" المسألة الأولى : ما الميزان ؟ "
" المسألة الأولى: ما الميزان؟ "
الميزان في معتقد أهل السنة والجماعة هو ميزان حقيقي وليس مجازيًا، ستوزن به حسنات وسيئات العباد يوم القيامة، قال الله تعالى: " وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ " [الأنبياء:47] وقال عز وجل: " فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ " [المؤمنون:102-103].
وهو من أمور الغيب الواجب الإيمان بها؛ وذلك لما رواه عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالجنة والنار والميزان، وتؤمن بالغيب بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره» (رواه البيهقي في شعبه، وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع).
وللميزان كفتان عظيمتان توضع في إحداهما الحسنات وفي الأخرى السيئات، وذلك لما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله سيخلص – أي يميز ويختار – رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا- أي كتابًا - كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة؛ فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزن، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟! فقال: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة؛ فلا يثقل مع اسم الله تعالى شيء» (رواه الإمام أحمد – الفتح الرباني – والترمذي واللفظ له وابن ماجة والحاكم وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع).
ويبلغ حجم هذا الميزان ما لا يدركه عقل، إذ لو وضعت السموات والأرض في كفة الميزان لوسعت، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن نبي الله نوحا صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك الوصية، آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين،آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع، والأرضين السبع، لو وضعت في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة؛ قصمتهن لا إله إلا الله، وسبحان الله وبحمده؛ فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشرك والكبر» (رواه الإمام أحمد واللفظ له – الفتح الرباني – والنسائي في السنن الكبرى والحاكم والبزار، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).
وعن سلمان الفارسي رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يوضع الميزان يوم القيامة، فلو وزن فيه السموات والأرض لوسعت... الحديث» (رواه الحاكم وابن أبي شيبة وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب).
أما دقة هذا الميزان فهو إلى جانب ضخامته قادر على عدم تفويت مثاقيل الذر من الخير أو الشر، قال الله تعالى: " وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ " [الأنبياء:47].
وقد روت عائشة رضى الله عنها أن رجلا قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا منهم؟ قال: «يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم بقد ذنوبهم؛ كان كفافًا لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم؛ كان فضلاً لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل»، قال: فتنحى الرجل فجعل يبكي ويهتف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما تقرأ كتاب الله " وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ " ؟ فقال الرجل: والله يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء شيئًا خيرًا من مفارقتهم، أشهدكم أنهم أحرار كلهم (رواه الإمام أحمد – الفتح الرباني – والترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي) فما أجمل محاسبة النفس قبل أن توزن الأعمال».
لذا سيستغرب الظالمون من كتبهم حينما توضع في أيديهم، فيروا أنها لم تفوت شيئًا مما عملوه، وكل ذلك سيكون في الميزان، قال الله عز وجل " وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " [الكهف:49].
ويمتاز هذا الميزان بأن لديه القدرة على التمييز بين الأجسام وما فيها من الإيمان؛ حتى إنه ليوضع فيه الرجل السمين فلا يزن شيئًا؛ وذلك لخلو قلبه من الإيمان، فعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرؤوا " فلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا " [الكهف:105]» (رواه الإمام البخاري ومسلم واللفظ له).
مختارات