درر الحكم لأبي منصور الثعالبي
حكمــــــة
درر الحكم لأبي منصور الثعالبي
بعث " ابن هُبَيْيرة " إلى " المنصور " في الحرب فقال: بارزْنى، فامتنع، فقال " ابن هُبَيْيرة " لأشهرنك بامتناعك ونكُولكَ عن مبارزتي، فقال " المنصور " إنما مثلي ومثلك في ذلك مثل خنزير قال للأسد: قاتلني، فقال الأسد: لست بكفء لي، ومتى قاتلتُك فَقَتَلْتُك لم يكنْ لي بفخر، فقال الخنزير، لأخبرنَّ السباع بنكولك عني، فقال: احتما تعييرك أيسر من التَّلطُّخِ بدمك.
حكمــــــة
درر الحكم لأبي منصور الثعالبي
دخل " أبو العَمَيثْيل " على " طاهر بن الحسين " ممتدحاً وقبَّلَ يده، فقال: ما أخْشنَ شاربك يا أبا العميثل، فقال: أيها الأمير إن شوك القُنْفُذ لا يضرُّ ببرثُن الأسد، فضحك وقال: إن هذه الكلمة أعجب إلى من كل شعْرٍ، فأعطاه للشعْرٍ ألف درهمٍ، ولكلمته هذه ثلاثة آلف درهم.
حكمــــــة
درر الحكم لأبي منصور الثعالبي
قال " أبو نواس ": دخلت دار السلطان بمدينة السلام، فرأيت " أبا دُلَفٍ الكرِجىَّ " متعلقاً ببعض ستائر الخاصةِ وهو يبكى ويقول:
طَلَبُ المعاشِ مفرَّقٌ بين الأحبَّةِ والوَطَن
ومُصَيَّرٌ جَلَدَ الرَّجال إلى الضَّراعَة والوَهَنْ
فقلت: أيها الأمير لو عدلت إلى خجرة لأنشدتك بيتين يُسَلَّيانِكَ، فجاء معى فلما جلس وأكل وشرب قال: هات ما عندك، فأنشدتُهُ:
إذا كُنْتَ في أَرْضٍ عزيزاً وإن نَأَتْ فلا تُكْثَرِنْ منها تِراعاً إلى الوطَنْ
وما هي إلاَّ بَلْدةٌ مثلٌ بَلْدَةٍ وخيرُهُما ما كان عَوناً على الزَّمَنْ
فَسُرَّىَ عنه، وخفَّ ما كان بقلبه، وحيانى مالاً جماًّ.
حكمــــــة
درر الحكم لأبي منصور الثعالبي
وصف اليوسفى غلاماً، فقال: يفهم المراد باللَّحظ كما يفهمه باللََّفْظ، ويُعَايِنُ في الناظر ما يجرى في الخاطر، يرى النصح قَرْضاً يجب أداؤه، والإحسان ديناً يلزمُ قضاؤُهُ، إذا استفْرَغَ في الخدمة جهد خُيَّلَ إليه أنه بذلَ عفْوَهُ، أثْبَتُ من الجدار إذا استُمهل، وأسرعُ من البرق إذا استُعْجلَ.
حكمــــــة
درر الحكم لأبي منصور الثعالبي
قيل: إن كسرى أراد كاتباً لأمر أعْجلهُ، فلم يوجد غير غلام يَصْحَبُ الكُتَّابَ، فدعاه وقال: ما أسمك؟ فقال: مهرماه، فقال: أكتب ما أُملُّ عليك، فكتب قائماً احسن من غيره جالساً، ثم قال أكتب في نحو الكتاب من تلقاء نفسك، ففعل وضم إلى الكتاب رقعة فيها: إن الحرفة التي وصلتْنىِ بسيدي لو وُكلْتُ فيها إلى نفسي لعجزتُ أن أبلغَ لها، فإن رأى أن لا يَحُطَّنى إلى ما هو دونها فعل؛ فقال كسرى: لقد أحب مهْرماه أن لا يدع في نفسه لهفةً يتلهف عليها بعد إمكان الفُرْصَةِ، قد أمرنا له بما سأَلَ.
حكمــــــة
درر الحكم لأبي منصور الثعالبي
أعتلَّ " الفضل بن سهل " بخراسان ثم برأ فدخل عليه الناس يهنَّئونهُ بالعافية فقال: إن في العلة نعماً ينبغي للعالق أن يعرفها، تمحَّصُ الذنب، والتعرضُ للثواب، والإيقاظ من الغفلة، والإذكار بالنعم في حال الصحة، والاستدعاءُ للتوبة، والحض على الصدقة، وفي قضاء الله - تعالى - وقدره الخيارُ.
حكمــــــة
درر الحكم لأبي منصور الثعالبي
كتب " نصْرُ بن سيّارٍ " في أمر " أبي مُسلمٍ " صاحب الدولة:
أرى خللَ الرَّماد وَمِيْضَ نارٍ ويوشك أن يكون لها ضرامُ
فإن النار بالعودين تُزْكى وإن الحَرْبَ أولُها كلامُ
لأقول من التعجب ليت شعْري أأيقاظ أُميَّةَ أم نيامُ
فإن يك قومُنا أمسوا نياماً فقل هُبُّوا فقد آن القيام.
حكمــــــة
درر الحكم لأبي منصور الثعالبي
قال " شُرَيح " تزوجت امرأة صغيرة، فلما بنيت بها، قالت: عرفني خُلُقك لأُحسنَ مداراتكَ فعرفتها، فبقيت سنة معها يزداد شغفي بها، فلما كان بعد سنة دخلتُ يوماً فإذا عجوزٌ قاعدةٌ، فسألتها عنها، فقالت: هي أُمي، فدعت وقالت: كيف رضاك عن صاحبتك، فشكرتها، فقالت: أسوأ ما تكون المرأة خلقاً إذا حظيتْ عند الزوج، وإذا ولدتْ، فإن رابك شيء فعليك بالسوْطِ، فقلت: أشهد أنها ابنتك جزاك الله خيراً لقد كفيتني الرياضَةََ.
حكمــــــة
درر الحكم لأبي منصور الثعالبي
قدم وفد بنى تميم على " عبد الملك " وفيهم " عمرو بن عُتْبةَ "
فقال: يا أمير المؤمنين نحن من تعْرفُ، وحقنا لا يُنكرُ، وجئْناكَ من بعيدٍ، ونمتُّ بقريبٍ، وما تعطينا من خيرٍ فنحن أهلُهُ، وما ترى بنا من جميل فأنْتَ أصْلُهُ؛ فضحك عبد الملك وقال: يا أهل الشام هؤلاء قومي وهذا كلامهم.
حكمــــــة
درر الحكم لأبي منصور الثعالبي
انقطع " عبد الملك " عن أصحابه، فانتهى إلى أعرابي فقال:
ما تقولُ في عبد الملك؟ قال: ظالمٌ جارٌ بارٌ، فقال: ويحك، أنا عبد الملك، فقال: لا حياك الله ولا بيَّاك، أكلتَ مال الله وضيعت حرنتهُ، فقال له: ويْحَكَ أنا اضُرُّ وأنْفعُ، قال: لا رزقني الله نفْعك ولا آمنني ضركَ ! فلما وصل إليه خيْلُهُ علم صدقهُ، فقال: يا أمير المؤمنين، أعزَّ الله بك الدين، أكتم على ما جرى؛ فالمجالسُ بالأمانة.
حكمــــــة
درر الحكم لأبي منصور الثعالبي
وصف " خالد بن صفوان " النخْلَ فقال: هُن الراسخات في الوحْل، المُطْعمات في الَمحْلِ، تخرج أسفْاطاً عظاماً، وأوساطاً كأنها مُلئتْ رياطاً، ثم تتَفرَّى عنه قضبان الُّجين منْطُومةً بالؤلؤ الزينِ، فيصيرُ ذهباً أحْمرَ منظْوماً بالزَّبرْجد الأخْضرِ، ثم يصيرُ عسلاً في لحاء مُعلقاً في الهواء.