فوائد من كتاب صفة الصفوة 14
حكمــــــة
تزوج رياح القيسي امرأة فبنى بها. فلما أصبح قامت إلى عجينها. فقال: لو نظرت إلى امرأة تكفيك هذا. فقالت: إنما تزوجت رياحا القيسي ولم أرني تزوجت جبارا عنيدا. فلما كان الليل نام ليختبرها. فقامت ربع الليل ثم نادته: قم يا رياح. فقال: أقوم. فقامت الربع الآخر ثم نادته فقالت: قم يا رياح. فقال: أقوم. فلم يقم. فقامت الآخر ثم نادته فقالت: قم يا رياح فقال أقوم. فقالت: مضى الليل وعسكر المحسنون وأنت نائم، ليت شعري من غرني بك يا رياح. قال: وقامت الربع الباقي.
حكمــــــة
قال رياح: اغتممت مرة في شيء من أمر الدنيا. فقالت أراك تغتم لأمر الدنيا غرني منكم شميط. ثم أخذت هدبة من مقنعتها فقالت: الدنيا أهون علي من هذه. قال رياح: ذكرت لي امرأة فتزوجتها، فكانت إذا صلت العشاء الآخرة تطيبت وتدخنت ولبست ثيابها ثم تأتيني فتقول: ألك حاجة؟ فإن قلت: نعم، كانت معي، وإن قلت: لا، قامت فنزعت ثيابها ثم صفت بين قدميها حتى تصبح. قال رياح: ففحتني والله.
حكمــــــة
عن سفيان الثوري قال: دخلت على بنت حسان الأسدية وفي جبهتها مثل ركبة العنز من أثر السجود. فقلت لها: يا بنة أم حسان ألا تأتين عبد الله بن شهاب بن عبد الله؟ فلو رفعت إليه رقعة فلعله أن يعطيك من زكاة ماله ما تغيرين به بعض الحاجة التي أراها بك. فدعت بمعجر فاعتجرت به وقالت: يا سفيان قد كان لك في قلبي رجحان كثير فقد أذهب الله برجحانك من قلبي، يا سفيان تأمرني أن أسأل الدنيا من لا يملكها؟ قال سفيان: وكان إذا جن عليها الليل دخلت محرابا لها وأغلقت عليها ثم نادت: إلهي خلا كل حبيب بحبيبه، وأنا خالية بك يا محبوب، فما كان من سخن يسخن من عصاك إلا جهنم، ولا عذاب إلا النار.
حكمــــــة
قال عبد الله العنبري: كانت عندي جارية أعجمية وضيئة، وكنت بها معجبا. فكانت ذات ليلة نائمة إلى جنبي فانتبهت فلم أجدها. فالتمستها فإذا هي ساجدة تقول: بحبك لي اغفر لي. فقلت: يا جارية لا تقولي بحبك لي، قول: بحبي لك اغفر لي. فقالت: يا بطال، حبه لي أخرجني من الشرك إلى الإسلام، فأيقظ عيني وأنام عينك. فقلت: اذهبي فأنت حرة لوجه الله. قالت: يا مولاي أسأت إلي، كان لي أجران فصار لي أجر واحد.
حكمــــــة
قال خالد الوراق: كانت لي جارية شديدة الاجتهاد فدخلت عليها يوما فأخبرتها برفق الله وقبوله يسير العمل. فبكت ثم قالت يا خالد إني لأؤمل من الله تعالى آمالا لو حملتها الجبال لأشفقت من حملها كما ضعفت عن حمل الأمانة وإني لأعلم أن في كرم الله مستغاثا لكل مذنب، ولكن كيف لي بحسرة السباق؟ قال: قلت: وما حسرة السباق؟ قالت: غداة الحشر إذا بعثر ما في القبور وركب الأبرار نجائب الأعمال فاستبقوا إلى الصراط. وعزة سيدي لا يسبق مقصر مجتهدا أبدا، ولو حبا المجد حبوا.
حكمــــــة
قالت جارة خالد الوراق كيف لي بموت الحزن والكمد إذا رأيت القوم يتراكضون وقد رفعت أعلام المحسنين وجاز الصراط المشتاقون ووصل إلى الله المحبون وخلفت مع المسيئين المذنبين؟ ثم بكت وقالت: يا خالد انظر لا يقطعك قاطع عن سرعة المبادرة بالأعمال فإنه ليس بين الدارين دار يدرك فيها الخدام ما فاتهم من الخدمة، فويل لمن قصر عن خدمة سيده ومعه الآمال، فهلا كانت الأعمال توقظه إذا نام البطالون؟
حكمــــــة
كانت عجوز صالحة زاهدة بالبصرة تعرف بالماوردية قاربت ثمانين سنة، بقيت خمسين سنة لم تفطر ولم تنم بالليل، ولم تأكل خبزا ولا رطبا ولا تمرا وإنما تطحن لها باقلا وتخبز لها خبزا تقتات به، وتأكل التين اليابس دون الرطب، وتنال من الزيت والعنب واللحم الشيء اليسير، وكانت تكتب وتقرأ وتعظ النسوان وكانت كثيرة الخير والبركة. وتوفيت وتبع جنازتها أكثر الناس.
حكمــــــة
قال حماد بن سلمة: خرجت في ليلة ظلماء ذات برد وريح ومطر ومعي شوي، قلت: أقسمه في جيراني. قال: فإذا أنا بامرأة قد خرجت وهي تقول: يا رفيق ارفق بنا. قال، قلت: ما لك رحمك الله؟ قالت: يا حماد إنه دخل هذا المطر على يتامى تحت فرشهم فقلت: يا رفيق ارفق بنا، فدخلت فوجدته أيبس مما كان. فقلت: هاك رحمك الله هذا الشيء فأنفقيه على نفسك وعلى أيتامك. فقالت: إليك عني يا حماد فإني إنما أسأل أجود الأجودين.
حكمــــــة
عن عبد الواحد قال: قال عتبة الغم: خرجت من البصرة فإذا أنا بخباء أعراب قد زرعوا، وإذا أنا بخيمة، وفي الخيمة جارية مجنونة عليها جبة صوف عليها مكتوب: لا تباع ولا تشترى. فدنوت فسلمت عليها فلم ترد علي السلام، ثم وليت. فسمعتها تقول: زهد الزاهدون والعابدونـا إذ لمولاهم أجاعوا البطونا أسهروا الأعين القريحة فيه فمضى ليلهم وهم ساهرونا حيرتهم محبة اللـه حـتـى علم الناس أن فيهم جنونـا هم ألبا عـقـول ولـكـن قد شجاهم جميع ما يعرفونا
حكمــــــة
قال مالك بن ضيغم: كان رجل من أهل الأبلة يأتي أبي كثيرا فيذكر له شعوانة وكثرة بكائها فقال له أبي يوما: صف لي بكاءها؟ فقال: يا أبا مالك أصف لك، هي والله تبكي الليل والنهار لا تكاد تفتر قال: ليس عن هذا أسألك، كيف تبتدئ بالبكاء؟ قال: نعم يا أبا مالك تسمع الشيء من الذكر فترى الدموع تنحدر من جفونها كالقطر. ما هي إلا أن تسمع الذكر فتجيء عيناها بأربع نجوما متبادرة جدا. فبكى أبي وقال: ما أرى الخوف إلا قد أحرق قلبها كله، ثم قال: كان يقال إن كثرة الدموع وقلتها على قدر احتراق القلب، حتى إذا احترق القلب كله لم يشأ الحزين أن يبكي إلا بكى، والقليل من التذكرة يحزنه.
حكمــــــة
قال يحيى بن بسطام: كنت أشهد مجلس شعوانة كثيرا فكنت أرى ما تصنع بنفسها، فقلت لصاحب لي يقال له عمران بن مسلم: لو أتيناها إذا خلت. قال: فانطلقنا أنا وهو إلى الأبلة فاستأذنا عليها فأذنت لنا فإذا منزل رث الهيئة أثر الجدب عليه بين. فقال لها صاحبي: لو رفقت بنفسك فقصرت عن هذا البكاء شيئا كان أقوى لك على ما تريدين. قال: فبكت ثم قالت: والله لوددت أني أبكي حتى تنفد دموعي، ثم أبكي الدماء حتى لا تبقى في جسدي جارحة فيها قطرة من دم، وأنى لي البكاء؟ قال: فلم تزل تردد ذلك حتى انقلبت حدقتاها، ثم مالت ساقطة مغشيا عليها. فقمنا فخرجنا وتركناها على تلك الحال.
حكمــــــة
قال محمد: وقلت لأبي عمر الضرير: أتيت شعوانة؟ قال: قد شهدت مجلسها مرارا ما كنت أفهم ما تقول من كثرة بكائها. قلت: فهل تحفظ من كلامها شيئا؟ قال: ما حفظت من كلامها شيئا أذكره الساعة إلا شيئا واحدا، قلت: وما هو؟ قال: سمعتها تقول: من استطاع منكم أن يبكي فليبك وإلا فليرحم الباكي فإن الباكي إنما يبكي لمعرفته بما أتى إلى نفسه.
حكمــــــة
عن الربيع قال: بت أنا ومحمد بن المنكدر وثابت البناني عند ريحانة بالأبلة فقامت أول الليل وهي تقول: قام المحب إلى المؤمل قومة كاد الفؤاد من السرور يطير فلما كان جوف الليل سمعتها تقول أيضا: لا تأنسن بمن توحشك نظـرتـه فتمنعن من التذكار في الظـلام واجهد وكد وكن في الليل ذا شجن يسقيك كأس وداد العز والكـرم قال: ثم نادت: واحرباه واسلباه. فقلت: مم ذا؟ فقالت: ذهب الظلام بأنسه وبألفه ليت الظلام بأنسه يتجدد.
حكمــــــة
كان رجل من بني سعد يقدم علينا في أول مااتخذت عبادان فكانت إذ ذاك وبيئة قال: فكان يصلي الليل والنهار لا يكاد يفتر، فإذا كان السحر احتبى واستقبل البحر فجعل يبكي وينوح على نفسه. قال: فإذا أحس بإنسان أمسك. قال: فخرجت ذات ليلة إلى الساحل فإذا أنا بصوته وإذا هو يبكي ويقول في بكائه: ألا يا عين ويحك أسعدينـي بطول الدمع في ظلم الليالي لعلك في القيامة أن تفـوزي بخير الدهر في تلك العلالي قال فلما أحس أمسك فرجعت وتركته.
حكمــــــة
كان هناك شيخ بعبادان له عبادة وفضل، قال: ملح الماء عندنا منذنيف وستين سنة وكان ههنا رجل من أهل الساحل له فضل قال: ولم يكن في الصهاريج شيء وحضرت المغرب فهبطت لأتوضأ للصلاة من النهر، وذلك في رمضان وحر شديد فإذا أنا به وهو يقول: سيدي أرضيت عملي حتى أتمنى عليك أم رضيت طاعتي حتى أسألك؟ سيدي غسالة الحمام لمن عصاك كثير، سيدي لولا أني أخاف غضبك لم أذق الماء ولقد أجهدني العطش. قال: ثم أخذ بكفيه فشرب شربا صالحا فتعجبت من صبره على ملوحته فأخذت من الموضع الذي أخذ فإذا هو بمنزلة السكر فشربت حتى رويت.
حكمــــــة
عن علي بن سعيد العطار قال: مررت بعبادان بمكفوف مجذوم وإذا الزنبور يقع عليه فيقطع لحمه فقلت الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفتح من عيني ما أغلق من عينك. قال: بينما أنا أردد الحمد إذ صرخ، فبينا هو يتخبط نظرت إليه فإذا هو مقعد فقلت مكفوف يصرع مقعد مجذوم. قال: فما استتممت حتى صاح: يا متكلف ما دخولك فيما بيني وبين ربي؟ دعه يفعل بي ما شاء. ثم قال: وعزتك وجلالك لو قطعتني إربا إربا أو صببت علي البلاء صبا ما ازددت لك إلا حبا رضي الله عنه.
حكمــــــة
عن عابد بعبادان قال: مكثت ستة أيام لم أطعم شيئا. قال: قلت أجرب نفسي على الصبر. فلما كانت الليلة السابعة دخل في قلبي من ذلك سرور، ورأيت أني قد صبرت وعملت شيئا فإذا بقائل يقول: لم تبلغ كنه الصابرين، إنما الصابرون المستقلون لأعمالهم، الخائفون عليها من فسادها، الوجلون من ردها عليهم، فأولئك هم الصابرون.
حكمــــــة
قال أحمد البزاز: كنت بعبادان وكانت ليلة عاشوراء، فدخلت إلى دار السبيل فرأيت فقيرا جالسا يأكل خبز الشعير وملحا جريشا فاحترق قلبي عليه وكان معي ألف دينار للتفرقة بعبادان فسألت عنه فقيل: هو أفضل من ههنا في الزهد ومنازلة الفقر فقلت في نفسي: أعطيه الدنانير التي معي فإني لا أعرف المستحقين. فلما أصبحنا قصدته وسلمت عليه وجلست إليه وباسطني وباسطته فقلت له: رأيت الشيخ البارحة يأكل خبز الشعير وملحا جريشا وأعلم أنه كان صائما فحملت إليه شيئا ليتحكم فيه. وقدمت إليه الكيس وقلت له: هو ألف دينار فشدد النظر وقال: خذه فإن هذا جزاء من أفشى سره إلى الناس.
حكمــــــة
قال أبو همام كان بمهرجان قذق رجل يقال له سابق وكان معتوها ذاهب العقل فقال لى: يا إسرائيل خف الله خوفا لا يشغلك عن الرجاء فإنك إن ألزمت قلبك الرجاء شغلته عن الخوف، وفر إلى الله ولا تفر منه فإنه مدركك ولن تعجزه، ولا تطع المخلوق في معصية الخالق واعلم أن لله تعالى يوما تشخص فيه القلوب والأبصار، مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء.
حكمــــــة
قال سهل بن عبد الله: من دق الصراط عليه في الدنيا عرض عليه في الآخرة، ومن عرض عليه الصراط في الدنيا دق له في الآخرة. قال سهل بن عبد الله: استجلب حلاوة الزهد بقصر الأمل، واقطع أسباب الطمع بصحة اليأس، وتعرض لرقة القلب بمجالسة أهل الذكر، واستفتح باب الحزن بطول الفكر، وتزين لله بالصدق في كل الأحوال، وإياك والتسويف فإنه يغرق الهلكى، وإياك والغفلة فإن فيها سواد القلب، واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر.
حكمــــــة
قال أبو العباس الخواص، جارنا بالدور: كنت عند سهل بن عبد الله وكنت أحب شيئا من أمره الذي كان يسره، وقد كنت سألت جماعة من أصحابه: من أين يقتات؟ فلم يقف أحد منهم على شيء فيخبرني به، فجئت ليلة إلى مسجده وهو قائم يصلي فوقفت طويلا وهو لا يرجع حتى جاءت شاة فزحمت باب المسجد وأنا أراها، فلما سمع سهل حركة الباب ركع وسجد وسلم وخرج إلى باب المسجد ففتحه وقدم الشاة إليه ومسح يده عليها، وقد كان أخرج معه قدحا أخذه من طاق في المسجد فحلب وشرب ثم مسح يده عليها وكلمها بالفارسية فذهبت في الصحراء، ودخل هو إلى المسجد وقام في محرابه.
حكمــــــة
عن محمد بن الحسن بن الصباح قال: قال سهل بن عبد الله التستري: من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء ويجيء الرجل فيقول: يا فلان أي شيء تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا؟ فيقول: طلقت امرأته، ويجيء آخر فيقول: بم تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا؟ فيقول: ليس يحنث بهذا القول. وليس هذا إلا لنبي أو لعالم فاعرفوا لهم ذلك. بالفارسية فذهبت في الصحراء، ودخل هو إلى المسجد وقام في محرابه.
حكمــــــة
قال ابو اسحاق: يوما لبعض أصحابه: وكلتك في أن تشتري لي دبسا بهذا القرص على وجه الآخر. فمضى واشترى وجاء به وشك بأي القرصين اشترى؟ فما أكل الشيخ، وقال: لا أدري هل اشتريت بالقرص الذي وكلتك فيه أم بالآخر؟ وكان يوما يمشي ومعه بعض أصحابه فعرض في الطريق كلب فزجره الصاحب، فنهاه أبو إسحاق وقال: لم طردته عن الطريق؟ أما علمت أن الطريق بيني وبينه مشترك.
حكمــــــة
قال أبو الوفاء بن عقيل: شاهدت شيخنا أبا إسحاق لا يخرج شيئا إلى فقير إلا أحضر النية. ولا يتكلم في المسألة إلا قدم الاستعانة بالله وإخلاص القصد في نصرة الحق دون التحسن للخلق، ولا صنف مسألة إلا بعد أن صلى ركعات، فلا جرم شاع اسمه وانتشرت تصانيفه شرقا وغربا هذه بركات الإخلاص.ورئي في المنام وعليه ثياب بيض وعلى رأسه تاج فقيل له: ما هذا البياض؟ فقال: شرف الطاعة. قيل: والتاج؟ قال عز العلم.
حكمــــــة
كان شاه بن شجاع الكرماني يكنى أبا الفوارس كان من أبناء الملوك فتزهد رضي الله عنه. قال ابو عمرو بن نجيد: كان شاه بن شجاع حاد الفراسة. وقيل: ما أخطأت فراسته. كان يقول: من غض بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات، وعمر باطنه بدوام المراقبة، وظاهره باتباع السنة، وعود نفسه أكل الحلال لم تخط له فراسة.
حكمــــــة
كان بأرجان امرأة فارسية تقول: يا مولاي تدبرت حكمتك في خلقك فإذا العدل منك يقصمهم، ثم رجعت بعد إلى معرفتي بسعة رحمتك. فعلمت أن عفوك يسعهم، مولاي أخرت الخاطئين فلم تعجل عليهم بالعقوبة فلقد أطمعهم حسن إنظارك لهم في حسن عفوك عن جرائم الخاطئين، وما يمنعهم من ذلك وقد تقدم إلى الأمم إحسانك قبل ذلك؟ وكانت تنوح على نحو هذا الكلام وتبكي رضي الله عنها.
حكمــــــة
قال أبو داود: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس مائة ألف حديث وانتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب، يعني كتاب السنن، جمعت فيه أربعة ألف وثمان مائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث؛ أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه والثالث: قوله صلى الله عليه وسلم لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه والرابع: قوله صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات الحديث.
حكمــــــة
قالت عجوز: كنت أسمع خليفة العبدي إذا دعا في السحر يقول: قام البطالون وقمت معهم، قمنا إليك ونحن متعرضون لجودك، فكم من ذي جرم عظيم قد صفحت له عن جرمه، وكم من ذي كرب عظيم قد فرجت له عن كربه، وكم من ذي ضر كثير قد كشفت له عن ضره، فبعزتك ما دعانا إلى مسألتك بعد ما انطوينا عليه من معصيتك إلا الذي عرفتنا من جودك وكرمك، فأنت المؤمل لكل خير، والمرجو عند كل نائبة.
حكمــــــة
قال اليشكري: دخلت على رجل بالبحرين قد اعتزل الناس وتفرغ لنفسه فذاكرته شيئا من أمر الآخرة وذكر الموت، قال: فجعل والله يشهق حتى خرجت نفسه وأنا أنظر إليه قال: فدخل الناس عليه فقالوا: يا عبيد الله ما أردت إلى هذا؟ لعلك أن تكون ذاكرته بشيء من أمر الموت. قال: قلت أجل والله لقد كان ذلك. قال: فبكى رجل من جيرانه وقال: رحمك الله لقد خفت أن يقتلك ذكر الموت حتى والله لقد قتلك، قال: ثم جهزناه ودفناه
حكمــــــة
قال مسمع: سمعت عابدا من أهل البحرين يقول في جوف الليل، ونحن على بعض السواحل، قرة عيني، وسرور قلبي، ما الذي أسقطني من عينك يا مانح العصم قال: ثم صرخ وبكى ثم نادى طوبى لقلوب ملأتها خشيتك واستولت عليها محبتك فمحبتك مانعة لها من كل لذة غير مناجاتك، والاجتهاد في خدمتك، وخشيتك قاطعة لها عن كل معصية خوفا لحلول سخطك، ثم بكى وقال: يا إخوتاه ابكوا على خوف فوت الآخرة حيث لا رجعة ولا حيلة.
حكمــــــة
كانت بالبحرين امرأة عابدة يقال لها منيفة، فكانت إذا هجم الليل عليها قالت: بخ بخ يا نفس قد جاء سرور المؤمن، فتتحزم وتلبس وتقوم إلى محرابها فكأنها الجذع القائم حتى تصبح؛ فإذا أصبحت وأمكنت الصلاة فإنما هي في صلاة حتى ينادى بالعصر، فإذا صلت العصر هجعت إلى غروب الشمس هذا دأبها، قيل لها: لو جعلت هذه النومة في الليل كان أهدأ لبدنك، فقالت: لا والله لا أنام في ظلمة الليل ما دمت في الدنيا.
حكمــــــة
قال أبو سفيان فحدثني رجل من أهلها قال: فمكثت كذلك أربعين سنة ثم ماتت. قال عامر بن مليك رأيت منيفة بعد موتها في منامي فقلت: يا منيفة ما حال الناس هناك؟ فأقبلت علي وقالت: عن أي حالهم تسأل؟ الدار واحدة لأهل الطاعة يتعالون فيها بالأعمال، ولا تسأل عن حال أهل النار. قال: فبكيت والله من قولها لا تسأل عن حال أهل النار. ثم وليت فأتبعتني صوتا: يا عامر عليك بالجد والاجتهاد لعلك أن تجري في مساعي السابقين غدا. قال عامر: فمرضت والله من هذه الرؤيا شهرا.
حكمــــــة
قالت ماجدة القرشية طوى أملي طلوع الشمس وغروبها، فما من حركة تسمع ولا من قدم توضع إلا ظننت أن الموت في أثرها. وكانت تقول: سكان دار أوذنوا بالنقلة وهم حيارى يركضون في المهلة كأن المراد غيرهم، أن التأذين ليس لهم والمعني بالأمر سواهم، آه من عقول ما أنقصها، ومن جهالة ما أتمها بؤسا لأهل المعاصي ماذا غروا به من الإمهال والاستدراج.
حكمــــــة
عن عبد الواحد بن زيد قال: رأيت امرأة بالبحرين تنشج على الآخرة نشيجا، كلما نشجت نشجة قلت: نفسها خارجة معها، قال: فحرصت على أن أجاريها شيئا من الخير فلم أقدر على ذلك فكان أول ما حفظت عنها وآخره أن قالت: تشاغل أيها المرء بنفسك، فوالله ما هممت قط بموعظة أعظ بها غيري إلا حال تقصيري فيما بيني وبين ذلك، ولئن كان المرء لا يعظ أحدا حتى يتعظ، لقد أمكن إبليس من نفسه يقوده حيث يشاء، والله ما أنا بحامدة لنفسي في ذلك ولود إبليس أنه قدر على ذلك من جميع الخلق كما قدر عليه مني، فلم يكن أحد يحض على طاعة الله ولكن مر أيها المرء بالبر وإن لم تستطعه، واحذر أن تنهى عن الشر وتأتيه.
حكمــــــة
عن ابن يسار قال: قدمت البحرين أو اليمامة في تجارة فإذا أنا بالناس مقبلين ومدبرين نحو منزل، فقصدت إليه فإذا أما بامرأة جالسة في مصلى لها، عليها ثياب غليظة وإذا هي كئيبة محزونة قليلة الكلام ثم ذهبت ورجعت فاذا هى تضحك فاستنكرت وقلت: لقد رأيتك على حالين فيهما عجب: حالك في قدمتي الأولى وحالك هذه قالت: لا تعجب فإن الذي رأيت من حالي الأولى أني كنت فيما رأيت من الخير والسعة، وكنت لا أصاب بمصيبة في ولد ولا في خول ولا مال ولا أوجه في تجارة إلا سلمت، ولا يبتاع لي شيء إلا أربح فيه فتخوفت أن لا يكون لي عند الله عز وجل خير، فكنت مكتئبة لذلك، وقلت: لو كان لي عند الله خير ابتلاني. فتوالت علي المصائب في ولدي الذي رأيت، وخولي ومالي، فما بقي لي منه شيء، ورجوت أن يكون الله عز وجل قد أراد بي خيرا فابتلاني، وذكرني ففرحت لذلك وطابت نفسي.
حكمــــــة
قال يوسف بن أيوب الهمذاني: دخلت جبل زر لزيارة الخوني فوجدت ذلك الجبل كثير المياه والشجر معمورا بالأولياء، على رأس كل عين واحد من الرجال مشتغل بالمجاهدة، فطفت عليهم ولا أعلم في ذلك الجبل حجرا لم تصبه دمعتي.ثم عاد يوسف ودخل بغداد في سنة ست وخمسمائة ووعظ بها ووقع له القبول التام، فقام إليه رجل متفقه يقال له ابن السقاء، فآذاه في مسألة فقال له: اجلس فإني أجد من كلامك رائحة الكفر ولعلك تموت على غير دين الإسلام. فاتفق بعد مدة أن ابن السقاء خرج إلى بلاد الروم وتنصر.وقام يومئذ إلى يوسف شابان فقيهان فقالا له: إن كنت تتكلم على مذهب الأشعري وإلا فلا تتكلم. فقال: اجلسا لا متعكما بشبابكما. فماتا ولم يبلغا الشيخوخة.
حكمــــــة
روى السري بن يحيى بعبادان، عن والان بن عيسى أبي مريم، عن رجل من أهل قزوين كان من الصالحين قال: غرني القمر ليلة فخرجت إلى المسجد فصليت لما قضى الله لي وسبحت ودعوت. فغلبتني عيناي، فرأيت جماعة أعلم أنهم ليسوا من الآدميين بأيديهم أطباق عليها أرغفة ببياض الثلج، فوق كل رغيف در أمثال الرمان، فقالوا: كل. قلت: أريد الصوم، قالوا: يأمرك صاحب هذا البيت أن تأكل. فأكلت وجعلت آخذ ذلك الدر لأحتمله فقيل لي: دعه نغرسه لك شجرا ينبت لك خيرا من هذا. فقلت: أين؟ فقيل: في دار لا تخرب، وثمر لا يتغير، وملك لا ينقطع، وثياب لا تبلى، فيها رضى وغنى وقرة العين أزواج وضيئات مرضيات راضيات، لا يغرن ولا يغرن، عليك بالانكماش فيما أنت فيه، فإنما هي غفوة حتى ترتحل فتنزل الدار. فما مكث إلا جمعتين حتى توفي. قال السري بن يحيى، فرأيته في الليلة التي توفي فيها وهو يقول لي: لا تعجب من شيء غرس لي يوم حدثتك وقد حمل. قلت: حمل بماذا؟ قال: لا تسأل بما لا يقدر على صفته أحد، لم ير مثل الكريم إذا حل به مطيع.
حكمــــــة
كان ابن المبارك يسمي محمد بن يوسف بن معدان أبو عبد الله الأصبهاني عروس الزهاد قال يحيى بن سعيد القطان: ما رأيت رجلا أفضل من محمد بن يوسف الأصبهاني. وسمعت ابن مهدي يقول: ما رأيت مثل محمد بن يوسف الأصبهاني. قال يحيى بن سعيد القطان: كنت إذا نظرت إلى محمد بن يوسف رأيت رجلا كأنه قد عاين الموت.
حكمــــــة
قال أبو حاتم: بلغني عن ابن المبارك قال: قلت لابن إدريس: أريد الثغر، فدلني على أفضل رجل به. فقال: عليك بمحمد بن يوسف الأصبهاني. فقلت فأين يسكن؟ قال: المصيصة ويأتي السواحل. فقدم عبد الله بن المبارك المصيصة فسأل عنه فلم يعرف فقال ابن المبارك: من فضلك لا تعرف. يوسف بن زكريا قال: كان محمد بن يوسف لا يشتري زاده من خباز واحد، ولا من بقال واحد، وقال: لعلهم يعرفوني فيحابوني فأكون ممن يعيش بدينه.
حكمــــــة
قال سعيد لمحمد بن يوسف: أوصني. فقال: إن استطعت أن لا يكون شيء أهم إليك من ساعتك فافعل. عن أيوب بن معمر قال: حدثوني بالبصرة أن محمد بن يوسف كان يأوي بالليل إلى دار امرأة. قالت: فكان يدخل بعد العشاء ثم يخرج عند طلوع الفجر فلا ينصرف إلى العشاء. قالت: وكان يدخل بيتا في الدار ويرد على نفسه الباب. قالت: فذهبت ليلة فاطلعت في البيت فرأيت عنده سراجا يزهر قالت: ولم يكن في البيت سراج قالت: ففطن محمد أنا اطلعنا عليه فخرج من الغد ولم يعد إلينا.
حكمــــــة
قال عبد الرحمن بن مهدي: رأيت محمد بن يوسف في الشتاء والصيف، فلم يكن يضع جنبه. روى محمد بن أبي رجاء ومحمد بن قتيبة أو أحدهما: أن محمد بن يوسف خرج في جنازة بالمصيصة فنظر إلى قبر أبي إسحاق الفزاري ومخلد بن الحسين، وبينهما موضع قبر. فقال لو أن رجلا مات فدفن بينهما. قال: فما أنت عليه إلا عشرة أيام أو نحوها حتى دفن في الموضع الذي أشار إليه.
حكمــــــة
أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى الأصبهانيكانت عبادة تشبه عبادة الملائكة: قليلة يقوم إلى قريب الفجر ثم يركع ويتمها ركعتين، وليلة يركع إلى قريب الفجر ثم يسجد ويتمها ركعتين، وليلة يسجد إلى قريب الفجر ثم يركع ويتمها ركعتين، ثم يدعو في آخر الليل لجميع الناس، ولجميع الحيوان والبهائم والوحش، ويقول: في اليهود والنصارى: اللهم اهدهم، ويقول في التجار: اللهم سلم تجاراتهم.
حكمــــــة
قال محمد بن يوسف: كنت بمكة فكنت أدعو الله عز وجل وأقول: يا رب إما أن تدخل قلبي المعرفة أو اقبضني إليك، فلا حاجة لي في الدنيا والحياة بلا معرفة. قال: فرأيت في النوم كأن قائلا يقول: إن أردت هذا فصم شهرا ولا تكلم أحدا من الناس فيه، ثم ادخل قبة زمزم وسل الحاجة. ففعلت ذلك وختمت كل يوم ختمة. فلما انقضى الشهر على ذلك دخلت قبة زمزم ورفعت يدي ودعوت الله عز وجل، وسألته الحاجة فسمعت من البئر هاتفا يقول: يا ابن يوسف اختر أيما أحب إليك: العلم مع الغنى والدنيا أم المعرفة مع الفقر والقلب؟ فقلت: المعرفة مع الفقر والقلب. فسمعت من البئر، قد أعطيت، قد أعطيت.
حكمــــــة
صلى أبو زرعة في مسجده عشرين سنة بعد قدومه من السفر، كان يوم من الأيام قدم عليه قوم من أصحاب الحديث، فنظروا فإذا في محرابه كتابة، قالوا له: كيف تقول في الكتابة والمحاريب؟ فقال: قد كرهه قوم ممن مضى. قالوا له: هو ذا في محرابك كتابة أو ما علمت به؟ قال: سبحان الله، رجل يدخل على الله تعالى ويدري ما بين يديه.
حكمــــــة
قال أبو جعفر التستري: حضرنا أبا زرعة وكان في السوق، وعنده أبو حاتم ومحمد بن مسلم والمنذر بنشاذان وجماعة من العلماء، فذكروا حديث التلقين، وقوله عليه السلام لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فاستحيوا من أبي زرعة وهابوا أن يلقنوه، فقالوا: تعالوا نذكر الحديث فقال محمد بن مسلم أنبأ الضحاك بن مخلد عن عبد الحميد بن جعفر بن صالح ولم يجاوز، والباقون سكتوا، فقال أبو زرعة وهو في السوق: ثنا بندار قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عبد الحميد بن جعفر، عن صالح بن أبي غريب، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وتوفي رحمه الله وجالس أحمد بن حنبل وذاكره. وكان أحمد إذا ذاكره يترك الشغل ويشتغل بمذاكرته.
حكمــــــة
قال يحيى: هلم يا ابن آدم إلى دخول جوار الله تعالى بلا عمل ولا نصب ولا عناء، أنت بين ما مضى من عمرك وما بقي، فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم وليس شيئا عملته بالأركان فإذا أنت إنما هو أمر نويته وتمتنع فيما بقي من الذنوب وامتناعك إنما هو شيء نويته وليس شيئا عملته بالأركان فإذا أنت نجوت بغير عمل مع القيام بالفرائض وهذا ليس بعمل وهو أكبر الأعمال لأنه عمل القلب والجزاء لا يكون إلا على عمل القلب.
حكمــــــة
قال يحيى بن معاذ: ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من ربه العفو. قال يحيى بن معاذ: الزاهدون غرباء الدنيا والعارفون غرباء الآخرة. قال يحيى بن معاذ: يا بن آدم طلبت الدنيا طلب من لا بد له منها، وطلبت الآخرة طلب من لا حاجة له إليها، والدنيا قد كفيتها وإن لم تطلبها، والآخرة بالطلب منك تنالها فاعقل شأنك.
حكمــــــة
قال يحيى بن معاذ الرازي: إلهي إن كانت ذنوبي عظمت في جنب نهيك فإنها قد صغرت في جنب عفوك. وقال: لو سمع الخلق صوت النياحة على الدنيا في الغيب من ألسنة الفناء لتساقطت القلوب منهم حزنا، ولو رأت العقول بعيون الإيمان نزهة الجنة لذابت النفوس شوقا، ولو أدركت القلوب كنه المحبة لخالقها لانخلعت مفاصلها ولها، ولطارت الأرواح إليه من أبدانها دهشا، سبحان من أغفل الخليقة عن كنه هذه الأشياء، وألهاهم بالوصف عن حقائق هذه الأنباء.
حكمــــــة
قال يحيى بن معاذ: يا ابن آدم، ما لك تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت؟ وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت؟ وسمعته يقول: التوحيد في كلمة واحدة، ما تصور في الأوهام فهو بخلافه. وقال: طاعة لا حاجة بي إليها لا تمنعني مغفرة لا غناء بي عنها. وقال: هو ألقاهم في الذنب يوم سمى نفسه العفو الغفور.