مدارج السالكين 3
حكمــــــة
شهودُ العبدِ نقصَ حالِه إذا عصى ربه، وتغير القلوب عليه، وجفولها منه، وانسداد الأبواب في وجهه، وتوعر المسالك عليه، وهوانه على أهل بيته وأولاده وزوجته وإخوانه. وتطلبه ذلك حتى يعلم من أين أُتي؟ ووقوعه على السبب الموجب لذلك، مما يقوي إيمانه، فإن أقلع وباشر الأسباب التي تفضي به إلى ضد هذه الحال، رأى العز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، والسرور بعد الحزن، والأمن بعد الخوف، والقوة في قلبه بعد ضعفه ووهنه ازداد إيمانا مع إيمانه، فتقوى شواهد الإيمان في قلبه وبراهينه وأدلته في حال معصيته وطاعته، فهذا من الذين قال الله فيهم {ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون}.
حكمــــــة
وكان بعض أصحاب (شيخ الإسلام) الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه، وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم. وجئت يوما مبشرا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له، فنهرني وتنكر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام، فسروا به ودعوا له، وعظموا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه.
حكمــــــة
من عرف حقيقة نفسه وما طبعت عليه علم أنها منبع كل شر، ومأوى كل سوء، وأن كل خير فيها ففضل من الله من به عليها، لم يكن منها.. قال تعالى {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون} فهذا الحب وهذه الكراهة لم يكونا في النفس ولا بها، ولكن هو الله الذي من بهما، فجعل العبد بسببهما من الراشدين..
حكمــــــة
"وثيابك فطهر"..بين الثياب والقلوب مناسبة ظاهرة وباطنة؛ ولذلك تدل ثياب المرء في المنام على قلبه وحاله. ويؤثر كل منهما في الآخر؛ ولهذا نهى عن لباس الحرير والذهب، وجلود السباع، لما تؤثر في القلب من الهيئة المنافية للعبودية والخشوع. وتأثير القلب والنفس في الثياب أمر خفي يعرفه أهل البصائر من نظافتها ودنسها ورائحتها، وبهجتها وكسفتها، حتى إن ثوب البر ليعرف من ثوب الفاجر، وليسا عليهما.
حكمــــــة
قال ابنُ القيم رحمه الله:
لا تستطل أوصاف القوم(يعني: المنافقين)
فالمتروك -والله-أكثر من المذكور، كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم، لكثرتهم على الأرض وفي أجواف القبور، فلا خَلَتْ بقاع الأرض منهم لئلا يستوحش المؤمنون في الطرقات، وتتعطل بهم أسباب المعيشات، وتخطفهم الوحوش والسباع في الفلَوات، سمعَ حُذيفةُ رضي الله عنه رجلًا يقول: اللهم اهلك المنافقين. فقال: "يا ابن أخي، لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم من قلّة السالك !.
قلتُ: هذا الكلام من أدق ما كتب رحمه الله!
والحاجة له ملحة، فالمنافق يظهر إيمانه فيظن المؤمن الصادق أن المؤمنين حوله كثير، فينزع بهذا من نفسه الوحشة من قلة السالكين !
والله المستعان..
حكمــــــة
قال ابن القيم رحمه الله:
وأمنيّةُ الرجلِ تدل على علُوِ همتهِ وخستها. وفي أثر إلهي "إني لا أنظر إِلَى كلام الحكيم، وإنما أنظر إلى هِمَّتِهِ" والعامة تقول: قيمة كل امرئ مَا يحسنه.
والعارفون يقولون: قيمة كل امرئ مَا يطلب.
ولا يرضى بالأمانيّ عن الحقائق
إلا ذوو النفوس الدنيئة الساقطة.
كما قيل:
واتركْ مُنَى النفسِ لا تحسبهُ يشبِعها
إِن المنى رأْس أَموالِ المفالِيسِ.
حكمــــــة
قال ابن القيم رحمه الله:
لا ريب أن عيش المشتاق مُنغَّصٌ حتى يلقى محبوبَه، فهناك تَقرّ عينه، ويزول عن عيشه تنغيصه، وكذلك يزهد في الخلق غايةَ الزهد لأن صاحبه طالب للأنس بالله والقرب منه،
فهو أزهد شيء في الخَلْق إلا من أعانه على المطلوب منهم، وأوصله إليه، فهو أحب خلق الله إليه، ولا يأنسُ من الخلق بغيره، ولا يسكن إلى سواه، فعليك بطلب هذا الرفيق جُهْدَك، فإن لم تظفر به فاتخذ الله صاحبا ودع الناس كلهم جانبا !