" هل الرياء يدخل على الصالحين ؟ "
" هل الرياء يدخل على الصالحين؟ "
مداخل الشيطان على العبد عديدة ويلبس كل صنف لبوسهم فيؤُزُّ التجار إلى أكل الربا، ويزين للنساء أمور الزينة المحرمة، ويدخل على الصالحين من باب الرياء، قال الطيبي عن الرياء: " وهو من أضر غوائل النفس وبواطن مكائدها، يبتلى به العلماء والعباد والمشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة " وهو من أخفى الأبواب وأضرها على العبد، قال في تيسير العزيز الحميد (تيسير العزيز الحميد): " الرياء أخوف على الصالحين من فتنة الدجال " اهـ. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يخافه على أصحابه ويقول لهم: « ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى، قال الشرك الخفي، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته، لما يرى من نظر الرجل » (رواه أحمد) والصالح إذا كان يرائي بعمله يعذب في الآخرة قبل غيره، يقول عليه الصلاة والسلام: « أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يُقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمَّه وقرأ القرآن فأتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار » (رواه مسلم).
فتأمل هذا الحديث فإن أول الناس يقضى فيهم يوم القيامة المجاهد والمتعلم والمتصدق إذا فسدت نياتهم، ويسحبون على وجوههم في النار مع أن العمل الذي عملوه من أجل الأعمال عند الله ولكن جنوح النية عن الإخلاص أرداهم في الهاوية.
* ليس هذا من الرياء:
من عمل عملاً صالحاً خالصاً لوجه الله، ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين وهو لم يترقب ذلك ففرح بفضل الله واستبشر بذلك، فإن هذا لا يضره وليس هذا من الرياء، يقول أبو ذر رضى الله عنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يعمل العمل من الخير يحمده الناس عليه فقال: « تلك عاجل بشرى المؤمن » [رواه مسلم] أما من عمل عملاً صالحاً وزيَّنه من أجل أن يمدحه الناس عليه فهذا هو الرياء.
* عقاب المرائي:
ضاعت آمال المرائي وخاب سعيه وعُومل بنقيض قصده وعوقب بعقوبتين: عقوبة في الدنيا وعقاب في الآخرة.
* عقوبته في الدنيا:
في الدنيا يفضح الله المرائي ويهتك ستره ويظهر خباياه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من يسمع يسمع الله به ومن يرائي يراء الله به » [رواه مسلم] قال الخطابي: معناه من عمل عملاً على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه، جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه، حتى وإن أخفى المرائي كوامن النفس وخفايا الصدور فإن الله يعلنها، يقول عليه الصلاة والسلام: « المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور » (رواه البخاري).
* عقابه في الآخرة:
المرائي في الآخرة متوعد بنار جهنم قال جل وعلا: " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " [هود: 15 و 16].
ويقول عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: « أول الناس يقضى يوم القيامة عليه... وذكر منهم: الشهيد، وقارئ القرآن، والمتصدق ـ الذين كانت أعمالهم لغير الله ـ فيقال له كذبت ولكنك فعلت ليقال كذا فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار » فالمرائي في الدنيا مفضوح وفي الآخرة معذب.
مختارات