني منه حرف واحد، فبقيت واقفاً متحيراً وهو يقول: هيه، افرغ، فأجرى الله على لساني قوله تعالى: " أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ " [النمل: 62] فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي، وبيده حربةٌ، فرمى بها الرجل، فما أخطأت فؤاده، فخَّر صريعاً، فتعلّقت بالفارس، وقلت: بالله من أنت؟ فقال: أنا رسول الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، قال: فأخذت البلغل والحمل ورجعت سالماً.
وذكر ابن عساكر في ترجمة " فاطمة بنت ا لحسن أم أحمد العجلية " قالت: " هزم الكفار يوماً المسلمين في غزاة، فوقف جواد جيِّدٌ بصاحبه، وكان من ذوي اليسار ومن الصلحاء، فقال للجواد: ما لك؟ ويلك ! إنما كنت أعدُّك لمثل هذا اليوم، فقال له الجواد: وما لي لا أقصِّر، وأنت تكل علوفتي إلى السُّواس فيظلمونني ولا يطعمونني إلا القليل؟ فقال: لك عليّ عهد الله أني لا أعلفك بعد هذا اليوم إلا في حجري، فجرى الجواد عند ذلك ونجّى صاحبه، وكان لا يعلفه بعد ذلك إلا في حجره، واشتهر أمره بين الناس، وجعلوا يقصدوه ليسمعوا منه ذلك، وبلغ ملك الروم أمره، فقال: ما تضام بلدة يكون هذا الرجل فيها، واحتال ليحصِّله في بلده، فبعث إليه رجلاً من المرتدين عنده، فلما انتهى إليه أظهر له أنه قد حسنت نيّته في الإسلام وقومه، حتى استوثق، ثم خرجا يوماً يمشيان على جنب الساحل، وقد واعد شخصاً آخر من جهة ملك الروم ليتساعدا على أسره، فلما اكتفاه ليأخذاه رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم،إنه إنما خدعني بك، فاكفنيهما بما شئت، قال: فخرج سبعان إليهما فأخذاهما، ورجع الرجل سالماً " [تفسير ابن كثير].
مختارات