ذكر قصة ابني آدم قابيل وهَابيل (٣)
ثم قد كان آدم وحواء أتقى للَّه مما ذكر عنهما في هذا، فإنَّ آدمَ أبو البشر الذي خلقَه اللَّه بيده ونفخَ فيه من روحه، وأسجدَ له ملائكته، وعلَّمه أسماءَ كلِّ شيءٍ، وأسكنَه جنَّته.
وقد روى ابنُ حبَّان في صحيحه: عن أبي ذر، قال: قلت يا رسول اللَّه! كم الأنبياء؟ قال: "مئة ألف وأربعة وعشرون ألفًا".
قلت: يا رسول اللَّه! كم الرسل منهم؟ قال: "ثلاثمئة وثلاثة عشر جمٌّ غفير".
قلت: يا رسول اللَّه! من كان أوَّلهم؟ قال: آدم.
قلت: يا رسول اللَّه! نبي مرسل؟ قال: "نعم، خلقه اللَّه بيده، ثم نفخَ فيه من رُوحه، ثم سوَّاه قُبُلًا".
وقال الطبراني: حدَّثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني، حدَّثنا شيبان بن فَرُّوخ، حدَّثنا نافع أبو هرمز، عن عطاء بن أبي رَباح، عن ابن عبَّاس، قال: قال رسول اللَّه ﷺ: "ألا أخبركم بأفضلِ الملائكةِ جبريل، وأفضل النبييّن آدم، وأفضل الأيام يوم الجمعة، وأفضل الشهور شهر رمضان، وأفضل اللَّيالي ليلة القدر، وأفضلُ النِّساء مريمُ بنت عمران".
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، فإنَّ نافعًا أبا هرمز هذا كذَّبه ابن مَعين، وضعَّفه أحمد، وأبو زُرْعة، وأبو حاتم، وابن حبان وغيرهم، واللَّه أعلم.
وقال كعب الأحبار: ليس أحدٌ في الجنَّة له لحيةٌ إلا آدم، لحيتُه سوداء إلى سُرَّته، وليس أحدٌ يكتني في الجنَّة إلا آدم، كنيتُه في الدنيا أبو البشر وفي الجنَّة أبو محمد.
وقد روى ابنُ عديّ: من طريق شيخ بن أبي خالد، عن حمَّاد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد اللَّه، مرفوعًا "أهلُ الجنَّةِ يُدعونَ بأسمائهم إلا آدم، فإنه يُكنَّى أبا محمد".
ورواه ابن عديّ أيضًا: من حديث علي بن أبي طالب، وهو ضعيفٌ من كلِّ وجهٍ، واللَّه أعلم.
وفيه حديث الإسراء الذي في الصحيحين: أنَّ رسولَ اللَّه ﷺ لما مرَّ بآدمَ وهو في السماء الدنيا، قال له: "مرحبًا بالابن الصالح، قال: وإذا عن يمينه أسْودةٌ وعن يساره أسودة، فإذا نظرَ عن يمينه ضحكَ، وإذا نظرَ عن شمالِه بكى، فقك: يا جبريل! ما هذا؟ قال: هذا آدمُ وهؤلاء نسم بنيه، فإذا نظرَ قِبَلَ أهل اليمين وهم أهلُ الجنَّة ضحكَ، وإذا نظرَ قِبَلَ أهلِ الشمالِ وهم أهل النار بكى" (١) هذا معنى الحديث.
وقال أبو بكر البزار: حدَّثنا محمد بن المثنى، حدَّثنا يزيد بن هارون، أنبأنا هشام بن حسان، عن الحسن، قال: كانَ عقلُ آدمَ مثلَ عَقْل جميعِ ولدِه.
وقال بعض العلماء: في قوله ﷺ: "فمررتُ بيوسفَ، وإذا هو قد أُعطي شَطْرَ الحُسْنِ".
قالوا: معناه أنه كان على النِّصْفِ من حُسْن آدمَ.
وهذا مناسب، فإنَّ اللَّهَ خلقَ آدمَ وصوَّره بيده الكريمة ونفخَ فيه من رُوحه، فما كان ليخلُقَ إلا أحسنَ الأشباه.
وقد روينا: عن عبد اللَّه بن عمرو، وابن عمر أيضًا، موقوفًا ومرفوعًا: "إنَّ اللَّه تعالى لما خلقَ الجنَّة، قالت الملائكة: يا ربَّنا اجعلْ لنا هذه فإنَّكَ خلقتَ لبني آدمَ الدنيا يأكلون فيها ويشربونَ.
فقالَ اللَّه تعالى: وعزَّتي وجَلالي لا أجعلُ صالحَ ذريَّةِ منْ خلقتُ بيدي كمن قلتُ له كن فكان".
وقد وردَ الحديثُ المرويُّ في الصحيحين وغيرهما من طرق أنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قال: "إنَّ اللَّه خلقَ آدمَ على صُورته" وقد تكلَّم العلماء على هذا الحديث، فذكروا فيه مسالكَ كثيرة، ليس هذا موضع بسطها.
[وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد ربه بن صالح القرشي الدمشقي، يروي عن مكحول وغيره، وعبد الحكيم، ومروان الطاطري، وسليمان بن عبد الرحمن، وهشام بن عمار، وهشام بن خالد، روى من طريق هشام بن عمَّار، أنه سمعَ عروةَ بن رويم، عن جابر بن عبد اللَّه، عن النبيِّ ﷺ، قال: "لما خلق اللَّه آدم وذريَّته، قالت الملائكة: يا ربنا خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة، فقال اللَّه: لا أجعلُ منْ خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي، كمن قلت له كن فكان"].
(١) أخرجه البخاري (٣٣٤٢) في الأنبياء، ومسلم (١٦٣) في الإيمان.
وأسودة: جمع سواد، وهو الشخص: أي جمع من الأشخاص.
ونسم بنيه: جمع نسمة، وهي نفس الإنسان، أي: أرواح بني آدم.
مختارات