فوائد من كتاب صفة الصفوة 6
حكمــــــة
عن خثيمة عن سويد بن غفلة قال: إذا أراد أن ينسى أهل النار جعل لكل واحد منهم تابوتا من نار على قدره ثم أقفل عليهم بأقفال من نار فلا يضرب فيهم عرق إلا وفيه مسمار من نار. ثم يجعل ذلك التابوت في تابوت آخر من نار، ثم يقفل عليه بأقفال من نار ثم تضرم بينهم نار ثم يجعل ذلك في تابوت آخر من نار ثم يقفل بأقفال من نار ثم تضرم نار فلا يرى أحد منهم أن في النار غيره.
حكمــــــة
قال نصر بن بسام وغيره: أتينا أبا محفوظ معروفا الكرخي فقال لنا: رأيت النبي في النوم وهو يقول لهشيم: يا هشيم: جزاك الله عن أمتي خيرا. قال ابن بسام: فقلت: يا أبا محفوظ أنت رأيته؟ قال: نعم، هشيم خير مما نظن، هشيم خير مما نظن، هشيم خير مما نظن رضي الله عن هشيم. عمرو بن عون قال: مكث هشيم يصلي الفجر بوضوء عشاء الآخرة، قبل أن يموت، عشر سنين.
حكمــــــة
خرج سيار إلى البصرة، فقام يصلي إلى سارية في المسجد الجامع، وكان حسن الصلاة، عليه ثياب جياد. فرآه مالك بن دينار فجلس إليه فسلم سيار، فقال له مالك: هذه الصلاة وهذه الثياب؟ فقال له سيار: هذه ترفعني عندك أو تضعني؟ فقال: تضعك. قال: هذا أردت. ثم قال له: يا مالك إني لأحسب ثوبيك هذين قد أنزلاك من نفسك ما لم ينزلك من الله. فبكى مالك وقال له: أنت سيار؟ قال: نعم فعانقه.
حكمــــــة
قال هشيم: كان منصور بن زاذان يخرج فيصلي الغداة في جماعة. ثم يجلس فيسبح حتى تطلع الشمس، ثم يصلي إلى الزوال، ثم يصلي الظهر، ثم يصلي إلى العصر، ثم يصلي العصر، ثم يجلس فيسبح إلى المغرب، ثم يصلي المغرب، ثم يصلي العشاء ثم ينصرف إلى بيته فيكتب عنه في ذلك الوقت. جنازة منصور بن زاذان الرجال على حدة، والنساء على حدة، واليهود على حدة، والنصارى على حدة.
حكمــــــة
عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، منهم الأسود بن زيد. وكان يجتهد في العبادة، ويصوم حتى يصفر ويخضر. فلما احتضر بكى. فقيل له ما هذا الجزع؟ فقال: لا أجزع؟ ومن أحق بذلك مني؟ والله لو أتيت بالمغفرة من الله عز وجل لأهمني الحياء منه بما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه ولا يزال مستحيا منه. قال: لقد حج الأسود ثمانين حجة.
حكمــــــة
قيل لمسروق: لو أنك قصرت عن بعض ما تصنع، أي من العبادة، فقال: والله لو أتاني آت فأخبرني أن الله لا يعذبني لاجتهدت في العبادة. قيل: وكيف ذلك؟ قال: حتى تعذرني نفسي إن دخلت جهنم لا ألومها، أما بلغك في قوله عز وجل: ولا أقسم بالنفس اللوامة القيامة: 2، إنما لاموا أنفسهم حين صاروا إلى جهنم واعتقبتهم الزبانية وحيل بينهم وبين ما يشتهون، وانقطعت عنهم الأماني ورفعت عنهم الرحمة وأقبل كل امرئ منهم يلوم نفسه.
حكمــــــة
عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، منهم مسروق بن الأجدع، فإن امرأته قالت: ما كان يوجد إلا وساقاه قد انتفختا من طول الصلاة فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزع وإنما هي ساعة ولا أدري أين يسلك بي؟ بين يدي طريقان لا أدري إلى الجنة أم إلى النار؟ عن الشعبي قال: غشي على مسروق في يوم صائف وهو صائم، فقالت له ابنته: أفطر قال: ما أردت بي؟قالت: الرفق. قال: يا بنية إنما أطلب الرفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
حكمــــــة
عن سويد أن زر بن حبيش كتب إلى عبد الملك بن مروان كتابا يعظه فيه، فكان في آخر كتابه: ولا يطعمنك يا أمير المؤمنين في طول الحياة ما يظهر من صحة بدنك، فأنت أعلم بنفسك، واذكر ما تكلم به الأولون. إذا الرجال ولـدت أولادهـا وبليت من كبر أسجـادهـا وجعلت أسقامها تعتـادهـا فذلك زروع قد دنا حصادها فلما قرأ الكتاب بكى حتى بل طرف ثوبه، ثم قال: صدق زر ولو كتب إلينا بغير هذا كان أرفق.
حكمــــــة
عن ربعي بن حراش قال: كنا إخوة ثلاثة، وكان أعبدنا وأصومنا وأفضلنا الأوسط منا فغبت غيبة إلى السواد. ثم قدمت على أهلي فقالوا: أدرك أخاك فإنه في الموت لقيت رسول الله فأقسم أن لا أبرح حتى آتيه. فعجلوا جهازيفقعدت عند رأسه أبكيه، فرفع يده فكشف الثوب عن وجهه وقال: السلام عليكم. قلت: أي أخي أحياة بعد موت؟قال: نعم. إني لقيت ربي فلقيني بروح وريحان، ورب غير غضبان، وأنه كساني ثيابا خضرا من سندس وإستبرق، وإني وجدت الأمر أيسر مما تحسبون، ثلاثا وانى لقيت رسول الله فأقسم أن لا أبرح حتى آتيه. فعجلوا جهازي
حكمــــــة
عن عامر: أن ابنا لشريح قال لأبيه: بيني وبين قوم خصومة فانظر فإن كان الحق لي خاصمتهم وإن لم يكن لي الحق لم أخاصمهم، فقص قصته عليه فقال: انطلق فخاصمهم فانطلق إليهم فخاصمهم إليه فقضى على ابنه. فقال له لما رجع إلى أهله: والله لو لم أتقدم إليك لم ألمك، فضحتني. فقال: والله يا بني لأنت أحب إلي من ملء الأرض مثلهم، ولكن الله هو أعز علي منك، أن أخبرك أن القضاء عليك فتصالحهم فتذهب ببعض حقهم.
حكمــــــة
عن أبي حيان التيمي عن أبيه قال: دخلت على سويد بن شعبة، وكان من أصحاب الخطط الذين خط لهم عمر بن الخطاب بالكوفة فإذا هو منكب على وجهه مسجى بثوب، فلولا أن امرأته قالت: أهلي فداؤك، ما نطعمك؟ ما نسقيك؟ ما ظننت أن تحت الثوب شيئا - فلما رآني قال: يا ابن أخي دبرت الحراقف والصلب فما من ضجعة غير ما ترى، والله ما أحب أني نقصت منه قلامة ظفر. قال الأصمعي: الحرقفة: مجتمع رأس الورك ورأس الفخذين.
حكمــــــة
عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد أهل اليمن سألهم: هل فيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم. قال: من مراد ثم قرن؟ قال: نعم. قال: كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال نعم قال: لك والدة؟ قال نعم. قال: سمعت رسول الله يقول " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، وله والدة هو بها بار لو أقسم على الله عز وجل لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل. فاستغفر لي. فاستغفر له.
حكمــــــة
حج رجل من أشراف الكوفة بعد السنة التى رأى عمر فيها اويس بن عامر فسأله عن أويس بن عامر: كيف تركته قال: تركته رث الهيئة قليل المتاع. فقال: سمعت رسول الله يقول: يأتي عليك أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله عز وجل لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فلما قدم الكوفة أتى أويسا فقال: استغفر لي فقال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي، لقيت عمر؟ قال: نعم. فاستغفر له. ففطن له الناس فانطلق على وجهه.
حكمــــــة
عن أسير بن جابر أن أويسا القرني كان إذا حدث يقع حديثه في قلوبنا موقعا ما يقع حديث غيره. عن الشعبي قال: مر رجل من مراد على أويس القرني فقال: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحمد الله عز وجل. قال: كيف الزمان عليك؟ قال: كيف الزمان على رجل إن أصبح ظن أنه لا يمسي، وإن أمسى ظن أنه لا يصبح؟ فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار. يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحا، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له فضة ولا ذهبا، وإن قيامه لله بالحق لم يترك له صديقا.
حكمــــــة
قيل للربيع بن خثيم: ألا تذكر الناس؟ فقال: ما أنا عن نفسي براض فأتفرغ من ذمها إلى أن أذم الناس، إن الناس خافوا الله في ذنوب الناس وأمنوه على ذنوبهم. وقيل له حين أصابه الفالج: لو تداويت. فقال: لقد عرفت أن الدواء حق ولكني ذكرت عادا وثمود وقرونا بين ذلك كثيرا كانت فيهم الأوجاع وكان لهم الأطباء، فما بقي المداوي ولا المداوى.
حكمــــــة
عن منذر الثوري قال: كان الربيع بن خثيم يقول السرائر التي تختفي على الناس وهي لله بواد، التمسوا دواءهن التمسوا دواءهن. ثم يقول: وما دواءهن؟ دواءهن أن تتوب فلا تعود. عن الربيع بن خثيم أنه قال لأصحابه: تدرون ما الداء والدواء والشفاء؟ قالوا: لا. قال: الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، والشفاء أن تتوب فلا تعود.
حكمــــــة
كان الربيع ابن خثيم إذا سجد كأنه ثوب مطروح فتجيء العصافير فتقع عليه. وعن بلال بن المنذر قال: قال رجل للربيع: قتل ابن فاطمة فاسترج ثم تلا هذه الآية: قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون سورة الزمر آية 46. قال ما تقول؟ قال: ما أقول؟ إلى الله إيابهم وعليه حسابهم.
حكمــــــة
عن سفيان قال: بلغنا أن أم الربيع كانت تنادي فتقول: يا بني، يا ربيع، ألا تنام، فيقول: يا أماه من جن عليه الليل وهو يخاف البيات حق له أن لا ينام. قال: فلما بلغ ورأت ما يلقى من البكاء والسهر نادته فقالت: يا بني لعلك قتلت قتيلا؟ فقال: نعم يا والدة، قتلت قتيلا. فقالت: ومن هذا القتيل يا بني نتحمل على أهله فيعفوك والله لو علموا ما تلقى من البكاء والسهر لقد رحموك. فيقول: يا والدتي هي نفسي.
حكمــــــة
عن سعيد الحارثي قال: ضرب الربيع بن خثيم الفالج فطال وجعه فاشتهى لحم دجاج، فكف نفسه أربعين يوما. ثم قال لامرأته فاشترت له دجاجة بدرهم ودانقين فذبحتها وشوتها واختبزت له خبزا له أصباغ، ثم جاءت بالخوان حتى وضعته بين يديه، فلما ذهب ليأكل قام سائل على الباب فقال: تصدقوا علي بارك الله فيكم، فكف عن الأكل وقال لامرأته: خذي هذا فلفيه وادفعيه إلى السائل، فقالت امرأته: سبحان الله. فقال: افعلي ما آمرك، قالت: نعطيه ثمن هذا وتأكل أنت شهوتك. قال: قد أحسنت ائتيني بثمنه. قال: فجاءت بثمن الدجاجة والخبز والأصباغ فقال: ضعيه على هذا وادفعيه جميعا إلى السائل.
حكمــــــة
قال أبي وائل: خرجنا مع عبد الله بن مسعود، ومعنا الربيع فمررنا على حداد، فقام عبد الله ينظر حديدة في النار، فنظر الربيع إليها فتمايل ليسقط، فمضى عبد الله حتى أتينا على أتون على شاطئ الفرات فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية: إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا إلى قوله ثبورا سورة الفرقان، الآيتان: 12 و13 فصعق الربيع فاحتملناه فجئنا به إلى أهله قال: ثم رابطه عبد الله إلى الظهر فلم يفق، ثم رابطه إلى العصر فلم يفق، ثم رابطه إلى المغرب فلم يفق، ثم إنه أفاق، فرجع عبد الله إلى أهله.
حكمــــــة
قال الربيع بن خثيم: إذا تكلمت فاذكر سمع الله إليك، وإذا هممت فاذكر علمه بك، وإذا نظرت فاذكر نظره إليك، وإذا تفكرت فاذكر اطلاعه عليك، فإنه يقول تعالى: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا سورة الإسراء: آية 36. وكان يبكي حتى تبل لحيته من دموعه، ثم يقول: أدركنا أقواما كنا في جنوبهم لصوصا.
حكمــــــة
قال عتبة بن فرقد: يا عبد الله بن ربيعة ألا تعينني على ابن أخيك، يعينني على ما أنا فيه من عملي؟ قال: فقال عبد الله: يا عمرو أطع أباك. قال: فنظر عمرو إلى معضد العجلي، فقال له معضد: لا تطعهم واسجد واقترب. قال عمرو: يا أباه إنما أنا رجل أعمل في فكاك رقبتي فبكى عتبة ثم قال: يا بني إني أحبك حبين حبا لله وحب الوالد ولده، فقال عمرو: يا أبت إنك قد كنت أتيتني بمال بلغ سبعين ألفا فإن كنت سائلي عنه فهو هذا فخذه، أو فدعني فأمضيه. قال يا بني فأمضه. فأمضاه حتى ما بقي منه درهم.
حكمــــــة
قال بشر بن الحارث: كان عمرو بن عتبة يصلي والحمام فوق رأسه، والسباع حوله، تحرك أذنابها. قال مولى لعمرو رآني عمرو بن عتبة وأنا مع رجل وهو يقع في آخر، فقال لي: ويلك - ولم يقلها لي قبلها ولا بعدها - نزه سمعك عن استماع الخنا، كما تنزه لسانك عن القول به، فإن المستمع شريك القائل، وإنما نظر إلى شر ما في وعائه فأفرغها في وعائك، ولو ردت كلمة سفيه في فيه لسعد بها رادها كما شقي بها قائلها.
حكمــــــة
قال مولى عمرو بن عتبة: استيقظنا يوما حارا في ساعة حارة، فطلبنا عمرو بن عتبة فوجدناه في جبل وهو ساجد، وغمامة تظله وكنا نخرج إلى العدو فلا نتحارس، لكثرة صلاته، ورأيته ليلة يصلي فسمعنا زئير الأسد فهربنا وهو قائم يصلي لم ينصرف. فقلنا له: أما خفت الأسد؟ فقال: إني لأستحيي من الله أن أخاف شيئا سواه.
حكمــــــة
عن علقمة قال: خرجنا ومعنا مسروق وعمرو بن عتبة ومعضد غازين، فلما بلغنا ماسبذان وأميرها عتبة بن فرقد: قال لنا ابنه عمرو بن عتبة: إنكم إن نزلتم عليه صنع لكم نزلا ولعله أن يظلم فيه أحدا، ولكن إن شئتم قلنا في ظل هذه الشجرة وأكلنا من كسرنا ثم رحنا. ففعلنا وقطع عمرو بن عتبة جبة بيضاء فلبسها وقال: والله إن تحدر الدم على هذه حسن فرمي، فرأيت الدم يتحدر على المكان الذي وضع يده عليه فمات.
حكمــــــة
قال هشام صاحب الدستوائي: لما مات عمرو بن عتبة دخل بعض أصحابه على أخته فقال: أخبرينا عنه فقالت: قام ليلة فاستفتح حم فأتى على هذه الآية وأنذرهم يوم الآزفة سورة غافر آية 18 فما جاوزها حتى أصبح. ولا يعرف لعمرو بن عتبة مسند. شغلته العبادة عن الرواية، وهذه الغزاة التي استشهد فيها هي غزاة آذربيجان، وذلك في خلافة عثمان بن عفان.