فوائد من كتاب صفة الصفوة 10
قال بهز بن حكيم: صلى بنا زرارة بن أوفى في مسجد بني قشير فقرأ فإذا نقر في الناقور سورة المدثر آية 8 فخر ميتا فحمل إلى داره فكنت فيمن حمله إلى داره. قال: وكان يقص في داره. وقدم الحجاج وهو يقص في داره.
قال أبو التياح: سمعت أبا السوار حسان ابن حريث العدوي يقول: وقرأ هذه الآية: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه الإسراء آية 13 قال: هما نشرتان وطية، أما ما حييت يا ابن آدم فصحيفتك منشورة فأمل فيها ما شئت، فإذا مت طويت ثم إذا بعثت نشرت اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا الإسراء آية 15.
قال محمد: إن أبا السوار العدوي أقبل عليه رجل بالأذى، فسكت، حتى بلغ منزله. أو دخل. قال حسبك إن شئت. عن هشام قال: كان أبو السوار العدوي يعرض له رجل فيشتمه فيقول: إن كنت كما قلت إني إذا لرجل سوء.
كان خليد العصري يصوم الدهر. قال خليدالعصري: يا إخوتاه هل منكم من أحد لا يحب أن يلقى حبيبه ألا فأحبوا ربكم وسيروا إليه سيرا كريما.
عن قتادة عن خليد قال: المؤمن لا تلقاه إلا في ثلاث خلال مسجد يعمره، أو بيت يستره، أو حاجة لا بأس بها. عن محمد بن واسع قال: قال خليد العصري: كلنا قد أيقن بالموت وما نرى له مستعدا. وكلنا قد أيقن بالجنة وما نرى لها عاملا، وكلنا قد أيقن بالنار وما نرى لها خائفا فعلى ما تعرجون، وما عسيتم تنظرون؟ الموت؟ فهو أول وارد عليكم من الله بخير أو بشر. فيا إخواتاه سيروا إلى ربكم سيرا جميلا.
عن كهمس بن عبد الله قال: سمعت ميمون ين سياه - وكان أكبر من الحسن - يقول: تذاكروا عندي رجلا من هؤلاء السلاطين فوقعوا فيه ولم أذكر منه خيرا ولا شرا فانقلبت إلى بيتي فرقدت فرأيت فيما يرى النائم كأن بين يدي جيفة زنجي ميت منتفخ منتن، وكأن قائما على رأسي يقول: كل. قلت: يا عبد الله ولم آكل؟ قال: بما اغتيب عندك فلان قال: قلت ما ذكرت منه خيرا ولا شرا. فقال: ولكنك استمعت ورضيت. كان ميمون بن سياه لا يغتاب ولا يدع أحدا يغتاب عنده، ينهاه فإن انتهى وإلا قام عنه.
عن بديل بن ميسرة قال: كان مطرف يقول: لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر. وكان أبو العلاء يقول: اللهم أي ذلك كان خيرا لي فعجل لي. قال أبو صالح العقيلي: كان يزيد يقرأ في المصحف حتى يغشى عليه.
كان والد الحسن البصري من أهل بيسان فسبي فهو مولى الأنصار ولد في خلافة عمر وحنكه عمر بيده، وكانت أمه تخدم أم سلمة زوج النبي )، فربما غابت فتعطيه أم سلمة ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه فيدر عليه ثديها فيشربه. فكانوا يقولون: فصاحته من بركة ذلك.
قال إبراهيم اليشكري: ما رأيت أطول حزنا من الحسن، وما رأيته إلا حسبته حديث عهد بمصيبة. كان الحسن يقول: نضحك ولعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا فقال: لا أقبل منكم شيئا. قال مسمع: لو رأيت الحسن لقلت قد بث عليه حزن الخلائق، من طول تلك الدمعة وكثرة ذلك النشيج.
قال يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهما. عن حفص بن عمر قال: بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك? فقال: أخاف أن يطرحني غدا في النار ولا يبالي.
عن يوسف بن أسباط قال: مكث الحسن ثلاثين سنة لم يضحك، وأربعين سنة لم يمزح. قال: وقال الحسن: لقد أدركت أقواما ما أنا عندهم إلا لص.
بينما الحسن في المسجد تنفس تنفسا شديدا ثم بكى حتى أرعدت منكباه ثم قال: لو أن بالقلوب حياة، لو أن بالقلوب صلاحا لأبكتكم من ليلة صبيحتها يوم القيامة، إن ليلة تمخض عن صبيحة يوم القيامة ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر من عورة بادية ولا عين باكية من يوم القيامة.
روى أبو عبيدة الناجي: أنه سمع الحسن يقول: يا ابن آدم إنك لا تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك، وحتى تبدأ بصلاح ذلك العيب من نفسك فتصلحه، فإذا فعلت ذلك لم تصلح عيبا إلا وجدت عيبا آخر لم تصلحه، فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصة نفسك، وأحب العباد إلى الله تعالى من كان كذلك.
عن يحيى بن المختار عن الحسن قال: إن المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز وجل، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة. إن المؤمن يفجؤه الشيء يعجبه فيقول: والله إني لأشتهيك وإنك لمن حاجتي ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات هيهات، حيل بيني وبينك. ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول: ما أردت إلى هذا. ما لي ولهذا? والله لا أعود لهذا أبدا إن شاء الله.
عن يحيى بن المختار عن الحسن قال:إن المؤمنين قوم أوثقهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم. إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته لا يأمن شيئا حتى يلقى الله عز وجل يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وبصره ولسانه وجوارحه.
قال الحسن: يا ابن آدم إنك ناظر إلى عملك ويوزن خيره وشره فلا تحقرن من الخير شيئا وإن هو صغر فإنك إذا رأيته سرك مكانه ولا تحقرن من الشر شيئا فإنك إذا رأيته ساءك مكانه، رحم الله رجلا كسب طيبا وأنفق قصدا وقدم فضلا ليوم فقره وفاقته. هيهات ذهبت الدنيا بحال بالها وبقيت الأعمال قلائد في أعناقكم. أنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم وقد أسرع بخياركم فماذا تنتظرون؟ المعاينة فكأن قد. إنه لا كتاب بعد كتابكم ولا نبي بعد نبيكم، يا ابن آدم بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا ولا تبيعن آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا.
عن مبارك بن فضالة قال: سمعت الحسن وقال له شاب: أعياني قيام الليل. فقال: قيدتك خطاياك. عن الحسن أنه مر ببعض القراء على بعض أبواب السلاطين فقال: أفرحتم حمائمكم وفرطحتم نعالكم وجئتم بالعلم تحملونه على رقابكم إلى أبوابهم فزهدوا فيكم، أما إنكم لو جلستم ببيوتكم حتى يكونوا هم الذين يرسلون إليكم لكان أعظم لكم في أعينهم، تفرقوا فرق الله بين أعضائكم.
قال الحسن بن أبي الحسن: حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور، واقدعوا هذه الأنفس فإنها طلعة وإنها تنازع إلى الشر غاية، وإنكم إن لم تقاربوها لم تبق من أعمالكم شيئا فتصبروا وتشددوا فإنما هي ليال تعد، وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب ولا يلتفت فانقلبوا بصالح ما بحضرتكم، إن هذا الحق أجهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم وإنما صبر على هذا الحق من عرف فضله ورجا عاقبته.
قال ابن عباس: لو نزل أهل البصرة عند قول جابر بن زيد لأوسعهم عما في كتاب الله عز وجل علما. قال عمرو: وما رأيت أحدا أعلم من أبي الشعثاء جابر بن زيد .
عن صالح الدهان، عن جابر بن زيد قال: نظرت في أعمال البر فإذا الصلاة تجهد البدن ولا تجهد المال، والصيام مثل ذلك، والحج يجهد المال والبدن. فرأيت الحج أفضل من ذلك كله.
جابر بن زيد كان لا يماكس في ثلاث: في الكراء إلى مكة، وفي الرقبة يشتريها للعتق، وفي الأضحية. وكان لا يماكس في كل شيء يتقرب به إلى الله عز وجل.
عن ابن سيرين قال: كان أبو الشعثاء مسلما عند الدينار والدرهم. عن جابر بن زيد قال: لأن أتصدق بدرهم على يتيم أو مسكين أحب إلي من حجة بعد حجة الإسلام
عن أبي قلابة قال: أي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال له صغار يعفهم الله به ويغنيهم. قال أبو قلابة: إذا أحدث الله عز وجل لك علما فأحدث له عبادة ولا يكن همك ما يحدث به الناس. قال: وقال لي: الزم سوقك فإن الغنى من العافية.
عن أبي قلابة قال: إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذرا فقل في نفسك: لعل لأخي عذرا لا أعلمه.
كان رجل بالبصرة من بني سعد، وكان قائدا من قواد عبيد الله بن زياد فسقط على السطح فانكسرت رجلاه. فدخل عليه أبو قلابة يعوده فقال له: أرجو أن تكون لك خيرة. فقال له: يا أبا قلابة وأي خير في كسر رجلي جميعا? فقال: ما ستر الله عليك أكثر. فلما كان بعد ثلاث ورد عليه كتاب ابن زياد أن يخرج فيقاتل الحسين. فقال للرسول: قد أصابني ما ترى فما كان إلا سبعا حتى وافى الخبر بقتل الحسين. فقال الرجل: رحم الله أبا قلابة لقد صدق، إنه كان خيرة لي.
مرض أبو قلابة بالشام، فأتاه عمر بن عبد العزيز يعوده فقال: يا أبا قلابة تشدد لا تشمت بنا المنافقون.
قال ميمون: ما رأيت مسلم بن يسار ملتفتا في صلاته قط، خفيفة ولا طويلة. لقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع أهل السوق لهدته وإنه لفي المسجد في صلاة فما التفت.
عن عبد الجبار بن النضر السلمي قال: حدثني رجل من آل محمد بن سيرين قال: رأيت مسلم بن يسار رفع رأسه من السجود في المسجد الجامع فنظرت إلى موضع سجوده كأنه قد صب فيه الماء من كثرة دموعه.
عن جعفر بن حيان قال: ذكر لمسلم بن يسار قلة التفاته في الصلاة فقال: وما يدريكم أين قلبي؟ عن ابن شوذب قال: كان مسلم بن يسار يقول لأهله إذا دخل في صلاته في بيته: تحدثوا فلست أسمع حديثكم.
كان مسلم إذا دخل المنزل سكت أهل البيت فلا يسمع لهم كلام، وإذا قام يصلي تكلموا وضحكوا. قال ابن عون: رأيت مسلم بن يسار يصلي كأنه وتد لا يميل على قدم مرة ولا على قدم مرة ولا يتحرك له ثوب ولا يتروح على رجل.
عن حبيب بن الشهيد أن مسلم بن يسار كان قائما يصلي فوقع حريق إلى جنبه فما شعر به حتى طفئت النار. عبد الحميد بن عبد الله بن مسلم بن يسار قال: حدثني أبي قال: رأيت مسلما وهو ساجد، وهو يقول في سجوده: متى ألقاك وأنت عني راض? ويذهب في الدعاء ثم يقول: متى ألقاك وأنت عني راض.
عن مالك بن دينار قال: رأيت أبا عبد الله مسلم بن يسار في منامي بعد موته بسنة؛ فسلمت عليه فلم يرد السلام فقلت: ما يمنعك أن ترد علي السلام؟ فقال: أنا ميت فكيف أرد عليك السلام؟ قال: قلت له فماذا لقيت بعد الموت؟ قال: فدمعت عينا مالك عند ذلك وقال: لقيت والله أهوالا عظاما شدادا. قال فقلت: فما كان بعد ذلك؟ قال: وما تراه يكون من الكريم؟قبل منا الحسنات وعفا لنا عن السيئات وضمن عنا التبعات. قال: ثم شهق مالك شهقة خر مغشيا عليه. قال: فلبث بعد ذلك أياما مريضا من غشيته ثم مات فيرون أنه انصدع قلبه فمات رحمه الله.
عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك قال: هذه مكاتبة سيرين عندنا: هذا ما كاتب عليه أنس بن مالك فتاه شيرون على كذا وكذا ألفا، وعلى غلامين يعملان عليه. أن أم محمد بن سيرين صفية مولاة أبي بكر بن أبي قحافة طيبها ثلاث من أزواج رسول الله ودعوته لها، وحضر إملاكها ثمانية عشر بدريا منهم أبي بن كعب يدعو، وهم يؤمنون.
كان محمد بن سيرين إذا حدث كأنه يتقي شيئا، كأنه يحذر شيئا. قال محمد بن سيرين يحدث رجلا ما رأيت الرجل الأسود، ثم قال: أستغفر الله ما أراني إلا قد اغتبت الرجل
عن ابن عون قال: كانوا إذا ذكروا عند محمد رجلا بسيئة ذكره محمد بأحسن ما يعلم. طوق بن وهب قال: دخلت على محمد بن سيرين وقد اشتكيت. فقال: كأني أراك شاكيا. قلت: أجل. قال: اذهب إلى فلان الطبيب فاستوصفه، ثم قال: اذهب إلى فلان فإنه أطب منه. ثم قال: أستغفر الله أراني قد اغتبته.
قال مورق العجلي ما رأيت رجلا أفقه في ورعه ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين. وقال أبو قلابة: اصرفوه حيث شئتم فلتجدنه أشدكم ورعا وأملككم لنفسه.
قال أبو قلابة: وأينا يطيق ما يطيق محمد بن سيرين? يركب مثل حد السنان. عن أبى عوانة قال: رأيت محمد بن سيرين يمر في السوق فيكبر الناس.
قال خلف: كان محمد بن سيرين قد أعطي هديا وسمتا وخشوعا فكان الناس إذا رأوه ذكروا الله. كان محمد بن سيرين إذا مشى معه رجل قام وقال: ألك حاجة? فإن كان له حاجة قضاها. فإن عاد يمشي معه قام فقال له: ألك حاجة? عن عاصم قال: لم يكن ابن سيرين يترك أحدا يمشي معه.
عن ابن سيرين قال: إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا جعل له واعظا من قلبه يأمره وينهاه. عن ابن عون قال: سمعت محمدا يقول في شيء راجعته فيه: إني لم أقل لك ليس به بأس، إنما قلت لك لا أعلم به بأسا.
كان محمد بن سيرين إذا سئل عن شيء من الفقه، الحلال والحرام، تغير لونه وتبدل حتى كأنه ليس بالذي كان. أوصى أنس بن مالك أن يغسله محمد بن سيرين. فقيل له في ذلك، وكان محبوسا. فقال: أنا محبوس. قالوا: قد استأذن الأمير فأذن لك في ذلك. قال: فإن الأمير لم يحبسني إنما حبسني الذي له الحق. فأذن له صاحب الحق فخرج فغسله.
قال يونس بن عبيد أما ابن سيرين فإنه لم يعرض له أمران في دينه إلا أخذ بأوثقهما. أشترىابن سيرين بيعا فأشرف فيه على ثمانين ألفا فعرض في قلبه منه شيء فتركه قال هشام والله ما هو بربا. عن السري بن يحيى قال: لقد ترك ابن سيرين ربح أربعين ألفا في شيء دخله.
قال سري: فسمعت سليمان التيمي يقول: لقد تركه في شيء ما يختلف فيه أحد من العلماء. ترك محمد بن سيرين أربعين ألف درهم في شيء ما ترون به اليوم بأسا.
كان ابن سيرين إذا دعي إلى وليمة أو إلى عرس يدخل منزله فيقول: اسقوني شربة سويق. فيقال له: يا أبا بكر أنت تذهب إلى الوليمة أو العرس تشرب سويقا? فيقول: إني أكره أن أحمل حد جوعي على طعام الناس.
كان ابن سيرين يصوم يوما ويفطر يوما. وكان اليوم الذي يفطر فيه يتغدى ولا يتعشى، ثم يتسحر ويصبح صائما. موسى بن المغيرة قال: رأيت محمد بن سيرين يدخل السوق نصف النهار يكبر ويسبح ويذكر الله عز وجل. فقال له رجل: يا أبا بكر في هذه الساعة؟قال: إنها ساعة غفلة.
عن حفصة بنت سيرين قالت: كان محمد إذا دخل على أمه لم يكلمها بلسانه كله تخشعا لها. دخل رجل على محمد وهو عند أمه فقال: ما شأن محمد? يشتكي شيئا؟قالوا: لا ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه.
عن الربيع، عن ابن سيرين قال: ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم وتكتم خيره. أرسل ابن هبيرة إلى ابن سيرين فأتاه فقال له: كيف تركت أهل مصرك؟ قال تركتهم والظلم فيهم فاش. قال ابن عون: كان محمد يرى أنها شهادة يسأل عنها فكره أن يكتمها.
بعث ابن هبيرة إلى ابن سيرين والحسن والشعبي، قال: فدخلوا عليه فقال لابن سيرين: يا أبا بكر ماذا رأيت منذ قربت من بابنا؟ قال رأيت ظلما فاشيا. قال: فغمزه ابن أخيه بمنكبه، فالتفت إليه ابن سيرين فقال ابن سيرين: إنك لست تسأل إنما أسأل أنا. فأرسل إلى الحسن بأربعة آلاف، وإلى ابن سيرين بثلاث آلاف، وإلى الشعبي بألفين. فأما ابن سيرين فلم يأخذها.
عن جعفر بن أبي الصلت قال: قلت لمحمد بن سيرين: ما منعك أن تقبل من ابن هبيرة? قال: فقال لي: يا أبا عبد الله، أو يا هذا، إنما أعطاني على خير كان يظنه بي، ولئن كنت كما ظن بي فما ينبغي لي أن أقبل، وإن لم أكن كما ظن فبالحري أن لا يجوز لي أن أقبل.
عن عمير بن رئاب، عن ابن سيرين قال: العزلة عبادة. عن هشام بن حسان قال: ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في جوف الليل وهو يصلي.
قال ابن سيرين: إني لأعرف الذنب الذي حمل به علي الدين ما هو. قلت لرجل منذ أربعين سنة: يا مفلس. فحدثت به أبا سليمان الداراني فقال: قلت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندري من أين نؤتى؟ عن عاصم الأحول قال: كان عامة كلام ابن سيرين: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده.
قال أنس بن سيرين: كان لمحمد بن سيرين سبعة أوراد يقرؤها بالليل، فإذا فاته منها شيء قرأه من النهار. عن هشام قال: كان ابن سيرين يحيي الليل في رمضان. عن دهير قال: كان ابن سيرين إذا ذكر الموت مات كل عضو منه على حدته.
قال مهدي: كنا نجلس إلى محمد فيحدثنا ونحدثه ويكثر غلينا ونكثر إليه فإذا ذكر الموت تغير لونه واصفر وأنكرناه وكأنه ليس بالذي كان. عن ابن عون أن محمد بن سيرين كان إذا نام وجه نفسه.
كان الرجل إذا سال ابن سيرين عن الرؤيا قال: اتق الله عز وجل في اليقظة ولا يضرك ما رأيت في المنام. قالت أم عباد نزلنا مع محمد ابن سيرين في الدار، فكنا نسمع بكاءه بالليل وضحكه بالنهار. الصقر، يعني ابن حبيب، قال: مر ابن سيرين برآس قد خرج رأسا فغشي عليه.
قال بكر بن عبد الله: إذا رأيت من هو أكبر منك فقل: هذا سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خير مني، وإذا رأيت من هو أصغر منك فقل: سبقته إلى الذنوب والمعاصي فهو خير مني، وإذا رأيت إخوانك يكرمونك ويعظمونك فقل: هذا فضل أخذوا به، وإذا رأيت منهم تقصيرا فقل: هذا ذنب أحدثته.
وقف مطرف بن عبد الله بن الشخير، وبكر بن عبد الله المزني بعرفة فقال مطرف: اللهم لا تردهم اليوم من أجلي. وقال بكر: ما أشرفه من مقام وأرجاء لأجله لولا أني فيهم.
عن بكر بن عبد الله قال: كان الرجل من بني إسرائيل إذا بلغ المبلغ فمشى في الناس تظله غمامة. قال: فمر رجل قد أظلته غمامة على رجل فأعظمه لما رآه لما آتاه الله عز وجل. قال: فاحتقره صاحب الغمامة، أو قال كلمة نحوها، فأمرت أن تتحول من رأسه إلى رأس الذي عظم أمر الله عز وجل.
عن حميد قال: كان بكر مجاب الدعوة. قال بكر بن عبد الله المزني: من مثلك يا ابن آدم؟ خلي بينك وبين المحراب والماء. كلما شئت دخلت على الله عز وجل ليس بينك وبينه ترجمان.
عن بكر بن عبد الله المزني قال: لا يكون العبد تقيا حتى يكون تقي الطمع، تقي الغضب. قال بكر بن عبد الله: إذا رأيتم الرجل موكلا بعيوب الناس ناسيا لعيبه فاعلموا أنه قد مكر به.
قال رجل من آل عاصم رأيت عاصما بعد موته بسنتين فقلت: أليس قد مت؟ قال: بلى. فقلت: أين أنت؟ قال: أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا وتفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني فنتلاقى في أخباركم، قال: قلت أجسامكم أم أرواحكم؟ قال: هيهات بليت الأجسام وإنما تتلاقى الأرواح.
عن هشام عن مورق قال: ما تكلمت بشيء من الغضب فندمت عليه في الرضا. عن حفصة بنت سيرين قالت: كان مورق العجلي يأتينا. فسألته عن أهله وولده فقال: هم والله متوافرون. فقلت: رحمك الله لم تقول هذا? قال: إني والله أخشى أن يحبسوني على هلكة.
قال مورق العجلي: ما من أمر يبلغني أحب إلي من موت أحب أهلي إلي. وكان يقول: ما في الأرض نفس في موتها لي أجر إلا وددت أنها قد ماتت.
قال مورق ما وجدت للمؤمن مثلا إلا مثل رجل في البحر على خشبة فهو يدعو: يا رب يا رب، لعل الله عز وجل أن ينجيه. قال مورق العجلي: أمر أنا في طلبه منذ عشرين سنة هم أقدر عليه ولست بتارك طلبه أبدا، قالوا: وما هو يا أبا المعتمر? قال: الصمت عما لا يعنين.
عن جميل بن مرة قال: مستنا حاجة شديدة، وكان مورق العجلي يأتينا بالصرة فيقول: أمسكوا هذه لي عندكم. ثم يمضي غير بعيد فيقول: إن احتجتم إليها فأنفقوها.
كان مورق يتجر فيصيب المال فلا يأتي عليه جمعة وعنده منه شيء، يلقى الأخ فيعطيه أربعمائة، خمسمائة، ثلثمائة فيقول: ضعها عندك حتى نحتاج إليها. قال: ثم يلقاه بعد ذلك فيقول الأخ: لا حاجة لي فيها. فيقول: إنا والله ما نحن بآخذيها أبدا فشأنك بها. عن عاصم أن مورقا العجلي كان يجد نفقته تحت رأسه.
قال غزوان بن زيد الرقاشي: لله علي أن لا يراني الله ضاحكا حتى أعلم أي الدارين داري? قال الحسن: فعزم غزوان أن يفعل، فوالله ما رئي ضاحكا حتى لحق بالله عز وجل.
قال عثمان الرقاشي: سمعت مشايخنا يذكرون أن غزوان لم يضحك منذ أربعين سنة. وكان غزوان يغزو فإذا أقبلت الرفاق راجعين تستقبلهم أمه فتقول لهم: أما تعرفون غزوان؟فيقولون: ويحك يا عجوز ذاك سيد القوم.
عبد الواحد بن زيد قال: كان أصحاب غزوان يقولون له: ما يمنعك من مجالسة إخوانك? فيبكي عند ذلك ويقول: إني أصبت راحة قلبي في مجالسة من لديه حاجتي.
عن هارون بن رئاب أن غزوان كان في بعض مغازيهم فتكشفت جارية فنظر إليها غزوان فرفع يده فلطم عينه حتى نفرت وقال: إنك للحاظة إلى ما يضرك
قال مطرف بن عبد الله: إن كان من هذه الأمة أحد ممتحن القلب فإن مذعورا ممتحن القلب. قال سليمان: وأنبأ قتادة قال: قال مطرف إن كان مذعور ليزورنا فيفرح به أهلنا.
قال سليمان وأنبأ غيلان بن جرير، قال: قال مطرف ما تحب اثنان في الله إلا كان أشدهما حبا لصاحبه أفضلهما، وأنا لمذعور أشد حبا وهو أفضل مني، فكيف هذا. قال: فلما أمر بالرهط أن يخرجوا إلى الشام أمر مذعور فيهم. قال فلقيني وأخذ بلجام دابتي فجعلت كلما أردت أن أنصرف يحبسني. فقلت: إن المكان بعيد. فجعل يحبسني فقلت: أنشدك الله إلا تركتني فلم تحبسني? فلما ناشدته قال كليمة يخفيها جهده مني: اللهم فيك، فعرفت أنه أشد حبا لي مني له.
كان للعلاء بن زياد مال ورقيق فأعتق بعضهم وباع بعضهم وأمسك غلاما أو اثنين يأكل غلتهما فتعبد فكان يأكل كل يوم رغيفين، وترك مجالسة الناس فلم يكن يجالس أحدا، يصلي في جماعة ثم يرجع إلى أهله ويجمع ثم يرجع إلى أهله، ويشيع الجنازة ويعود المرضى، ثم يرجع إلى أهله فطفئ فبلغ ذلك إخوانه فاجتمعوا فأتاه أنس بن مالك والحسن والناس وقالوا: رحمك الله أهلكت نفسك لا يسعك هذا. فكلموه وهو ساكت، حتى إذا فرغوا من كلامهم قال: إنما أتذلل لله عز وجل لعله يرحمني.
عن حميد بن هلال قال: دخلت مع الحسن على العلاء بن زياد العدوي نعوده وقد سله الحزن، وكانت له أخت يقال لها شادة تندف تحته القطن غدوة وعشية. فقال له الحسن: كيف أنت يا علاء؟ فقال: واحزناه على الحزن. فقال الحسن: قوموا، فإلى هذا والله انتهى استقلال الحزن.
كان العلاء بن زياد يحيي كل ليلة جمعه قال: وجد ليلة فترة فقال لامرأته أسماء: إني أجد فترة فإذا مضى كذا وكذا، فأيقظيني. قال: نعم. فأتاه آت في منامه فأخذ بناصيته فقال: يا بن زياد قم فاذكر الله عز وجل يذكرك. قال: فقام فما زالت تلك الشعرات التي أخذ بها منه قائمة حتى مات.
عن العلاء بن زياد قال: إنما نحن قوم وضعنا أنفسنا في النار، فإن شاء الله أن يخرجنا منها أخرجنا. عن قتادة قال: حدثنا العلاء بن زياد أن رجلا كان يرائي بعمله فجعل يشمر ثيابه ويرفع صوته إذا قرأ فجعل لا يأتي على أحد إلا سبه ولعنه. ثم رزقه الله تعالى يقينا بعد ذلك فخفض من صوته وجل صلاته فيما بينه وبين ربه عز وجل، فجعل لا يأتي بعد ذلك على أحد إلا دعا له بخير.
قال العلاء :ينزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت فاستقال ربه عز وجل فأقاله فليعمل بطاعة الله عز وجل. عن قتادة قال: كان زياد بن مطر العدوي قد بكى حتى عمي، وبكى ابنه العلاء بن زياد بعده حتى عشي بصره، وكان إذا أراد أن يتكلم أو يقرأ أجهشه البكاء.
عن جعفر قال: سمعت مالك بن دينار يسأل هشام بن حسان العدوي عن هذا الحديث، فحدثناه يومئذ قال: تجهز رجل من أهل الشام وهو يريد الحج فنام فأتاه آت في منامه فقال له: ائت العراق، ثم ائت البصرة، ثم ائت بني عدي فأت العلاء بن زياد فإنه رجل ربعة أقصم الثنية بسام فبشره بالجنة. قال فقال: رؤيا ليست بشيء. قال: حتى إذا كانت الليلة الثانية رقد فأتاه آت فقال: ألا فأتي العراق؟ ثم تأتي البصرة ثم تأتي بني عدي فتلقى العلاء بن زياد؟ رجل ربعة أقصم الثنية بسام فبشره بالجنة.
قال معاوية بن قرة: أدركت سبعين رجلا من أصحاب رسول الله ، لو خرجوا فيكم اليوم ما عرفوا شيئا مما أنتم عليه إلا الأذان.
قال معاوية بن قرة: من يدلني على بكاء بالليل بسام بالنهار? عون بن موسى قال: حدثنا معاوية بن قرة قال: كنا عند الحسن فتذاكرنا أي العمل أفضل? فكلهم اتفقوا على قيام الليل فقلت أنا: ترك المحارم فانتبه لها الحسن فقال: تم الأمر، تم الأمر.
قال معاوية إن الله عز وجل يرزق العبد رزق شهر في يوم واحد فإن أصلحه أصلح الله على يديه وعاش هو وعياله بقية شهرهم بخير، وإن هو أفسده أفسد الله تعالى على يديه وعاش هو وعياله بقية شهرهم بشر.
قال مسلم: لقيني معاوية بن قرة وأنا جاء من الكلأ فقال لي: ما صنعت? فقلت: اشتريت لأهلي كذا وكذا. قال: وأصبت من حلال? قلت: نعم. قال: لأن أغدو فيما غدوت به أحب إلي من أن أقوم الليل وأصوم النهار.
عن خليد بن دعلج قال: سمعت معاوية بن قرة يقول: إن القوم ليحجون ويعتمرون ويجاهدون ويصلون ويصومون، وما يعطون يوم القيامة إلا على قدر عقولهم.
قال هشام: حدثني أبي عن أبي الجوزاء قال: صحبت ابن عباس ثنتي عشرة سنة ما بقي من القرآن آية إلا سألته عنها. وفي رواية: جاورت ابن عباس ثنتي عشرة سنة في داره. كان أبو الجوزاء يواصل في الصوم بين سبعة أيام ثم يقبض على ذراع الشاب فيكاد يحطمها.
كان طلق بن حبيب يقول: إني لأحب أن أقوم لله حتى أشتكي ظهري. فيقوم فيبتدئ بالقرآن حتى يبلغ الحجر السورة رقم 15 من سور القرآن الكريم ثم يركع.
قال قتادة ما سمعت أذناي شيئا قط إلا وعاه قلبي. عن قتادة أنه كان يختم القرآن في كل سبع ليال مرة، فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة. عن قتادة قال: باب من العلم، يحفظه الرجل يطلب به صلاح نفسه وصلاح الناس، أفضل من عبادة حول كامل.
عن مطر، عن قتادة قال: من يتق الله يكن الله معه، ومن يكن الله عز وجل معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضلز روى سعيد بن بشير، عن قتادة قال: إن في الجنة كوى إلى النار فيطلع أهل الجنة من تلك الكوى إلى النار فيقولون: ما بال الأشقياء? وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم فقالوا: إنا كنا نأمركم ولا نأتمر، وننهاكم ولا ننتهي.
كان حميد بن هلال من العلماء الفقهاء، ولم يكن يذاكر ولا يسأل؛ إنما كان يعتذر في مكان. قال قتادة: ما كان بالمصرين أعلم من حميد ما أستثني الحسن ولا محمدا.
عن الجلد بن أيوب عن حميد بن هلال قال: ذكر لنا أن الرجل إذا دخل الجنة فصور صورة أهل الجنة وألبس لباسهم وحلي حلاهم ورأى أزواجه وخدمه ومساكنه في الجنة يأخذه سوار فرح، لو كان ينبغي أن يموت لمات فرحا. فيقال له: أرأيت سوار فرحتك هذه? فإنها قائمة لك أبدا.
عن بكر بن عبد الله قال: من سره أن ينظر إلى أعبد رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى ثابت البناني، فما أدركنا الذي هو أعبد منه، تراه في يوم معمعاني بعيد ما بين الطرفين يظل صائما ويراوح ما بين جبينه وقدمه.
قال ثابت البناني: كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة. قال ثابت: ما دعا الله عز وجل المؤمن بدعوة إلا وكل بحاجته جبرائيل عليه السلام فيقول: لا تعجل بإجابته فإني أحب أن أسمع صوت عبدي المؤمن، وإن الفاجر يدعو الله عز وجل فيوكل جبرائيل بحاجته فيقول: يا جبرائيل أعجل إجابة دعوته فإني أحب أن لا أسمع صوت عبدي الفاجر.
قال ثابت البناني عن رجل من العباد أنه قال يوما لإخوانه: إني لأعلم متى يذكرني ربي عز وجل. قال: ففزعوا من ذلك فقالوا: تعلم حين يذكرك ربك؟ قال: نعم. قالوا: متى؟قال: إذا ذكرته ذكرني. قال: وإني لأعلم حين يستجيب لي ربي عز وجل. قال: فعجبوا من قوله، قالوا: تعلم حين يستجيب لك ربك؟ قال: نعم. قالوا: وكيف تعلم ذلك؟ قال: إذا وجل قلبي واقشعر جلدي وفاضت عيني وفتح لي في الدعاء فثم أعلم أن قد استجيب لي.
كان ثابت البناني يصلي كل ليلة ثلاث مائة ركعة، فإذا أصبح ضمرت قدماه فيأخذهما بيده فيعصرهما ثم يقول: مضى العابدون وقطع بي والهفاه. عن شعبة قال: كان ثابت البناني يقرأ القرآن في كل يوم وليلة ويصوم الدهر.
قال ثابت البناني كان رجل من العباد يقول: إذا أنا نمت ثم استيقظت ثم أردت أن أعود إلى النوم فلا أنام الله عيني إذا. قال جعفر: كنا نراه يعني نفسه. قال حميد: كنا نأتي أنس بن مالك ومعنا ثابت، فكلما مر بمسجد صلى فيه فكنا نأتي أنسا فيقول: أين ثابت؟ أين ثابت؟ إن ثابتا دويبة أحبها.
قال عبد الله: وحدثني أبي قال: بلغني أن أنسا قال لثابت: ما أشبه عينك بعيني رسول الله قال: فما زال يبكي حتى عمشت عيناه. اشتكى ثابت البناني عينه فقال له الطبيب: اضمن لي خصلة تبرأ عينك قال: وما هي؟ قال: لا تبك قال: وما خير في عين لا تبكي؟
قال حماد بن زيد: رأيت ثابتا البناني يبكي حتى تختلف أضلاعه. عن هشام قال: ما رأيت قط أصبر على طول المقام والسهر من ثابت البناني، صحبناه مرة إلى مكة فكنا إن نزلنا ليلا فهو قائم يصلي وإلا فمتى شئت أن تراه أو تحس به مستيقظا ونحن نسير إما باكيا وإما تاليا.
عن مبارك بن فضالة قال: كان ثابت البناني يقوم الليل ويصوم النهار. وكان يقول: ما شيء أجده في قلبي ألذ عندي من قيام الليل. قال ثابت: ما تركت في المسجد الجامع سارية إلا وقد ختمت القرآن عندها وبكيت عندها.
قال محمد بن ثابت البناني: ذهبت ألقن أبي وهو في الموت فقلت: يا أبت قل لا إله إلا الله فقال: يا بني خل عني فإني في وردي السادس أو السابع.
قال شبان بن جسر عن أبيه: أنا، والله الذي لا إله إلا هو، أدخلت ثابتا البناني لحده ومعي حميد الطويل أو رجل غيره، شك محمد، قال: فلما سوينا عليه اللبن سقطت لبنة فإذا أنا به يصلي في قبره. فقلت للذي معي: ألا ترى؟ قال: اسكت فلما سوينا عليه وفرغنا أتينا ابنته فقلنا لها: ما كان عمل ثابت؟ قالت: وما رأيتم؟ فأخبرناها. قالت: كان يقوم الليل خمسين سنة فإذا كان السحر قال في دعائه: اللهم إن كنت أعطيت أحدا من خلقك الصلاة في قبره فأعطنيها. فما كان الله عز وجل ليرد ذلك الدعاء.
قال إياس بن معاوية: كل رجل لا يعرف عيبه فهو أحمق. قالوا: يا أبا واثلة ما عيبك? قال: كثرة الكلام.
قيل لإياس بن معاوية: فيك أربع خصال: دمامة، وكثرة كلام، وإعجاب بنفسك، وتعجيل بالقضاء. قال: أما الدمامة فالأمر فيها إلى غيري، وأما كثرة الكلام فبصواب أتكلم أم بخطأ؟ قالوا: بصواب. قال: فالإكثار من الصواب أمثل، وأما إعجابي بنفي أفيعجبكم ما ترون مني؟ قالوا: نعم. قال: فإني أحق أن أعجب بنفسي وأما قولكم إنك تعجل بالقضاء فكم هذه؟ وأشار بيده خمسة فقالوا: خمسة. فقال: أعجلتم ألا قلتم واحدا واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة؟ قالوا: ما نعد شيئا قد عرفناه. قال: فما أحبس شيئا قد تبين لي فيه الحكم.
قال أبوعمران الجوني في قصصه: لا يغرنكم من ربكم عز وجل طول النسيئة وحسن الطلب فإن أخذه أليم شديد، حتى متى تبقى وجوه أولياء الله بين أطباق التراب؟ وإنما هم محتبسون ببقية آجالكم أيتها الأمة حتى يبعثهم الله عز وجل إلى جنته وثوابه.
قال جعفر: وسمعت أبا عمران الجوني يقول: وعظ موسى عليه السلام قومه فشق رجل منهم قميصه، فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام: قل لصاحب القميص لا يشق قميصه ولكن ليشرح لي عن قلبه.
عن جعفر قال: أنبأ أبو عمران الجوني قال: تصعد الملائكة بالأعمال فينادي الملك: ألق تلك الصحيفة: ألق تلك الصحيفة، قال: فتقول الملائكة: ربنا قالوا خيرا وحفظناه عليهم. فيقول تبارك وتعالى: لم يرد به وجهي قال: وينادي الملك: اكتب لفلان كذا وكذا مرتين فيقول: يا رب إنه لم يعمله. فيقول جل وعز إنه نواه نواه.
عن الحارث بن سعيد قال: كان أبو عمران الجوني إذا سمع الأذان تغير لونه وفاضت عيناه. عن خشيش أبي محرز قال: قال أبو عمران الجوني وهبك تنجو بعد كم تنجو.
بكى بديل العقيلي حتى قرحت مآقيه. فكان يعاتب في ذلك فيقول: إنما أبكي خوفا من طول العطش يوم القيامة. روى السري بن يحيى عن بديل العقيلي قال: من أراد بعلمه وجه الله عز وجل أقبل الله عليه بوجهه وأقبل بقلوب العباد إليه ومن عمل لغير الله عز وجل أقبل الله عنه وجهه وصرف قلوب العباد عنه.
عن الوليد بن هشام عن بديل العقيلي قال: الصيام معقل العابدين. قال مهيد بن ميمون: رأيت ليلة مات بديل العقيلي قائلا يقول: ألا إن بديلا أصبح من سكان الجنة.
ركب أبو ريحانة البحر وكان يخيط فيه بإبرة معه فسقطت إبرته في البحر فقال: عزمت عليك يا رب إلا رددت علي إبرتي. فظهرت حتى أخذها. واشتد عليهم البحر ذات يوم وهاج فقال: اسكن أيها البحر فإنما أنت عبد حبشي. فسكت حتى صار كالزيت.
قال موسى بن بشار: صحبت محمد بن واسع من مكة إلى البصرة فكان يصلي الليل أجمع، يصلي في المحمل جالسا يومئ برأسه إيماء وكان يأمر الحادي يكون خلفه ويرفع صوته حتى لا يفطن له وكان ربما عرس من لاليل فينزل فيصلي فإذا أصبح أيقظ أصحابه.
عن عبد الملك بن قريب قال: حدثني نسيب لهشام القردوسي قال: قال رجل: دخلنا على محمد بن واسع فقالت علجة في داره فذكرت كلمات بالأعجمية معناها: هذا رجل إذا جاء الليل لو كان قتل أهل الدنيا ما زاد.
قال ا بن زيد: شهدت حوشبا جاء إلى مالك بن دينار فقال: يا أبا يحيى رأيت البارحة كأن مناديا يقول: يا أيها الناس، الرحيل الرحيل. فما رأيت أحدا يرتحل إلا محمد بن واسع. قال: فصاح لمالك صيحة وخر مغشيا عليه. قال مضر: كان الحسن يسمي محمد بن واسع زين القرآن.
كان محمد بن واسع مع قتيبة بن مسلم في جيش، وكان صاحب خراسان، وكانت الترك خرجت إليهم فبعث إلى المسجد ينظر من فيه? فقيل له ليس فيه إلا محمد بن واسع رافعا إصبعه، فقال قتيبة: إصبعه تلك أحب إلي من ثلاثين ألف عنان.
قال جعفر: كنت إذا وجدت من قلبي قسوة نظرت إلى وجه محمد بن واسع نظرة، وكنت إذا رأيت وجه محمد بن واسع حسبت أن وجهه وجه ثكلى. قال مطر الوراق: ما اشتهيت أن أبكي قط حتى أشتفي إلا نظرت إلى وجه محمد بن واسع، وكنت إذا نظرت إلى وجهه كأنه ثكل عشرة من الحزن.
عن ابن شوذب قال: كان إذا قيل: من أفشل أهل البصرة? قالوا: محمد بن واسع، ولم يكن يرى كثير عبادة وكان يلبس قميصا وساجا وكان له علية فإذا كان الليل دخل ثم أغلقها عليه. قال محمد بن واسع: لو كان يوجد للذنوب ريح ما قدرتم أن تدنوا مني، من نتن ريحي.
قال ابن واسع: واصحاباه، ذهب أصحابي. فقلت: يرحمك الله أليس قد نشأ شباب يصومون النهار ويقومون الليل ويجاهدون في سبيل الله عز وجل? قال: بلى ولكن أخ، وتفل، أفسدهم العجب.
عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: رأيت في يد محمد بن واسع قرحة فكأنه رأى ما شق علي منها فقال: تدري ما لله علي في هذه القرحة من نعمة? قال: فسكت. فقال: حيث لم يجعلها على حدقتي ولا على طرف لساني ولا على طرف ذكري. قال: فهانت علي قرحته.
قسم أمير البصرة على أهل البصرة، فبعث إلى مالك بن دينار فقبل وأتاه محمد بن واسع فقال: يا مالك قبلت جوائز السلطان قال: فقال: يا أبا بكر سل جلسائي، فقالوا: يا أبا بكر اشتري بها رقابا فأعتقهم، فقال له محمد بن واسع: أنشدك الله أقلبك الساعة له على ما كان قبل أن يجيزك؟ قال: اللهم لا، قال: ترى أي شيئ دخل عليك؟ فقال مالك لجلسائه: إنما مالك حمار، إنما يعبد الله مثل محمد بن واسع.
عن محمد بن واسع قال: إذا أقبل العبد بقلبه إلى الله عز وجل أقبل الله عز وجل إليه بقلوب المؤمنين. قال سليمان التيمي: ما أحد أحب إلي أن ألقى الله عز وجل بمثل صحيفته إلا محمد بن واسع.
قال حماد بن زيد: دخلنا على محمد بن واسع نعوده في مرضه فجاء يحيى البكاء يستأذن فقالوا: يحيى البكاء فقال: إن شر أيامكم يوم نسبتم إلي البكاء. عمران بن خالد قال: سمعت محمد بن واسع يقول: إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم.
قال مالك بن دينار: إني لأغبط الرجل يكون عيشه كفافا فيقنع به فقال محمد بن واسع: أغبط والله عندي من ذلك أن يصبح جائعا ويمسي جائعا وهو عن الله عز وجل راض.
رأى محمد بن واسع ابنا له وهو يخطر بيده. فقال: ويحك تعال، تدري من أنت؟ أمك اشتريتها بمائتي درهم، وأبوك فلا أكثر الله في المسلمين مثله تمشي هذه المشية؟ محمد بن مهزم قال: كان محمد بن واسع يصوم الدهر وخيفي ذلك.
قال محمد بن واسع: اللهم إن كان أخلق وجهي كثرة ذنوبي فهبني لمن أحببت من خلقك. قال محمد بن واسع: ما آسى من الدنيا إلا على ثلاث: صاحب إذا اعوججت قومني، وصلاة في جماعة يحمل عني سهوها وأفوز بفضلها وقوت من الدنيا ليس لأحد فيه منة ولا لله عز وجل فيه تبعة. قال الربيع: رأيت محمد بن واسع بسوق مرو يعرض حمارا على لابيع. فقال له رجل: أترضاه لي? قال: لو رضيته لك ما بعته.