فوائد من كتاب لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي رحمه الله
حكمــــــة
فائدة إيقاع الذنوب من العباد في إيقاعهم في الذنوب أحيانا فائدتان عظيمتان : إحداهما : اعتراف المذنبين بذنوبهم وتقصيرهم في حق مولاهم ، وتنكيس رؤوس عجبهم ، وهذا أحب إلى الله من فعل كثير من الطاعات ، فإن دوام الطاعات قد توجب لصاحبها العجب . الفائدة الثانية : حصول المغفرة والعفو من الله تعالى لعبده ، فإن الله يحب أن يعفو ويغفر ، ومن أسمائه الغفار والعفو والتواب ، فلو عصم الخلق فلمن كان العفو والمغفرة
حكمــــــة
فضلت صلاة الليل على صلاة النهار : لأنها أبلغ في الإسرار وأقرب إلى الإخلاص . ولأن صلاة الليل أشق على النفوس ، فإن الليل محل النوم والراحة من التعب بالنهار ، فترك النوم مع ميل النفس إليه مجاهدة عظيمة . ولأن القراءة في صلاة الليل أقرب إلى التدبر ، فإنه تنقطع الشواغل بالليل ، ويحضر القلب ، ويتواطأ هو واللسان والفهم ولأن التهجد من الليل أفضل أوقات التطوع بالصلاة ، وأقرب ما يكون العبد من ربه
حكمــــــة
الحكمة من النهي عن استدامة الصيام قد أشار النبي إلى الحكمة في ذلك من وجوه : منها : قوله في صيام الدهر ( لا صام ولا أفطر ) يعني أنه لا يجد مشقة الصيام ولا فقد الطعام والشراب والشهوة ، لأنه صار الصيام له عادة مألوفة ، فربما تضرر بتركه ، فإذا صام تارة وأفطر تارة حصل له بالصيام مقصوده بترك هذه الشهوات ، وفي نفسه داعية إليها ، وذلك أفضل من أن يتركها ونفسه لا تتوق إليها . ومنها : قوله في حق داود عليه السلام ( كان يصوم يوما ويفطر يوما ، ولا يفر إذا لاقى ) يشير إلى أنه كان لا يضعفه صيامه عن ملاقاة عدوه ومجاهدته في سبيل الله . ومنها : ما أشار إليه بقوله لعبد الله بن عمرو ( لعله أن تطول بك حياة ) يعني أن من تكلف الاجتهاد في العبادة فقد تحمله قوة الشباب ما دامت باقية ، فإذا ذهب الشباب وجاء المشيب والكبر عجز عن حمل ذلك ، فإن صابر وجاهد واستمر فربما هلك بدنه ، وإن قطع فقد فاته أحب الأعمال إلى الله تعالى ، وهو المداومة على العمل الصالح
حكمــــــة
بعض الفوائد في إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة في إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد : منها : أنه يكون أخفى ، وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل . ومنها : أنه أشق على النفوس ، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس ، وسبب ذلك أن النفوس تتأسى بما تشاهده من أحوال أبناء الجنس ، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم ، فسهلت الطاعة ، وإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس ، ولهذا المعنى قال النبي ( للعامل منهم أجر خمسين منكم ، إنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون ) . ومنها : أن المنفرد بالطاعة بين أهل المعاصي والغفلة قد يدفع به البلاء عن الناس كلهم ، فكأنه يحميهم ويدافع عنهم .
حكمــــــة
( العبادة في الهرج كالهجرة إلي ) ما سبب ذلك سبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم ولا يرجعون إلى دين ، فيكون حالهم شبيها بحال الجاهلية ، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ، ويجتنب مساخطه ، كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله مؤمنا به ، متبعا لأوامره ، مجتنبا لنواهيه
حكمــــــة
الحكمة من النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين لكراهة التقدم ثلاثة معان : أحدها : أنه على وجه الاحتياط لرمضان ، فينهى عن التقدم قبله لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه . والمعنى الثاني : الفصل بين صيام الفرض والنفل . والمعنى الثالث : أنه أمر بذلك ، للتقوي على صيام رمضان ، فإن مواصلة الصيام قد تضعف على صيام الفرض ، فإذا حصل الفطر قبله بيوم أو يومين كان أقرب إلى التقوي على صيام رمضان ، وفي هذا التعليل نظر ، فإنه لا يكره التقدم بأكثر من ذلك ، ولا لمن صام الشهر كله
حكمــــــة
الفوائد من ترك الشهوات من الأكل والشرب والمنكح في رمضان في التقرب بترك هذه الشهوات بالصيام فوائد : منها : كسر النفس ، فإن الشبع والري ومباشرة النساء تحمل النفس على الأشر والبطر والغفلة . ومنها : تخلي القلب للفكر والذكر ، فإن تناول هذه الشهوات قد تقسي القلب وتعميه . ومنها : أن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه بإقداره له على ما منعه كثيرا من الفقراء . ومنها : أن الصيام يضيق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم ، فتسكن بالصيام وساوس الشيطان
حكمــــــة
معنى أن النبي كان يشد المئزر اختلفوا في تفسيره ، فمنهم من قال : هو كناية عن شدة جده واجتهاده في العبادة ، وهذا فيه نظر ، فإنها قالت : جد وشد ، فعطفت ( شد المئزر ) على جده ، والصحيح أن المراد اعتزاله للنساء ، وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون ، منهم سفيان الثوري ، وقد ورد ذلك صريحا من حديث عائشة وأنس ، وورد في تفسيره بأنه لم يأو إلى فراشه حتى ينسلخ رمضان ، وفي حديث أنس [ وطوى فراشه ، واعتزل النساء ] وقد كان النبي غالبا يعتكف العشر الأواخر، والمعتكف ممنوع من قربان النساء بالنص والإجماع
حكمــــــة
معنى قول النبي ( لا تواصلوا ، إني لست كهيئتكم ، إني أبيت لي مطعم يطعمني ) اختلف في معنى إطعامه ، فقيل : إنه كان يؤتى بطعام من الجنة يأكله ، وفي هذا نظر ، فإنه لو كان كذلك لم يكن مواصلا . والصحيح أنه إشارة إلى ما كان الله تعالى يفتحه عليه في صيامه وخلوته بربه ، لمناجاته وذكره من مواد أنسه ونفحات قدسه ، فكان يرد بذلك على قلبه من المعارف الإلهية والمنح الربانية ما يغذيه ويغنيه عن الطعام والشراب .
حكمــــــة
بعض أقوال السلف في الحث على المسابقة إلى الخيرات قال الحسن : إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة . وقال وهيب بن الورد : إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل . وقال بعض السلف : لو أن رجلا سمع بأحد أطوع لله منه ، كان ينبغي له أن يحزنه ذلك . وقال غيره : لو أن رجلا سمع برجل أطوع لله منه فانصدع قلبه فمات لم يكن ذلك بعجب . قال رجل لمالك بن دينار : رأيت في المنام مناديا ينادي : أيها الناس ! الرحيل الرحيل ، فما رأيت أحدا يرتحل إلا محمد بن واسع ، فصاح مالك وغشي عليه . وقال عمر بن عبد العزيز في حجة حجها عند دفع الناس من عرفة : ليس السابق اليوم من سبق به بعيره ، إنما السابق من غفر له .
حكمــــــة
تمني الموت يقع على وجوه منوعة اذكرها تمني الموت يقع على وجوه : منها : تمنيه لضر دنيوي ينزل بالعبد ، فينهى عن تمني الموت . ومنها : تمنيه خوف الفتنة في الدين ، فيجوز حينئذ ، وقد تمناه ودعا به خشية فتنة الدين خلق من الصحابة وأئمة الإسلام ، وفي حديث المنام [ وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ] . ومنها : تمني الموت عند حصول أسباب الشهادة اغتناما لحصولها ، فيجوز ذلك أيضا ، وسؤال الصحابة الشهادة وتعرضهم لها عند حضور الجهاد كثير مشهور . ومنها : تمني الموت لمن وثق بعمله شوقا إلى لقاء الله عز وجل ، فهذا يجوز أيضا ، وقـد فعله كثير من السلف .
حكمــــــة
بعض العلل في النهي عن تمني الموت وقد علل النهي عن تمني الموت في حديث جابر [ لا تتمنوا الموت ، فإن هول المطلع شديد ، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة ] بعلتين : إحداهما : أن هول المطلع شديد ، وهول المطلع هو ما يكشف للميت عند حضور الموت من الأهوال التي لا عهد له بشيء منها في الدنيا . والعلة الثانية : أن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا ، فمن سعادته أن يطول عمره ويرزقه الله الإنابة إليه ، والتوبة من ذنوبه السالفة .