تدبــــر - المجموعة الخامسة عشر
كم هي الأخطاء التي تصدر منك في خلوتك… وكم هي المعاصي التي تتورط فيها حينما تكون وحدك… وتفرح لحظتها وتشعر بالهدوء لأن أحدا لم يراك ولأن أنظار الخلائق لم تتتطلع عليك وترقبُك حتى لا تسقط منزلتك أماهم وتنسى هذه الآية:{ألم يعلم بأن لله يرى}[العلق:14] فإن كنت تعلم أنه يراك حق العلم فلم جعلته أهون الناظرين إليك.
من قد ألقاه الهوى في جُب حُب الدنيا، سيارة القَدر تبعث كل ليلة واردا:(هَل مِن سائِل؟) فكن متيقظا للوارد إذا أدلى دلو التخليص، وقُم على قَدم{تتجافى جنوبهم}[السجدة:16]وامدد أنامل{يدعون ربهم}[السجدة:16] وألق ما في يمينك لتتعجل الخروج، ولا تتشبث بأرجاء بئر الهوى، فإنها رَمل تنهار عليك.
من زاد بالله علمه زاد من الله خوفه:{إنما يخشى الله من عباده العلماء} قال الفضيل:” أعلم الناس بالله أخوفهم منه”
من مدرسة القرآن نتعلم { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة:186] فالعبد قد يحزن حين يدعو ربه ولا يستجاب له, وينسى أن ربه دعاه وهو لم يستجب له. فأخبره ربه إذا أردت أن تستجاب دعوتك فأجب دعوة ربك {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ثم قال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} فاحرص على إجابة نداء الله وثِق لحظتها أنه سيجيبك
ان البشرية اليوم تحتاج إلى من يفتح لها نوافذ السكينة لتدلف النفوس إلى واحات الرحمة، ولتذوق طعم الراحة و الطمأنينة، لتُشرق حينئذ الحياة و تُذاق لذتها، فلا يضر المرء حينها أن يعيش في وسط هذا الزخم المذهل من جمود الحياة و تقلص سعادتها، فالعبد يحتاج إلى كل ملطف يلطف به أرجاء نفسه لتصفو، ويطرق كل باب يستطيعه ليترقى في درجات الفلاح و يعلو, و إن القرآن الكريم أعظم ما تطمئن به القلوب و ترتاح، و أنجع ما تُدفع به الهموم و الأتراح. قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) فالقرآن راحة القلوب, وطمأنينة النفس .
انزل الله الماء من السماء فأنبت به زروع الأرض المختلفة غذاء للبدن وأنزل الله القرآن راحة للروح وغذاء:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى : 52]
الذكر هو أعظم حصن من الشيطان الرجيم به ينجو المسلم من شر الشيطان الرجيم قال تعالى(إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال(…وأمركم بذكر الله فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى على حصن حصين فأحرز نفسه فيه فكذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله)
من أمارات سلامة القلب أن يكون سليما من غش الخلق وحسدهم، وأن يسعى صاحبه لنصح الناس ولا يبخل عليهم بما معه من خير.ألا ترى أن سيدنا إبراهيم لما أخبر اللهُ بسلامة قلبه:{إذ جاء ربه بقلب سليم}[الصافات:84]ذكر دعوته لأبيه وقومه فقال:{إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون}[الصافات:85].
كيف ينظر الناس لمن ينفخ على الشمس بأقصى قوته ليطفئ نورها؟! مجنون؟ أحمق؟ إذن .. كيف ستكون النظرة لمن يحاول أن يطفئ نور الله بفيه؟! {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} فهلموا لنكون ممن ينشر الله على يديهم هذا النور ..
اكثرالناس يصيبه القلق والحزن لأنه يتوهم أن الغد سيرميه بفقر أو بمرض ..{يحسبون كل صيحة عليهم}[المنافقون:4]سبحان الله..إن الغد مفقود لا وجود له فلماذا نغتم به.. فلا تستبق الأحداث وما أدراك لعلّ الجسر الذي تخشى عبوره ينهار قبل أن تصل إليه أو تمر عليه بسلام,أو ينهار قبل أن تصل إليه
يحكون أن شجرة ظلت صامدة أمام العواصف أربعمائة سنة ثم هجمت عليها الحشرات فنخرتها..وهكذا حالنا قد نَثبت أمام المحن الكبيرة وتسقطنا الصغائر {فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني…فشربوا منه إلا قليلا}[البقرة:249]فتأمل كيف تحملوا عناء الخروج وأسقطتهم شربة ماء
التفكير الطويل في الأزمة يزيد من قلقك ويضاعف من اضطرابك ولذا يحسن أن تدرس الأزمة وتتخذ القرار الأقرب وتبادر سريعا بالتنفيذ {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله}[آل عمران:159]فهذه المشورة ينبغي ألا تدوم الدهر وكثير من القرارات الجيدة يجهضها التسويف والتردد. إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد العزم ان تترددا وإذا كنت ذا عزم فانفذ مسرعا فإن فساد العزم أن تتقيدا
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان : 23] إنها حقا من أكثر آيات القرآن تخويفا للمؤمنين وتتحدث عن فئة من المسلمين تقوم بأعمال كجبال تهامة من حج صدقات وقراءة قرآن وأعمال بر كثيرة وقيام ليل ودعوة وصيام وغيرها من الأعمال . وإذ بالله تعالى ينسف هذه الأعمال فيكون صاحبها من المفلسين . يقول ابن كثير: فأخبر أنه لا يتحصل لهؤلاء من الأعمال -التي ظنوا أنها منجاة لهم -شيء؛ وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي، إما الإخلاص فيها، وإما المتابعة لشرع الله. فكل عمل لا يكون خالصا وعلى الشريعة المرضية، فهو باطل.ولهذا قال تعالى:{ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان : 23]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصف : 2 ، 3] إن علما لا يعمل به إنما هو وبال في الدنيا والآخرة على من علمه ، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع . عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: (لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ كَانَ يَقُولُ:{اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا)
كل من حاد الله ورسوله ـ ومن ذلك محادة الشريعة ـ فهو إلى ذل، بل هو الأذلّ ولا ريب وإن توهم عِزاً في فترة من الفترات. تأمل: { إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ } [المجادلة : 20]! ثم تأمل كيف عقبها بقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قويٌّ عزيِز } [المجادلة : 21]
هل تجد مشقة في القيام ببعض الأوامر الشرعية؟ إليك هذا الحل اليسير على من يسره الله عليه، إنه سلوك طريق الهداية. تأمل قول ربنا عن حال المؤمنين حين تغيرت القبلة: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة : 143].
الإصغاء إلى أقوال شياطين الإنس والجن، والرضى بها من ضعف الإيمان باليوم الآخر! تدبر: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون} ثم قال ربنا بعدها: {ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون}.
سأل رجل الشافعي فقال: يا أبا عبد الله أيهما أفضل للرجل أن يُمكّن أو يبتلي فقال الشافعي:لا يُمَكّن حتى يبتلي فإن الله ابتلي نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا فلما صبروا مكنهم فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا}[السجدة:24]. ابن القيم.
رسالة خطيرة في سورة الزخرف، خلاصتها: إما الإقبال على القرآن وإلا فإن البديل شيطان ! تأمل: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف : 36].
استوقفتني هذه الآية التي تمحضت في تعظيم الله جل جلاله: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد : 9].
اقرار الفساد في الأرض، وضعف الاحتساب نقص في الفهم والدين، وسبب في حلول العقوبات. تأمل: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين}. فأولوا البقية: هم أولوا الفهم والعقل. وهذه الآية في سورة هود التي قص الله فيها خبر المكذبين والمجرمين، فهل من معتبر؟
تأملت قصة المرأتين مع موسى عليه الصلاة والسلام، وجدت أن القرآن لم يذكر سوى كونهما تمشيان على استحياء! وهذا يبين أن مشية المرأة تعلن عن شخصيتها .. فإذا كانت مشيتها الصامتة بهذه المثابة، أفتراها تتكسر في حديثها؟
فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}. الله أكبر! إذا كان هذا النهي لأمهات المؤمنين، مع الصلاح الغالب في ذلك الزمن، وقلة المنافقين بالنسبة للمؤمنين الصادقين، فماذا تقول نساء اليوم اللاتي لا يبالين بطريقة الحديث مع السائق أو البائع -مع كثرة الفساد والمغريات- وكأنها تتحدث مع زوجها أو أبيها أو محرمها!
اذا قرأت قصص الكرم في التاريخ القديم أو الحديث؛ فإنك تتعجب جداً من ذلك! وحينما قرأتُ قوله تعالى -عن أهل الجنة-: { فواكه وهم مكرمون}؛ تصاغرت في عيني كل قصص الكرم.. لقد ذهب الذهن كل مذهب .. وإذا كان الذي سيكرمهم رب العالمين؛ فأي عبارة يمكن أن تصف هذا الكرم؟! اللهم اجعلنا ممن أكرمتهم بجودك وعفوك يارب العالمين، اللهم اجعلنا ممن أكرمتهم بعفوك وجودك يا رب العالمين..
كثيرا ما نبحث عن طريق طويلة لحلّ مشكلة ما، والطريق الأقصر أمامنا.. وإذا أردتَ أن تعرف كيف نبعد ونذهب للحل الأبعد مع وجود الحل الأقرب؛ فانظر ماذا نصنع عند ضيق الصدر، والحزن الذي قد يعرض لموقفٍ ما؟! وانظر إلى نصيبك من التطبيق العملي لهذه الآيات: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر : 97 - 99].
عدم اعتقاد أن القرآن حق؛ فهذا -فضلاً عن كونه كفراً- فهو عمى ونقص في العقل. تدبر: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } [الرعد : 19].
{نسوا الله فنسيهم} هكذا قال الله عن المنافقين .. والله إنها لآية يرتجف لها القلب .. يا الله ! ما أعظم الخذلان .. أي طمأنينة ، وأي سرور حين يتخلى عنك الله؟ ولكن ربك لا يظلم أحدا .. نسو الله –فتركوا أمره ووالوا أعداءه- فلما وقع منهم ذلك، كان الجزاء وفاقاً.
هل أنت أشد منهما خلقاً؟ في بدء خلق السماوات والأرض ناداهما الجبار جل جلاله: {ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين}! وفي نهاية الخلق: {إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحُقت -أي: استمعت وحق لها أن تستمع- وإذا الأرض مدت، وألقت ما فيها وتخلت، وأذنت لربها وحُقت}. فيا أيها الإنسان .. كم ناداك ربك من نداءٍ في كتابه .. وتأبى في مرات كثيرة! ألا ما أعجب شأنك!
اذا دعتك نفسك إلى معصية الله تعالى؛ فتذكر أن نبيك صلى الله عليه وسلم دعي إليها أكثر من مرة، فلم يزد على أن قال: {إني أخـــــــــاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيــــــــــم}! فماذا نحن قائلون وليس لنا مقام الرسول عند الله؟! ولم نعط الأمان بمغفرة الذنوب كما أعطيها هو صلى الله عليه وسلم!
اتساع دائرة ظلم الخلق عند الإنسان؛ تجعل حظه من سوء الخاتمة أكبر -عياذاً بالله-. تأمل: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين …}. فاحذر! من ظلم العباد في أعراضهم، وأموالهم.
تأملت الحرص الشديد على موضوع الاستئذان -في سورة النور- وبهذه التفاصيل الدقيقة، حتى لا يراها أهل البيت (وأؤكد على هذه الجملة: أهل البيت)! ثم تأملتُ في هذا التفنن العجيب من قبل ملاك بعض القنوات العربية في كشف العورات: هذا فيديو كليب، وهذا مسلسل، وهذا فيلم، … إلخ! والتي لا يقتصر النظر فيها على أهل بيتٍ أو حارة بل يراها الملايين! فهل هؤلاء يقرؤون القرآن؟! وإذا قرؤوا فهل يفهمونه؟ أم يعظمونه؟
صدق النية، وسلامة المنهج، لا تكفي لانتشار دعوة أهله، بل لا بد -مع ذلك- من: إعلام قوي يواجه دعوة الباطل ألا ترى كيف سأل موسى ربه -وهو أفضل من أخيه هارون وأعلم بالشريعة- فقال: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ}. فهل يعي المشرفون على الإعلام الإسلامي هذا المعنى، في ظل هذا الزخم الإعلامي الهائل في عالمنا اليوم -عالم الأقوياء إعلامياً واقتصادياً-؟!
المجادله في مسلمات الشريعة من وحي الشياطين لأوليائهم من الإنس والجن! تأمل: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [الأنعام : 121].
وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة : 197] الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه، في دنياه، وأخراه، فهو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار، وهو الموصل لأكمل لذة، وأجل نعيم دائم أبدا، ومن ترك هذا الزاد، فهو المنقطع به الذي هو عرضة لكل شر، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين. فهذا مدح للتقوى. ثم أمر بها أولي الألباب فقال: { وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ} أي: يا أهل العقول الرزينة، اتقوا ربكم الذي تقواه أعظم ما تأمر به العقول، وتركها دليل على الجهل، وفساد الرأي. والتقوى هي: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية باتباع أوامره واجتناب نواهيه
فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] أضاف التقوى إلى القلوب, لان حقيقة التقوى في القلب، ولهذا قال- عليه الصلاة والسلام- في صحيح الحديث: (التقوى هاهنا)[أخرجه الترمذي] وأشار إلى صدره
العابد الحقيقي هو الذي يُعظم جناب الرب ويخشاه ويحنو على العبد ويرعاه {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم}[الذاريات:17-19]فتأمل أخي كيف جمعوا بين الشفقة من الخالق والشفقة على الخلق. قال الحسن البصري: أدركت أقواماً إن كان الرجل ليعزم على أهله أن لا يردوا سائلا، ولقد أدركت أقواماً إن كان الرجل ليخلف أخاه في أهله أربعين عام.فهذه شارات التقوى والإحسان فأين نحن منها؟
الكبر من أعظم ما يصد عن الحق ويحول دون قبوله والانصياع له قال تعالى(سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)[الأعراف : 146] ولذلك تأمل قول النبي حين قال(الكبر بطر الحق وغمط الناس) ولعل بينهما مناسبة بين بطر الحق وغمط الناس فالأول نتيجة للثاني فإن احتقارك للناس ممن يأتيك الحق على لسانه داع قوي لرد الحق وتأمل قول المشركين حين قالوا(وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)[الزخرف : 30 ، 31] فحصل أن احتقار الناس صورة من صور الكبر وهو كذلك سبب من أسبابه. وقانا الله والمسلمين الكبر.
عجبا لمن أعرض عن ربه وولى القرآن ظهره وخالف هدي نبيه واستغنى بما في يده مما لا يملكه عن الله ونداء الحق يهمس في آذنه وواعظ الله يناديه في قلبه والزواجر ترنو له في كل أفق وما يرتدع وما يأوي إلى الله وتراه مستعليا متكبرا وكأن الله في حاجة إليه وليس هو في حاجة إلى الله! أفلم يقرأ يوما قول الله(يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد *إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديد* وما ذلك على بعزيز) فمن الذي يحتاج إلى من؟! أنت تحتاج إلى ربك أم يحتاج ربك إليك, قال الله في الحديث القدسي(يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا,ويا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا) لكن ربك لا يرضى لك الكفر والفجور والعصيان كما قال(ولا يرضى لعباده الكفر) فهل من عودة إليه؟(ففروا إلى الله).
الى صاحب القلب الحائر, إلى من يشتكي من القلق والحيرة, إلى الباحث عن الأمان والطمأنينة أبعث إليك برسالة ربك {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }[الرعد : 28] يقول السعدي { أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } أي: حقيق بها وحريٌّ أن لا تطمئن لشيء سوى ذكره