" ثامنًا : حسن الخلق "
" ثامنًا: حسن الخلق "
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقًا» حسنُ الخُلق: الخُلُقُ والخَلْق عبارتان مستعملتان معًا، يقال: فلان حَسَنُ الخُلُقِ والخَلْق؛ أي حسَنُ الباطن والظاهر.
والإنسان: مركَّب من جسد مدركٍ بالبصر، ومن روحٍ ونفسٍ مدركةٍ بالبصيرة، ولكل واحد منهما هيئة وصورة: إما قبيحة، وإما جميلة.
فالخُلُقُ: عبارة عن هيئة في النفس راسخةٍ؛ عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسرٍ، من غير حاجةٍ إلى فكر ورويَّة، ولا يوصف الإنسان بخلق حسن ما حتى يثبت ذلك في نفسه ثبوت رسوخٍ، وتصدر منه الأفعال بسهولة من غير روية؛ أما من تكلف عملاً ما بجهدٍ ورويَّة فلا يقال: إن هذا خُلُقُه، ومثال ذلك: الذي يتكلف بذل المال لحاجةٍ عارضة، أو يسكت عند الغضب بجهد وروية؛ لا يقال: خلقه السخاء والحلم.
إن الخلقة الظاهرة لا يمكن تغييرها؛ بينما الأخلاق على العكس من ذلك؛ حيث تقبل التغيير؛ ولهذا أوجِد الدينُ، وكانت الدعوة إلى مكارم الأخلاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجدت الوصايا والمواعظ والتأديبات، وقد قال الله تعالى: " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " [الرعد: 11].
واكتساب أخلاقٍ حسنةٍ جديدة ممكن بالمجاهدة ورياضة النفس، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه؛ ليرشده إلى أحسن الأخلاق، ويوفقه للتخلق بها: «اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت» [أخرجه النسائي] وكان صلى الله عليه وسلم يوصي: «وخالق الناس بخُلُق حسن».
وجمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال: هو أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العلم، قليل الزلل، قليل الفضول، براً وصولاً، وقورًا صبورًا شكورًا، رضيًا حليمًا رفيقًا، عفيفًا شفيقًا، لا لعانًا ولا سبابًا، ولا نمامًا ولا مغتابًا، ولا عجولاً ولا حقودًا، ولا بخيلاً ولا حسودًا، بشاشًا هشاشًا، يحب في الله، ويبغض في الله، ويرضى في الله، ويغضب في الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من شيءٍ يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة» [أخرجه الترمذي].
وإنما أعطي صاحب الخلق الحسن هذا الفضل العظيم؛ لأن الصائم والمصلي في الليل يجاهدان أنفسهما في مخالفة حظهما؛ أما من يحسن خلقه مع الناس مع تباين طبائعهم وأخلاقهم فكأنه يجاهد نفوسًا كثيرة، فأدرك ما أدركه الصائم والقائم في الليل في الطاعة فاستويا في الدرجة؛ بل ربما زاد.
إن لحسن الخلق ثمراتٍ، وهي علامات تدل عليه؛ قيل: أن لا يخاصم من شدة معرفته بالله، وقيل: أن يكون من الناس قريبًا، وفيما بينهم غريبًا، وقيل: هو الرضا عن الله تعالى، وقيل: أدناه الاحتمال، وترك المكافأة، والرحمة للظالم، والاستغفار له، والشفقة عليه.
مختارات