فوائد من كتاب قصر الامل
حكمــــــة
عن داود بن أبي هند، وحميد، قالا: « بينما عيسى جالس، وشيخ يعمل بمسحاته يثير بها الأرض، فقال عيسى: » اللهم انزع منه الأمل « فوضع الشيخ المسحاة واضطجع. فلبث ساعة، فقال عيسى: » اللهم اردد إليه الأمل «. فقام، فجعل يعمل، فقال عيسى: » ما لك بينما أنت تعمل ألقيت مسحاتك واضطجعت ساعة، ثم إنك قمت بعد تعمل؟ « فقال الشيخ: بينما أنا أعمل، إذ قالت لي نفسي: إلى متى تعمل وأنت شيخ كبير؟ فألقيت المسحاة واضطجعت. ثم قالت لي نفسي: والله ما بد لك من عيش ما بقيت ؛ فقمت إلى مسحاتي ».
حكمــــــة
عن سلمان الفارسي، قال: « ثلاث أعجبتني، ثم أضحكتني، مؤمل الدنيا والموت يطلبه. وغافل وليس بمغفول عنه. وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط رب العالمين عليه أم راض عنه. وثلاثة أحزنتني حتى أبكتني: فراق محمد صلى الله عليه وسلم وحزبه والأحبة. وهول المطلع. والوقوف بين يدي ربي، لا أدري إلى الجنة يؤمر بي أو إلى النار ».
حكمــــــة
قال عمر بن عبد العزيز: في بعض خطبه: « إن لكل سفر زادا لا محالة، فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة بالتقوى، وكونوا كمن عاين ما أعد الله من ثوابه وعقابه، ترغبون وترهبون، ولا يطولن عليكم الأمل فتقسو قلوبكم، وتنقادوا لعدوكم، فإنه والله ما بسط أمل من لا يدري لعله لا يصبح بعد مسائه ولا يمسي بعد صباحه، وربما كانت بين ذلك خطفات المنايا، فكم رأيت ورأيتم من كان بالدنيا مغترا، وإنما تقر عين من وثق بالنجاة من عذاب الله، وإنما يفرح من أمن أهوال القيامة، فأما من لا يداوي كلما، إلا أصابه جارح من ناحية أخرى، فكيف يفرح أعوذ بالله أن آمركم بما أنهى عنه نفسي فتخسر صفقتي، وتظهر عولتي، وتبدو مسكنتي في يوم يبدو فيه الغنى والفقر، والموازين فيه منصوبة، لقد عنيتم بأمر لو عنيت به النجوم انكدرت، ولو عنيت به الجبال لزالت، ولو عنيت به الأرض لتشققت. أما تعلمون أنه ليس بين الجنة والنار منزلة؟ وأنكم صائرون إلى أحدهما؟ ».
حكمــــــة
عن عبد الله قال: أنشدنا أبو بكر بن علي قوله: « قل للمؤمل إن الموت في أثرك وليس يخفى عليك الأمر من نظرك فيمن مضى لك إن فكرت مفتكر ومن يمت كل يوم فهو من نذرك دار تسافر فيها من غد سفرا فلا تئوب إذا سافرت من سفرك تضحى غدا سمرا للذاكرين كما صار الذين مضوا بالأمس من سمرك » قال: وأنشدني قوله: نودي بصوت أيما صوت ما أقرب الحي من الموت كأن أهل الغي في غيهم قد أخذوا أمنا من الموت كم مصبح يعمر بيتا له لم يمس إلا خارب البيت هذا وكم حي بكى ميتا فأصبح الحي مع الميت.
حكمــــــة
عن أبي المتوكل الناجي، قال: قال لي سليمان بن عبد قيس: يا أبا المتوكل. قلت: لبيك. قال: « عليك بما يرغبك في الآخرة، ويزهدك في الدنيا، ويقربك إلى الله ». قلت: وما هو يا عبد الله؟، قال: « تقصر عن الدنيا همتك، وتسمو إلى الآخرة بنيتك، وتصدق ذلك بفعلك ». قلت: فكيف لي ما أستعين به على ذلك؟، قال: « تقصر أملك في الدنيا، وتكثر رغبتك في الآخرة، حتى تكون بالدنيا برما، وبالآخرة كرثا. فإذا كنت كذلك لم يكن شيء أحب إليك ورودا من الموت، ولا شيء أبغض إليك من الحياة ». قال: قلت: أيا عبد الله، ما كنت أحسبك تحسن مثل هذا، قال: « كم من شيء أحسنه وددت أني لا أحسنه، وكم من شيء لا أحسنه وددت أني أحسنه، وما يغني ما أحسن من الخير إذا كنت لا أعمل به. والله لو جاءني النذير من ربي عند الموت، فأخبرني أني من أهل النار، وأنه لم يبق من أجلي إلا ساعة من نهار، ما.. نفسي عن نفسي بهلاكها، ولا اجتهدت نفسي فيما بقي من عمرها لتكون أعذر لها عندي إذا نزل الموت ».
حكمــــــة
قال أبو عبد الله محمد بن مرثد: حدثني بعض أصحابنا « أنهم خرجوا إلى مكة فنزلوا منزلا، فجاءهم رجل ليس معه إداوة ولا حذاء، فقال: أتريدون أن أجيئكم بماء؟ فأعطوه إداواتهم، فجاءهم بماء، فناوله بعضهم رغيفا، فأخذه، فقام غير بعيد، فأكله، ثم غطى رأسه، فنام. فزوله صاحب الرغيف وكانوا قد طعموا فعمد إلى رغيفين، فجعل بينهما لحما، ثم أتاه، فأيقظه، فقال: قم فكل. فقال: لا حاجة لي فيه. فحرص به، فأبى فقال له المعطي: لما استغرق أهل الولاية الولاية. قال: يقول له الرجل: لعلك تريد أن تقول: بما استتم به. قال: نعم. قال: بقطعهم الأمل. قال: وكيف قدروا على قطع الأمل؟، قال: بقلة الادخار. قال: وكيف قدروا على قلة الادخار؟ قال: بأخذهم الشيء على الحاجة. قال: فيكون العطاء والمنع عندك واحدا؟ قال: لو زاد أحدهم على الآخر مقياس شعيرة لم يكن ثم رضا، ثم مضى نحو مكة، وترك الرغيفين. قال: فبينا أنا أطوف، إذا هو في الطواف، فعرفني، فقال: صاحب الرغيفين؟ قلت: نعم. قال: الأمر والله على ما قلت. ثم غاب في الزحام، فلم أره ».
حكمــــــة
عن عبيد الله بن شميط بن عجلان، قال: سمعت أبي يقول: « إن المؤمن يقول لنفسه: إنما هي أيام ثلاثة: فقد مضى أمس بما فيه، وغدا أمل لعلك لا تدركه، إنك إن كنت من أهل غد فإن غدا يجيء برزق غد، إن دون غد يوما وليلة تخترم فيه أنفس كثيرة، لعلك المخترم فيها. كفى كل يوم همه. ثم قد حملت على قلبك الضعيف هم السنين والأزمنة، وهم الغلاء والرخص، وهم الشتاء قبل أن يجيء الشتاء، وهم الصيف قبل أن يجيء الصيف، فماذا أبقيت من قلبك الضعيف لآخرته؟ كل يوم ينقص من أجلك وأنت لا تحزن، وكل يوم تستوفي رزقك وأنت لا تحزن، أعطيت ما يكفيك فأنت تطلب ما يطغيك، لا بقليل تقنع، ولا من كثير تشبع، وكيف لا يستبين بعالم جهله وقد عجز عن شكر ما هو فيه، وهو مغتر في طلب الزيادة؟ أم كيف يعمل للآخرة من لا ينقطع من الدنيا شهوته، ولا تنقضي منها نهمته؟ فالعجب كل العجب لمن يصدق بدار الحيوان وهو يسعى لدار الغرور ».
حكمــــــة
قال عبيد الله بن شميط بن عجلان، يقول: قال أبي: « طالت آمالكم، فجددتم منازلكم من الدنيا، وطيبتم منها معايشكم، وتلذذتم فيها بطيب الطعام، ولين اللباس، كأنكم للدنيا خلقتم أولا تعلمون أن الموت أمامكم؟ أولا تعلمون أن ملك الموت موكل بآجالكم، لا يذهب عنه من المدة شيء؟ ثم يقول: لا تكونوا رحمكم الله أقل شيء بالموت اكتراثا، وأعظم شيء عن الموت غفلة، فما ينتظر الحي إلا الموت، وما ينتظر المسافر إلا الظعن ».
حكمــــــة
عن عبيد الله بن شميط، قال: سمعت أبي يقول: « أيها المغتر بطول صحته، أما رأيت ميتا قط من غير سقم؟، أيها المغتر بطول المهلة، أما رأيت مأخوذا قط من غير عدة؟، إنك لو فكرت في طول عمرك لنسيت ما قد تقدم من لذاتك. أبالصحة تغترون؟، أم بطول العافية تمرحون؟، أم للموت تأمنون؟، أم على ملك الموت تجترئون؟، إن ملك الموت إذا جاء لم يمنعه منك ثروة مالك، ولا كثرة احتشادك. أما علمت أن ساعة الموت ذات كرب وغصص وندامة على التفريط؟ ثم يقول: رحم الله عبدا عمل لساعة الموت. رحم الله عبدا عمل لما بعد الموت. رحم الله عبدا نظر لنفسه قبل نزول الموت »
حكمــــــة
عن أبي زكريا التيمي، قال: بينما سليمان بن عبد الملك في المسجد الحرام إذ أتي بحجر منقور، فطلب من يقرؤه. فأتي بوهب بن منبه، فقرأه، فإذا فيه: ابن آدم إنك لو رأيت قريب ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك، ولرغبت في الزيادة من عملك، ولقصرت من حرصك وحيلك. وإنما يلقاك غدا ندمك، لو قد زلت بك قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك، فبان منك الولد القريب، ورفضك الوالد والنسيب. فلا أنت إلى دنياك عائد، ولا في حسناتك زائد. فاعمل ليوم القيامة قبل الحسرة والندامة، أظنه قال: فبكى سليمان بكاء شديدا
حكمــــــة
عن محمد بن حميد بن عبد الرحمن بن يوسف الأصبهاني، قال: وجدت كتابا عند جدي عبد الرحمن بن يوسف: من محمد بن يوسف إلى عبد الرحمن بن يوسف. سلام عليك. « فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإني محذرك متحولك من دار مهلتك إلى دار إقامتك وجزاء أعمالك، فتصير في قرار باطن الأرض بعد ظاهرها، فيأتيك منكر ونكير، فيقعدانك وينتهرانك، فإن يكن الله معك فلا بأس ولا وحشة ولا فاقة، وإن يكن غير ذلك فأعاذني الله وإياك من سوء مصرع وضيق مضجع. ثم تتبعك صيحة الحشر، ونفخ الصور، وقيام الجبار لفصل قضاء الخلائق، وخلاء الأرض من أهلها، والسماوات من سكانها. فباحت الأسرار، وأسعرت النار، ووضعت الموازين، وجيء بالنبيين والشهداء، وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين، فكم من مفتضح ومستور. وكم من هالك وناج. وكم من معذب ومرحوم. فياليت شعري ما حالي وحالك يومئذ؟ ففي هذا ما هدم اللذات، وسلا عن الشهوات، وقصر الأمل، فاستيقظ النائمون، وحذر الغافلون. أعاننا الله وإياك على هذا الخطر العظيم، وأوقع الدنيا والآخرة من قلبي وقلبك موقعهما من قلوب المتقين. فإنما نحن به وله ».
حكمــــــة
قال بعض الحكماء: « تيقظوا لأمر الله فقد.. ألسنة عنه. واحبسوا على أنفسكم ما يمر لها صفحا من العبر، وعلى أسماعكم لما يمر بها مختارا من المواعظ، وليحرك التخويف منكم خوفا، وليحدث التذكير لكم اعتبارا، أو ليزدكم ببغض الدنيا إليكم لها بغضا، ولمصارعها حذرا. وأغلقوا عليكم باب الأمل، فإنه يفتح عليكم باب القسوة. وأحلوا الخوف منكم محل الرجاء. وأمهدوا في دار مقامكم قبل الرحلة، وبادروا بذلك الموت، وحسرات الفوت، وضيق المضطجع، وهول المطلع، والموقف للحساب، فكأن قد أظلكم. فبادروا في بقية آجالكم فناءها، وبصحبة أجسامكم سقمها. وكونوا من الله على حذر، ومن لقائه على عتاد. فاستدل مستدل بما يرى، أو اعتبر معتبر بما يسمع، أو نظر ناظر فأبصر، وفكر مفكر فانتفع. ولا.. حظوظكم من الله، فقد حضرت النقلة، وطال الاغترار.
حكمــــــة
كتب أبو عتبة عباد الخواص إلى سليمان بن حيان أبي خالد الأحمر: « أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله، وحسن النظر مما هو منظور فيه من أمرك، وأعرض نفسك قبل عرض الله إياك، وبادر الأجل بصالح العمل قبل فوت ذلك والأسف عليه، فالعجب لموقع هذا الخطر من القلوب مع المعرفة بفنائه والعلم بما مضى منه ومن أهله، هل فيهم مغبوط بشيء كان فيه؟، أم هل منهم ظاعن بشيء معه؟، أم هل منهم مردود إلى معتمد، فأتى كتابك فسررت بعافية الله؟ إياكم. غلبة الهوى على المعرفة، قد كان السرور بالموت أحق، ولكنا نسأل الله لنا ولك بركة عطائه، واللطف بالسلامة فيما أخرنا له، فقد... الموت الصالحون قبلنا عند وقوع أوائل... في جمهورها. إنما وصف... منها... لا نعرفه من أنفسنا، ولا نناله إلا بالله تعالى. نحن معافون، وما يأتينا من نعم الله عظيم »
حكمــــــة
خطب عمر بن عبد العزيز، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وقال: « أيها الناس، إنكم لم تخلقوا عبثا، ولن تتركوا سدى. وإن لكم معادا يجمعكم الله للحكم فيكم والفصل فيما بينكم فخاب وشقي عبد أخرجه الله من رحمته التي وسعت كل شيء، وجنته التي عرضها السماوات والأرض، وإنما يكون الأمان غدا لمن خاف الله واتقى، وباع قليلا بكثير، وفانيا بباق، وشقوة بسعادة. ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيخلفه بعدكم الباقون؟ ألا ترون أنكم في كل يوم تشيعون غاديا أو رائحا إلى الله، قد قضى نحبه، وانقطع أمله، فيضعونه في بطن صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسلاب، وفارق الأحباب، وواجه الحساب؟، وايم الله إني لأقول لكم مقالتي هذه، وما أعلم عند أحد منكم من الذنوب أكثر مما أعلم من نفسي ؛ ولكنها سنن من الله عادلة، أمر فيها بطاعته، ونهى فيها عن معصيته. وأستغفر الله ». ووضع كمه على وجهه فبكى حتى لثقت لحيته، فما عاد إلى مجلسه حتى مات رحمه الله
حكمــــــة
عن محمد بن سلام الجمحي، قال: سمعت الربيع بن عبد الرحمن، يقول في كلامه: « قطعتنا غفلة الآمال عن مبادرة الآجال، فنحن في الدنيا حيارى، لا ننتبه من رقدة إلا أعقبتنا في أثرها غفلة، فيا إخوتاه نشدتكم بالله، هل تعلمون مؤمنا بالله أغر، ولنقمه أقل حذرا، من قوم هجمت بهم العبر على مصارع النادمين، فطاشت عقولهم، وضلت حلومهم عندما رأوا من العبر والأمثال، ثم رجعوا عن ذلك إلى غير قلعة ولا نقلة؟ فبالله يا إخواتاه، هل رأيتم عاقلا رضي من حاله لنفسه بمثل هذه حالا؟ والله عباد الله لتبلغن من طاعة الله رضاه أو لتنكرن ما تعرفون من حسن بلائه، وتواتر نعمائه. إن تحسن أيها المرء يحسن إليك، وإن تسئ فعلى نفسك بالعتب فارجع، فقد بين وأعذر وأنذر، فما للناس على الله حجة بعد الرسل، وكان الله عزيزا حكيما ».
حكمــــــة
قال عبد الرحمن بن يزيد - وكان له حظ من دين وعقل - فقال لبعض أصحابه: أبا فلان، « أخبرني عن حالك التي أنت عليها، أترضاها للموت؟ »، قال: لا، قال: « فهل أزمعت التحويل إلى حال ترضاها للموت؟ » قال: لا والله ما تاقت نفسي إلى ذلك بعد، قال: « فهل بعد الموت دار فيها معتمل؟ »، قال: لا، قال: « فهل تأمن أن يأتيك الموت وأنت على حالك هذه؟ » قال: لا، قال: « ما رأيت مثل هذه حالا رضي بها وأقام عليها - أحسبه قال - عاقل ».
حكمــــــة
قال يزيد الرقاشي في كلامه: « إلى متى نقول: غدا أفعل كذا، وبعد غد أفعل كذا، وإذا أفطرت فعلت كذا، وإذا قدمت من سفري فعلت كذا؟ أغفلت سفرك البعيد، ونسيت ملك الموت؟ أما علمت أن دون غد ليلة تخترم فيها أنفس كثيرة؟ أما علمت أن ملك الموت غير منتظر بك أملك الطويل؟ أما علمت أن الموت غاية كل حي؟ » قال: ثم يبكي حتى يبل عمامته ثم يقول: « أما رأيته صريعا بين أحبابه لا يقدر على رد جوابهم، بعد أن كان جدلا خصما، سمحا كريما عليهم؟ أيها المغتر بشبابه، أيها المغتر بطول عمره ». قال: ثم يبكي حتى يبل عمامته.
حكمــــــة
قال عمر بن ذر، « ابن آدم إنما يتعجل أفراحه بكاذب آماله، ولا يتعجل أحزانه بأعظم أخطاره ». عن عتبة بن هارون، قال: قال ابن أبي عمرة: « يا أيهذا الذي قد غره الأمل ودون ما يأمل التنغيص والأجل ألا ترى إنما الدنيا وزينتها كمنزل الركب دارا ثمة ارتحلوا حتوفها رصد وعيشها نكد وصفوها رنق وملكها دول تظل تفزع في الروعات ساكنها فما يسوغ له لين ولا جذل كأنه للمنايا والردى عرض تظل فيه بنات الدهر تنتضل المرء يشقى بما يسعى لوارثه والقبر وارث ما يسعى له الرجل ».
حكمــــــة
عن صدقة أبو محمد الزاهد قال: خرجنا في جنازة بالكوفة، وخرج فيها داود الطائي، فانتبذ مقعد ناحية وهي تدفن، فجئت قريبا منه، فتكلم، فقال: « من خاف الوعيد قصر عليه البعيد، ومن طال أمله ضعف عمله، وكل ما هو آت قريب، واعلم أي أخي أن كل شيء يشغلك عن ربك فهو عليك مشئوم. واعلم أن أهل الدنيا جميعا من أهل القبور، إنما يندمون على ما يخلفون، ويفرحون بما يقدمون، مما عليه أهل القبور ندموا أهل الدنيا عليه يقتتلون، وفيه يتنافسون، وعليه عند القضاة يختصمون »
حكمــــــة
قال بعض الحكماء: « احذر طول الأمل، فإنه سبب هلاك الأمم، ولا تدفع الواجب بالباطل فيدال منك سريعا، وكن في وقت الرحلة إلى الآخرة تغتبط بالعافية، وقصر رغبتك في الدنيا، فإن مدتك قريبة منك والموت وارد عليك، وحاسب ساعاتك، فما كان لك من الحظ منها فاعمل به، وما ظننت.. فعجل الإقلاع عنه، ولا تأنس بما شغلك عن صلاح نفسك، وتوهم - إن كنت ناصحا لنفسك أنك في قبرك قبل حلولك به، ليسقط عنك فضول الدنيا، وما لا حاجة لك به ».
حكمــــــة
أنشد عبد الله قال: وأنشد الحسين بن عبد الرحمن: « يأمل المرء أبعد الآمال وهو رهن بأقرب الآجال لو رأى المرء رأي عينيه يوما كيف صول الآجال بالآمال لتناهى وقصر الخطو في اللهو ولم يغتر بدار الزوال نحن نلهو ونحن تحصى علينا حركات الإدبار والإقبال فإذا الساعة الخفية حمت لم يكن عثر عاثر بمقال نحن أهل اليقين بالموت والبعث وعرض الأقوال والأعمال ثم لا نرعوي وقد أعذر الله بطول البقا والإمهال أي شيء تركت يا عارفا بالله للممترين والجهال تركب الشيء ليس فيه سوى أنك تهواه، فعل أهل الضلال أنت ضيف، وكل ضيف وإن طالت لياليه مؤذن بارتحال لو تزودت من تقى الله زادا وتجنبت باهظ الأثقال أيها الجامع الذي ليس يدري كيف جور الأهلين والأموال يستوي في الحساب والبعث والموقف أهل الإكثار والإقلال ثم لا يقتسمون النار والجنة إلا بسالف الأعمال ».
حكمــــــة
قال الحسن: « إذا سرك أن تنظر إلى الدنيا بعدك، فانظر إليها بعد غيرك ». وعن الشعبي قال: لما بعث زياد مسروقا على السلسلة، شيعه أصحابه، وكان فينا شاب يجالسه، لم يكن مسروق يعرف اسمه، فلما أراد القوم الرجوع، جعلوا يودعون مسروقا، والشاب في ناحية، فلما انصرف القوم، أتاه فقال: « إنك أصبحت قريع القراء، وإن زينك لهم زين وإن شينك لهم شين فلا تحدثن نفسك بفقر، ولا بطول عمر ».
حكمــــــة
كان الحسن يقول في موعظته: « المبادرة عبادة، المبادرة، فإنما هي الأنفاس، لو قد حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تقربون بها إلى الله عز وجل، رحم الله امرأ نظر لنفسه، وبكى على ذنوبه، ثم قرأ هذه الآية: إنما نعد لهم عدا »، ثم يبكي ويقول: « آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخولك في قبرك ».
حكمــــــة
عن محمد بن مطرف قال: دخلنا على أبي حازم الأعرج لما حضره الموت، فقلنا: يا أبا حازم كيف تجدك؟ قال: « أجدني بخير، أجدني راجيا الله، حسن الظن به »، ثم قال: « إنه والله ما يستوي من غدا وراح يعمر عقد الآخرة لنفسه فيقدمها أمامه قبل أن ينزل به الموت حتى يقدم عليها فيقوم لها وتقوم له، ومن غدا وراح في عقد الدنيا يعمرها لغيره ويرجع إلى الآخرة لا حظ له فيها ولا نصيب ».
حكمــــــة
عن أحمد بن إسحاق الحضرمي قال: سمعت صالح بن بشير يتمثل هذا البيت في قصصه « وغائب الموت لا ترجون رجعته إذا ذوو سفر من غيبة رجعوا »، قال: ثم يبكي، ويقول: « هو والله السفر البعيد، فتزودوا لمراحله، فإن خير الزاد التقوى، واعلموا أنكم في مثل أمنيتهم، فبادروا الموت، فاعملوا له قبل حلوله » قال: ثم بكى.
حكمــــــة
عن صالح المري، قال: حدثني رجل من الأزد بعثه عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز، قال: سمعته يخطب، ويقول في خطبته: « والله ما هي إلا الآخرة، ألا فاعملوا الخير ما دعيتم إليه، ولا تغرنكم الدنيا والمهلة فيها، فعن قليل تنقلون إلى غيرها توشكون، فالله الله على الله في أنفسكم، فبادروا بها الموت قبل حلول الموت، فلا يطول بكم الأمد فتقسو قلوبكم، وتكونوا كقوم دعوا إلى... فقصروا بعد... قصروا عند الآخرة » قال: ثم نحب وهو على المنبر.
حكمــــــة
قال بعض الخلفاء على المنبر: « اتقوا الله عباد الله ما استطعتم، وكونوا قوما صيح بهم فانتبهوا، وعلموا أن الدنيا ليست لهم بدار، فاستبدلوا، واستعدوا للموت فقد أظلكم، وترحلوا فقد جد بكم، وإن غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة، وإن غائبا يجد به الجديدان: الليل والنهار، لحري بسرعة الأوبة، وإن قادما يحل بالفوز أو الشقوة لمستحق لأفضل العدة، فالتقي عند ربه من ناصح نفسه، وقدم توبته، وغلب شهوته، فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكل به يمنيه التوبة ليسوفها، ويزين إليه المعصية ليرتكبها، حتى تهجم منيته عليه أغفل ما يكون عنها، وإنه ما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به، فيالها حسرة على كل ذي غفلة، أن يكون عمره عليه حجة، وأن ترديه أيامه إلى شقوة، جعلنا الله وإياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعة الله معصية، ولا يحل به بعد الموت حسرة، إنه سميع الدعاء، وإنه بيده الخير، وإنه فعال لما يشاء ».
حكمــــــة
قال صفوان بن هبيرة: قدم علينا عبد الملك بن أيوب النميري واليا من قبل أبي جعفر، فاستحفيناه، فخطبنا يوم الجمعة فقال: « الحمد لله الذي علا في سمائه، وقهر في ملكه، وعدل في حكمه، وسمي الجبار، لجبروته فله الأسماء والأمثال العلا، يعلم السر وأخفى، وهو بالمنظر الأعلى أحمده على توالي مننه، وتظاهر نعمه، وأعوذ بجلاله و... من سطواته ونقمه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بوحي منظوم، وأمر معلوم، وختم معزوم، فنطق بالصدق، ودعا إلى الحق، وكان كما قال الله عز وجل رءوفا رحيما، صلى الله عليه وسلم، أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحذركم الدنيا، فلقد صحبها أقوام، فوالله ما بقيت لهم، ولا بقوا عليها بل تخرمتهم الآجال، وأفنتهم المنايا فصارت منازلهم حفرا، وصاروا للقبور سكانا، وللأموات جيرانا، فبادروا الموت قبل أن يحل منكم بحوالئه، ويمكن منكم بمخالبه فيطفئ الأبصار نورها، ويحمل الأجساد إلى قبورها... كفنه، ويفرق بينه وبين سكنه، ويلحق بسيئه وحسنه، ويقل الرد عنه البواكي، وتولى عنه الأكف الحواني، ويصير بمنزلة الغريب الثاوي ولا يمد له في الأجل، ولا يعدد بالعلل، ولا يؤخر للعمل، وقبل اليوم العسير، والشر المستطير ».