خلق الملائكة
خلق الملائكة
قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [فاطر: 1].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ» أخرجه مسلم
الله تبارك وتعالى خالق كل شيء:
خلق السموات والأرض، وخلق الليل والنهار، وخلق ما نراه وما لا نراه من الأجسام والأرواح.
خلق الدنيا والآخرة، وخلق الإنس والجن، وخلق الملائكة والروح، وخلق الأبدان والعقول.
والملائكة خلق عظيم من خلق الله، خلقهم الله من نور، وجبلهم على الطاعات.
والملائكة خلق عظيم لا يحصيهم إلا الله وحده، وهم كغيرهم متفاوتون في الخلق والصفات والأعمال.
وعالم الشهادة يسيره الله بالأسباب الظاهرة، وعالم الغيب يسيره الله بالملائكة.
والملائكة من حيث الرتبة عباد مكرمون، عابدون لله، وليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء.
وهم من حيث العمل، يعبدون الله ويسبحونه: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء: 19، 20].
وهم من حيث الطاعة، منحهم الله عزَّ وجلَّ الانقياد التام لأمره، وأعطاهم القدرة على تنفيذه فهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6].
والملائكة خلق كثير لا يحصيهم إلا الله:
منهم حملة العرش.. وخزنة الجنة.. وخزنة النار.. والحفظة والكتبة.. وملائكة في السماء.. وملائكة في الأرض.
منهم من اختص الله بعلمهم، ومنهم من أعلمنا الله بأسمائهم وأعمالهم ومنهم:
1 - جبريل - صلى الله عليه وسلم -، وهو الموكل بالوحي إلى الأنبياء والرسل.
2 - ميكائيل - صلى الله عليه وسلم -، وهو الموكل بالقطر والنبات.
3 - إسرافيل - صلى الله عليه وسلم -، وهو الموكل بالنفخ في الصور.
4 - مالك، خازن النار، وهو الموكل بالنار.
5 - رضوان، خازن الجنة، وهو الموكل بالجنة.
ومنهم ملك الموت، الموكل بقبض الأرواح عند الموت.
ومنهم الملائكة الموكلون بحفظ بني آدم وكتابة أقوالهم وأعمالهم.
ومنهم الموكلون بالأجنة في الأرحام، يكتبون بأمر الله رزق الإنسان وعمله وأجله وشقي أو سعيد.
ومنهم الملائكة الموكلون بسؤال الميت في قبره عن ربه ودينه ورسوله.
وغيرهم كثير مما لا يحصيه إلا الله الذي أحصى كل شيء عدداً.
وقد وكل الله الملائكة الكرام الكاتبين، وجعلهم علينا حافظين، يكتبون الأقوال والأعمال كما قال سبحانه: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} [الانفطار: 10 - 12].
ومع كل إنسان ملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من أمامه، وواحد من خلفه كما قال سبحانه: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11].
ووكل الله بالجبال ملائكة.. ووكل بالأرحام ملكاً يقول: يا رب نطفة؟.. يا رب علقة؟.. يا رب مضغة؟.. يا رب ذكر أم أنثى؟.. فما الرزق؟.. فما الأجل؟.. وشقي أم سعيد؟.
ووكل سبحانه بالموت ملائكة.. ووكل بسؤال الموتى ملائكة.. ووكل بالرحمة ملائكة.. ووكل بالعذاب ملائكة.
ووكل بالمؤمن ملائكة يثبتونه ويُوزونه إلى الطاعات.. ووكل بالجنة ملائكة يبنونها ويفرشونها.. ويصنعون أرائكها وسررها.. وصحافها ونمارقها.. ووكل بالنار ملائكة يبنونها ويوقدونها.. ويصنعون أغلالها وسلاسلها.. ويقومون بأمرها.
ووكل بالبحار ملائكة تسجرها وتمنعها أن تفيض على الأرض.. فالملائكة هي المدبرات أمراً.. وهم رسل الله في تنفيذ أوامره في ملكه.
والملائكة كما أنهم متفاوتون في العمل فهم كذلك متفاوتون في الخلق.
فإسرافيل ينفخ في الصور النفخة الأولى، وهي نفخ الصعق، فيصعق بنفخة واحدة من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه نفخة البعث، فيقوم الناس ليوم البعث كما قال سبحانه: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)} [الزمر: 68].
وجبريل شديد القوة الظاهرة والباطنة، قوي على تنفيذ ما أمره الله بتنفيذه كما قال سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)} [النجم: 4 - 6].
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: «أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ» متفق عليه
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إلى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ» أخرجه أبو داود
وحملة العرش من الملائكة يؤمنون بالله، ويسبحون بحمد ربهم، ويستغفرون للمؤمنين في الأرض كما قال سبحانه: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} [غافر: 7].
والملائكة أفضل من صالحي البشر باعتبار البداية، فإن الملائكة الآن في الرفيق الأعلى، منزهون عما يلابسه بنو آدم، مستغرقون في عبادة الرب، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، ولا ريب أن هذه الأحوال الآن أكمل من أحوال البشر.
وصالحو البشر أفضل باعتبار كمال النهاية، فيوم القيامة بعد دخول الجنة يصير حال صالحي البشر أكمل من حال الملائكة.
فالمؤمنون في الجنة في نعيم وسرور دائم: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرعد: 23، 24].
وقد وكل الله عزَّ وجلَّ الملائكة بالعالم العلوي، والعالم السفلي، تدبره بأمره سبحانه، فتدبر الأمطار والنبات، والأشجار والمياه، والرياح والبحار، والأجنة والحيوانات، والجنة والنار وغير ذلك مما لا يحصيه ولا يعلمه إلا الله.
وقد أقسم الله بالملائكة الكرام، وأفعالهم الدالة على كمال انقيادهم لأمر الله، وإسراعهم في تنفيذ أوامره فقال سبحانه: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} [النازعات: 1 - 5].
فالملائكة قوية تنزع الأرواح بقوة، وتجذبها بقوة.
وهي سابحة في الهواء صعوداً ونزولاً، تسبق غيرها لتنفيذ أمر الله جل جلاله.
وتدبر أهل العالم العلوي والسفلي بأمر الله.
والملائكة يقومون بعبادة الله وطاعته، وتنفيذ أوامره بلا كلل ولا ملل: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء: 20].
والملائكة لا يأكلون ولا يشربون، ويموتون كما يموت الإنس والجن عند النفخ في الصور.
وللملائكة قدرة على التشكل كما جاء جبريل إلى مريم في صورة بشر كما قال سبحانه: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)} [مريم: 17].
وجاءت الملائكة إلى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - في صورة بشر، وجاءوا إلى لوط - صلى الله عليه وسلم - في صور شباب حسان الوجوه، وكان جبريل يأتي إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صورة دحية الكلبي، وتارة في صورة أعرابي يسأل عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة.
والملائكة مستقيمون في عبادتهم، يتمون الصفوف، ويتراصون في الصف، وفي يوم القيامة يأتون صفوفاً منتظمة كما قال سبحانه: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} [الفجر: 22].
ويقفون صفوفاً بين يدي الله هناك: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)} [النبأ: 38].
وهم معصومون من الخطأ، فهم بأمر الله يعملون: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} [التحريم: 6].
فهم لا يفعلون إلا ما يؤمرون، فالأمر يحركهم، والأمر يوقفهم.
فسبحان من خلق هذا الخلق العظيم من الملائكة، وملأ بهم السموات السبع، وهم ملأوا السموات السبع بالتحميد والتقديس والتكبير والتهليل والاستغفار، تعظيماً وإجلالاً لربهم تبارك وتعالى.
مختارات