فوائد من كتاب التخويف من النار 2 لابن رجب الحنبلى رحمه الله
حكمــــــة
قال أبو عمران الجوني: إذا كان يوم القيامة أمر الله بكل جبار عنيد و كل شيطان مريد و بكل من يخاف في الدنيا شره العبيد فأوثقوا بالحديد ثم أمر بهم إلى جهنم التي لا تبيد ثم أوصدها عليهم ملائكة رب العبيد قال: فلا و الله لا تستقر أقدامهم على قرار أبدا و لا و الله لا ينظرون فيها إلى أديم سماء أبدا و لا الله لا تلتقي جفون أعينهم على غمض نوم أبدا و لا و الله لا يذقون فيها بارد شراب أبدا.
حكمــــــة
قال أبو جعفر عن الربيع بن أنس: إن الله جعل هذه النار ـ يعني نار الدنيا ـ نورا و ضياء و متعا لأهل الأرض و إن النار الكبرى سوداء مظلمة مثل القبر ـ نعوذ بالله منها وعن الضحاك قال: جهنم سوداء و ماؤها أسود و شجرها أسود و أهلها سود و قد دل على سواد أهلها قوله تعالى: { كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } و قوله تعالى: { يوم تبيض وجوه و تسود وجوه }
حكمــــــة
روي عن زبيد اليامي أنه قام ليلة للتهجد فعمد إلى مطهرة له قد كان يتوضأ فيها فغسل يده ثم أدخلها في المطهرة فوجد الماء الذي فيها باردا بردا شديدا قد كاد أن يجمد فذكر الزمهرير و يده في المطهرة فلم يخرج يده من المطهرة حتى أصبح فجاءته الجارية و هو على تلك الحال فقالت: ما شأنك ـ يا سيدي ـ لم تصل الليلة كما كنت تصلي؟ قال: ويحك إني أدخلت يدي في هذه المطهرة فاشتد علي برد الماء فذكرت به الزمهرير فو الله ما شعرت بشدة برده حتى وقفت علي انظري لا تخبري بهذا أحدا ما دمت حيا فما علم بذلك أحد حتى مات رحمه الله.
حكمــــــة
قال الله عز و جل: { و من يهد الله فهو المهتد و من يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه و نحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا و بكما و صما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا } قال ابن عباس: كلما طفئت أوقدت و قال ابن عباس: خبت: سكنت وقال ابن قتيبة: خبت النار إذا سكن لهبها فاللهب يسكن و الجمر يعمل و قال غيره من المفسرين: تأكلهم فإذا صاروا فحما و لم تجد النار شيئا تأكله أعيد خلقهم خلقا جديدا فتعود لأكلهم.
حكمــــــة
قال الله عز و جل: { زدناهم سعيرا } أي نارا تتسعر و تتلهب وقد روي عن عمرو بن عبسة أن في جهنم بئرا يقال له: الفلق منه تسعر جهنم إذا سعرت و سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى و المعنى أن يكشف ذلك البئر فيخرج منه نار تلهب جهنم و توقدها. قال الله تعالى: { فأنذرتكم نارا تلظى } قال مجاهد و غيره توهج قرأ عمر بن عبد العزيز ليلة في صلاته سورة { و الليل إذا يغشى } فلما بلغ قوله { فأنذرتكم نارا تلظى } بكى فلم يستطيع أن يجاوزها ثم عاد فتلا السورة حتى بلغ الآية فلم يستطع أن يجاوزها مرتين أو ثلاثا ثم قرأ سورة أخرى غيرها
حكمــــــة
قال عمر رضي الله عنه الله عنه لكعب: خوفنا قال: و الذي نفسي بيديه إن النار لتقرب يوم القيامة لها زفير و شهيق حتى إذا دنت و قربت زفرت زفرة ما خلق الله من نبي و لا شهيد إلا وجب لركبتيه ساقطا حتى يقول كل نبي و كل صديق و كل شهيد: اللهم لا أكلفك اليوم إلا نفسي و لو كان لك يا ابن الخطاب عمل سبعين نبيا لظننت أن لا تنجو قال عمر: و الله إن الأمر لشديد.
حكمــــــة
عن أبي وائل قال خرجنا مع ابن مسعود و معنا الربيع بن خيثم فأتينا على تنور على شاطئ الفرات فلما رآه عبد الله و النار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية: { إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا و زفيرا } إلى قوله: { ثبورا } فصعق الربيع بن خيثم فاحتملناه إلى أهله فرابطه عبد الله حتى صلى الناس الظهر فلم يفق ثم رابطه العصر فلم يفق ثم رابطه إلى المغرب فأفاق فرجع عبد الله إلى أهله.
حكمــــــة
عن ممسع بن عاصم قال: بت أنا و عبد العزيز بن سليمان و كلاب ابن الجري و سلمان الأعرج على ساحل من بعض السواحل فبكى كلاب حتى خشيت أن يموت ثم بكى عبد العزيز لبكائه ثم بكى سلمان لبكائهما و بكيت و لله لبكائهم لا أدري ما أبكاهم فلما كان بعد سألت عبد العزيز فقلت: يا أبا محمد ما الذي أبكاك ليلتئذ؟ قال: إني و الله نظرت إلى أمواج البحر تموج و تجيل فذكرت أطباق النيران و زفراتها فذلك الذي أبكاني ثم سألت كلابا أيضا نحوا مما سألت عبد العزيز فو الله لكأنما سمع قصته فقال لي مثل ذلك ثم سألت الأعرج نحوا مما سألتهما فقال لي: ما كان في القوم شر مني ما كان بكائي إلا لبكائهم رحمة لهم مما كانوا يصنعون بأنفسهم رحمهم الله تعالى.
حكمــــــة
قال الحسن و قتادة في قوله: { لا بارد و لا كريم }: لا بارد المدخل و لا كريم المنظر و السموم: هو الريح الحارة قاله قتادة و غيره. وهذه الآية تضمنت ذكر ما يتبرد به في الدنيا من الكرب و الحر و هو ثلاثة: الماء و الهواء و الظل فهواء جهنم: السموم و هو الريح الحارة الشديدة الحر و ماؤها: الحميم الذي قد اشتد حره وظلها: اليحموم و هو قطع دخانها أجارنا الله من ذلك كله بكرمه و منه.
حكمــــــة
قال تعالى: { كأنه جمالة صفر } قال ابن عباس: حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض تكون كأوساط الرجال و قال مجاهد: هي حبال الجسور و قالت طائفة: هي الإبل منهم الحسن و قتادة والضحاك و قالوا: الصفر هي السود و روي عن مجاهد أيضا. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: في قوله: { جمالة صفر } قال: يقول: قطع النحاس.
حكمــــــة
قال الله عز و جل: { يرسل عليكما شواظ من نار و نحاس } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { شواظ من نار } و يقول: لهب النار { و نحاس } يقول: دخان النار و كذا قال سعيد بن جبير و أبو صالح و غيرهما: إن النحاس دخان النار و قال سعيد بن جبير عن ابن عباس { شواظ من نار } قال: دخان و قال أبو صالح الشواظ: اللهب الذي فوق النار و دون الدخان قال منصور عن مجاهد: الشواظ: هو اللهب الأخضر المتقطع و عنه قال: الشواظ: قطعة من النار فيها خضرة.
حكمــــــة
قال شفي بن ماتع: إن في جهنم قصرا يقال له: هوى يرمى الكافر من أعلاه أربعين عاما قبل أن يبلغ أصله قال الله: " و من يحلل عليه غضبي فقد هوى " وإن في جهنم واديا يدعى أثاما فيه حيات و عقارب فقار إحداهن مقدار سبعين قلة سم و العقرب منهن مثل البغلة الموكفة تلدغ الرجل فلا يلهبه ما يجد من حر جهنم حمو لدغتها فهو لمن خلق له و إن في جهنم واديا يدعى غيا يسيل قيحا و دما و إن في جهنم سبعين داء كل داء مثل جزء من أجزاء جهنم.
حكمــــــة
في تفسير ابن جرير من طريق عبد الجبار الخولاني قال: قدم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم الشام فنظر إلى دور أهل الذمة و ما هم فيه من العيش و النضارة و ما وسع عليهم في دنياهم فقال: لا أبالي أليس من ورائهم الفلق؟ ! قيل: و ما الفلق؟ قال: بيت في جهنم إذا فتح هوى أهل النار. وفيه أيضا من حديث أبي هريرة مرفوعا: [الفلق جب في جهنم مغطى].
حكمــــــة
من حديث معروف الكرخي رحمه الله تعالى قال بكر بن خنيس: إن في جهنم لواديا تتعوذ جهنم من ذلك الوادي كل يوم سبع مرات و إن في الوادي لجبا يتعوذ الوادي و جهنم من ذلك الجب كل يوم سبع مرات و إن في الجب لحية يتعوذ الوادي و الجب و جهنم من تلك الحية كل يوم سبع مرات يبدأ بفسقة القراء فيقولون: أي ربنا بدئ بنا قبل عبدة الأوثان؟ ! قيل لهم: ليس من يعلم كمن لا يعلم.
حكمــــــة
عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال: إن لجهنم جبا فيه هوام فيه حيات أمثال البخت و عقارب أمثال البغال الدلم يستغيث أهل النار إلى تلك الحيات أو الساحل فتثب إليهم فتأخذهم بأشعارهم و شفاههم فتكشطهم حتى تبلغ أقدامهم فيستغيثون بالرجوع إلى النار فيقولون النار النار وتتبعهم حتى تجد حرها فترجع و هي في أسراب.
حكمــــــة
عن الحسن بن يحيى الخشني قال: ما في جهنم دار و لا مغار و لا غل و لا قيد و لا سلسلة إلا اسم صاحبها عليها مكتوب قال أحمد: فحدثت به أبا سليمان فبكى ثم قال: ويحك ! فكيف به أن لو جميع هذا كله عليه فجعل الغل في عنقه و القيد في رجله و السلسة في عنقه ثم أدخل النار و أدخل المغار؟ نعوذ بالله من ذلك.
حكمــــــة
قال أسباط عن السدي الأصفاد تجمع اليدين إلى العنق. وقال معمر عن قتادة في قوله: { مقرنين في الأصفاد } قال: مقرنين في القيود و الأغلال وقال عينة بن الغصن عن الحسن: إن الأغلال لم تجعل في أعناق أهل النار لأنهم أعجزوا الرب عز و جل و لكنها إذا طفا بهم اللهب أرستهم قال: ثم خر الحسن مغشيا عليه ! !
حكمــــــة
عن فضيل بن عياض: إذا قال الرب تبارك و تعالى: { خذوه فغلوه } تبدره سبعون ألف ملك كلهم يتبدر أيهم يجعل الغل في عنقه. النوع الثاني: الأنكال: و هي القيود قال مجاهد و الحسن و عكرمة و غيرهم قال الحسن: قيود من نار قال أبو عمران الجوني: قيود لا تحل و الله أبدا و و احد الأنكال: نكل و سميت القيود أنكالا لأنه ينكل بها أي يمنع.
حكمــــــة
عن حوشب عن الحسن قال: إن جهنم ليغلى عليها من الدهر إلى يوم القيامة يحمى طعامها و شرابها و أغلالها و لو أن غلا منها وضع على الجبال لقمصها إلى الماء الأسود و لو أن ذراعا من السلسلة وضع على جبل لرضه و لو أن جبلا كان بينه و بين عذاب الله عز و جل مسيرة خمسمائة عام لذاب ذلك الجبل و إنهم ليجمعون في السلسلة من آخرهم فتأكلهم النار و تبقى الأرواح.
حكمــــــة
قال الله تعالى: قال تعالى { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين * ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون } قال معمر عن سعيد الجريري فيلا هذه الآيات: بلغنا أن الكفار إذا بعث يوم القيامة من قبره شفع بشيطانه فلم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار فذلك حين يقول: { يا ليت بيني و بينك بعد المشرقين فبئس القرين }
حكمــــــة
قال السدي في تفسيره عن أبي مالك و عن أبي صالح عن ابن عباس و عن مرة عن ابن مسعود و عن أناس من الصحابة: { فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة } أما الحجارة حجارة في النار من كبريت أسود يعذبون به مع النار و قال مجاهد: حجارة من كبريت أنتن من الجيفة و هكذا قال أبو جعفر و ابن جريح و عمرو بن دينار و غيرهم.
حكمــــــة
عن يزيد بن شجرة قال: إن لجهنم جبابا في سواحل كسواحل البحر فيه هوام و حيات كالبخاتي و عقارب كالبغال الذل فإذا سأل أهل النار التخفيف قيل لهم: اخرجوا إلى السواحل فتأخذهم تلك الهوام بشفاههم و جنوبهم و ما شاء الله من ذلك فتكشطها فيرجعون فيبادرون إلى معظم النيران و يسلط عليهم الجرب حتى إن أحدهم ليحك جلده حتى يبدو العظم فيقال: يا فلان هل يؤذيك هذا فيقول نعم فيقال له: ذلك بما كنت تؤذي المؤمنين.
حكمــــــة
عن مجاهد قال: في جهنم عقارب كأمثال الدلم لها أنياب كالرماح إذا ضربت إحداهن الكافر على رأسه ضربة تساقط لحمه على قدميه. وروى حماد بن سلمة عن الجريري عن أبي عثمان قال: على الصراط حيات يلسعن أهل النار فيقولون: حس حس فذلك قوله: { لا يسمعون حسيسها } وكان إبراهيم العجلي رحمه الله يقع على كتفيه و ظهره فيتأذى به فيقول لنفسه: وأنت تأذي من حسيس بعوضة فللنار أشقى ساكنين و أوجع.
حكمــــــة
حدثني حكيم بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لما ذكر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم شجرة الزقوم: يخوفنا بها محمد؟ ! يا معشر قريش أتدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد؟ قالوا: لا قال: عجوة يثرب بالزبد و الله لئن استمكنا منها لنتزقمنها تزقما فأنزل الله فيه: { إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم } الآية أي ليس كما تقول و أنزل الله: { و الشجرة الملعونة في القرآن و نخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا }.
حكمــــــة
قال مغيرة عن إبراهيم و أبي رزين: { كالمهل يغلي في البطون } قال: الشجر يغلي. قال جعفر بن سليمان: سمعت أبا عمران الجوني يقول: بلغنا أنه لا ينهش منها نهشة إلا نهشت منه مثلها. وقد دل القرآن على أنهم يأكلون منها حتى تمتلئ منها بطونهم فتغلي في بطونهم كما يغلي الحميم و هو الماء الذي انتهى حره ثم بعد أكلهم منها يشربون عليه من الحميم شرب الهيم.
حكمــــــة
عن سعيد بن جبير قال: إذا جاع أهل النار استغاثوا من الجوع فأغيثوا بشجرة الزقوم فأكلوا منها فانسلخت وجوههم حتى لو أن مارا مر عليهم يعرفهم لعرف جلود وجوههم فإذا أكلوا منها ألقي عليهم العطش فاستغاثوا من العطش فأغيثوا بماء كالمهل و المهل: الذي قد انتهى حره فإذا أدنوه من أفواههم أنضج حره الوجوه فيصهر به ما في بطونهم و يضربون بمقامع من حديد فيسقط كل عضو على حياله يدعون بالثبور و قوله تعالى: { ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم } أي بعد أكل الزقوم و شرب الحميم عليه و يدل هذا على أن الحميم خارج من الجحيم فهم يريدونه كما ترد الإبل الماء ثم يردون إلى الجحيم ويدل على هذا أيضا قوله تعالى: { هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون * يطوفون بينها وبين حميم آن } والمعنى أنهم يترددون بين جهنم و الحميم فمرة إلى هذا و مرة إلى هذا قاله قتادة و ابن جريج وغيرهما.
حكمــــــة
عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: { طعاما ذا غصة } قال: شوك يأخذ بالحلق لا يدخل و لا يخرج. روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: { من ضريع } قال: شجر في جهنم و قال مجاهد: الضريع: الشبرق اليابس و روى أيضا عن عكرمة و قتادة و رواه العوفي عن ابن عباس: الشبرق: نبت ذو شوك لاطئ بالأرض فإذا هاج سمي ضريعا و قال قتادة: من أضرع الطعام وأبشعه.
حكمــــــة
قال مجاهد: غساق: الذي لا يستطيعون أن يذقوه من برده. وقال عطية: هو ما يغسق من جلودهم ـ يعني يسيل من جلودهم. وقال كعب: غساق: عين في جهنم يسيل إليها حمة كل ذات حمة من حية و عقرب و غير ذلك فيستنقع فيؤتى بالآدمي فيغمس فيها غمسة واحدة فيخرج و قد سقط جلده و لحمه عن العظام و يتعلق جلده و لحمه في عقبية و كعبيه و يجر لحمه كما يجر الرجل ثوبه.