" الله يجيرني منك "
" الله يجيرني منك "
يجب على الإنسان أن يوقن بأنه لا يبقى على حال واحدة إلا الله العظيم الذي يُغَيِّر ولا يتغير، والذي بيده ملكوت السموات والأرض لا تأخذه سنة ولا نوم، ومما يذكر أن محمد بن يزيد أمره عمر بن عبد العزيز – رحمه الله وأسكنه جنته- أن يخرج قومًا من السجن فقام بإخراجهم إلا واحدًا منهم اسمه يزيد بن أبي مسلم وكان كاتبًا للحَجَّاج على ظلمه ومعينًا له على بطشه، وما كان يرحم أحدًا ولا يرتدع أو ينزجر بحادثة تحدث بل يلهو مع اللاهين ويلعب مع اللاعبين، ولا يراقب رب العالمين.
فلما رأى يزيد بن أبي مسلم السجناء يخرجون إلا هو أضمر الحقد في قلبه على محمد بن يزيد ونذر الانتقام منه وتمنى أن يتمكن منه ليشفي غليله، فلما توفي عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – وتولى يزيد بن عبد الملك عزل بعض أمراء عمر، وكان ممن عزل محمد بن يزيد وهو على أفريقية، وولى مكانه يزيد بن أبي مسلم يقول محمد بن يزيد: فهربت منه واستخفيت في كل مكان ولكنه يلاحقني حتى علم بمكاني، فطلبني وأرسل الرسل إليَّ حتى ظفروا بي ووجدوني، فأحضروني مقيدًا له فلما دخلت عليه قال: لطالما سألت الله أن يمكنني منك، فقلت: وأنا والله لطالما سألت الله – عز وجل – أن يعيذني ويجيرني منك، قال: ما أعاذك ولا أجارك مني والله لأقتلنك ولو سابقني ملك الموت إلى قبض روحك لسبقته.
ثم دعا بالسيف والنطع فأتى بهما وأمر بي فأقمت في النطع وكتفت وشد رأسي وقام ورائي رجل بسيف مصلت يريد أن يضرب عنقي، وبينما هو كذلك إذا أقيمت الصلاة، فعلمت أن هذا فرج من الله؛ لأن الصلاة أمن للخائفين، وقوة للضعفاء والمساكين، وأن الله تعالى سيشغله عني وإلا فنار الغضب تغلي في قلبه، والحقد يتفجر من شرايينه، فلما سمع الإقامة قال: أمهلوه واتركوه حتى أصلي، وخرج إلى الصلاة ليصلي مع الناس، فلما خرج وأقيمت الصلاة صلى، ولما سجد سلط الله عليه من يقتله إذ أخذته السيوف من كل مكان وكنت أقول: اللهم أجرني منه، اللهم إني أعوذ بك من شره، وكان يستهزئ بي ويقول: لم يعذك مني ولم يجرك مني، وإني لك لبالمرصاد، وإنني على ثقة أن الله لن يضيعني وإن انتهى أجلي فلن أستأخر ساعة ولن أستقدم.
فلما ضربوه بالسيوف قتل وهو في صلاته ودخل عليَّ من حل كتافي وفك قيدي وأطلق وثاقي وخلى سبيلي، فانصرفت سالمًا وإن كان هذا الظالم يصلي إلا أن أذية الناس لا تجوز؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فكيف يصلي وهو يعذب عباد الله وينكل بهم بل ويسومهم سوء العذاب، ويكون ملك الموت قد سبق إلى هذا الظالم قبل أن يسبق إلى المظلوم والله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين (اتق دعوة المظلوم).
مختارات