كتاب مكارم الأخلاق لابن عثيمين
الأخلاق بين الطبع والتطبع
كتاب مكارم الأخلاق
قال النى صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: " إن فيك لخلقين يحبهما الله: الحلم والأناة "
قال يا رسول الله، أهما خلقان تخلقت بهما، أم جبلني الله عليهما، قال: " بل جبلك الله عليهما "
فقال: " الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما ورسوله "
فهذا دليل على أن الأخلاق الحميدة الفاضلة تكون طبعاً وتكون تطبعا، ولكن الطبع بلا شك أحسن من التطبع، لأن الخلق الحسن إذا كان طبيعياً صار سجية للإنسان وطبيعة له، لا يحتاج في ممارسته إلى تكلف، ولا يحتاج في استدعائه إلى عناء ومشقة، ولكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ومن حُرم هذا – أي حُرم الخلق عن سبيل الطبع – فإنه يمكنه أن يناله
الأخلاق الفاضلة تنشأ عن أمرين
كتاب مكارم الأخلاق
قال ابن القيم رحمه الله وأما الأخلاق الفاضلة كالصبر، والشجاعة، والعدل، والمروءة، والعفة، والصيانة، والجود، والحلم، والعفو، والصفح، والاحتمال، والإيثار، وعزة النفس عن الدناءات، والتواضع، والقناعة، والصدق، والإخلاص، والمكافأة على الإحسان بمثله أو أفضل والتغافل عن زلات الناس، وترك الاشتغال بما لا يعنيه، ولامة القلب من تلك الأخلاق المذمومة ونحو ذلك، فكلها ناشته عن الخشوع وعلو الهمة. والله سبحانه أخبر عن الأرض بأنها تكون خاشعة، ثم ينزل عليها الماء فتهتز، وتأخذ زينتها وبهجتها، فذلك المخلوق منها إذا أصابه حظه من التوفيق. أ.هـ.
مجالات حسن الخلق
كتاب مكارم الأخلاق
إن كثيراً من الناس يذهب فهمه إلى أن حسن الخلق خاص بمعاملة الخلق دون معاملة الخالق ولكن هذا الفهم قاصر، فإن حسن الخلق كما يكون في معاملة الخلق، يكون أيضاً في معاملة الخالق، فموضوع حسن الخلق إذن: معاملة الخالق جلا وعلا، ومعاملة الخلق أيضاً وهذه المسألة ينبغي أن يتنبه لها الجميع.
ثلاثة أشياء عليها مدار حسن الخلق مع الله تعالى
كتاب مكارم الأخلاق
أولاً - تلقي أخبار بالتصديق: بحيث لا يقع عند الإنسان شك، أو تردد في تصديق خبر الله تبارك وتعالى، لأن خبر الله تعالى صادر عن علم، وهو سبحانه أصدق القائلين كمال قال تعالى عن نفسه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} ١. ولازم تصديق أخبار الله أن يكون الإنسان واثقاً بها، مدافعاً عنها، ومجاهداً بها وفي سبيلها، بحيث لا يداخله شك أو شبهة في أخبار الله عز وجل وأخبار رسوله صلى الله عليه وسلم.
وحسنُ الخلق نحو الحديث الصحيح
كتاب مكارم الأخلاق
وحسنُ الخلق نحو الحديث الصحيح (حديث الرسول صلي الله عليه وسلم) يكون أن نقبله ونصدق به، وأن لا يكون في صدورنا حرج منه ولا ضيق ولا تردد، وأن نعلم أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا فهو حق، ولكن هناك فارقاً عظيماً بين أحوال الناس في الدنيا، وأحوالهم في الآخرة، بحيث لا يمكن أن نقيس أحوال
ثلاثة أشياء عليها مدار حسن الخلق مع الله تعالى
كتاب مكارم الأخلاق
ثانياً: ومن حسن الخلق مع الله عز وجل، أن يتلقى الإنسان أحكام الله بالقبول والتنفيذ والتطبيق فلا يرد شيئاً من أحكام الله، فإذا رد شيئاً من أحكام الله فهذا سوء خلق مع الله عز وجل، سواءٌ ردها منكراً حكمها، أو ردها مستكبراً عن العمل بها، أو ردها متهاوناً بالعمل بها، فإن ذلك كله منافٍ لحسن الخلق مع الله عز وجل
فلابد أن يجد من الناس شيئاً من الإساءة
كتاب مكارم الأخلاق
وكل إنسان يتصل بالناس، فلابد أن يجد من الناس شيئاً من الإساءة، فموقفه من هذه الإساءة أن يعفو ويصفح، وليعلم علم اليقين أنه يعفوه وصفحه ومجازاته بالحسنى، سوف تنقلب العداوة بينه وبين أخيه إلى ولاية، ومحبة، وصداقة، قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}
كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ
كتاب مكارم الأخلاق
{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}
وتأملوا أيها العارفون باللغة العربية كيف جاءت النتيجة بإذا الفُجائية، لأن إذا الفجائية تدل على الحدوث الفوري في نتيجتها: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَميمٌ}.، ولكن ليس كل أحد يوفق لذلك قال: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}
العفو
كتاب مكارم الأخلاق
فالعفو قد يمكن أن يكون غير إصلاح، فقد يكون هذا الذي جنى عليك واجترأ عليك رجلاً شريراً معروفاً بالشر والفساد، فلو عفوت عنه لتمادى في شره وفساده فالأفضل في هذا المقام أن تأخذ هذا الرجل بجريرته، لأن في ذلك إصلاحا ً. قال شيخ الإسلام ابن تيميه: الإصلاح واجب، والعفو مندوب، فإذا كان في العفو فوات الإصلاح فمعنى ذلك أننا قدمنا مندوباً على واجب، وهذا لا تأتي به الشريعة وصدق رحمه الله.
حسن الخلق مع الخلق
كتاب مكارم الأخلاق
من علامات حسن الخلق مع الخلق: أن يكون الإنسان حسن المعاشرة مع من يعاشره من أصدقاء وأقارب، لا يضيق بهم ولا يضيق عليه، بل يدخل السرور على قلوبهم بقدر ما يمكنه في حدود شريعة الله، وهذا القيد لا بد منه، لأن من الناس من لا يسر إلا بمعصية الله والعياذ بالله فهذا لا ينبغي أن نوافقه عليه، لكن إدخال السرور على من يعاشرك من أهل وأصدقاء وأقارب في حدود الشرع من حسن الخلق. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: " خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي
اكتساب مكارم الأخلاق
كتاب مكارم الأخلاق
من طرق.. اكتساب مكارم الأخلاق
رابعاً: أن يستحضر الإنسان دائماً صورة خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف أنه كان يتواضع للخلق، ويحلم عليهم، ويعفو عنهم ويصبر على أذاهم، فإذا استحضر الإنسان أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وأنه خير البشر وأفضل من عبد الله تعالى، هانت على الإنسان نفسه وانكسرت صولة الكبر فيها فكان ذلك داعياً إلى حسن الخلق.
العفو عند المقدرة من مكارم الأخلاق
كتاب مكارم الأخلاق
فالعفو عند المقدرة من مكارم الأخلاق، لكن بشروط أن يكون العفو
إصلاحاً، فإن تضمن العفو إساءة فإنه لا يندب إلى ذلك، لأن الله اشترط، فقال: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ} ١ أي كان في عفوه إصلاح، أما من كان في عفوه إساءة أو كان سبباً للإساءة، فهنا نقول: لا تعف! مثل أن يعفو عن مجرم، ويكون عفوه هذا سبباً لاستمرار هذا المجرم في إجرامه فترك العفو هنا أفضل وربما يجب ترك العفو حينئذٍ.
بر الوالدين
كتاب مكارم الأخلاق
من مكارم الأخلاق أيضاً بر الوالدين: وذلك لعظم حقهما. فلم يجعل الله لأحد حقاً يلي حقه وحق رسوله صلى الله عليه وسلم إلا للوالدين. فقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
والبر فرض عين بالإجماع على كل واحد من الناس، ولهذا قدمه النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيل
حسن الجوار مع الجيران
كتاب مكارم الأخلاق
ومن مكارم الأخلاق أيضاً: حسن الجوار مع الجيران: والجيران: هم الأقارب من المنزل، وأدناهم أولاهم بالإحسان والإكرام قال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخورًا} ١، فأوصى الله بالإحسان إلى الجار القريب والجار البعيد.
البغي
كتاب مكارم الأخلاق
والبغي: العدوان على الغير ومواقعه ثلاثة بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: " إن دماءكم، وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام " ٢، فالبغي على الخلق يكون في الأموال، والدماء والأعراض.
ففي الأموال: مثل أن يدعي ما ليس له، أو ينكر ما كان عليه، أو يأخذ ما ليس له، فهذا بغي في الأموال.
وفي الدماء: القتل فما دونه، كأن يعتدي على الإنسان بالجرح والقتل.
وفي الأعراض: يحتمل أن يراد بالأعراض: السمعة، فيعتدي
أخلاق غير المسلمين
كتاب مكارم الأخلاق
ولقد حدثني كثير من الشباب الثقات الذين ذهبوا إلى الغرب عن أفعال من أسوأ الأخلاق، لكنهم هم إذا نصحوا فيما ينصحون فيه من البيع والشراء، فليس لأنهم ذوو أخلاق، وإنما لأنهم عباد مادة، والإنسان كلما كان أنصح في معاملة من هذه المعاملات الدنيوية كان الناس إليه أقبل وإلى شراء سلعته وترويجها أسرع
أخلاق غير المسلمين
كتاب مكارم الأخلاق
ولا أظن أحداً أصدق وصفاً من الله عز وجل للكافرين، فإنهم شر البرية، وكيف يرجى خيرٌ مقصود لذاته من قوم وصفهم الله بأنهم شر البرية، لا أعتقد أن ذلك يكون أبداً، لكن ما يوجد فيهم من الصدق والبيان، والنصح في بعض المعاملات، إنما هو مقصود لغيره عندهم، وهو الحصول على المادة والكسب، وإلا فمن رأى ظلمهم وغُشمهم واستطالتهم على الخلق في مواطن كثيرة، عرف مصداق قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}.
حكمــــــة
كتاب مكارم الأخلاق
فلا يعني أن مخالفة بعض المسلمين وخروجهم عن إطار الشريعة في مثل هذه الأمور، لا يعني ذلك النقص في الشريعة نفسها، فالشريعة كاملة، وهؤلاء الذين أساءوا إلى شريعة الإسلام، ثم إلى إخوانهم المسلمين، هؤلاء أساءوا إلى أنفسهم فقط، والعاقل لا يجعل إساءة العامل سوءاً في الشريعة التي ينتمي إليها هذا العامل.
حسن خلقه عليه الصلاة والسلام ورحمته بالمؤمنين
كتاب مكارم الأخلاق
حسن خلقه عليه الصلاة والسلام ورحمته بالمؤمنين،أن رجلا أتى إليه عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله هلكت!! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " وما أهلكك؟ " فقال الرجل: وقعت على امرأتي في رمضان – يعني جامعها في نهار رمضان – فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: " فهل تجد ما تعتق به رقبه؟ " قال لا. قال: " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتاليين " فقال: لا. قال: " فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ " قال: لا. ثم جلس. فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق٢ فيه تمر، فأعطاه إياه وقال له: " تصدق بهذا " فقال الرجل: على أفقر منا؟! فما بين بتيها أحوج إليه منا. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: " اذهب فأطعمه أهلك "
أنه لا يسأل شيئا فيمنعه
كتاب مكارم الأخلاق
أهدت امرأة إلى النبي عليه الصلاة والسلام شمله منسوجة فقالت: " يا رسول الله، أكسوك هذه فأخذها النبي عليه الصلاة والسلام، محتاجا إليها، فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة فقال:يا رسول الله، ما أحسن هذه! فكسنيها، فقال: " نعم "، فلما قام النبي عليه الصلاة والسلام لامه أصحابه، فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجا إليها، ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يسأل شيئا فيمنعه، فقال: " رجوت ربكتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفن فيها " ٥
كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم
كتاب مكارم الأخلاق
وفي الشجاعة: كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، وأمضاهم عزما وإقداما، كان الناس يفرون وهو ثابت، قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: لما التقى المسلمون والكفار – يعني في حنين – وولى المسلمون مدبرين، طفق الرسول صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار، وأنا آخذ بلجامها أكفها لإرادة ألا تسرع، وكان يقول حينئذ: " أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب
لينه وحسن خلقه
كتاب مكارم الأخلاق
أما لينه وحسن خلقه: فقد كان صلى الله عليه وسلم لطيفا رحيما، فلم يكن فاحشا ولا متفحشاً٣، ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح٤، قال أنس - رضي الله عنه-: " خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أف قط ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟ لي أف قط، ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟ "
في الزهد والتقلل من الدنيا
كتاب مكارم الأخلاق
كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة، خيره الله تعالى بين أن يكون ملكاً نبياً أو عبداً نبياً، فاختار أن يكون عبداً نبياً، وخيره بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش وبين ما عند الله فاختار ما عند الله. قال أنس: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مرمل بالشريط وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، فدخل عليه نفر من أصحابه ودخل عمر، فانحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير عمر بين جنبيه وبين الشريط ثوباً، وقد أثر الشريط بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى عمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ما يبكيك يا عمر " ؟ قال: والله إلا أن أكون أعلم أنك أكرم على الله عز وجل من كسرى وقيصر، وهما يعبثان في الدنيا فيما يعبثان فيه، وأنت يا رسول الله بالمكان الذي أرى! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ " قال عمر: بلى، قال: " فإنه كذلك