سورة الفرقان
آية
﴿ وَقَالُوا۟ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى ٱلْأَسْوَاقِ ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٧﴾]
(وَقَالوا مَال هَذا الرّسولِ): يعنون: محمدا صلى اللّه عليه وسلم، (يَأْكُلُ الطَّعامَ) كما نأكل نحن، (وَيَمْشِي فِي الأسواقِ): يلتمس المعاش كما نمشي؛ فلا يجوز أن يمتاز عنّا بالنبوة. وكانوا يقولون له: لست أنت بمَلَك ولا بملِك؛ لأنك تأكل والملك لا يأكل، ولست بملك؛ لأن الملك لا يتسوق، وأنت تتسوق وتتبذل. وما قالوه فاسد؛ لأن أكله الطعام لكونه آدميا، ومشيه في الأسواق لتواضعه، وكان ذلك صفة له، وشيء من ذلك لا ينافي النبوة. البغوي:3/322.
آية
﴿ قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِى يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٦﴾]
فإن قيل: ما مناسبة قوله: (إِنَّهُ كَانَ غَفوراًً رَحيماًً) لما قبله؟ فالجواب أنه لما ذكر أقوال الكفار أعقبها بذلك لبيان أنه غفور رحيم في كونه لم يعجل عليهم بالعقوبة؛ بل أمهلهم، وإن أسلموا تاب عليهم، وغفر لهم. ابن جزي:2/103.
آية
﴿ قَالُوٓا۟ أَسَٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِىَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴿٥﴾ قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِى يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٥﴾]
(إِنَّهُ كَانَ غَفوراًً رَحيماًً) دعاء لهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار لهم بأن رحمته واسعة، وأن حلمه عظيم، وأن من تاب إليه تاب عليه؛ فهؤلاء مع كذبهم وافترائهم، وفجورهم وبهتانهم، وكفرهم وعنادهم، وقولهم عن الرسول والقرآن ما قالوا، يدعوهم إلى التوبة والإقلاع عما هم فيه إلى الإسلام والهدى. ابن كثير:3/299.
آية
﴿ وَٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْـًٔا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَوٰةً وَلَا نُشُورًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٣﴾]
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الآلهة التي يعبدها المشركون من دونه متصفة بستة أشياء؛ كل واحد منها برهان قاطع أن عبادتها مع الله لا وجه لها بحال، بل هي ظلم متناه، وجهل عظيم...الأول منها: أنها لا تخلق شيئا، أي: لا تقدر على خلق شيء. والثاني منها: أنها مخلوقة كلها؛ أي: خلقها خالق كل شيء. والثالث: أنها لا تملك لأنفسها ضرا ولا نفعا، الرابع والخامس والسادس: أنها لا تملك موتا، ولا حياة، ولا نشورا؛ أي: بعثا بعد الموت. الشنقيطي:6/9.
آية
﴿ ۗ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٢٠﴾]
(وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) أي: بلية؛ فالغني فتنة للفقير؛ يقول الفقير: ما لي لم أكن مثله، والصحيح فتنة للمريض، والشريف فتنة للوضيع. وقال ابن عباس: أي جعلت بعضكم بلاء لبعض لتصبروا على ما تسمعون منهم.
آية
﴿ قَالُوا۟ سُبْحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِى لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَءَابَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا۟ ٱلذِّكْرَ وَكَانُوا۟ قَوْمًۢا بُورًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿١٨﴾]
قالُوا: (سُبْحانَكَ) نزهوا اللَّه مِن أن يكون معه آلهة، (مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) يعني ما كَان ينبغي لَنا أَن نوالي أَعداءكَ، بل أَنت ولينا من دونهِم، وقيل: ما كَان لَنا أَن نأْمرهم بعبادتنا ونحْن نعبدكَ. البغوي:3/326.
آية
﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هَٰٓؤُلَآءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا۟ ٱلسَّبِيلَ ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿١٧﴾]
والمعنى أن الله يقول يوم القيامة للمعبودين: (أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا) من تلقاء أنفسهم باختيارهم، ولم تضلوهم أنتم؟ ولأجل ذلك بين هذا المعنى بقوله: (هم) ليتحقق إسناد الضلال إليهم؛ فإنما سألهم الله هذا السؤال -مع علمه بالأمور- ليوبخ الكفار الذين عبدوهم. ابن جزي:2/104.
آية
﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هَٰٓؤُلَآءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا۟ ٱلسَّبِيلَ ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿١٧﴾]
فإن قيل: فإن كانت الأصنام التي تعبد تحشر، فكيف تنطق وهي جماد؟ قيل له: ينطقها الله تعالى يوم القيامة كما ينطق الأيدي والأرجل. القرطبي:15/378.
آية
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَٰحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَٰهُ تَرْتِيلًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٣٢﴾]
(كذلك لنثبت به فؤادك): هذا جواب لهم تقديره: أنزلناه كذلك مفرقاً؛ لنثبت به فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم....وأيضاً فإنه نزل بأسباب مختلفة تقتضي أن ينزل كل جزء منه عند حدوث سببه، وأيضاً من ناسخ ومنسوخ، ولا يتأتى ذلك فيما ينزل جملة واحدة. (ورتلناه ترتيلا) أي: فرقناه تفريقاً، فإنه نزل بطول عشرين سنة. ابن جزي:2/107.
آية
﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٣١﴾]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: وكما جعلنا لك يا محمد أعداء من مشركي قومك، كذلك جعلنا لكل من نبأناه من قبلك عدوا من مشركي قومه، فلم تخصص بذلك من بينهم، يقول: فاصبر لما نالك منهم كما صبر من قبلك أولو العزم من رسلنا. الطبري:19/265.
آية
﴿ يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴿٢٨﴾ لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِى ۗ وَكَانَ ٱلشَّيْطَٰنُ لِلْإِنسَٰنِ خَذُولًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٢٨﴾]
وفيه إيماء إلى أن شأن الخُلّة الثقة بالخليل، وحمل مشورته على النصح؛ فلا ينبغي أن يضع المرءُ خلّته إلا حيث يوقن بالسلامة من إشارات السوء. ابن عاشور:19/14.
آية
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٢٧﴾]
من أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا؛ كالظالم الذي يعض على يده؛ يقول: (يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلاناً خليلا). ابن تيمية: 5/12.
آية
﴿ ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَٰنِ ۚ ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٢٦﴾]
ومما يرتاح له القلب، وتطمئن به النفس، وينشرح له الصدر: أن أضاف الملك في يوم القيامة لاسمه (الرحمن) الذي وسعت رحمته كل شيء، وعمت كل حي... وخلق هذا الآدمي الضعيف وشرفه وكرمه ليتم عليه نعمته، وليتغمده برحمته، وقد حضروا في موقف الذل والخضوع والاستكانة بين يديه، ينتظرون ما يحكم فيهم، وما يجري عليهم، وهو أرحم بهم من أنفسهم ووالديهم، فما ظنك بما يعاملهم به؟! السعدي:582.
آية
﴿ أَرَءَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٤٣﴾]
(أرأيت من اتخذ إلهه هواه) أي: مهما استحسن من شيء ورآه حسنا في هوى نفسه، كان دينه ومذهبه؛ كما قال تعالى: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) [فاطر:8]. ابن كثير:6/113.
آية
﴿ وَلَقَدْ أَتَوْا۟ عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِىٓ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ ۚ أَفَلَمْ يَكُونُوا۟ يَرَوْنَهَا ۚ بَلْ كَانُوا۟ لَا يَرْجُونَ نُشُورًا ﴿٤٠﴾ وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِى بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٤٠﴾]
(ولقد أتوا على القرية) الضمير في (أتوا) لقريش، وغيرهم من الكفار، والقرية: قرية قوم لوط، ومطر السوء: الحجارة، ثم سألهم على رؤيتهم لها لأنها في طريقهم إلى الشام، ثم أخبر أن سبب عدم اعتبارهم بها كفرهم بالنشور. ابن جزي:2/108.
آية
﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا۟ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَٰهُمْ وَجَعَلْنَٰهُمْ لِلنَّاسِ ءَايَةً ۖ وَأَعْتَدْنَا لِلظَّٰلِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿٣٧﴾ وَعَادًا وَثَمُودَا۟ وَأَصْحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونًۢا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا ﴿٣٨﴾ وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ ٱلْأَمْثَٰلَ ۖ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٣٧﴾]
فأخبر أنه سبحانه ضرب الأمثال لجميع هؤلاء الذين أرسل إليهم وأهلكهم، فلم يعاقبهم إلا بعد أن أقام عليهم الحجة. ابن تيمية:5/14.
آية
﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا۟ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَٰهُمْ وَجَعَلْنَٰهُمْ لِلنَّاسِ ءَايَةً ۖ ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٣٧﴾]
وقوله: (الرسل) وهم إنما كذبوا نوحا فقط معناه: أن الأمة التي تكذب نبيا واحدا ففي ضمن ذلك تكذيب جميع الأنبياء، فجاءت العبارة بما يتضمنه فعلهم؛ تغليظا في القول عليهم. ابن عطية:4/210.
آية
﴿ ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُو۟لَٰٓئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٣٤﴾]
(الذين يحشرون) أي يجمعون قهراً ماشين مقلوبين (على وجوههم) أو مسحوبين (إلى جهنم) كما أنهم في الدنيا كانوا يعملون ما كأنهم معه لا يبصرون، ولا تصرف لهم في أنفسهم، تؤزهم الشياطين أزاً؛ فإن الآخرة مرآة الدنيا، مهما عمل هنا رئي هناك، كما أن الدنيا مزرعة الآخرة، مهما عمل فيها جنيت ثمرته هناك. روى البخاري عن أنس -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا نبي الله! كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: (أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟) قال قتادة: يعني الراوي عن أنس: «بلى وعزة ربنا». البقاعي:13/382.
آية
﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَٰكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٣٣﴾]
وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي للمتكلم في العلم من مُحَدِّث ومعلم وواعظ أن يقتدي بربه في تدبيره حال رسوله؛ كذلك العالم يدبر أمر الخلق، فكلما حدث موجب، أو حصل موسم، أتى بما يناسب ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمواعظ الموافقة لذلك. السعدي:582-583.
آية
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ ۗ وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٥٥﴾]
ونفي الضرّ بعد نفي النفع؛ للتنبيه على انتفاء شبهة عَبَدة الأصنام في شركهم؛ لأن موجب العبادة: إما رجاء النفع، وإما اتقاء ضر المعبود، وكلاهما منتف عن الأصنام بالمشاهَدة. ابن عاشور:19/56.
آية
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٤٥﴾]
وفي مَدِّ الظل وقبضِه نعمةُ معرفة أوقات النهار للصلوات وأعمال الناس، ونعمةُ التناوب في انتفاع الجماعات والأقطار بفوائد شعاع الشمس، وفوائد الفيء؛ بحيث إن الفريق الذي كان تحت الأشعة يتبرد بحلول الظلّ، والفريق الذي كان في الظل ينتفع بانقباضه. ابن عاشور:19/43.
آية
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٤٥﴾]
وفي مَدِّ الظل وقبضِه نعمةُ معرفة أوقات النهار للصلوات وأعمال الناس، ونعمةُ التناوب في انتفاع الجماعات والأقطار بفوائد شعاع الشمس، وفوائد الفيء؛ بحيث إن الفريق الذي كان تحت الأشعة يتبرد بحلول الظلّ، والفريق الذي كان في الظل ينتفع بانقباضه. ابن عاشور:19/43.
آية
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَٱلْأَنْعَٰمِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٤٤﴾]
لأنهم لا ينزجرون بما يسمعون؛ وهي تنزجر، ولا يشكرون للمحسن وهو وليهم، لا يجانبون المسيء وهو عدوهم، ولا يرغبون في الثواب، ولا يخافون العقاب؛ وذلك لأنا حجبنا شموس عقولهم بظلال الجبال الشامخة من ضلالهم، ولو آمنوا لانقشعت تلك الحجب، وأضاءت أنوار الإيمان، فأبصروا غرائب المعاني، وتبدت لهم خفايا الأســـرار، (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم) [يونس: 9]. البقاعي:13/395.
آية
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَٱلْأَنْعَٰمِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٤٤﴾]
وإنما نُفي فهم الأدلة السمعية والعقلية عن أكثرهم دون جميعهم؛ لأن هذا حال دهمائهم ومقلِّديهم، وفيهم معشر عقلاء يفهمون، ويستدلون بالكائنات، ولكنهم غلب عليهم حبّ الرئاسة، وأَنِفوا من أن يعودوا أتباعاً للنبي- صلى الله عليه وسلم - ومساوين للمؤمنين من ضعفاء قريش وعبيدهم، مِثل عمار، وبلال. ابن عاشور:19/37.
آية
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٦٢﴾]
إن القلوب تتقلب وتنتقل في ساعات الليل والنهار، فيحدث لها النشاط والكسل، والذكر والغفلة، والقبض والبسط، والإقبال والإعراض، فجعل الله الليل والنهار يتواليان على العباد ويتكرران ليحدث لهم الذكر والنشاط والشكر لله في وقت آخر. السعدي:586.
آية
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُوا۟ لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا۟ وَمَا ٱلرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٦٠﴾]
فلما حكي إباؤهم من السجود للرحمن في معرض التعجيب من شأنهم عُزز ذلك بالعمل بخلافهم، فسجد النبي هنا مخالفاً لهم مخالفة بالفعل؛ مبالغة في مخالفته لهم. ابن عاشور:19/63.
آية
﴿ قُلْ مَآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٥٧﴾]
(ما أسألكم عليه) أي: على الإبلاغ بالبشارة والنذارة (من أجر) لتتهموني أني أدعوكم لأجله، أو تقولوا: لولا ألقي إليه كنز ليغتني به عن ذلك؛ فكأنه يقول: الاقتصار عن التوسع في المال إنما يكره لمن يسأل الناس، وليس هذا من شيمي قبل النبوة؛ فكيف بما بعدها؟! فلا غرض لي حينئذ إلا نفعكم. البقاعي:13/412.
آية
﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا۟ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَٰمًا ﴿٧٥﴾ خَٰلِدِينَ فِيهَا ۚ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٧٥﴾]
وتلك مجموع إحدى عشرة خصلة، وهي: التواضع، والحلم، والتهجد، والخوف، وترك الإسراف، وترك الإقتار، والتنزه عن الشرك، وترك الزنا، وترك قتل النفس، والتوبةُ، وترك الكذب، والعفوُ عن المسيء، وقبولُ دعوة الحق، وإظهار الاحتياج إلى الله بالدعاء. ابن عاشور:19/84.
آية
﴿ وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٧٤﴾]
يدعون الله تعالى بأكمل الدعاء الذي ينتفعون به من صلاح أزواجهم وذرياتهم، ومن لوازم ذلك: سعيهم في تعليمهم، ووعظهم، ونصحهم؛ لأن من حرص على شيء ودعا الله فيه لا بد أن يكون متسبباً فيه. السعدي:588.
آية
﴿ وَٱلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا۟ بِٱللَّغْوِ مَرُّوا۟ كِرَامًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٧٢﴾]
(لا يشهدون الزور) أي: لا يشهدون بالزور؛ وهو الكذب؛ فهو من الشهادة. وقيل: معناه لا يحضرون مجالس الزور واللهو؛ فهو على هذا من المشاهدة والحضور. والأول أظهر. (وإذا مروا باللغو مروا كراما): اللغو هو الكلام القبيح على اختلاف أنواعه، ومعنى (مروا كراما) أي: أعرضوا عنه، واستحيوا، ولم يدخلوا مع أهله؛ تنزيهاً لأنفسهم عن ذلك. ابن جزي:2/113.
آية
﴿ وَٱلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا۟ بِٱللَّغْوِ مَرُّوا۟ كِرَامًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٧٢﴾]
(لا يشهدون الزور) أي: لا يشهدون بالزور؛ وهو الكذب؛ فهو من الشهادة. وقيل: معناه لا يحضرون مجالس الزور واللهو؛ فهو على هذا من المشاهدة والحضور. والأول أظهر. (وإذا مروا باللغو مروا كراما): اللغو هو الكلام القبيح على اختلاف أنواعه، ومعنى (مروا كراما) أي: أعرضوا عنه، واستحيوا، ولم يدخلوا مع أهله؛ تنزيهاً لأنفسهم عن ذلك. ابن جزي:2/113.
آية
﴿ لَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَٰلِحًا فَأُو۟لَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمْ حَسَنَٰتٍ ۗ ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٧٠﴾]
تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات؛ وما ذاك إلا لأنه كلما تذكر ما مضى ندم، واسترجع، واستغفر؛ فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار، فيوم القيامة وإن وجده مكتوباً عليه؛ فإنه لا يضره، وينقلب حسنة في صحيفته. ابن كثير:3/316.
آية
﴿ وَٱلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾ [سورة الفرقان آية:﴿٦٨﴾]
أكبر الكبائر ثلاث: الكفر ثم قتل النفس بغير الحق ثم الزنا؛ كما رتبها الله... وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قال: قلت يا رسول الله: أي الذنب أعظم؟ قال: (أن تجعل لله ندا وهو خلقك) قلت: ثم أي؟ قال: (ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك) قلت: ثم أي؟ قال: (أن تزاني بحليلة جارك). ولهذا الترتيب وجه معقول؛ وهو أن قوى الإنسان ثلاث: قوة العقل، وقوة الغضب، وقوة الشهوة. ابن تيمية:5/21-22.