" أحس بدنو الأجل "
" أحس بدنو الأجل "
حزن أهل القرية على وفاة شيخهم الصالح.. شاع خبر وفاته ودخل كل بيت.. تداعى الناس زرافات نحو المسجد للصلاة عليه والمشاركة في دفنه.. سار الجميع في موكب مهيب حاملين نعش الشيخ على أكتافهم..
كان الكل يفكر بالمآل الأخير، ويتأمل بريق الدنيا الخادع الذي لابد أن يفضحه الموت.. جللهم الخشوع وهم يحيطون بالقبر ويتهيؤون لإنزال الميت.. أمسك عدد من الشباب بجثته المتلفعة بالبياض.. قدموه وقلوبهم وجلة تتفكر بمصيرها.. كل منهم تذكر أنه لابد يوما أن يصير إلى مثل هذا يرقد فيه.. وكل منهم استرجع ما يحفظ من القرآن والأحاديث النبوية في القبر، نعيمه وعذابه..
خيم السكون الموحش على المكان.. لم يكن يُسمع سوى صوت التراب ينهال على جثة الشيخ الموسد في قبره.. شارك كثيرون في ردم الحفرة بالتراب.. امتدت الأيدي لتأخذ من تراب قبر مجاور محفور بالقرب من قبر الشيخ.. قطع السكون صراخ رجل كان مع الحاضرين..
لا.. لا تأخذوا من هذا التراب.. دعوه..
وجم الجميع وانتابتهم الحيرة..
ما الذي دهاك..؟
نشدتكم الله.. دعوه لصاحبه.. لا تأخذوا منه شيئا فإنه ليس من حق صاحب هذا القبر..
ولكن الأمر ليس فيه حرمة..
لا يمكن أن أسمح لكم بهذا.. قلت دعوا التراب..
وأصر الرجل على موقفه.. وترك الناس التراب وأكملوا الدفن وانقلبوا راجعين إلى بيوتهم قد تملكتهم الدهشة مما بدر من الرجل..
واستيقظ الناس في اليوم التالي ليفاجؤوا بنبأ وفاة رجل آخر من القرية.. تساءل الناس..
من يكون هذا الميت يا ترى..؟!
وتنتشر أخبار وفاة الرجل الذي استمات في الدفاع عن تراب القبر المحفور بالأمس.. إنه هو الرجل نفسه الميت هذا اليوم.. يا سبحان الله..
ويصلي عليه أهل القرية.. وينطلقون في جنازته نحو المقبرة.. ويدفن بقرب الشيخ الذي دفن بالأمس.. في القبر نفسه الذي حمى ترابه ودافع عنه بحماس.. نعم.. دافع بالأمس عن تراب قبره وها هو اليوم يرقد فيه مطمئنا.. يا سبحان الله.. إنها العبر!!.
مختارات