فوائد من مدارج السالكين 1
حكمــــــة
في دعائه صلى الله عليه وسلم (والخير كله بيديك، والشر ليس إليك) لا يلتفت إلى تفسير من فسره بقوله (والشر لا يُتقرب به إليك، أو لا يصعد إليك) فإن المعنى أجل من ذلك، وأكبر وأعظم قدراً، فإن أسماؤه كلها حسنى، وأوصافه كلها كمال، وأقواله كلها صدق وعدل: يستحيل دخول الشر في أسمائه وأصافه، أو أفعاله أو أقواله
حكمــــــة
لما كان طالب الصراط المستقيم طالب أمر أكثر الناس ناكبون عنه، مريداً لسلوك طريق موافقُه فيها في غاية القلة والعزة، والنفوس مجبولة على وحشة التفرد، وعلى الإنس بالرفيق، نبه الله سبحانه على الرفيق في هذه الطريق وأنهم هم (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً)، ليزول عن الطالب للهداية وسلوط الصراط وحشة تفرده عن أهل زمانه وبني جنسه، فلا يكترث بمخالفة الناكبين عنه له، فإنهم هـم الأقلـون قدراً، وإن كانـوا الأكثرين عدداً
حكمــــــة
من أراد أن تصدق رؤياه فليتحر الصدق وأكل الحلال والمحافظة على الأمر والنهي، ولينم على طهارة كاملة مستقبل القبلة، ويذكر الله حتى تغلبه عيناه، فإن رؤياه لا تكاد تكذب البتة. وأصدق الرؤيا: رؤية الأسحار، فإنه وقت النزول الإلهي، واقتراب الرحمة والمغفرة، وسكون الشياطين، وعكسه رؤيا العتمة، عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية
حكمــــــة
الواجب على الإنسان إذا أعطاه الله ما أعطاه بلا سؤال ان: تسأله أن يجعله عوناً لك على طاعته، وبلاغاً إلى مرضاته، ولا يجعله قاطعاً لك عنه، ولا مبعداً عن مرضاته، فلا تظن أن عطاءه كل ما أعطى لكرامة عبده عليه، ولا منعه كل ما يمنعه لهوان عبده عليه، ولكن عطاؤه ومنعه ابتلاء وامتحان يمتحن بهما عباده.
حكمــــــة
العبودية نوعان: عامة، وخاصة. فالعبودية العامة: عبودية أهل السموات والأرض كلهم لله، برِهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم، فهذه عبودية القهر والملك، قال تعالى (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً). وقال تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)، وقال تعالى (ومَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ). والنوع الثاني: فعبودية الطاعة والمحبة، قال تعالى (يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) وقال تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً)
حكمــــــة
إن كل من أعرض عن شيء من الحق وجحده، وقع في باطل مُقابل لما أعرض عنه من الحق وجحده، حتى في الأعمال، من رغب عن العمل لوجه الله وحده ابتلاه الله بالعمل لوجوه الخلق، فرغب عن العمل لمن ضَره ونفعه وموته وحياته وسعادته بيده، فابتليَ بالعمل لمن لا يملك له شيئاً من ذلك. وكذلك من رغب عن إنفاق ماله في طاعة الله ابتُليَ بإنفاقه لغير الله وهو راغم
حكمــــــة
كل قوة ظاهرة وباطنة صحبها تنفيذ لمرضاته وأوامره فهي منّة وإلا فهي حجة. كل حال صحبه تأثير في نصرة دينه والدعوة إليه فهو منّة منه، وإلا فهو حجة. وكل مال اقترن به إنفاق في سبيل الله وطاعته، لا لطلب الجزاء ولا للشكور، فهو منّة من الله عليه، وإلا فهو حجة. وكل فراغ اقترن به اشتغال بما يريد الرب من عبده فهو منه عليه، وإلا فهو حجة. وكل قبول في الناس، وتعظيم ومحبة له، اتصل به خضوع للرب، وذل وانكسار، ومعرفة بعيب النفس والعمل، وبذل النصيحة للخلق فهو منّة، وإلا فهو حجة. فليتأمل العبد هذا الموضع العظيم الخطر، ويميز بين مواقع المنن والمحن.
حكمــــــة
عقبات الشيطان:العقبة الأولى: عقبة الكفر بالله وبدينه ولقائه، وبصفات كماله. فإن نجا منها ببصيرة الهداية طلبه على: العقبة الثانية: وهي عقبة البدعة. فإن قطع هذه العقبة، وخلص منها بنور السنة. العقبة الثالثة: وهي عقبة الكبائر. فإن قطع هذه العقبة بعصمة من الله، أو بتوبة نصوح تنجيه منها طلبه على: العقبة الرابعة: وهي عقبة الصغائر. العقبة الخامسة: وهي عقبة المباحات التي لا حرج على فاعلها، فشغله بها عن الاستكثار من الطاعات، وعن الاجتهاد في التزود لمعاده. فإن نجا من هذه العقبة طلبه العدو على: العقبة السادسة: وهي عقبة الأعمال المرجوحة المفضولة من الطاعات، فأمره بها، وحسنها في عينه، وأراه ما فيها من الفضل والربح، ليشغله بها عما هو أفضل منها وأعظم كسباً وربحاً، لأنه لما عجز عن تخسيره أصل الثواب، طمع في تخسيره كماله وفضله، ودرجاته العالية. ولكن أين أصحاب هذه العقبة؟ فهم الأفراد في العالم، والأكثرون قد ظفر بهم في العقبات الأول.
حكمــــــة
لا شيء أحب إلى الله من مراغمة وليه لعدوهِ، وإغاظته له، وقد أشار سبحانه إلى هذه العبودية في مواضع من كتابه. قال تعالى (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً). سمى المهاجر الذي يهاجر إلى عبادة الله مراغماً يرام به عدو الله وعدوه، والله يحب من وليه مراغمة عدوه وإغاظته، كما قال تعالى (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
حكمــــــة
من تعبد الله بمراغمة عدوه، فقد أخذ من الصديقية بسهم وافر، وعلى قدر محبة العبد لربه، وموالاته ومعاداته لعدوه، يكون نصيبه من هذه المراغمة، ولأجل هذه المراغمة حمِد التبختر بين الصفين، والخيلاء والتبختر عند صدقة السر، حيث لا يراه إلا الله، لما في ذلك من إرغام العدو، وبذل محبوبه من نفسه وماله لله عز وجل. وهذا باب من العبودية لا يعرفه إلا القليل من الناس، ومن ذاق طعمه ولذته بكى على أيامه الأول
حكمــــــة
النصح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء: الأول: تعميم جميع الذنوب واستغراقها بها بحيث لا تدع ذنباً إلا تناولته. والثاني: إجماع العزم والصدق بكليته عليها، بحيث لا يبقى عنده تردد، ولا تلوم ولا انتظار. والثالث: تخليصها من الشوائب والعِلَل القادحة في إخلاصها، ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته، والرغبة فيما لديه.
حكمــــــة
تفسير الضنك في قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً): فسّرت المعيشة الضنك بعذاب القبر، والصحيح أنها في الدنيا وفي البرزخ، فإن من أعرض عن ذكره الذي أنزله، فله من ضيق الصدر، ونكد العيش، وكثرة الخوف، وشدة الحرص والتعب على الدنيا، والتحسر على فواتها قبل حصولها وبعد حصولها، والآلام التي في خلال ذلك، ما لا يشعر به القلب لسكرته وانغماسه في السكر
حكمــــــة
يكفى في قصر الأمل قوله تعالى: (أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) وقوله تعالى: (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم) وقوله تعالى: (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) وقوله تعالى: (قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون) وقوله تعالى: (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) وقوله تعالى: (يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشراً نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوماً)
حكمــــــة
العزم صدق الإرادة واستجماعها و الجد صدق العمل وبذل الجهد فيه وقد أمر الله سبحانه وتعالى بتلقى أوامره بالعزم والجد فقال: (خذوا ما آتيناكم بقوة) وقال: (وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء فخذها بقوة) وقال: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) أي بجد واجتهاد وعزم لا كمن يأخذ ما أمر به بتردد وفتور
حكمــــــة
لا تغتر بمكان صالح فلا مكان أصلح من الجنة ولقي فيها آدم ما لقي، ولا تغتر بكثرة العبادة فإن إبليس بعد طول العبادة لقي ما لقي، ولا تغتر بكثرة العلم فإن بلعام بن باعورا لقي ما لقي وكان يعرف الاسم الأعظم، ولا تغتر بلقاء الصالحين ورؤيتهم فلا شخص أصلح من النبي ولم ينتفع بلقائه أعداؤه والمنافقون
حكمــــــة
قال سفيان الثوري: ما رأيت أسهل من الورع، ما حاك في نفسك فاتركه. وقال الحسن: مثقال ذرة من الورع خير من ألف مثقال من الصوم والصلاة. وقال أبو هريرة: جلساء الله غداً أهل الورع والزهد. وقال بعض السلف: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس. وقال بعض الصحابة: كنا ندع سبعين باباً من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام