حكم التكبير الجماعي قبل صلاة العيد
السؤال: قبل صلاة العيد الناس يعملون الذِّكر الجماعي، هل هذا بدعة أم مشروع في صلاة العيد؟ لو ذلك يعتبر بدعة ماذا يفعل، هل يخرج من المصلى إلى أن تبدأ الصلاة؟
الجواب:
الحمد لله
التكبير في العيد من السنن المشروعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي عبادة كسائر العبادات، يجب الاقتصار فيها على الوارد، ولا يجوز الإحداث في كيفيتها، وإنما يكتفى بما ورد في السنة والآثار.
وقد تأمل فقهاؤنا في التكبير الجماعي الواقع اليوم، فلم يجدوا ما يسنده من الأدلة، فأفتوا ببدعيته، ذلك أن كل إحداث في أصل العبادة أو في كيفيتها وصفتها يعد من البدعة المذمومة، ويشمله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) رواه مسلم (1718)
يقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
" التكبير الذي كان يعمل في المسجد الحرام يوم العيد، يجلس شخص أو أشخاص في سطح زمزم ويكبرون، وأناس يجاوبونهم في المسجد، فقام الشيخ عبد العزيز بن باز وأنكر عليهم هذه الكيفية وقال: إنها بدعة. ومقصود الشيخ أنها بدعة نسبية بهذا الشكل الخاص، ولا يقصد أن التكبير بدعة، فتذمر من ذلك بعض عوام أهل مكة، لأنهم قد ألفوا ذلك، وهذا هو الذي حدا.. على رفعه هذه البرقية، وسلوك هذه الكيفية في التكبير لا أعرف أنا وجهها، فالمدعي شرعية ذلك بهذا الشكل عليه إقامة الدليل والبرهان، مع أن هذه المسألة جزئية لا ينبغي أن تصل إلى ما وصلت إليه " انتهى.
" مجموع فتاوى العلامة محمد بن إبراهيم " (3 / 127، 128).
ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
" الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
فقد اطلعت على ما نشره فضيلة الأخ الشيخ: أحمد بن محمد جمال - وفقه الله لما فيه رضاه - في بعض الصحف المحلية من استغرابه لمنع التكبير الجماعي في المساجد قبل صلاة العيد لاعتباره بدعة يجب منعها، وقد حاول الشيخ أحمد في مقاله المذكور أن يدلل على أن التكبير الجماعي ليس بدعة وأنه لا يجوز منعه، وأيد رأيه بعض الكتاب ; ولخشية أن يلتبس الأمر في ذلك على من لا يعرف الحقيقة نحب أن نوضح أن الأصل في التكبير في ليلة العيد وقبل صلاة العيد في الفطر من رمضان، وفي عشر ذي الحجة، وأيام التشريق، أنه مشروع في هذه الأوقات العظيمة، وفيه فضل كثير ; لقوله تعالى في التكبير في عيد الفطر: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة/185، وقوله تعالى في عشر ذي
الحجة وأيام التشريق: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) الحج/28، وقوله عز وجل: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) البقرة/203.
ومن جملة الذكر المشروع في هذه الأيام المعلومات والمعدودات التكبير المطلق والمقيد، كما دلت على ذلك السنة المطهرة وعمل السلف، وصفة التكبير المشروع: أن كل مسلم يكبر لنفسه منفردا ويرفع صوته به حتى يسمعه الناس فيقتدوا به ويذكرهم به، أما التكبير الجماعي المبتدع فهو أن يرفع جماعة - اثنان فأكثر - الصوت بالتكبير جميعا، يبدأونه جميعا، وينهونه جميعا بصوت واحد وبصفة خاصة.
وهذا العمل لا أصل له، ولا دليل عليه، فهو بدعة في صفة التكبير ما أنزل الله بها من سلطان، فمن أنكر التكبير بهذه الصفة فهو محق ; وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم. أي مردود غير مشروع. وقوله صلى الله عليه وسلم: (وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)، والتكبير الجماعي محدث، فهو بدعة، وعمل الناس إذا خالف الشرع المطهر وجب منعه وإنكاره ; لأن العبادات توقيفية لا يشرع فيها إلا ما دل عليه الكتاب والسنة، أما أقوال الناس وآراؤهم فلا حجة فيها إذا خالفت الأدلة الشرعية، وهكذا المصالح المرسلة لا تثبت بها العبادات، وإنما تثبت العبادة بنص من الكتاب أو السنة أو إجماع قطعي.
والمشروع أن يكبر المسلم على الصفة المشروعة الثابتة بالأدلة الشرعية، وهي التكبير فرادى.
وقد أنكر التكبير الجماعي ومنع منه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية رحمه الله، وأصدر في ذلك فتوى، وصدر مني في منعه أكثر من فتوى، وصدر في منعه أيضا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وألف فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله رسالة قيمة في إنكاره والمنع منه، وهي مطبوعة ومتداولة وفيها من الأدلة على منع التكبير الجماعي ما يكفي ويشفي والحمد لله.
أما ما احتج به الأخ الشيخ أحمد من فعل عمر رضي الله عنه والناس في منى فلا حجة فيه ; لأن عمله رضي الله عنه وعمل الناس في منى ليس من التكبير الجماعي، وإنما هو من التكبير المشروع ; لأنه رضي الله عنه يرفع صوته بالتكبير عملا بالسنة وتذكيرا للناس بها فيكبرون، كل يكبر على حاله، وليس في ذلك اتفاق بينهم وبين عمر رضي الله عنه على أن يرفعوا التكبير بصوت واحد من أوله إلى آخره، كما يفعل أصحاب التكبير الجماعي الآن، وهكذا جميع ما يروى عن السلف الصالح رحمهم الله في التكبير كله على الطريقة الشرعية، ومن زعم خلاف ذلك فعليه الدليل، وهكذا النداء لصلاة العيد أو التراويح أو القيام أو الوتر كله بدعة لا أصل له، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي صلاة العيد بغير أذان ولا إقامة، ولم يقل أحد من أهل العلم فيما نعلم أن هناك
[يعني: في الوارد في السنة] نداء بألفاظ أخرى، وعلى من زعم ذلك إقامة الدليل، والأصل عدمه، فلا يجوز أن يشرع أحد عبادة قولية أو فعلية إلا بدليل من الكتاب العزيز أو السنة الصحيحة أو إجماع أهل العلم - كما تقدم - لعموم الأدلة الشرعية الناهية عن البدع والمحذرة منها، ومنها قول الله سبحانه: (أم لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) الشورى/21.
ومنها الحديثان السابقان في أول هذه الكلمة، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته.
وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) خرجه مسلم في صحيحه، والأحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة.
والله المسئول أن يوفقنا وفضيلة الشيخ أحمد وسائر إخواننا للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يجعلنا جميعا من دعاة الهدى وأنصار الحق، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من كل ما يخالف شرعه إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (13/20-23)
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (8/310):
" يكبر كل وحده جهرا، فإنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم التكبير الجماعي، وقد قال: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) "
وجاء فيها أيضا (8/311):
" التكبير الجماعي بصوت واحد ليس بمشروع بل ذلك بدعة ؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، ولم يفعله السلف الصالح، لا من الصحابة، ولا من التابعين، ولا تابعيهم، وهم القدوة، والواجب الاتباع وعدم الابتداع في الدين " انتهى.
وجاء فيها أيضا (24/269):
" التكبير الجماعي بدعة ؛ لأنه لا دليل عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وما فعله عمر رضي الله عنه ليس فيه دليل على التكبير الجماعي، وإنما فيه أن عمر رضي الله عنه يكبر وحده فإذا سمعه الناس كبروا، كل يكبر وحده، وليس فيه أنهم يكبرون تكبيرا جماعيا " انتهى.
وجاء فيها أيضا (2/236 المجموعة الثانية)
" التكبير الجماعي بصوت واحد من المجموعة بعد الصلاة أو في غير وقت الصلاة - غير مشروع، بل هو من البدع المحدثة في الدين، وإنما المشروع الإكثار من ذكر الله جل وعلا بغير صوت جماعي بالتهليل والتسبيح والتكبير وقراءة القرآن وكثرة الاستغفار، امتثالا لقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)، وقوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)، وعملا بما رغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) رواه مسلم، وقوله: (من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر) رواه مسلم والترمذي واللفظ له، واتباعا لسلف هذه الأمة، حيث لم ينقل عنهم التكبير الجماعي، وإنما يفعل ذلك أهل البدع والأهواء، على أن الذكر عبادة من العبادات، والأصل فيها التوقيف على ما أمر به الشارع، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الابتداع في الدين، فقال: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (105644)
والله أعلم.
مختارات