" خطوات الشيطان "
" خطوات الشيطان "
اعلم أخي المسلم أن الله تعالى قد حذرنا في كتابه العزيز عدة مرات من خطوات الشيطان، وتَتَبُّع ذلك والانسياق خلفه؛ لأن كثرة التفكير يجرُّ الإنسان إلى أمور لا تحمد عقباها، والشيطان يقذف في عقل الإنسان خوطر لا حصر لها كلها سيء، يأمره من خلالها بالمعاصي، ويمني نفسه ويحدثها بملذات كاذبة وشهوات فارغة، وهذه الخواطر ما تلبث وأن تصبح أفكار، والتي بدورها تتطور فتصبح أمان وآمال يتعلق بها قلب الإنسان، بل ويسعى لتحقيقها، وكل ذلك سببه الاسترسال في الأفكار، ولذا فقد حذر سبحانه وتعالى من تتبع خطوات الشيطان؛ لأنها توصل العبد إلى حيث الهلاك والدمار بل وإلى النار، نسأل الله السلامة.
قصة في خطوات الشيطان:
أعلم أخي أنه لا تؤمَن الفتنة على الحي مهما كان إيمانه ومهما بلغت درجته وعلمه، والعصمة لمن عصم الله تعالى، وكان السلف الصالح يقولون: لا عصمة للأحياء، إنما العصمة للأموات. أي من مات على التقى وختم له بخاتمة الخير فبه يكون الاقتداء، أما الأحياء فهم مُعرَّضون للفتنة وللابتلاء، نسأل الله تعالى السلامة، وسأورد قصة مشهورة ذكرها المفسرون عند تفسير قوله تعالى من سورة الحشر: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ﴾ [الحشر: 16].
فعن ابن عباس قال: كان راهب من بني إسرائيل يعبد الله تعالى فيحسن عبادته، حتى أنه كان يُؤتى إليه من كل أرض فيُسأل عن الفقه، وكان عالما، وكان هناك ثلاثة إخوة، وكانت لهم أخت حسناء من أحسن النساء، وإنهم أرادوا أن يسافروا، وكبر عليهم أن يدعوها ضائعة، فقصدوا ذلك الراهب فقالوا: إنا نريد السفر، وإنا لا نجد أحدا أوثق في أنفسنا ولا آمن عندنا منك، فإن رأيت جعلنا أختنا عندك فإنها شديدة الوجع، فإن ماتت فقم عليها، وإن عاشت فأصلح إليها حتى نرجع، فقال الراهب: سأكفيكم إن شاء الله ذلك، فقام الراهب عليها فداواها حتى شفيت، وعاد إليها حسنها، وفي يوم من الأيام اطَّلع إليها فوجدها متصنعة متجملة، فأغواه الشيطان حتى وقع عليها وزنى بها، فحملت منه وظهر حملها، ثم إن الشيطان لم يكتف بذلك، بل أخذ يزين للراهب قتل الفتاة، ويخوفه إن لم يفعل ذلك افتضح أمره، فلم يزل الشيطان بالراهب يخوفه ويغويه حتى قتل الفتاة.
ولما عاد إخوة الفتاة سألوا الراهب عنها، فقال لهم إنها ماتت فدفنتها، فقالوا له: أحسنت، وتركوه وذهبوا، وبينما هم في طريقهم أخذهم النوم فناموا، فرأى جميعهم في المنام أن الراهب قد زنى بأختهم، وأنها قد حملت منه، ولما خشي الفضيحة قتلها، وأنه دفنها تحت شجرة كذا وكذا، فلما استيقظوا قصدوا الشجرة فوجودها كما في المنام، فعادوا إلى الراهب وسألوه، فاعترف، فأخذوه ليقتلوه، فجاءه الشيطان فقال له: أنا الذي زينت لك الزنى، وزينت لك قتلها، فهل لك أن تطيعني وأنجيك، قال الراهب: نعم، قال: فاسجد لي سجدة واحدة، فسجد له، فأُخذ الراهب فقتل، ومات كافرا والعياذ بالله، فذلك قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ﴾.
ويقال إن ذلك الراهب كان في فترة بني إسرائيل، وكان يقال له برصيصاً، وأنه قد تعبد في صومعته سبعين سنة، لم يعص الله فيها طرفة عين حتى أعيا إبليس، فجمع إبليس مردة الشياطين فقال: ألا أجد منكم من يكفيني أمر برصيصا؟ فقال الأبيض؛ وهو صاحب الأنبياء، وهو الذي قصد النبي صلى الله عليه وسلم في صورة جبريل ليوسوس إليه على وجه الوحي، فجاء جبريل فدخل بينهما ثم دفعه بيده حتى وقع بأقصى الهند، فذلك قوله تعالى: ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ﴾ من سورة التكوير، فقال ذلك الشيطان صاحب الأنبياء لإبليس: أنا أكفيكه، فانطلق إلى ذلك الراهب، وتزيا له بزي الرهبان، وحلق وسط رأسه، حتى أتى صومعة برصيصاً، فناداه فلم يجبه، وكان لا ينفتل من صلاته إلا في كل عشرة أيام يوماً، وكان لا يفطر إلا في كل عشرة أيام، وكان يواصل العشرة أيام.
ومع ذلك فانظر أخي المسلم كيف أن الشيطان أخذ يوسوس لذلك الراهب ويغويه حتى زنى، ثم أغواه وخوَّفه حتى قتل، ولم يتركه، بل أغواه وخوَّفه حتى كفر والعياذ بالله، ولذلك فلا ينبغي على أحد أن يأمَن على نفسه غواية الشيطان الرجيم، ويَرْكَن على إيمانه وكأنه نبي مؤيَّد، ويعتقد لنفسه العصمة والثبات، بل عليه الحذر من تتبع خطوات الشيطان وتلبيسه وغوايته، نسأل الله تعالى بعزته وكرمة ومنّه العصمة والوقاية.
قال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ [المؤمنون:97، 98]، ولذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه، ونفخه، ونفثه، قال: همزه الموتة، ونفثه الشعر، ونفخه الكبر» [ابن ماجة وأحمد والحاكم والبيهقي وغيرهم].
مختارات