فوائد من كتاب صفة الصفوة 6
عن عاصم قال: تزوج سويد بن غفلة وهو ابن ستة عشرة ومائة سنة، وكان يمشي، يأتي الجمعة ماشيا. قال حنش: رأيت سويد يمر بنا في المسجد إلى امرأة له من بني أسد وهو ابن سبع وعشرين ومائة سنة.
عن سويد بن غفلة قال: إن الملائكة تمشي أمام الجنازة وتقول: ما قدم? ويقول الناس: ما ترك؟عن الوليد بن علي عن أبيه قال: كان سويد بن غفلة يؤمنا في شهر رمضان في القيام، وقد أتى عليه عشرون ومائة سنة.
عن خثيمة عن سويد بن غفلة قال: إذا أراد أن ينسى أهل النار جعل لكل واحد منهم تابوتا من نار على قدره ثم أقفل عليهم بأقفال من نار فلا يضرب فيهم عرق إلا وفيه مسمار من نار. ثم يجعل ذلك التابوت في تابوت آخر من نار، ثم يقفل عليه بأقفال من نار ثم تضرم بينهم نار ثم يجعل ذلك في تابوت آخر من نار ثم يقفل بأقفال من نار ثم تضرم نار فلا يرى أحد منهم أن في النار غيره.
عن عمران بن مسلم قال: كان سويد بن غفلة إذا قيل له أعطي فلان وولي فلان، قال: حسبي كسرتي وملحي. عن عثمان بن عمران قال: قال سويد بن غفلة: لو استطعت أن أكون مؤذن الحي لفعلت.
قال الحسن بن عرفة: رأيت يزيد بن هارون بواسط وهو أحسن الناس عينين، ثم رأيته بعين واحدة، ثم رأيته وقد ذهبت عيناه فقلت: يا أبا خالد ما فعلت العينان الجميلتان? فقال: ذهب بهما بكاء الأسحار.
كان يزيد بن هارون إذا صلى العتمة لا يزال قائما حتى يصلي الغداة بذلك الوضوء نيفا وأربعين سنة. قال رجل ليزيد بن هارون: كم حزبك? فقال: وأنام من الليل شيئا? إذا لا أنام الله عيني. قال يزيد بن هارون: من طلب الرئاسة في غير أوانها حرمه الله إياها في أوانها.
قال أبو جعفر أحمد بن سنان: ما رأيت عالما قط أحسن صلاة من يزيد بن هارون يقوم كأنه أسطوانة، وكان يصلي بين المغرب والعشاء والظهر والعصر لم يكن يفتر من صلاة الليل والنهار، هو وهشيم جميعا معروفان بطول الصلاة بالليل والنهار.
قال نصر بن بسام وغيره : أتينا أبا محفوظ معروفا الكرخي فقال لنا: رأيت النبي في النوم وهو يقول لهشيم: يا هشيم: جزاك الله عن أمتي خيرا. قال ابن بسام: فقلت: يا أبا محفوظ أنت رأيته؟ قال: نعم، هشيم خير مما نظن، هشيم خير مما نظن، هشيم خير مما نظن رضي الله عن هشيم. عمرو بن عون قال: مكث هشيم يصلي الفجر بوضوء عشاء الآخرة، قبل أن يموت، عشر سنين.
قال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول: لزمت هشيما أربع سنين، أو خمس سنين، ما سألته عن شيء هيبة إلا مرتين. قال لي: وكان هشيم كثير التسبيح بين الحديث، يقول بين ذلك: لا إله إلا الله، يمد بها صوته.
خرج سيار إلى البصرة، فقام يصلي إلى سارية في المسجد الجامع، وكان حسن الصلاة، عليه ثياب جياد. فرآه مالك بن دينار فجلس إليه فسلم سيار، فقال له مالك: هذه الصلاة وهذه الثياب? فقال له سيار: هذه ترفعني عندك أو تضعني? فقال: تضعك. قال: هذا أردت. ثم قال له: يا مالك إني لأحسب ثوبيك هذين قد أنزلاك من نفسك ما لم ينزلك من الله. فبكى مالك وقال له: أنت سيار? قال: نعم فعانقه .
قال حسين بن زيادة: بعث بعض القضاة إلى سيار بواسط فأتاه فقال له: لم لا تجيء إلينا? فقال له: إن أنت أدنيتني فتنتني، وإن باعدتني غممتني، وليس عندك ما أرجوه ولا عندي ما أخافك عليه. ثم قام.
عن هشيم قال: دخلنا على سيار أبي الحكم وهو يبكي، فقلنا: ما يبكيك? قال: ما أبكى العابدين قبلي. قال سيار: الفرح بالدنيا والحزن بالآخرة لا يجتمعان في قلب عبد، إلا إذ سكن أحدهما القلب خرج الآخر.
قال هشيم: كان منصور بن زاذان يخرج فيصلي الغداة في جماعة. ثم يجلس فيسبح حتى تطلع الشمس، ثم يصلي إلى الزوال، ثم يصلي الظهر، ثم يصلي إلى العصر، ثم يصلي العصر، ثم يجلس فيسبح إلى المغرب، ثم يصلي المغرب، ثم يصلي العشاء ثم ينصرف إلى بيته فيكتب عنه في ذلك الوقت. جنازة منصور بن زاذان الرجال على حدة، والنساء على حدة، واليهود على حدة، والنصارى على حدة.
مكث منصور بن زاذان يصلي الفجر بوضوء عشاء الآخرة عشرين سنة. عن أبي عوانة قال: لو قيل لمنصور بن زاذان: إنك ميت اليوم أو غدا، ما كان عنده مزيد.
قال أبو سعيد: رأيت منصورا توضأ يوما فلما فرغ دمعت عيناه ثم جعل يبكي حتى ارتفع صوته، قلت: رحمك الله ما شأنك? فقال: وأي شيء أعظم من شأني؟ إني أريد أن أقوم بين يدي من لا تأخذه سنة ولا نوم، فلعله أن يعرض عني قال: فأبكاني والله بقوله.
قال شعيب بن حرب: لا تحقرن فلسا تطيع الله في كسبه، ليس الفلس يراد إنما الطاعة تراد، عسى أن تشتري به بقلا فلا يستقر في جوفك حتى يغفر لك. قال ايضا : من طلب الرياسة ناطحته الكباش، ومن رضي أن يكون ذنبا أبى الله إلا أن يجعله رأسا.
قال عبد الوهاب: كان ههنا قوم خرجوا إلى المدائن، إلى شعيب بن حرب، فلما رجعوا إلى دورهم ولقد أقام بعضهم يستقي الماء، وكان شعيب يقول لبعضهم الذي يستقي الماء: لو رآك سفيان لقرت عينه. قال المروزي: وقلت لأبي عبد الله: أرويه عنك؟ فأجازه.
نزل على شعيب بن حرب أخ له يقال له عبدة. فلما نادوا بالنفير خرج عبدة فتبعه شعيب. فلما أراد مفارقته قال له شعيب: اجعلني في حل. قال: من أي شيء? قال: من أجل الأخوة فإني لم أقم بأخوتك.
قال شعيب بن حرب لرجل: إن دخلت القبر ومعك الإسلام فأبشر. قال شعيب بن حرب: من أراد الدنيا فليتهيأ للذل.
قال ابن الفضل: رأيت شعيب بن حرب بمكة وعليه جبة صوف رقيقة نظيفة، وعليه إزار خفيف إلى الصفرة، وعمامة، وهو حاف وقد صفر لحيته على لون، ووجهه مصفر، وفي كمه دريهمات تكون مقدار ثلاثين درهما، وقال: ما أصبحت أملك شيئا من الدنيا أستطيبه إلا هذه ، ورأيته بكى حتى رأيت دموعه تسيل على لحيته.
جاء رجل إلى شعيب بن حرب وهو بمكة فقال: ما جاء بك? قال جئت أؤنسك. قال: جئت تؤنسني وأنا أعالج الوحدة منذ أربعين سنة. قال شعيب بن حرب: لا تجلس إلا مع أحد رجلين: رجل جلست إليه يعلمك خيرا فتقبل منه، أو رجل تعلمه خيرا فيقبل منك، والثالث: اهرب منه.
كان الأسود يختم القرآن في رمضان في ليلتين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان، في كل ست ليال. عن أبي إسحق قال: حج الأسود ثمانين من بين حج وعمرة.
عن عبد الرحمن بن تروان الأودي قال: كان الأسود بن يزيد يجهد نفسه في الصوم والعبادة حتى يخضر جسده ويصفر: وكان علقمة يقول له: ويحك لم تعذب هذا الجسد? فيقول: إن الأمر جد، إن الأمر جد.
عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، منهم الأسود بن زيد. وكان يجتهد في العبادة، ويصوم حتى يصفر ويخضر. فلما احتضر بكى. فقيل له ما هذا الجزع? فقال: لا أجزع? ومن أحق بذلك مني? والله لو أتيت بالمغفرة من الله عز وجل لأهمني الحياء منه بما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه ولا يزال مستحيا منه. قال: لقد حج الأسود ثمانين حجة.
قال حنش بن الحارث : رأيت الأسود وقد ذهبت إحدى عينيه من الصوم. عمارة قال: ما كان الأسود إلا راهبا من الرهبان. عن الحكم قال: كان الأسود يصوم الدهر.
لقي مسروقا عمر بن الخطاب فقال له: ما اسمك? فقال: مسروق بن الأجدع. فقال الأجدع شيطان، أنت مسروق بن عبد الرحمن. فثبت ذلك عليه. عن مسروق قال: بحسب المؤمن من الجهل أن يعجب بعمله، وبحسب المؤمن من العلم أن يخشى الله. وعنه قال: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة فليأخذ حذره من الله عز وجل.
قيل لمسروق: لو أنك قصرت عن بعض ما تصنع، أي من العبادة، فقال: والله لو أتاني آت فأخبرني أن الله لا يعذبني لاجتهدت في العبادة. قيل: وكيف ذلك؟ قال: حتى تعذرني نفسي إن دخلت جهنم لا ألومها، أما بلغك في قوله عز وجل: ولا أقسم بالنفس اللوامة القيامة: 2، إنما لاموا أنفسهم حين صاروا إلى جهنم واعتقبتهم الزبانية وحيل بينهم وبين ما يشتهون، وانقطعت عنهم الأماني ورفعت عنهم الرحمة وأقبل كل امرئ منهم يلوم نفسه.
قالت امرأة مسروق: كان يصلي حتى تورم قدماه، فربما جلست خلفه أبكي مما أراه يصنع بنفسه. عن إبراهيم قال: كان مسروق يرخي الستر بينه وبين أهله ثم يقبل على صلاته ويخليهم ودنياهم.
عن مسروق قال: إني أحسن ما أكون ظنا حين يقول الخادم: ليس في البيت قفيز ولا درهم. عن مسروق قال: إن المرء لحقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها، يتذكر ذنوبه يستغفر منها.
عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، منهم مسروق بن الأجدع، فإن امرأته قالت: ما كان يوجد إلا وساقاه قد انتفختا من طول الصلاة فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزع وإنما هي ساعة ولا أدري أين يسلك بي؟ بين يدي طريقان لا أدري إلى الجنة أم إلى النار؟ عن الشعبي قال: غشي على مسروق في يوم صائف وهو صائم، فقالت له ابنته: أفطر قال: ما أردت بي؟قالت: الرفق. قال: يا بنية إنما أطلب الرفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
قال مرة بن شراحيل: كان علقمة من الربانيين. كان علقمة يختم القرآن في كل خمس. قيل لعلقمة: لو جلست فأقرأت الناس القرآن وحدثتهم قال: أكده أن توطأ عقبي وأن يقال: هذا علقمة. وكان يكون في بيته يعلف غنمه ويقت لهن.
قيل لعلقمة: ألا تخرج فتحدث الناس? قال: أخرج? يتبعون عقبي ويقولون: هذا علقمة. قالوا: أفلا تدخل على السلطان فتنتفع? قال: إني لا أصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من ديني مثله. ولا تؤذنوا بي أحدا وأغلقوا الباب ولا تتبعني امرأة ولا تتبعوني بنار، وإن استطعتم أن يكون آخر كلامي لا إله إلا الله.
عن أبي وائل شقيق بن سلمة الأسدي قال: إن أهل بيت يضعون على مائدتهم رغيفا حلالا لأهل بيت غرباء. عن مغيرة قال: كان إبراهيم التيمي يذكر في منزل أبي وائل، فكان أبو وائل ينتفض انتفاض الطير. عن عاصم قال: كان أبو وائل إذا خلا يسبح، ولو جعلت له الدنيا على أن يفعل ذلك وأحد يراه لم يفعل.
قال عمرو بن قيس : كان شقيق بن سلمة يدخل المسجد يصلي ثم ينشج كما تنشج المرأة. كان عطاء أبي وائل ألفين فإذا خرج أمسك ما يكفي أهله سنة وتصدق بما سوى ذلك.
قال شقيق بن سلمة وهو ساجد: رب اغفر لي رب اعف عني، إن تعف عني تطولا من فضلك، وإن تعذبني تعذبني غير ظالم لي. قال: ثم يبكي حتى أسمع نحيبه من وراء المسجد.
قال عبد الله بن داود: خبرتنا مولاة لزيد بن وهب قالت: كان زيد قد أثر الرحل بوجهه من الحج والعمرة. قال المصنف: رحل زيد إلى رسول الله فقبض رسول الله وزيد في الطريق.
قال يزيد بن شريك التميمي : قدمت البصرة فربحت فيها عشرين ألفا، فما أكثرت بها فرحا، وما أريد أن أعود إليها لأني سمعت أبا قالذر: إن صاحب الدرهم يوم القيامة أخف من صاحب الدرهمين.
عن الأعمش، عن إبراهيم التميمي، عن أبيه أنه خرج إلى البصرة فاشترى رقيقا بأربعة آلاف، ثم باعهم فربح أربعة آلاف. فقلت يا أبت لو أنك عدت إلى البصرة فاشتريت مثل هؤلاء فربحت فيهم. فقال: يا بني لم تقول هذا? فوالله ما فرحت بها حين أصبتها ولا أحدث نفسي أن أرجع فأصيب مثلها.
عن سويد أن زر بن حبيش كتب إلى عبد الملك بن مروان كتابا يعظه فيه، فكان في آخر كتابه: ولا يطعمنك يا أمير المؤمنين في طول الحياة ما يظهر من صحة بدنك، فأنت أعلم بنفسك، واذكر ما تكلم به الأولون. إذا الرجال ولـدت أولادهـا وبليت من كبر أسجـادهـا وجعلت أسقامها تعتـادهـا فذلك زروع قد دنا حصادها فلما قرأ الكتاب بكى حتى بل طرف ثوبه، ثم قال: صدق زر ولو كتب إلينا بغير هذا كان أرفق.
عن خالد أبي سنان قال: شكا عبد الله بن أبي الهذيل يوما من ذنوبه، فقال له رجل: يا أبا المغيرة أو لست التقي النقي? فقال: اللهم إن عبدك هذا أراد أن يتقرب إلي وإني أشهدك على مقته. عن العوام بن حوشب عن ابن أبي الهذيل قال: لقد شغلت النار من يعقل عن ذكر الجنة.
عن العوام بن حوشب قال: ما رأيت ابن أبي الهذيل إلا وكأنه مذعور. كنا نجالس عبد الله بن أبي الهذيل فإذا جاء إنسان فألقى حديثا من حديث الناس قال: يا عبد الله ليس لهذا مجلسنا.
عن زبيد اليامي قال: كان مرة الهمداني يصلي في اليوم والليلة ستمائة ركعة. عن عطاء بن السائب قال: كان مرة يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة فلما ثقل وبدن صلى أربعمائة ركعة وكنت أنظر إلى مباركه كأنها مبارك الإبل.
قال العلاء بن عبد الكريم الأيامي : كنا نأتي مرة الهمداني فيخرج إلينا فنرى أثر السجود في جبهته وكفيه وركبتيه وقدميه، فيجلس معنا هنية ثم يقوم قائما فإنما هو ركوع وسجود.
قال الحارث الغنوي: سجد مرة الهمداني، حتى أكل التراب جبهته، فلما مات رآه رجل من أهله في منامه كأن موضع سجوده كهيئة الكوكب الدري يلمع قال: فقلت له: ما هذا الذي أرى بوجهك? قال كسي موضع السجود، بأكل التراب له نورا. قال: فما منزلتك في الآخرة? قال: خير منزلة، دار لا ينقل عنها أهلها ولا يموتون
كان عمرو بن ميمون إذا دخل المسجد فرئي ذكر الله عز وجل. حج ستين حجة وعمرة. قال أبو المليح: قال عمرو بن ميمون ما يسرني أن أمري يوم القيامة إلى أبوي.
عن إبراهيم قال: أصبح همام مترجلا فقال بعض القوم: إن جمة همام لتخبركم أنه لم يتوسدها الليلة. عن الأعمش قال: كانوا يأتون همام بن الحارث النخعي يتعلمون في هديه وسمته. كان همام بن الحارث يدعو: اللهم اشفني من النوم باليسير، وارزقني سهرا في طاعتك، وكان لا ينام إلا هنية وهو قاعد.
إن ربعي بن حراش لم يكذب كذبة قط وكان له ابنان عاصيان على الحجاج، فقيل للحجاج: إن أباهما لم يكذب كذبة قط، لو أرسلت إليه فسألته عنهما. قال: أين ابناك? قال: هما في البيت. قال: قد عفونا عنهما بصدقك.
عن الحارث الغنوي قال: آلى ربعي بن حراش أن لا يضحك حتى يعلم في الجنة هو أو في النار. قال الحارث الغنوي: فلقد أخبرني غاسله أنه لم يزل مبتسما على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا من غسله.
عن ربعي بن حراش قال: كنا إخوة ثلاثة، وكان أعبدنا وأصومنا وأفضلنا الأوسط منا فغبت غيبة إلى السواد. ثم قدمت على أهلي فقالوا: أدرك أخاك فإنه في الموت لقيت رسول الله فأقسم أن لا أبرح حتى آتيه. فعجلوا جهازيفقعدت عند رأسه أبكيه، فرفع يده فكشف الثوب عن وجهه وقال: السلام عليكم. قلت: أي أخي أحياة بعد موت؟قال: نعم. إني لقيت ربي فلقيني بروح وريحان، ورب غير غضبان، وأنه كساني ثيابا خضرا من سندس وإستبرق، وإني وجدت الأمر أيسر مما تحسبون، ثلاثا وانى لقيت رسول الله فأقسم أن لا أبرح حتى آتيه. فعجلوا جهازي
كان الرجل يأتي زياد بن حدير فيقول له: إني أريد رستاق كذا وكذا. فيقول له: اقطع طريقك بذكر الله. قال زياد بن حدير: وددت أني في حيز من حديد معي فيه ما يصلحني لا أكلم الناس ولا يكلموني حتى ألقى الله.
قال شريح بن الحارث بن قيس القاضي : سيعلم الظالمون حظ من نقصوا، إن الظالم ينتظر العقاب والمظلوم ينتظر النصر. عن ابن سيرين قال: سمعت شريحا يحلف بالله ما ترك عبد شيئا لله فوجد فقده.
قال ابن سيرين: ولا أرى شريحا حلف إلا على علم. عن الأعمش قال: اشتكى شريح رجله فطلاها بالعسل وجلس في الشمس، فدخل عليه عواده فقالوا: كيف تجدك? قال: صالحا. فقالوا: ألا أريتها الطبيب? فقال: قد فعلت. فقالوا: فما قال لك? قال: وعد خيرا.
عن شريح أنه قضى على رجل باعترافه، فقال: يا أبا أمية قضيت علي بغير بينة فقال: أخبرني ابن أخت خالك.
عن عامر: أن ابنا لشريح قال لأبيه: بيني وبين قوم خصومة فانظر فإن كان الحق لي خاصمتهم وإن لم يكن لي الحق لم أخاصمهم، فقص قصته عليه فقال: انطلق فخاصمهم فانطلق إليهم فخاصمهم إليه فقضى على ابنه. فقال له لما رجع إلى أهله: والله لو لم أتقدم إليك لم ألمك، فضحتني. فقال: والله يا بني لأنت أحب إلي من ملء الأرض مثلهم، ولكن الله هو أعز علي منك، أن أخبرك أن القضاء عليك فتصالحهم فتذهب ببعض حقهم.
عن الشعبي قال: شهدت شريحا وجاءته امرأة تخاصم رجلا فأرسلت عينيها وبكت فقلت: يا أبا أمية ما أظنها إلا مظلومة. فقال: يا شعبي إن إخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون. عن شريح أنه رأى جيرانا له يجولون فقال: ما لكم? قالوا: فرغنا اليوم فقال: ما بهذا أمر الفارغ.
كان شريح إذا مات لأهله سنور أمر بها فألقيت في جوف داره ولم يكن لها مثقب شارع إلا في جوف داره اتقاء لأذى المسلمين.
خرج شريح من عند زياد فلقيه رجل فقال: كبرت سنك ورق عظمك وارتشى ابنك. قال: فرجع إليه فأخبره فقال: من قال لك? قال: لا أعرفه فأعفني. قال: لا أعفيك حتى تشير علي برجل. فأشار عليه بأبي بردة فولاه القضاء.
عن أبي حيان التيمي عن أبيه قال: دخلت على سويد بن شعبة، وكان من أصحاب الخطط الذين خط لهم عمر بن الخطاب بالكوفة فإذا هو منكب على وجهه مسجى بثوب، فلولا أن امرأته قالت: أهلي فداؤك، ما نطعمك؟ ما نسقيك؟ ما ظننت أن تحت الثوب شيئا - فلما رآني قال: يا ابن أخي دبرت الحراقف والصلب فما من ضجعة غير ما ترى، والله ما أحب أني نقصت منه قلامة ظفر. قال الأصمعي: الحرقفة: مجتمع رأس الورك ورأس الفخذين.
قال معضد: لولا ثلاث: ظمأ الهواجر، وطول ليل الشتاء، ولذاذة التهجد بكتاب الله عز وجل، ما باليت أن أكون يعسوبا. قال همام انتهيت إلى معضد وهو ساجد، فأتيته وهو يقول: اللهم اشفني من النوم باليسير. ثم مضى في صلاته. قال المؤلف: لم يحفظ لمعضد حديث مسند، وإنما كان مشغولا بالتعبد.
عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد أهل اليمن سألهم: هل فيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر? قال: نعم. قال: من مراد ثم قرن؟ قال: نعم. قال: كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال نعم قال: لك والدة? قال نعم. قال: سمعت رسول الله يقول" يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، وله والدة هو بها بار لو أقسم على الله عز وجل لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل . فاستغفر لي. فاستغفر له.
حج رجل من أشراف الكوفة بعد السنة التى رأى عمر فيها اويس بن عامر فسأله عن أويس بن عامر: كيف تركته قال: تركته رث الهيئة قليل المتاع. فقال: سمعت رسول الله يقول: يأتي عليك أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله عز وجل لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فلما قدم الكوفة أتى أويسا فقال: استغفر لي فقال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي، لقيت عمر? قال: نعم. فاستغفر له. ففطن له الناس فانطلق على وجهه.
عن أسير بن جابر أن أويسا القرني كان إذا حدث يقع حديثه في قلوبنا موقعا ما يقع حديث غيره. عن الشعبي قال: مر رجل من مراد على أويس القرني فقال: كيف أصبحت? قال: أصبحت أحمد الله عز وجل. قال: كيف الزمان عليك? قال: كيف الزمان على رجل إن أصبح ظن أنه لا يمسي، وإن أمسى ظن أنه لا يصبح? فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار. يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحا، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له فضة ولا ذهبا، وإن قيامه لله بالحق لم يترك له صديقا.
عن قيس بن بشر بن عمرو، عن أبيه قال: كسوت أويسا القرني ثوبين، من العري. عن مغيرة قال: إن كان أويس القرني ليتصدق بثيابه حتى يجلس عريانا لا يجد ما يروح فيه إلى الجمعة. عن أصبغ بن زيد قال: إنما منع أويسا أن يقدم على النبي بره بأمه.
كان أويس القرني إذا أمسى يقول: هذه ليلة السجود فيسجد حتى يصبح، وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب، ثم يقول: اللهم من مات جوعا فلا تؤاخذني به، ومن مات عريانا فلا تؤاخذني به.
قال الحسن بن عمرو: سمعت بشرا يقول: بلغ من عري أويس أنه جلس في قوصرة. كان أويس القرني يلتقط الكسر من المزابل فيغسلها ويتصدق ببعضها ويأكل بعضها، ويقول: اللهم إني أبرأ إليك من كبد جائع.
قال هرم بن حيان لأويس القرني: أوصني قال: توسد الموت إذا نمت، واجعله نصب عينيك، وإذا قمت فادع الله أن يصلح لك قلبك ونيتك، فلن تعالج شيئا أشد عليك منهما، بينا قلبك معك ونيتك إذا هو مدبر، وبينا هو مدبر إذا هو مقبل، ولا تنظر في صغر الخطيئة ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.
زار هرم بن حيان أويسا، فقال له هرم: يا أويس واصلنا بالزيارة. فقال أويس: قد وصلتك بما هو انفع لك من الزيارة واللقاء: الدعاء بظهر الغيب، لأن الزيارة واللقاء قد يعرض فيهما التزين والرياء.
كان أويس مشغولا بالعبادة عن الرواية، غير أنه قد أرسل الحديث عن النبي. عن عبد الله بن سالم قال: غزونا آذربيجان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعنا أويس القرني. فلما رجعنا مرض علينا فحملناه فلم يستمسك فمات، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب وكفن وحنوط. فغسلناه وكفناه وصلينا عليه.
قال: إبراهيم كان الرجل يأتي الحارث بن سويد فيشتمه، فإذا فرغ قال الحارث: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره . سورة الزلزلة، الآيتان 7 و8، كفى هذا إحصاء. صحب عبد الله بن مسعود من التيم سبعين رجلا، وكان الحارث بن سويد من أعلاهم نفسا.
قال شمر: أخذ بيدي أبو عبد الرحمن السلمي فقال: كيف قوتك على الصلاة? فذكرت ما شاء الله أن أذكره، فقال أبو عبد الرحمن: كنت مثلك أصلي العشاء، ثم أقوم أصلي، فأنا حين أصلي الفجر أنشط مني أول ما بدأت به.
أقرأ أبو عبد الرحمن السلمي القرآن في المسجد أربعين سنة. عن أبي عبد الرحمن أنه كان يؤتى بالطعام إلى المسجد. ربما استقبلوه به في الطريق فيطعمه المساكين، فيقولون: بارك الله فيكم. فيقول: وبارك الله فيكم. ويقول: قالت عائشة: إذا تصدقتم فردوا حتى يبقى لكم أجر ما تصدقتم.
عن عطاء بن السائب قال: دخلنا على أبي عبد الرحمن في مرضه الذي مات فيه. قال: فذهب بعض القوم يرجيه. فقال: أنا لا أرجو ربي وقد صمت له ثمانين رمضان؟ .
قال ابن نمير : زاذان: يا رب إني جائع فسقط عليه من الروزنة رغيف مثل الرحا. قال سالم بن أبي حفصة، عن زاذان، أنه كان يبيع الثياب، فإذا عرض الثوب ناول شر الطرفين عن زبيد . وقال: رأيت زاذان يصلي كأنه جذع قد حفر له.
قال عبد الله للربيع بن خثيم: لو رآك رسول الله لأحبك. عن حماد بن أبي سليمان قال: كان عبد الله بن مسعود إذا نظر إلى الربيع بن خثيم قال: مرحبا قال: أبا يزيد لو رآك رسول الله لأحبك ولأوسع لك إلى جبنه. ثم يقول: وبشر المخبتين سورة الحج: الآية 34.
كان عبد الله يقول للربيع: ما رأيتك إلا ذكرت المخبتين. وكان الربيع إذا أتى عبد الله لم يكن عليه إذن حتى يفرغ كل واحد منهما من صاحبه. وكان الربيع إذا جاء إلى باب عبد الله يقول للجارية: من بالباب؟ فتقول الجارية ذاك الشيخ الأعمى.
عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، منهم الربيع بن خثيم. وكان يقول: أما بعد فأعد زادك وخذ في جهازك، وكن وصي نفسك.
قيل للربيع بن خثيم: ألا تذكر الناس؟ فقال: ما أنا عن نفسي براض فأتفرغ من ذمها إلى أن أذم الناس، إن الناس خافوا الله في ذنوب الناس وأمنوه على ذنوبهم. وقيل له حين أصابه الفالج: لو تداويت. فقال: لقد عرفت أن الدواء حق ولكني ذكرت عادا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا كانت فيهم الأوجاع وكان لهم الأطباء، فما بقي المداوي ولا المداوى.
عن إبراهيم التيمي قال: أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين عاما ما سمع منه كلمة تعاب. عن بكر بن ماعز قال: ما رئي الربيع متطوعا في مسجد قومه قط إلا مرة واحدة. قالت سرية الربيع بن خثيم: كان عمل الربيع كله سرا إن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه.
عن منذر، عن الربيع بن خثيم قال: كل ما لا يبتغى به وجه الله عز وجل يضمحل. أبو حيان التيمي عن أبيه، قال: ما سمعت الربيع بن خثيم يذكر شيئا من أمر الدنيا قط. عن الربيع بن خثيم أنه سرق له فرس أعطي به عشرين ألفا فقالوا له: ادع الله عليه. فقال: اللهم إن كان غنيا فاغفر له، وإن كان فقيرا فأغنه.
أصاب الربيع حجر في رأسه فشجه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر له فإنه لم يتعمدني. كان الربيع بن خثيم إذا كان الليل ووجد غفلة الناس خرج إلى المقابر فيقول: يا أهل المقابر كنا وكنتم. فإذا أصبح فكأنه نشر من قبر.
عن منذر الثوري قال: كان الربيع بن خثيم يقول السرائر التي تختفي على الناس وهي لله بواد، التمسوا دواءهن التمسوا دواءهن. ثم يقول: وما دواءهن? دواءهن أن تتوب فلا تعود. عن الربيع بن خثيم أنه قال لأصحابه: تدرون ما الداء والدواء والشفاء? قالوا: لا. قال: الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، والشفاء أن تتوب فلا تعود.
عن نسير قال: بت بالربيع ذات ليلة فقام يصلي فمر بهذه الآية أم حسب الذين اجترحوا السيئات سورة الجاثية الآية 21 الآية فمكث ليلته حتى أصبح، ما يجوز هذه الآية إلى غيرها، ببكاء شديد.
قال حماد الأصم، عمن حدثه عن بعض أصحاب الربيع قال: ربما علمنا شعره عند المساء، وكان ذا وفرة ثم يصبح والعلامة كما هي، فتعلم أن الربيع لم يضع جنبه ليلته على فراشه.
كان ربيع بعد ما سقط شقه يهادي بين رجلين إلى مسجد قومه، وكان أصحاب عبد الله يقولون له يا أبا يزيد لقد رخص الله لك لو صليت في بيتك فيقول: إنه كما تقولون، ولكني سمعته ينادي: حي على الفلاح فمن سمع منكم فليجبه ولو زحفا، ولو حبوا.
كان الربيع ابن خثيم إذا سجد كأنه ثوب مطروح فتجيء العصافير فتقع عليه. وعن بلال بن المنذر قال: قال رجل للربيع: قتل ابن فاطمة فاسترج ثم تلا هذه الآية: قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون سورة الزمر آية 46. قال ما تقول؟ قال: ما أقول؟ إلى الله إيابهم وعليه حسابهم.
عن سفيان قال: بلغنا أن أم الربيع كانت تنادي فتقول: يا بني، يا ربيع، ألا تنام، فيقول: يا أماه من جن عليه الليل وهو يخاف البيات حق له أن لا ينام. قال: فلما بلغ ورأت ما يلقى من البكاء والسهر نادته فقالت: يا بني لعلك قتلت قتيلا? فقال: نعم يا والدة، قتلت قتيلا. فقالت: ومن هذا القتيل يا بني نتحمل على أهله فيعفوك والله لو علموا ما تلقى من البكاء والسهر لقد رحموك. فيقول: يا والدتي هي نفسي.
قالت ابنة الربيع بن خثيم: يا أبتاه ما لي أرى الناس ينامون ولا تنام? قال: إن جهنم لا تدعني أنام. قالت ابنة الربيع بن خثيم: يا أبتاه إني أرى الناس ينامون وأنت لا تنام? قال: يا بنية إن أباك يخاف البيات.
كان عند الربيع بن حثيم رهط فجاءته ابنته فقال: يا أبتاه أذهب ألعب? فقال: اذهبي فقولي خيرا، غير مرة، قال: فقال القوم: أصلحك الله وما عليك أن تقول لها؟ قال: وما علي أن لا يكتب هذا في صحيفتي.
عن رجل من بني تيم الله، عن أبيه قال: جالست الربيع بن خثيم سنين فما سألني عن شيء مما فيه الناس إلا أنه قال لي مرة: أمك حية? كم لكم مسجد؟
عن سعيد الحارثي قال: ضرب الربيع بن خثيم الفالج فطال وجعه فاشتهى لحم دجاج، فكف نفسه أربعين يوما. ثم قال لامرأته فاشترت له دجاجة بدرهم ودانقين فذبحتها وشوتها واختبزت له خبزا له أصباغ، ثم جاءت بالخوان حتى وضعته بين يديه، فلما ذهب ليأكل قام سائل على الباب فقال: تصدقوا علي بارك الله فيكم، فكف عن الأكل وقال لامرأته: خذي هذا فلفيه وادفعيه إلى السائل، فقالت امرأته: سبحان الله. فقال: افعلي ما آمرك، قالت: نعطيه ثمن هذا وتأكل أنت شهوتك. قال: قد أحسنت ائتيني بثمنه. قال: فجاءت بثمن الدجاجة والخبز والأصباغ فقال: ضعيه على هذا وادفعيه جميعا إلى السائل.
قال الربيع لأهله: اصنعوا لي خبيصا. قال: وكان يكاد لا يشتهي عليهم شيئا. قال: فصنعوه. قال: فأرسل إلى جار له مصاب، قال: فجعل يأكل ولعابه يسيل قال: فقال أهله: ما يدري هذا ما يأكل. فقال الربيع: لكن الله عز وجل يدري.
عن سعيد بن مسروق، عن ربيع بن خثيم أنه كان يلبس قميصا سنبلانيا أراه ثمن ثلاثة دراهم أو أربعة دراهم قال: فإذا مد كمه يبلغ ظفره، وإذا أرسله بلغ ساعده، وإذا رأى بياض القميص قال: أي عبيد تواضع لربك، ثم يقول: أي لحميه وأي دميه كيف تصنعان إذا سيرت الجبال ودكت الأرض دكا وجاء ربك والملك صفا صفا.
عن بكر بن ماعز قال: كان بالربيع بن خثيم خبل من الفالج، فكان يسيل من فيه لعاب. قال: فمسحته يوما. فرآني كرهت ذلك فقال: والله ما أحب أنه بأعتى الديلم على الله عز وجل. وعن خوات بن عبيد الله قال: كان السائل إذا أتى الربيع بن خثيم قال: أطعموه مسكرا فإني أحب السكر.
قيل للربيع بن خثيم: لو جالستنا. فقال: لو فارق قلبي ذكر الموت ساعة فسد علي. وقال الربيع بن خثيم: أنا بعصافير المسجد آنس مني بأهلي. وكان الربيع يكنس الحش بنفسه. فقيل له: إنك تكفى هذا. فقال: إني أحب أن آخذ نصيبي من المهنة.
قال أبي وائل: خرجنا مع عبد الله بن مسعود، ومعنا الربيع فمررنا على حداد، فقام عبد الله ينظر حديدة في النار، فنظر الربيع إليها فتمايل ليسقط، فمضى عبد الله حتى أتينا على أتون على شاطئ الفرات فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية: إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا إلى قوله ثبورا سورة الفرقان، الآيتان: 12 و13 فصعق الربيع فاحتملناه فجئنا به إلى أهله قال: ثم رابطه عبد الله إلى الظهر فلم يفق، ثم رابطه إلى العصر فلم يفق، ثم رابطه إلى المغرب فلم يفق، ثم إنه أفاق، فرجع عبد الله إلى أهله.
مر الربيع في الحدادين فنظر إلى كير فصعق. قال الأعمش: فمررت بالحدادين لأتشبه به فلم يكن عندي خير. وكان الربيع إذا قيل له: كيف أصبحت يا أبا يزيد? قال: أصبحنا ضعفاء مذنبين نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا.
كان الربيع بن خثيم لا يعطي السائل أقل من رغيف، ويقول: إني لأستحي أن يرى في ميزاني أقل من رغيف. وكان الربيع بن خثيم إذا أصبح قال: مرحبا بملائكة الله، اكتبوا، بسم الله الرحمن الرحيم، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
قال صالح بن موسى، عن أبيه : قال الربيع بن خثيم لرجل لا تلفظ إلا بخير فغن العبد مسئول عن لفظه يحصى ذلك عليه كله أحصاه الله ونسوه سورة المجادلة آية 6. قال الفضيل بن عياض: كان الربيع بن خثيم يقول في دعائه: أشكو إليك حاجة لا يحسن بثها إلا إليك.
قال أبو سليمان: بينما الربيع بن خثيم جالس على باب داره إذ جاءه حجر فصك وجهه، فقال: لقد وعظت يا ربيع. فقام ودخل وأغلق الباب وما رئي في ذلك المجلس حتى مات.
قال الربيع بن خثيم: إذا تكلمت فاذكر سمع الله إليك، وإذا هممت فاذكر علمه بك، وإذا نظرت فاذكر نظره إليك، وإذا تفكرت فاذكر اطلاعه عليك، فإنه يقول تعالى: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا سورة الإسراء: آية 36. وكان يبكي حتى تبل لحيته من دموعه، ثم يقول: أدركنا أقواما كنا في جنوبهم لصوصا.
قال عتبة بن فرقد: يا عبد الله بن ربيعة ألا تعينني على ابن أخيك، يعينني على ما أنا فيه من عملي? قال: فقال عبد الله: يا عمرو أطع أباك. قال: فنظر عمرو إلى معضد العجلي، فقال له معضد: لا تطعهم واسجد واقترب. قال عمرو: يا أباه إنما أنا رجل أعمل في فكاك رقبتي فبكى عتبة ثم قال: يا بني إني أحبك حبين حبا لله وحب الوالد ولده، فقال عمرو: يا أبت إنك قد كنت أتيتني بمال بلغ سبعين ألفا فإن كنت سائلي عنه فهو هذا فخذه، أو فدعني فأمضيه. قال يا بني فأمضه. فأمضاه حتى ما بقي منه درهم.
قال عمرو بن عتبة بن فرقد: سألت الله ثلاثا فأعطاني اثنتين، وأنا أنتظر الثالثة؛ سألته أن يزهدني في الدنيا فما أبالي ما أقبل وما أدبر، وسألته أن يقويني على الصلاة فرزقني منها، وسألته الشهادة فأنا أرجوها.
اشترى عمرو بن عتبة فرسا بأربعة آلاف درهم فعنفوه، يستغلونه، فقال: ما خطوة يخطوها، يقدمها إلى الغزو، إلا وهي أحب إلي من أربعة آلاف. وكان لعمرو بن عتبة، كل يوم رغيفان يتسحر بأحدهما ويفطر بالآخر.
قال بشر بن الحارث: كان عمرو بن عتبة يصلي والحمام فوق رأسه، والسباع حوله، تحرك أذنابها. قال مولى لعمرو رآني عمرو بن عتبة وأنا مع رجل وهو يقع في آخر، فقال لي: ويلك - ولم يقلها لي قبلها ولا بعدها - نزه سمعك عن استماع الخنا، كما تنزه لسانك عن القول به، فإن المستمع شريك القائل، وإنما نظر إلى شر ما في وعائه فأفرغها في وعائك، ولو ردت كلمة سفيه في فيه لسعد بها رادها كما شقي بها قائلها.
قال مولى عمرو بن عتبة: استيقظنا يوما حارا في ساعة حارة، فطلبنا عمرو بن عتبة فوجدناه في جبل وهو ساجد، وغمامة تظله وكنا نخرج إلى العدو فلا نتحارس، لكثرة صلاته، ورأيته ليلة يصلي فسمعنا زئير الأسد فهربنا وهو قائم يصلي لم ينصرف. فقلنا له: أما خفت الأسد? فقال: إني لأستحيي من الله أن أخاف شيئا سواه.
كان عمرو بن عتبة بن فرقد يخرج على فرسه ليلا فيقف على القبور فيقول: يا أهل القبور، طويت الصحف، ورفعت الأعمال. ثم يبكي، ثم يصف بين قدميه حتى يصبح فيرجع فيشهد صلاة الصبح.
عن علقمة قال: خرجنا ومعنا مسروق وعمرو بن عتبة ومعضد غازين، فلما بلغنا ماسبذان وأميرها عتبة بن فرقد: قال لنا ابنه عمرو بن عتبة: إنكم إن نزلتم عليه صنع لكم نزلا ولعله أن يظلم فيه أحدا، ولكن إن شئتم قلنا في ظل هذه الشجرة وأكلنا من كسرنا ثم رحنا. ففعلنا وقطع عمرو بن عتبة جبة بيضاء فلبسها وقال: والله إن تحدر الدم على هذه حسن فرمي، فرأيت الدم يتحدر على المكان الذي وضع يده عليه فمات.
قال هشام صاحب الدستوائي: لما مات عمرو بن عتبة دخل بعض أصحابه على أخته فقال: أخبرينا عنه فقالت: قام ليلة فاستفتح حم فأتى على هذه الآية وأنذرهم يوم الآزفة سورة غافر آية 18 فما جاوزها حتى أصبح. ولا يعرف لعمرو بن عتبة مسند. شغلته العبادة عن الرواية، وهذه الغزاة التي استشهد فيها هي غزاة آذربيجان، وذلك في خلافة عثمان بن عفان.
إن كان عنبس بن عقبة الحضرمي ليسجد حتى إن العصافير ليقعن على ظهره وينزلن، ما يحسبنه إلا جذم حائط.
كان كردوس بن عباس الثعلبي يقول: ويقص علينا زمن الحجاج أن الجنة لا تنال إلا بعمل، اخلطوا الرغبة بالرهبة، ودوموا على صالح الأعمال، وألقوا الله بقلوب سليمة وأعمال صادقة، وكان يكثر من أن يقول من خاف أدلج من خاف أدلج.
قيل للفضل بن بزوان: إن فلانا يقع فيك. قال: لأغيظن من أمره، غفر الله له. قيل له: من أمره? قال الشيطان.
عن الاعمش قال: قال لي خيثمة لقد رأيت الحارث بن قيس اجتمع عنده رجلان قام وتركهما. وعن الحارث بن قيس الجعفي، قال: إذا كنت في أمر الآخرة فتمكث، وإذا كنت في أمر الدنيا فتوخ، وإذا هممت بخير فلا تؤخره، وإذا أتاك الشيطان وأنت تصلي فقال: إنك ترائي فزدها طولا.
أمر الحجاج بماهان الحنفى أن يصلب على بابه، فرأيته حين رفع على خشبته يسبح ويهلل ويكبر، ويعقد بيده حتى بلغ تسعا وعشرين. قال: فطعنه الرجل على تلك الحال. قال: فلقد رأيته بعد شهر معقودا بيده تسعة وعشرين قال: كنا نرى عنده الضوء بالليل شبه السراج.
قال الشيباني،: دنوت من ماهان لما أراد أن يصلب فقال: تنح يا بن أخي لا تسأل عن هذا المقام. وقال التمار سألت ماهان الحنفي: ما كانت أعمال القوم؟ قال: كانت أعمالهم قليلة، وكانت قلوبهم سليمة.
عن ابن سيرين قال: قدمت الكوفة وللشعبي حلقة عظيمة، وأصحاب رسول الله يومئذ كثير. وعن أبي مجلز قال: ما رأيت أحدا أفقه من الشعبي.
عن ابن شبرمة قال: سمعت الشعبي يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته، ولا أحببت أن يعيده علي. وعنه قال: ما أروي شيئا أقل من الشعر، ولو شئت لأنشدتكم شعرا لا أعيده.
قال مكحول : ما لقيت أحدا أعلم بسنة ماضية من الشعبي. قال ابن شبرمة : كنت أمشي مع الشعبي إلى أهله فقال لي: احملني أو أحملك، يعني حدثني أو أحدثك.