تدبــــر - المجموعة الخامسة والعشرين
تأمل حالك في هذه الليالي المباركة هل تشعر بلذة النوم وحب الفراش؟ أو أنك تأوي إلى فراشك قدر حاجتك؛ لتستعين بذلك على العبادة، فتلحظ أنك كلما استغرقك النوم قمت فزعا؛ خوفا من فوات هذه المغانم؟ تدبر هذه الآية لتكتشف أي (عابد) أنت: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}الآية. فمن ضيع هذه الليالي المباركة فهو لما سواها أضيع. [أ.د.ناصر العمر]
{كلا إنها كلمة هو قائلها} قال الإمام السمعاني: يعني: سؤال الرجعة، وقد قال أهل العلم من السلف: لا يسأل الرجعة عبد له عند الله ذرة من خير؛ لأنه إذا كان له خير عند الله فهو يحب القدوم عليه.
القرآن غيرهم (8): كنت متأثرا ببعض الذين سلكوا منهج ما يسمى بـ(التنوير)-؛ لأني كنت أرى فيهم استقلالا فكريا وشرعيا! فلما تدبرت كتاب الله بتجرد، وتأملت في واقعهم وتفكيرهم، استبان لي ميلهم عن المنهج الصحيح، ورأيت فيهم تمييعا لأحكام الدين، وتنازلا بسبب ضغط الواقع، فرجعت للمنهج الحق، هدانا الله وإياهم للحق.
{فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم} أي: اقصدوا في مباشرتكم لزوجاتكم التقرب إلى الله بذلك، وابتغوا أيضا ليلة القدر، فإياكم أن تشتغلوا بهذه اللذة وتوابعها وتضيعوا ليلة القدر -وهي مما كتبه الله لهذه الأمة- وفيها من الخير العظيم ما يعد تفويته من أعظم الخسران، فاللذة مدركة، وليلة القدر إذا فاتت لم تدرك، ولم يعوض عنها شيء. [السعدي]
لو عمل المسلمون بأدب قرآنهم للفتوا الأنظار إلى روعته أكثر من ألف جمعية، وألف خطاب، وألف كتاب. [مصطفى السباعي]
تدبر الثناء على يوسف: {إنه من عبادنا المخلصين}، وموسى: {إنه كان مخلصا} بكسر اللام وفتحها في الآيتين، في قراءتين سبعيتين ومعنيين بديعين، حيث أخلصا في عملهما فأخلصهما الله واصطفاهما. وهذه الليالي فرصة بأن تجدد إخلاصك في عبادتك، لتنال اصطفاء الله لك، فيحفظك عندالشدائد، ويثبتك في الفتن،كما حفظ موسى ويوسف مع شدة وتعدد مالقيا من البلاء والمحن. [أ.د.ناصر العمر]
{ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} ففي هذا تنبيه للمؤمنين على حسن عاقبة القائمين لربهم في جنح الليل، وما يكون لهم من مقامات عند ربهم على حسب منازلهم، فكما كان المؤمنون ملحقين بنبيهم في مشروعية هذه العبادة، كذلك هم ملحقون به في حسن الجزاء عليها. [ابن باديس]
إذا كانت الدنيا كلها –في عمر الزمان– إنما هي {عشية أو ضحاها} فكيف بليال معدودات من عمر الدنيا كلها؟ والمؤمن يستعمل هذا المعنى في أمثال مواسم الطاعات؛ ليغتنم كل لحظة فيها، ويغار أن يمضي وقت منها في غير قربة، ولسان حاله يقول: {وعجلت إليك رب لترضى}. [د.عمر المقبل]
القرآن غيرهم : كنت في طريقي في هذه الإجازة لفعل الفاحشة وفجأة، تذكرت وقوفي بين يدي الله، وتذكرت هذه الآية: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} فغيرت مساري، ورجعت لبيتي، فحمدت الله على فضله أن عصمني من كبيرة من كبائر الذنوب؛ بسبب تدبر هذه الآية.
{ليلة القدر خير من ألف شهر} احسبها يا أيها المؤمن! وأنت في زمان يقصر فيه الليل، لتعرف فضل الله عليك في هذه الليلة العظيمة، فإذا كانت الليالي العادية في هذه الليالي تساوي عشر ساعات تقريبا، فهي في ليلة القدر تساوي أكثر من 700.000 سبعمائة ألف ساعة! ولا يفرط في هذا الفضل إلا محروم.
إذا كان في الزراعة موسم للبذار، وفي التجارة موسم للاستيراد، وفي السنة المدرسية موسم للاستعداد للامتحان، ففي سوق الصدقات موسم تزيد فيه الأرباح، هو هذه الأيام من رمضان، فاغتنموها: {إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم}. [علي الطنطاوي]
{وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار} مفهوم الآية: أن الله آخذ بيد السخي وبيد الكريم كلما عثر، فيجد له نصيرا، ولا يجد الظالم -بوضع القهر موضع البر- ناصرا. [علي الحرالي (ت:638هـ)]
{فتوكل على الله إنك على الحق المبين} فيه تنبيه على أن صاحب الحق حقيق بالوثوق بالله في نصرته. [ابن عجيبة الفاسي]
{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} مجيء هذه الآية بين آيات الطلاق في "البقرة"؛ لتصور لنا ما يجب أن يكون عليه المؤمن إذا سمع نداء الله -وهو منهمك في معركة الحياة-، فكأنه بهذا الأسلوب ينادينا: إنه ليس شأن المؤمن أن يحتاج إلى كبير معالجة للتسامي بروحه فوق مشاعر الأهل والولد، وإنما شأنه أن ينتشل نفسه من غمرتها انتشالا فوريا؛ ليسرع إلى تلبية ذلك النداء الأقدس، قائلا للدنيا كلها: "ذريني أتعبد لربي". [محمد دراز]
الانتصار في بدر كان هزيمة للكفار، وانتصارا على النفوس المهزومة التي تبني إيمانها على الماديات المشاهدة، دون الإيمان بقوة من أودع فيها قوتها. فتدبر هذه الآية تنكشف لك حقائق ربانية تقضي على أوهام المنهزمين: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة} فلنأخذ بالأسباب المشروعة لنرى ما رأى سلفنا. [أ.د.ناصر العمر]
لفتة تربوية: قال مالك بن مغول: اشتكى أبو معشر ابنه إلى طلحة بن مصرف، فقال: استعن عليه بهذه الآية، وتلا: {رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين}. حتى هذه الآية: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} نقرأها ونتجاوزها كغيرها من الآيات دون أن نشعر بها، فأي حرمان هذا؟! [من متدبر]
سأقرأ القرآن باحثا عن دهشة الحياة .. عن الخلوص من وساوس الغواة. سأفهم القرآن للبناء والعمران، ولن أراه فكرة عديمة، أو تحفة قديمة .. سأقرأ القرآن باليقين .. بالشفوف .. بالتسليم والإذعان. لن أقرأ القرآن للنكوص أو لأجل لقمة حقيرة، لن ألوي الحروف عامدا، لن أقرأه بغية صرف الوجوه، أو لأطعن الخصوم. [د.خالد بن عبدالله المزيني]
القرآن غيرهم : حدثني أحد طلابي من الجنسية الفرنسية عن رحلته إلى الإسلام فقال: حين سمعت قوله سبحانه وتعالى: {يا أيها الإنسان} شدتني براعة الاستهلال، والعلو والثقة، والقوة المطلقة التي يمتلكها قائل هذا الكلام؛ فأيقنت أنه ليس خطابا بشريا، فكانت هذه الصدمة البلاغية أول خطوات رحلتي إلى الإسلام. [أستاذ في جامعة أم القرى]
(فاستمسك بالذي أوحي إليك) الاستمساك يدل على صعوبة من ينازع الوحي ، ومنازع الوحي اليوم : من قدم (العقل والمفكرين والروائيين) ، ومن هجره ، ومن لم يأنس به ، ومن فاته نصيبه من بدّل أحكامه ، ومن نسيه .
(وأولئك هم المفلحون) الفلاح في: التوكل على الله لأنه يورث(العمل) والتفويض لأنه يورث(الاطمئنان) والثقة لأنها تورث(الاعتماد) فكل(نقص عندنا)لخلل في الأمور الثلاثة .
(استجيبوا لله وللرسول) ثم ذكر عقوبة عدم الاستجابة (فتنة لا تصيبن الذين ظلموا) يعني عامة فنعوذ بالله من (فتنة) هي عقوبة (لافتتاننا) .
(آباؤكم وابناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً ) أظهرت جهل الإنسان لدرجة أنه لا يدري أي آبائه وأبنائه أقرب نفعاً ، وهذا يحتم عليه طلب( الهداية) بعدد لقائه بأبيه وابنه .
(ولا الضالين) ضال العلماء : (الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) ضال الأغنياء : (إنما أوتيته على علم) ضال الوزاء : (ياهامان ابن لي صرحا) ضال النساء : (عجوزاً في الغابرين) ضال المفكرين : (فكر وقدر فقتل كيف قدر) ضال الملوك : (ما أريكم إلا ما أرى) ضال البلغاء : (ليخرجن الأعز منها الأذل) ضال البخلاء : (أن اغدوا على حرثكم) الضلال لا يعرف جنساً أو نوعاً دون آخر
( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) كل من كلف نفسه ما لا يعرفه ولا يتقنه ولا يقدر عليه وما يعجز عنه = فقد تحمّل ما لا طاقة له به .
(إلا قول إبراهيم لأبيه) ليس في العقيدة مجاملة : أوصانا الله بإبراهيم (أسوة حسنة) ثم قال : (إلا قول إبراهيم لأبيه) فلا يتبع في ذلك مع إمامة إبراهيم عليه السلام .
(معاذ الله إنه ربي) العفيف عن الخنا : يستعيذ بالله (معاذ الله) يستحي من ربه (إنه ربي) يصر ويمتنع (فاستعصم) لا يستجيب للإكراه (رب السجن أحب إلي)
(قلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك) استدلت النسوة بجمال المظهر على جمال الروح فشبهنه بالمَلَك ، فالمفسد يُقرأُ الفساد في قسمات وجهه وخيانات عينيه وفلتات لسانه
(ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين) علاج ضيقة الصدر بسبب ما يقول الأعداء : التسبيح السجود
لغة الفراعنة ولغة المصلحين لغة الفراعنة : (لأجعلنك من المسجونين) ( ذروني أقتل موسى) (لأصلبنكم) (أخرجوهم) لغة المصلحين : (ياقوم اعبدوا ربكم) (سلام عليك سأستغفر لك ربي) .
(والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً) البأس : العذاب المدمر تنكيلا : العذاب المتدرج بعض الأمم أهلكت بالبأس والأخرى بالتدرج فمن الذي يقف بوجهه عذاب الله ؟!
(ربنا اطمس على أموالهم) من صور الطمس : ١-ينقلب الذهب (المعدن)حجارة ٢-انهيار العملة ٣-تتحجر مزارعهم وفواكههم ويتجمد ماؤهم ، والله على كل شي قدير .
(ووجوه يومئذٍ عليها غبرة) الغبرة : الغبار كله وتدل على : تعب - غبار – إهانة ، فنعوذ بالله من عذاب الغبار .
(رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق) مدخل الصدق : لله وفيه وإليه . ومدخل كذب : عكس ذلك . وهذا في السوق والطريق والمستشفى والسفر والدوام والزيارة وكل مدخل ومخرج .
(إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله) (تناجي)الأعداء(يهود نصارى منافقين) يوجب : التبصر : (من الشيطان) ، معرفة الهدف وهو : (ليحزن) ، الحذر : (بضارهم شيئاً إلا بإذن الله) ، العلاج : (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) .
الناس والشيطان منهم من يصيبه (طائف من الشيطان) ومنهم (استحوذ عليهم الشيطان) ومنهم (استزلهم الشيطان) والبعض (كان له قرينا) ومنهم (أولياء الشيطان) وآخرون (زين لهم) ومنهم (سول وأملى لهم) والبعض (يعدهم ويمنيهم) وبعضهم (إخوان الشياطين) وأخسرهم (حزب الشيطان) آلا إن حزب الشيطان هم الخاسرون
معوقات دعوة نوح ١-فرار قومه ٢-جعلوا أصابعهم في آذانهم ٣-استغشوا ثيابهم ٤-أصروا على العناد ٥-استكبروااستكبارا ومع هذا(دعاهم٩٥٠سنة)عليه السلام .
أقوال الناس في القرآن أقوال العبيد : (بعزة فرعون) . أقوال المستكبرين : (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) أقوال المفتونين : (ياليت لنا مثلما أوتي قارون) أقوال الأنبياء : (إن الله معنا)
(أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ) فيها حقيقتان: علاج الشهوات في حفظ الصلوات . لا تجد متبعاً للشهوات إلا وهو مضيع للصلوات .
( إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً ) بدأ بالليل حيث تهدأ النفوس وتتهيأ من تعب النهار فيناسب - عند نوح- زيارتهم للدعوة
(وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا) أقسى اللحظات أن يشهد كل جسمك عليك فتلومه بلسان المتحسر الخسران (لم شهدت؟)
(إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً) زماننا المعاصر أحوج ما يكون الشخص فيه (للفرقان) لكثرة (الملتبسات) و(الشبهات) و(التناقضات) و(الاختلافات) .
(لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) يصيبنا : مضارع ومن لطائف كونه مضارعاً وليس (ماضيا) أن المؤمن راضٍ عما (أصابه) ومطمئن لما (يصيبه) .
(ياشعيب ما نفقه كثيراً مما تقول) منافقوا قوم شعيب قالوا : (ياشعيب ما نفقه كثيراً مما تقول) ، ومنافقونا يقولون : ما تفقهون كثيراً مما نقول! .
(يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما كان يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء)! المطالبة بعزل الدين عن مظاهر الحياة قديمة جداً حتى عند قوم شعيب .
(فلا تسألن ماليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين) بعد (٩٥٠سنة) في الدعوة لله ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً يقول الله له : (فلا تسألن ماليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين) فمهما بلغ الإنسان من الدعوة فلا ينفِ الجهل عن نفسه .
(فناداها من تحتها ألا تحزني) حملت مريم فاحتاجت فرج الله ، جاءها المخاض فاحتاجت الفرج ، ولدت فاحتاجت الفرج ، لم يأتها الفرج إلا حين (أتت قومها)، لا يأت الفرج إلا في أحوج أوقاته
(إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) لما خلت مريم بالملك (رجلاً سويا) قالت : (إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) لأنها تعلم أن الخلوة بالمرأة ليست من عمل الأتقياء .
(ماكان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) متقدموا مشركي بني إسرائيل (أعف) من متأخري مشركيهم ، فالمتقدمون قالوا: (ماكان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) ، ومتأخروهم قالوا : حرية ذاتية
(شيئاً فرياً) بنو اسرائيل في العهد (الإيماني الفطري) سمو الفاحشة (شيئاً فرياً) ، فكيف لو رأوا حال الأمة الغربية اليوم التي تجعل (العفة) مرضاً نفسياً .
(ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه) (بلعام) عالم سوء بني اسرائيل ، وصفه الله بكونه : ١- أخلد إلى الأرض ٢- واتبع هواه فكل من وقع في هذين الأمرين من علمائنا فقد (شابه بلعام)
(إن الأبرار لفي نعيم ) (الأبرار) أثنى الله عليهم في كتابه فقال الحسن في بيان وصفهم : (لا يؤذون الذَرّ ، ولا يرضون بالشر) ما أدق فهم السلف وأجمع عباراتهم .
(إن الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً) الأبرار : خلطوا مباحات مع الطاعات فخُلط لهم الشرابُ بالكافور كما خلطوا أعمال الطاعات بالمباحات ، جزاءً وفاقاً .
(آمنوا وعملوا الصالحات) على قدر الإيمان تكون التربية قوة وعمقاً وارتفاعاً ، قال ابن القيم : من أراد علو بنيانه (في التربية) ، فليحكم أساسه (بالإيمان) .