من أقوال السلف في الضحك
حكمــــــة
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: كان جُلُّ ضحكه التبسم، بل كلُّه التبسم...وكان يضحك مما يُضحك منه. وقال العلامة السعدي رحمه الله: حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الأدب الكامل والتعجب في موضعه، وأن لا يبلغ بهم الضحك إلا التبسم، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جُلّ ضحكه التبسم، وقال الإمام الغزالي رحمه الله: وكان أكثر الناس تبسماً وضحكاً في وجوه أصحابه.
حكمــــــة
ولهذا فإن أولياء الله يضحكون مما يضحك منه، متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يكثرون من ذلك، قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: أولياء الله في قلوبهم من إجلال الله وخشيته والرغبة فيما عنده ما يجعلهم لا يُكثرون من هذا، وإنما إن فعلوا فيكون على جهة الانبساط الوارد عنه صلى الله عليه وسلم، وهذا أصل في أن الأولياء فيما يفعلون من فضول المباحات يتابعون النبي صلى الله عليه وسلم في أصول ما فعل، فيضحكون بعضاً من الوقت، لأنه ضحك صلى الله عليه وسلم وتبسم، ويفعلون بعض الأشياء التي فيها ترويح بما لا يكون قادحاً _ وأشباه ذلك _ بنية الاقتداء ونية العمل، وهذا في بعض المباحات لا في كل المباحات. فالولي لا بد أن يكون منزهاً عن فضول المباحات.
حكمــــــة
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ أولياء الله يتنزهون عن فضول المباحات وليس كل مباح يأتونه، بل هناك مباحات لا تناسبهم وإن كانت مباحة من الشرع، ولكن تناسب غيرهم من المسلمين، فالأولياء يتنزهون عن كثير من المباحات إما من جهة الورع، وإما من جهة ترك خوارم المروءة، وإما من جهة أشياء قد يراها الولي لا تناسبه. مثاله: كثرة المزاح والضحك بأن يغلب هذا على المرء وإن كان مباحاً.
حكمــــــة
قال الإمام الغزالي رحمه الله: اعلم أن الجنائز عبرة للبصير، وفيها تنبيه وتذكير، قال أسيد بن حضير: ما شهدت جنازة فحدثتني نفسي بشيء سوى ما هو مفعول به وما هو صائر إليه وقال الأعمش: كنا نشهد الجنائز، فلا ندري من نعزي لحزن الجميع
هكذا كان خوفهم عند الموت، والآن لا ننظر إلى جماعة يحضرون جنازة، إلا وأكثرهم يضحكون، ويلهون، ولا يتفكر واحد منهم إلا ما شاء الله في جنازة نفسه، وفي حاله إذا حمل عليها، ولا سبب لهذه الغفلة إلا قسوة القلب، بكثرة المعاصي والذنوب، حتى نسينا الله تعالى واليوم الآخر، والأهوال التي بين أيدينا.
حكمــــــة
قال الله جل جلاله عن الكافرين طالبين الخروج من النار: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ﴾ [المؤمنون: 106، 107]، فيأتيهم الجواب من الله العزيز الحكيم بأنهم ماكثون في النار بسبب أعمالهم في الدنيا التي منها الضحك والسخرية بالمؤمنين، ﴿ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴾ [المؤمنون: 108 - 110]
قال الإمام ابن الجوزي: قال مقاتل: كان رؤوس كفار قريش - كأبي جهل، وعقبة، والوليد - قد اتخذوا فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كعمار، وبلال، وخباب، وصهيب، سخريًّا يستهزئون بهم ويضحكون منهم.
حكمــــــة
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: العجيب أن بعض الناس يقول: الكذب ينقسم إلى قسمين: أبيض وأسود.
ونحن نقول: الكذب ينقسم إلى قسمٍ واحدٍ، وهُو الأسود، لا يوجد كذب أبيض إطلاقًا، هذا الذي قسمه إلى قسمين، قال: الأبيضُ هو الذي ليس به أكلُ مال لأحدٍ، ولا اعتداء على أحدٍ، كذب من أجل أن يضحك الناس، فعند هذا الرجل أنه أبيض، أمَّا إذا كذب ليأكل أموال الناس بالباطل، مثل رجل عنده حق لفلان، وطلبه صاحب الحق؛ لكن قال: ليس لك عندي شيء، يقول: هذا هو الكذب المحرم، أما الكذب الذي من أجل أن يضحك الناس فهذا ليس بمُحرَّم؛ لأنه أبيض.
سبحان الله أين البياض؟! والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: (ويل لمن حدَّث فكذب لِيُضحك به القوم، ويل له، ثُم ويل له)؛ ولهذا نجد أولئك القوم الذين يأتون بالتمثيليات وغيرها من الأشياء الكذب واقعين في هذا، وهم لا يعلمون.
حكمــــــة
لا يضحك منك الشيطان
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ومن كيده[الشيطان] للإنسان: أنه يُورده الموارد التي يُخيل إليه أن فيها منفعته، ثم يُصدرُهُ المصادر التي فيها عطبه، ويتخلى عنه ويُسلمه ويقف يشمت به، ويضحك منه، فيأمره بالسرقة والزنى والقتل ويدل عليه ويفضحه قال تعالى: ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال:48] فإنه تراءى للمشركين عند خروجهم إلى بدر في صورة سراقة بن مالك، وقال: إني جار لكم من بني كنانة أن يقصدوا أهلكم وذراريكم بسوء، فلما رأى عدو الله جنود الله من الملائكة نزلت لنصر رسوله فرَّ عنهم وأسلمهم، كما قال حسان:
دلاهم بغرور ثُم أسلمهم إن الخبيث لمن والاه غرّار
وكذلك فعل بالراهب الذي قتل المرأة وولدها، أمره بالزنى بها ثم بقتلها، ثم دل أهلها عليها، وكشف أمره لهم، ثم أمره بالسجود، فلما فعل فر عنه وتركه.
حكمــــــة
عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً، و لضحكتم قليلاً) قال الإمام النووي رحمه الله: معناه: لو تعلمون من عظم انتقام الله تعالى من أهل الجرائم، وشدة عقابه، وأهوال القيامة، وما بعدها، كما علمت، وترون النار كما رأيت في مقامي هذا، وفي غيره، لبكيتم كثيراً، ولقلّ ضحككم لفكركم فيما علمتموه.
حكمــــــة
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: في حديث عائشة من الفوائد: الزجر عن كثرة الضحك، والحث على كثرة البكاء، والتحقق بما سيصير إليه المرء من الموت والفناء "
فأقلّ من الضحك في الدنيا، وأكثر من ذكر الله لتدخل الجنة وأنت تضحك، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إن الذين ألسنتهم رطبة بذكر الله يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك.