سورة الطور
﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴿١١﴾ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿١١﴾ ]
ذكر أعمالهم وعلومهم التي كانوا عليها؛ وهي: الخوض -الذي هو كلام باطل- واللعب -الذي هو سعي ضائع- فلا علم نافع، ولا عمل صالح، بل علومهم خوض بالباطل، وأعمالهم لعب. ابن القيم:3/55.
﴿ وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿٤﴾ ]
عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، رجل من قومه، قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (رفع إليَّ البيت المعمور، فقلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: البيت المعمور؛ يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم). الطبري:22/ 455.
﴿ وَٱلطُّورِ ﴿١﴾ وَكِتَٰبٍ مَّسْطُورٍ ﴿٢﴾ فِى رَقٍّ مَّنشُورٍ ﴿٣﴾ وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ ﴿٤﴾ وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ ﴿٥﴾ وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ ﴿٦﴾ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَٰقِعٌ ﴿٧﴾ مَّا لَهُۥ مِن دَافِعٍ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿١﴾ ]
خرج عمر يعس المدينة ذات ليلة، فمر بدار رجل من المسلمين، فوافقه قائماً يصلي، فوقف يستمع قراءته، فقرأ: (والطور) حتى بلغ (إن عذاب ربك لواقع * ما له من دافع) قال: «قسم ورب الكعبة حق». فنزل عن حماره، واستند إلى حائط، فمكث ملياً، ثم رجع إلى منزله، فمكث شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه رضي الله عنه. ابن كثير:4/242.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿٥٨﴾ ]
من قوته أنه أوصل رزقه إلى جميع العالم. السعدي:813.
﴿ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿٥٦﴾ ]
وتقديم الجن في الذكر في قوله: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) للاهتمام بهذا الخبر الغريب عند المشركين الذين كانوا يعبدون الجن؛ ليعلموا أن الجن عباد لله تعالى. ابن عاشور:27/ 28.
﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿٥٥﴾ ]
واقتصر في تعليل الأمر بالتذكير على علة واحدة وهي انتفاع المؤمنين بالتذكير لأن فائدة ذلك محققة، ولإِظهار العناية بالمؤمنين في المقام الذي أُظهرت فيه قلة الاكتراث بالكافرين؛ قال تعالى: (فذكر إن نفعت الذكرى* سيذكر من يخشى * ويتجنبها الأشقى) [الأعلى: 9 - 11]. ابن عاشور:27/24.
﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ ﴿٥٤﴾ وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ سورة الذاريات آية:﴿٥٤﴾ ]
ثم لما أمره بالإعراض عنهم أمره بأن لا يترك التذكير والموعظة بالتي هي أحسن. الشوكاني:5/92.
﴿ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ ۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿٢٨﴾ ]
إن الله سبحانه يسأله من في السموات ومن في الأرض، والفوز والنجاة إنما هي بإخلاص العبادة لا بمجرد السؤال والطلب. ابن القيم:3/62.
﴿ قَالُوٓا۟ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِىٓ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿٢٦﴾ ]
أي: خائفين وجلين، فتركنا من خوفه الذنوب، وأصلحنا لذلك العيوب. السعدي:815.
﴿ قَالُوٓا۟ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِىٓ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ﴿٢٦﴾ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَىٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿٢٦﴾ ]
ما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الإشفاق -الذي هو الخوف الشديد من عذاب الله في دار الدنيا- سبب للسلامة منه في الآخرة يفهم من دليل خطابه -أعني مفهوم مخالفته- أن من لم يخف من عذاب الله في الدنيا لم ينج منه في الآخرة. الشنقيطي:7/457.
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَٰهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍ ۚ كُلُّ ٱمْرِئٍۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿٢١﴾ ]
(والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم): معنى الآية ما ورد في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته في الجنة، وإن كانوا دونه في العمل، لتقر بهم عينه) فذلك كرامة للأبناء بسبب الآباء، ... فإن قيل: لم قال بإيمان بالتنكير؟ فالجواب: أن المعنى بشيء من الإيمان لم يكونوا به أهلاً لدرجة آبائهم، ولكنهم لحقوا بهم كرامة للآباء، فالمراد تقليل إيمان الذرية ولكنه رفع درجتهم، فكيف إذا كان إيماناً عظيماً؟! (وما ألتناهم من عملهم من شيء) أي: ما أنقصناهم من ثواب أعمالهم، بل وفينا لهم أجورهم. ابن جزي:2/376.
﴿ مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ ۖ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿٢٠﴾ ]
ووصف الله السرر بأنها مصفوفة ليدل ذلك على كثرتها، وحسن تنظيمها، واجتماع أهلها وسرورهم بحسن معاشرتهم، ولطف كلامهم بعضهم لبعض. السعدي:815.
﴿ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّٰتٍ وَنَعِيمٍ ﴿١٧﴾ فَٰكِهِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَىٰهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿١٧﴾ ]
وفيه أيضاً أن وقايتهم عذاب الجحيم عدل؛ لأنهم لم يقترفوا ما يوجب العقاب. وأما ما أعطوه من النعيم فذلك فضل من الله وإكرام منه لهم. ابن عاشور:27/46.
﴿ ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوٓا۟ أَوْ لَا تَصْبِرُوا۟ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿١٦﴾ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّٰتٍ وَنَعِيمٍ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿١٦﴾ ]
لما ذكر تعالى عقوبة المكذبين، ذكر نعيم المتقين؛ ليجمع بين الترغيب والترهيب، فتكون القلوب بين الخوف والرجاء. السعدي:814.
﴿ فَلْيَأْتُوا۟ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِۦٓ إِن كَانُوا۟ صَٰدِقِينَ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿٣٤﴾ ]
وقوله: (إن كانوا صادقين) أي: في زعمهم أنه تقوّله؛ أي: فإن لم يأتوا بكلام مثله فهم كاذبون. وهذا إلهاب لعزيمتهم ليأتوا بكلام مثل القرآن؛ ليكون عدم إتيانهم بمثله حجة على كذبهم. ابن عاشور:27/ 67.
﴿ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَٰمُهُم بِهَٰذَآ ۚ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿٣٢﴾ ]
أي: بل أتأمرهم عقولهم بهذا الكلام المتناقض؛ إن الكاهن هو المفرط في الفطنة والذكاء، والمجنون هو ذاهب العقل فضلا عن أن يكون له فطنة وذكاء. الشوكاني:5/99.
﴿ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَٰمُهُم بِهَٰذَآ ۚ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿٣٢﴾ ]
الحلم: العقل ... ومعنى إنكار أن تأمرهم أحلامهم بهذا: أن الأحلام الراجحة لا تأمر بمثله، وفيه تعريض بأنهم أضاعوا أحلامهم حين قالوا ذلك؛ لأن الأحلام لا تأمر بمثله، فهم كمن لا أحلام لهم، وهذا تأويل ما روي أن الكافر لا عقل له. ابن عاشور:27/64.
﴿ وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَٰرَ ٱلنُّجُومِ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿٤٩﴾ ]
وذلك بصلاة الفجر سنة وفرضاً؛ لأنه وقت إدبارها حقيقة، فصارت عبادة الصبح محثوثاً عليها مرتين تشريفاً لها وتعظيماً لقدرها؛ فإن ذلك ينجي من العذاب الواقع، وينصر على العدو الدارع: من الـمُجَاهِر المدافع، والمنافق المخادع. البقاعي:19/39..
﴿ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ عَذَابًا دُونَ ذَٰلِكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿٤٧﴾ ]
قيل: قبل موتهم. ابن زيد: مصائب الدنيا من الأوجاع والأسقام والبلايا وذهاب الأموال والأولاد. القرطبي:19/541.
﴿ يَوْمَ لَا يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿٤٦﴾ ]
أي: لا قليلاً ولا كثيراً، وإن كان في الدنيا قد يوجد منهم كيد يعيشون به زمناً قليلاً، فيوم القيامة يضمحل كيدهم، وتبطل مساعيهم. السعدي:818.
﴿ فَلْيَأْتُوا۟ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِۦٓ إِن كَانُوا۟ صَٰدِقِينَ ﴾ [ سورة الطور آية:﴿٣٤﴾ ]
العادة تحيل أن يأتي واحد من قوم وهو مساو لهم بما لا يقدرون كلهم على مثله، والعاقل لا يجزم بشيء إلا وهو عالم به، ويلزم من علمهم بذلك قدرتهم على مثل ما يأتي به، فإنه صلى الله عليه وسلم مثلهم في الفصاحة والبلد والنسب، وبعضهم يزيد عليه بالكتابة وقول الشعر ومخالطة العلماء، ومزاولة الخطب والرسائل وغير ذلك، فلا يقدر على ما يعجزون عنه إلا بتأييد الهي؛ وهو المراد من تكذيبهم. البقاعي:19/26.