" القاصمة "
" القاصمة "
لم يفرح بأحد من أبنائه مثل فرحه بالحبيب الرابع.. حمله بين يديه وأخذ يلاعبه.. بش في وجهه والفرحة بولادته تغمر قلبه..
ما أجمله.. لم أر مثله من قبل..!!
تنظر إليه زوجته..
هل أحببته لهذه الدرجة من أول وهلة..؟!!
إنه ولدي..
وانتقل به للبيت ليغمره بعطفه وحنانه.. وحظيَّ الطفل بمحبة والدته أيضا.. وملك قلبيّ والديه حتى لم يعودا يستطيعان الابتعاد عنه..
صحبهما في كل زيارة ورحلة.. نال من عطفهما ما لم ينله أبناؤهما الآخرون..
وكبر أولادها.. وكبرت المحبة والدلال في قلبيّ الوالدين للابن الأصغر.. كان ذلك يضايق إخوته.. وكان يثير في قلوبهم الغيرة أحيانا..
صار الوالد يفاخر بابنه هذا ويذكر محاسنه ومناقبه في كل مجلس.. كان عندما يتحدث عنه يبدو كأنه ليس له من الولد أحد سواه..
كان يفرح كثيرا أثناء وجود ابنه في المدرسة وعندما يحصل على نتيجة طيبة ودرجة عالية.. بينما يتعامل مع بقية أبنائه ببرود..
أصيب الابن الأصغر بالغرور.. لم يعد يهمه غيرة إخوته وانزعاجهم.. بل أصبح ينظر إلى نفسه نظرة أخرى.. إنه الولد الموهوب.. إنه يستحق التقدير والاحترام.. إنه الذكي بين إخوته.. من مثله؟!.. ومن يستطيع أن يجاريه في الدراسة منهم..؟!!
طغى الكبر على قلبه.. أخذ الغرور يتعاظم في صدره.. طلب من والده شراء سيارة له مع أنه لم يسبق له أن اشترى لأحد من إخوته الكبار أي سيارة..
حسنا يا ولدي.. سأشتري لك أجمل سيارة.. إنك تستحق ذلك.. وبهت الأولاد لسرعة استجابة والدهم له..
لماذا هذا التمييز يا أبي..؟!!
إنه يستحق ذلك.. من منكم حصل على نتيجة مثله؟! أم إنها الغيرة تأكل قلوبكم..
ولكننا لسنا فاشلين في حياتنا كما ترى.. ألا نستحق منكما بعض الاهتمام..؟!!
وماذا تريدون أكثر مما قدمت لكم.. علمتكم.. أنفقت عليكم طوال هذه السنين الماضية..
نريد محبة الأبوة وحنان الأمومة.. نريد اهتمام الوالد الكريم وعطف الأم الرحيمة..
بل يريد كل واحد منكم سيارة.. أليس كذلك؟!!
ويصاب الأبناء باليأس.. ويتركا أباهما وشأنه.. وينصرف كل واحد منهم للبحث عن عمل مناسب يسد من ورائه حاجته..
ويكبر الابن الأصغر.. وتكثر مطالبه.. وتتوالى نجاحاته في الدراسة.. ويتخرج من كلية الطب.. وتغمر البيت الفرحة.. ويشارك جميع الأبناء فرحة والديهم وأخيهم بتخرجه.. وتهيج مشاعر الفخر والمحبة في قلبيّ الأبوين..
أنت الآن أملنا يا بني..
حقق ما كنا نحلم به..
ويكبر الغرور أكثر فأكثر.. ينظر الأب لابنه بعين المحبة..
الآن بقي الزواج..لتكتمل فرحتنا بك يا ولدي..
هذا ما أنتظره.. أريد أجمل فتاة في البلدة..
.. ويبدأ الإعداد للحفل بهاتين المناسبتين.. وتتوافد الجموع لحضور الحفل الضخم.. ويستقبل الوالدان والإخوة الزائرين.. وتمتلئ قاعة الاحتفالات بالناس.. الكل يلتفت يمينا ويسارا يبحث عن العريس..
أين العريس.. أين الطبيب..
وينتظر الجميع حضوره.. ينظر الوالد في ساعته.. يظهر عليه الضجر..
ما باله تأخر..؟!
ينظر إلى أحد أبنائه..
اذهب يا بني وانظر ما الأمر؟!!
ويسرع ابنه لمعرفة الخبر.. يبحث عنه.. وينتظر الوالد.. يطول الانتظار.. يأتي ابنه أخيرا.. يأتي وحده.. يتغير لون وجه أبيه.. يتصبب عرقه..
ماذا بك؟.. ألم تعثر عليه..؟
يجثو الولد على ركبتيه.. تنهمر الدموع من عينيه..
أبي.. لقد مات أخي..!!
ويصاب الوالد بالوجوم.. يشعر كأن الأرض تميد به.. يصيبه الدوار.. يفاجأ بالقاصمة..
ضاعت كل أحلامه.. تحطمت كل آماله.. هلك ابنه بعد انزلاق سيارته في واد سحيق.. والتف الأبناء حول أبيهم يهونوا من ما أصابه..
لا تحزن يا أبي.. فكلنا أبناؤك..
مختارات