فوائد من كتاب صفة الصفوة 10
حكمــــــة
عن قتادة عن خليد قال: المؤمن لا تلقاه إلا في ثلاث خلال مسجد يعمره، أو بيت يستره، أو حاجة لا بأس بها. عن محمد بن واسع قال: قال خليد العصري: كلنا قد أيقن بالموت وما نرى له مستعدا. وكلنا قد أيقن بالجنة وما نرى لها عاملا، وكلنا قد أيقن بالنار وما نرى لها خائفا فعلى ما تعرجون، وما عسيتم تنظرون؟ الموت؟ فهو أول وارد عليكم من الله بخير أو بشر. فيا إخواتاه سيروا إلى ربكم سيرا جميلا.
حكمــــــة
عن كهمس بن عبد الله قال: سمعت ميمون ين سياه - وكان أكبر من الحسن - يقول: تذاكروا عندي رجلا من هؤلاء السلاطين فوقعوا فيه ولم أذكر منه خيرا ولا شرا فانقلبت إلى بيتي فرقدت فرأيت فيما يرى النائم كأن بين يدي جيفة زنجي ميت منتفخ منتن، وكأن قائما على رأسي يقول: كل. قلت: يا عبد الله ولم آكل؟ قال: بما اغتيب عندك فلان قال: قلت ما ذكرت منه خيرا ولا شرا. فقال: ولكنك استمعت ورضيت. كان ميمون بن سياه لا يغتاب ولا يدع أحدا يغتاب عنده، ينهاه فإن انتهى وإلا قام عنه.
حكمــــــة
عن يحيى بن المختار عن الحسن قال: إن المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز وجل، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة. إن المؤمن يفجؤه الشيء يعجبه فيقول: والله إني لأشتهيك وإنك لمن حاجتي ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات هيهات، حيل بيني وبينك. ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول: ما أردت إلى هذا. ما لي ولهذا؟ والله لا أعود لهذا أبدا إن شاء الله.
حكمــــــة
قال الحسن: يا ابن آدم إنك ناظر إلى عملك ويوزن خيره وشره فلا تحقرن من الخير شيئا وإن هو صغر فإنك إذا رأيته سرك مكانه ولا تحقرن من الشر شيئا فإنك إذا رأيته ساءك مكانه، رحم الله رجلا كسب طيبا وأنفق قصدا وقدم فضلا ليوم فقره وفاقته. هيهات ذهبت الدنيا بحال بالها وبقيت الأعمال قلائد في أعناقكم. أنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم وقد أسرع بخياركم فماذا تنتظرون؟ المعاينة فكأن قد. إنه لا كتاب بعد كتابكم ولا نبي بعد نبيكم، يا ابن آدم بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا ولا تبيعن آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا.
حكمــــــة
عن مبارك بن فضالة قال: سمعت الحسن وقال له شاب: أعياني قيام الليل. فقال: قيدتك خطاياك. عن الحسن أنه مر ببعض القراء على بعض أبواب السلاطين فقال: أفرحتم حمائمكم وفرطحتم نعالكم وجئتم بالعلم تحملونه على رقابكم إلى أبوابهم فزهدوا فيكم، أما إنكم لو جلستم ببيوتكم حتى يكونوا هم الذين يرسلون إليكم لكان أعظم لكم في أعينهم، تفرقوا فرق الله بين أعضائكم.
حكمــــــة
قال الحسن بن أبي الحسن: حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور، واقدعوا هذه الأنفس فإنها طلعة وإنها تنازع إلى الشر غاية، وإنكم إن لم تقاربوها لم تبق من أعمالكم شيئا فتصبروا وتشددوا فإنما هي ليال تعد، وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب ولا يلتفت فانقلبوا بصالح ما بحضرتكم، إن هذا الحق أجهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم وإنما صبر على هذا الحق من عرف فضله ورجا عاقبته.
حكمــــــة
كان رجل بالبصرة من بني سعد، وكان قائدا من قواد عبيد الله بن زياد فسقط على السطح فانكسرت رجلاه. فدخل عليه أبو قلابة يعوده فقال له: أرجو أن تكون لك خيرة. فقال له: يا أبا قلابة وأي خير في كسر رجلي جميعا؟ فقال: ما ستر الله عليك أكثر. فلما كان بعد ثلاث ورد عليه كتاب ابن زياد أن يخرج فيقاتل الحسين. فقال للرسول: قد أصابني ما ترى فما كان إلا سبعا حتى وافى الخبر بقتل الحسين. فقال الرجل: رحم الله أبا قلابة لقد صدق، إنه كان خيرة لي.
حكمــــــة
عن مالك بن دينار قال: رأيت أبا عبد الله مسلم بن يسار في منامي بعد موته بسنة؛ فسلمت عليه فلم يرد السلام فقلت: ما يمنعك أن ترد علي السلام؟ فقال: أنا ميت فكيف أرد عليك السلام؟ قال: قلت له فماذا لقيت بعد الموت؟ قال: فدمعت عينا مالك عند ذلك وقال: لقيت والله أهوالا عظاما شدادا. قال فقلت: فما كان بعد ذلك؟ قال: وما تراه يكون من الكريم؟قبل منا الحسنات وعفا لنا عن السيئات وضمن عنا التبعات. قال: ثم شهق مالك شهقة خر مغشيا عليه. قال: فلبث بعد ذلك أياما مريضا من غشيته ثم مات فيرون أنه انصدع قلبه فمات رحمه الله.
حكمــــــة
عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك قال: هذه مكاتبة سيرين عندنا: هذا ما كاتب عليه أنس بن مالك فتاه شيرون على كذا وكذا ألفا، وعلى غلامين يعملان عليه. أن أم محمد بن سيرين صفية مولاة أبي بكر بن أبي قحافة طيبها ثلاث من أزواج رسول الله ودعوته لها، وحضر إملاكها ثمانية عشر بدريا منهم أبي بن كعب يدعو، وهم يؤمنون.
حكمــــــة
كان محمد بن سيرين إذا سئل عن شيء من الفقه، الحلال والحرام، تغير لونه وتبدل حتى كأنه ليس بالذي كان. أوصى أنس بن مالك أن يغسله محمد بن سيرين. فقيل له في ذلك، وكان محبوسا. فقال: أنا محبوس. قالوا: قد استأذن الأمير فأذن لك في ذلك. قال: فإن الأمير لم يحبسني إنما حبسني الذي له الحق. فأذن له صاحب الحق فخرج فغسله.
حكمــــــة
بعث ابن هبيرة إلى ابن سيرين والحسن والشعبي، قال: فدخلوا عليه فقال لابن سيرين: يا أبا بكر ماذا رأيت منذ قربت من بابنا؟ قال رأيت ظلما فاشيا. قال: فغمزه ابن أخيه بمنكبه، فالتفت إليه ابن سيرين فقال ابن سيرين: إنك لست تسأل إنما أسأل أنا. فأرسل إلى الحسن بأربعة آلاف، وإلى ابن سيرين بثلاث آلاف، وإلى الشعبي بألفين. فأما ابن سيرين فلم يأخذها.
حكمــــــة
قال رجل من آل عاصم رأيت عاصما بعد موته بسنتين فقلت: أليس قد مت؟ قال: بلى. فقلت: أين أنت؟ قال: أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا وتفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني فنتلاقى في أخباركم، قال: قلت أجسامكم أم أرواحكم؟ قال: هيهات بليت الأجسام وإنما تتلاقى الأرواح.
حكمــــــة
قال سليمان وأنبأ غيلان بن جرير، قال: قال مطرف ما تحب اثنان في الله إلا كان أشدهما حبا لصاحبه أفضلهما، وأنا لمذعور أشد حبا وهو أفضل مني، فكيف هذا. قال: فلما أمر بالرهط أن يخرجوا إلى الشام أمر مذعور فيهم. قال فلقيني وأخذ بلجام دابتي فجعلت كلما أردت أن أنصرف يحبسني. فقلت: إن المكان بعيد. فجعل يحبسني فقلت: أنشدك الله إلا تركتني فلم تحبسني؟ فلما ناشدته قال كليمة يخفيها جهده مني: اللهم فيك، فعرفت أنه أشد حبا لي مني له.
حكمــــــة
كان للعلاء بن زياد مال ورقيق فأعتق بعضهم وباع بعضهم وأمسك غلاما أو اثنين يأكل غلتهما فتعبد فكان يأكل كل يوم رغيفين، وترك مجالسة الناس فلم يكن يجالس أحدا، يصلي في جماعة ثم يرجع إلى أهله ويجمع ثم يرجع إلى أهله، ويشيع الجنازة ويعود المرضى، ثم يرجع إلى أهله فطفئ فبلغ ذلك إخوانه فاجتمعوا فأتاه أنس بن مالك والحسن والناس وقالوا: رحمك الله أهلكت نفسك لا يسعك هذا. فكلموه وهو ساكت، حتى إذا فرغوا من كلامهم قال: إنما أتذلل لله عز وجل لعله يرحمني.
حكمــــــة
عن العلاء بن زياد قال: إنما نحن قوم وضعنا أنفسنا في النار، فإن شاء الله أن يخرجنا منها أخرجنا. عن قتادة قال: حدثنا العلاء بن زياد أن رجلا كان يرائي بعمله فجعل يشمر ثيابه ويرفع صوته إذا قرأ فجعل لا يأتي على أحد إلا سبه ولعنه. ثم رزقه الله تعالى يقينا بعد ذلك فخفض من صوته وجل صلاته فيما بينه وبين ربه عز وجل، فجعل لا يأتي بعد ذلك على أحد إلا دعا له بخير.
حكمــــــة
عن جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يسأل هشام بن حسان العدوي عن هذا الحديث، فحدثناه يومئذ قال: تجهز رجل من أهل الشام وهو يريد الحج فنام فأتاه آت في منامه فقال له: ائت العراق، ثم ائت البصرة، ثم ائت بني عدي فأت العلاء بن زياد فإنه رجل ربعة أقصم الثنية بسام فبشره بالجنة. قال فقال: رؤيا ليست بشيء. قال: حتى إذا كانت الليلة الثانية رقد فأتاه آت فقال: ألا فأتي العراق؟ ثم تأتي البصرة ثم تأتي بني عدي فتلقى العلاء بن زياد؟ رجل ربعة أقصم الثنية بسام فبشره بالجنة.
حكمــــــة
عن مطر، عن قتادة قال: من يتق الله يكن الله معه، ومن يكن الله عز وجل معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضلز روى سعيد بن بشير، عن قتادة قال: إن في الجنة كوى إلى النار فيطلع أهل الجنة من تلك الكوى إلى النار فيقولون: ما بال الأشقياء؟ وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم فقالوا: إنا كنا نأمركم ولا نأتمر، وننهاكم ولا ننتهي.
حكمــــــة
قال ثابت البناني: كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة. قال ثابت: ما دعا الله عز وجل المؤمن بدعوة إلا وكل بحاجته جبرائيل عليه السلام فيقول: لا تعجل بإجابته فإني أحب أن أسمع صوت عبدي المؤمن، وإن الفاجر يدعو الله عز وجل فيوكل جبرائيل بحاجته فيقول: يا جبرائيل أعجل إجابة دعوته فإني أحب أن لا أسمع صوت عبدي الفاجر.
حكمــــــة
قال ثابت البناني عن رجل من العباد أنه قال يوما لإخوانه: إني لأعلم متى يذكرني ربي عز وجل. قال: ففزعوا من ذلك فقالوا: تعلم حين يذكرك ربك؟ قال: نعم. قالوا: متى؟قال: إذا ذكرته ذكرني. قال: وإني لأعلم حين يستجيب لي ربي عز وجل. قال: فعجبوا من قوله، قالوا: تعلم حين يستجيب لك ربك؟ قال: نعم. قالوا: وكيف تعلم ذلك؟ قال: إذا وجل قلبي واقشعر جلدي وفاضت عيني وفتح لي في الدعاء فثم أعلم أن قد استجيب لي.
حكمــــــة
قال شبان بن جسر عن أبيه: أنا، والله الذي لا إله إلا هو، أدخلت ثابتا البناني لحده ومعي حميد الطويل أو رجل غيره، شك محمد، قال: فلما سوينا عليه اللبن سقطت لبنة فإذا أنا به يصلي في قبره. فقلت للذي معي: ألا ترى؟ قال: اسكت فلما سوينا عليه وفرغنا أتينا ابنته فقلنا لها: ما كان عمل ثابت؟ قالت: وما رأيتم؟ فأخبرناها. قالت: كان يقوم الليل خمسين سنة فإذا كان السحر قال في دعائه: اللهم إن كنت أعطيت أحدا من خلقك الصلاة في قبره فأعطنيها. فما كان الله عز وجل ليرد ذلك الدعاء.
حكمــــــة
قيل لإياس بن معاوية: فيك أربع خصال: دمامة، وكثرة كلام، وإعجاب بنفسك، وتعجيل بالقضاء. قال: أما الدمامة فالأمر فيها إلى غيري، وأما كثرة الكلام فبصواب أتكلم أم بخطأ؟ قالوا: بصواب. قال: فالإكثار من الصواب أمثل، وأما إعجابي بنفي أفيعجبكم ما ترون مني؟ قالوا: نعم. قال: فإني أحق أن أعجب بنفسي وأما قولكم إنك تعجل بالقضاء فكم هذه؟ وأشار بيده خمسة فقالوا: خمسة. فقال: أعجلتم ألا قلتم واحدا واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة؟ قالوا: ما نعد شيئا قد عرفناه. قال: فما أحبس شيئا قد تبين لي فيه الحكم.
حكمــــــة
عن جعفر قال: أنبأ أبو عمران الجوني قال: تصعد الملائكة بالأعمال فينادي الملك: ألق تلك الصحيفة: ألق تلك الصحيفة، قال: فتقول الملائكة: ربنا قالوا خيرا وحفظناه عليهم. فيقول تبارك وتعالى: لم يرد به وجهي قال: وينادي الملك: اكتب لفلان كذا وكذا مرتين فيقول: يا رب إنه لم يعمله. فيقول جل وعز إنه نواه نواه.
حكمــــــة
قسم أمير البصرة على أهل البصرة، فبعث إلى مالك بن دينار فقبل وأتاه محمد بن واسع فقال: يا مالك قبلت جوائز السلطان قال: فقال: يا أبا بكر سل جلسائي، فقالوا: يا أبا بكر اشتري بها رقابا فأعتقهم، فقال له محمد بن واسع: أنشدك الله أقلبك الساعة له على ما كان قبل أن يجيزك؟ قال: اللهم لا، قال: ترى أي شيئ دخل عليك؟ فقال مالك لجلسائه: إنما مالك حمار، إنما يعبد الله مثل محمد بن واسع.
حكمــــــة
قال محمد بن واسع: اللهم إن كان أخلق وجهي كثرة ذنوبي فهبني لمن أحببت من خلقك. قال محمد بن واسع: ما آسى من الدنيا إلا على ثلاث: صاحب إذا اعوججت قومني، وصلاة في جماعة يحمل عني سهوها وأفوز بفضلها وقوت من الدنيا ليس لأحد فيه منة ولا لله عز وجل فيه تبعة. قال الربيع: رأيت محمد بن واسع بسوق مرو يعرض حمارا على لابيع. فقال له رجل: أترضاه لي؟ قال: لو رضيته لك ما بعته.