2. من وصايا الآباء للأبناء
وصية عمير بن حبيب (رضي الله عنه) لبنيه
عن أبي جعفر الخَطْمي (رحمه الله) أن جده عمير بن حبيب - وكان بايع رسول الله - أوصى بنيه، فقال لهم:
أي بَنِيَّ! إياكم ومخالطةَ السفهاء؛ فإن مجالستهم داء، وإنه من يَحْلُمْ عن السفيه يُسَرَّ بحِلمه، ومن يُجِبْه يندم، ومَن لا يَقَرَّ بقليل ما يأتى به السفيه؛ يَقَرَّ بالكثير.
ومن يَصبر على ما يكره، يُدرك ما يحب. وإذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، فَلْيُوَطِّنْ نفسَه قبل ذلك على الأذى، وَلْيُوقِن بالثواب من الله (عز وجل)؛ فإنه مَن يُوقِنْ بالثواب من الله (عز وجل) لا يَجِدْ مَسَّ الأذى.
من وصايا الصحابي الجليل عبادة بن الصامت لبنيه
لما حضرت عبادة الوفاةُ، قال:
(أخرجوا فراشي إلى الصحن)، يعني: الدار،
ثم قال:
اجمعوا لي مواليَّ، وخدمي، وجيراني، ومن كان يدخل عليَّ، فجمعوا له، فقال:
إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي عليَّ من الدنيا، وأول ليلة من الآخرة، وإنه لا أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شيء، وهو - والذي نفس عبادة بيده - القصاص يوم القيامة، وأحرج على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتص مني قبل أن تخرج نفسي فقالوا: بل كنت والدًا، وكنت مؤدبًا.
فقال: أغفرتم لي ما كان من ذلك؟
قالوا: نعم.
فقال: اللهم اشهد.
ثم قال: أما الآن فاحفظوا وصيتي:
أُحَرِّج على كل إنسان منكم أن يبكي، فإذا خرجت نفسي فتوضئوا فأحسنوا الوضوء، ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجده فيصلي ركعتين، ثم يستغفر لعبادة ولنفسه، فإن الله (تعالى) قال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة:45].
ثم أسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تتبعوني بنار.
من وصايا الصحابي الجليل عبادة بن الصامت لبنيه
عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن أبيه قال: دخلت على أبي وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه ! أوصني، واجتهد لي.
فقال: (أجلسوني)، ثم قال:
يا بني! إنك لن تطعم طعم الإيمان، ولن تبلغ حقيقة العلم بالله (تبارك وتعالى) حتى تؤمن بالقدر خيره وشره.
قال: قلت: يا أبتاه! فكيف لي أن أعلم ما خير القدر، وما شره؟
قال: (تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك.
يا بني ! إني سمعت رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يقول: إن أول ما خلق الله (تبارك وتعالى) القلم، ثم قال: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة.
يا بني! إن مت ولست على ذلك دخلت النار.
من وصايا العباس بن عبد المطلب لابنه
لما حضرت عباسَ بنَ عبدِ المطلب الوفاةُ بعث إلى ابنه عبد الله، فقال له:
يا بني! إني موصيك بحب الله (عز وجل)، وحب طاعته، وخوف الله، وخوف معصيته.
فإنك إذا أحببت الله وطاعته؛ نفعك كل أحد. وإذا خفت الله ومعصيته لم تضر أحدًا. وإذا كنت كذلك لم تكره الموت متى أتاك.
وإني أستودعك الله يا بني
ثم استقبل القبلة، فقال: " لا إله إلا الله "، ثم شخص بصره فمات.
من وصايا العباس بن عبد المطلب لابنه
قال الصحابي الجليل العباس بن عبد المطلب (رضي الله عنه) عم رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) لابنه عبد الله:
يا بني! إني أرى أمير المؤمنين يعني: عمرَ بن َ الخطاب (رضي الله عنه) يدنيك، ويقربك، ويختصك، ويخلو بك، ويشاورك دون ناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاحفظ عني ثلاثًا:
- اتقِ الله ولا تفشين له سرًّا.
- ولا يجربن عليك كذبًا.
- ولا تغتابن عنده أحدًا.
من وصايا أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص لابنه
وسعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين، وخال الرسول الأمين، وقد كان (صلى الله عليه وسلم) يفتخر بخُؤُولته، ويقول: هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ.
قال سعد لابنه: يا بُنَيَّ! إياك والكبرَ. وليكن فيما تستعين به على تركه: علمك بالذي منه كنتَ، والذي إليه تصير.
وكيف الكبر مع النطفة التي منها خُلِقْتَ، والرحم التي منها قُذِفتَ، والغذاء الذي به غُذِيت.
وصية عليِّ بن أبي طالب ابنَه الحسن
يُروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أنه قال لابنه الحسن (رضي الله عنه):
يا بني! إن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل. ولا تكن عَبْدَ غيرِك وقد جعلك الله حرًّا؛ فإن اليسير من الله (سبحانه وتعالى) أكرم وأعظم من الكثير من غيره، وإن كان كلٌّ منه كثيرًا.
وصية عليِّ بن أبي طالب لابنه محمد
يابني سَلْ عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار.
واحمل لصديقك عليك، واقبل عذر مَن اعتذر إليك.
وأخر الشر ما استطعت، فإنك إن شئت تعجلته.
لا يكن أخوك على قطيعتك أقوى منك على صلته، وعلى الإساءة أقوى منك على الإحسان.
لا تُمَلِّكَنَّ المرأة من الأمر ما يجاوز نفسها؛ فإن المرأة ريحانة، وليست بِقَهْرَمَانة (مسيطرة)؛ فإن ذلك أدوم لحالها، وأرخى لبالها.
واغضض بصرها بسترك، واكففها بحجابك.
وأكرم الذين بهم تَصُول، وإذا تطاولتَ بهم تَطُول.
أسال الله (عز وجل) أن يُلْهمَك الشكر والرَّشَد، ويُقَوِّيك على العمل بكل خير، ويصرف عنك كل محذور برحمته.
وصية عليِّ بن أبي طالب لابنه محمد
اعلم يا بني! أن ما لك من دنياك إلا ما أصلحت به مثواك، فأنفق من خيرك، ولا تكن خازنًا لغيرك، وإن جزعت على ما يفلت من يديك، فاجزع على مالم يصل إليك.
ربما أخطأ البصير قصده، وأبصر الأعمى رشده.
ولم يهلك امرؤ اقتصد، ولم يفتقر مَن زهد.
من ائتمن الزمان خانه، ومن تعظم عليه أهانه.
رأس الدين اليقين، وتمام الإخلاصِ اجتناب المعاصي، وخير المقال ما صدقته الفعال.
وصية عليِّ بن أبي طالب لابنه محمد
يابني أذك قلبك بالأدب كما تذكى النار بالحطب.
واعلم أن كفر النعمة لؤم، وصحبة الأحمق شؤم، ومِن الكرم منع الحُرَم.
ومن حلم ساد، ومن تفهم ازداد.
امْحَض أخاك النصيحة (أخلص له النصيحة)، حسنةً كانت أو قبيحة.
لا تصرم أخاك على ارتياب، ولا تقطعه دون استعتاب، وليس جزاء من سرك أن تسوءه.
الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك.
وصية عليِّ بن أبي طالب لابنه محمد
يابني احفظ ما في الوعاء بشد الوِكَاء ؛ فحسن التدبير مع الاقتصاد أبقى لك من الكثير مع الفساد، والحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور.
والمرء أحفظ لسره، ولربما سعى فيما يضره.
وإياك والاتكالَ على الأماني؛ فإنها بضائع النوكى (الأحمق)، وتثبط عن الآخرة والأولى.
ومن خير حظ الدنيا القرين الصالح، فقارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تَبِنْ منهم. ولا يغلبن عليك سوء الظن؛ فإنه لن يدع بينك وبين خليل صُلْحًا.
وصية عليِّ بن أبي طالب لابنه محمد
يا بُنَيَّ إن كنت غيرَ قابلٍ نصيحتى إياك، فاعلم علمًا يقينًا أنك لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، وأنك في سبيل مَنْ كان قبلك.
فأكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب؛ فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضًا.
وإياك أن تُوجِفَ بك مطايا الطمع وتقول: متى ما أُخِّرتُ نَزَعْتُ؛ فإن هذا أهلك مَن هلك قبلك.
وأمسك عليك لسانك؛ فإن تلافيك ما فرط من صمتك أيسر عليك من إدراك ما فات من منطقك.
وصية عليِّ بن أبي طالب لابنه محمد
كتب أميرُ المؤمنين ورابعُ الخلفاء الراشدين، وأحدُ العشرةِ المُبَشَّرين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) إلى ابنه محمد ابن الحنفية:
(يا بُنَيَّ! تفقه في الدين، وعَوِّد نفسك الصبر على المكروه، وكِلْ نفسك في أمورك كلها إلى الله (عز وجل)، وأخلص المسألة لربك؛ فإن بيده العطاء والحرمان. وأكثر الاستخارة له. واعلم أن مَن كانت مطيتُه الليلَ والنهار؛ فإنه يُسار به وإن كان لا يسير؛ فإن الله (تعالى) قد أبى إلا خراب الدنيا وعمارة الآخرة، فإن قدرت أن تزهد فيها زهدك كله فافعل ذلك.
وصية عمرَ بنِ الخطاب لابنه
كتب عمرُ بنُ الخطابِ أميرُ المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين، وأحدُ العشرةِ المُبَشَّرين إلى ابنه عبد الله (رضي الله عنهما) فى غَيْبَةٍ غابها:
أما بعد: فإنه مَن اتقى الله وَقَاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن شكره زاده، ومن أقرضه جَزَاه. فاجعل التقوى جِلاءَ بصرك، وعِمَادَ ظهرك، فإنه لا عمل لمن لا نِيَّة له، ولا أَجْرَ لمن لا حسنة له، ولا خير لمن لا خشية له، ولا جديد لمن لا خَلَقَ له.
مِن وصايا لقمانَ الحكيمِ (رضي الله عنه) لابنه
قال له:
يا بني! جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ؛ فإن الله يُحْيي القلوب بنور الحكمة كما يُحيي الأرض المَيْتة بوابل السماء. ولا تجادلهم فيمقتوك. وخذ من الدنيا بلاغًا، ولا تدخل فيها دخولاً يضر بآخرتك، ولا ترفضها فتصير عيالاً على الناس. وصم صومًا يقطع شهوتك، ولا تصم صومًا يمنعك عن الصلاة؛ فإن الصلاة أحب إلى الله من الصيام.
مِن وصايا لقمانَ الحكيمِ (رضي الله عنه) لابنه
قال له:
يا بني إذا رأيت قومًا لا يذكرون الله فلا تجلس معهم؛ فإن تك عالمًا لا ينفعك علمك، وإن تك جاهلاً يزيدوك جهلاً – أو قال: غيًّا -، ولعل الله تعالى أن يطلع عليهم بسخطة فيصيبك بها معهم.
يا بني! لا يغيظنك امرؤ رحب الذراعين يسفك دماء المؤمنين؛ فإن له عند الله (عز وجل) قاتلاً لا يموت.
مِن وصايا لقمانَ الحكيمِ (رضي الله عنه) لابنه
قال له:
يا بني! لا تتعلم العلم لتباهي به العلماء، وتباري به السفهاء، وتماري به في المجالس. ولا تترك العلم زهادة فيه ورغبة في الجهالة.
وإذا رأيت قومًا يذكرون الله فاجلس معهم؛ فإن تك عالمًا ينفعك علمك، وإن تك جاهلاً يعلموك، ولعل الله تعالى أن يطلع إليهم برحمة فيصيبك بها معهم.