الزواجر عن اقتراف الكبائر - 6
أنواع الكبر
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
قد ينتهي الحمق والغباوة ببعض العباد إلى أنه إذا أوذي يتوعد مؤذيه ويقول: سترون ما يحل به، وإذا نكب مؤذيه يعد ذلك من كراماته لعظم قدر نفسه عنده واستيلاء الجهل عليه لجمعه بين العجب والكبر والاغترار بالله تعالى. وقد قتل جماعة الأنبياء وماتوا من غير أن يعاجلوا بعقاب في الدنيا فما مرتبة هذا الجاهل؟
أنواع الكبر
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
جعل صلى الله عليه وسلم من علامة الكبر بطر الحق أي رده، وغمط الناس: أي احتقارهم وازدراؤهم ؛ ثم الحامل على التكبر هو اعتقاد كمال تميزه على الغير بعلم أو عمل أو نسب أو مال أو جمال أو جاه أو قوة أو كثرة أتباع، فالتكبر أسرع إلى العلماء الذين لم يمنحوا نور التوفيق منه إلى غيرهم، لأن الواحد منهم يرى غيره بالنسبة إليه كالبهيمة فيقصر في حقوقه التي طلبها الشارع منه كالسلام والعيادة والبشر.
أنواع الكبر
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
الكبر على العباد بأن يستعظم نفسه ويحتقر غيره ويزدريه فيأبى على الانقياد له أو يترفع عليه ويأنف من مساواته، وهذا، وإن كان دون الأولين إلا أنه عظيم إثمه أيضا لأن الكبرياء والعظمة إنما يليقان بالملك القادر القوي المتين دون العبد العاجز الضعيف، فتكبره فيه منازعة لله في صفة لا تليق إلا بجلاله.
الْكَبِيرَةُ الرَّابِعَةُ : الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ وَالْخُيَلَاءُ
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
قال الله تعالى: { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } { واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد } { كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار } { إنه لا يحب المستكبرين } { إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } أي صاغرين.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
الحسد من أمراض القلوب العظيمة، وأمراض القلوب لا تداوى إلا بالعلم، فالعلم النافع لمرض الحسد أن تعرف أنه يضر دينا ودنيا ولا يضر المحسود لا دينا ولا دنيا، إذ لا تزول نعمة بحسد قط، وإلا لم يبق لله نعمة على أحد حتى الإيمان لأن الكفار يحبون زواله عن أهله، بل المحسود منتفع بحسدك دينا لأنه مظلوم من جهتك سيما إن أبرزت حسدك إلى الخارج بالغيبة وهتك الستر وغيرهما من أنواع الإيذاء، فهذه هدايا تهدي إليه حسناتك بسببها حتى تلقى الله يوم القيامة مفلسا محروما من النعم كما حرمت منها في الدنيا.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
وصف الله تعالى الصحابة - رضوان الله عليهم - بالشدة والحمية فقال تعالى: { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } { أشداء على الكفار رحماء بينهم } { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } وثمرة التفريط في ذلك قلة الأنفة مما يؤنف منه من التعرض للحرم كالأخت والزوجة، واحتمال الذل من الأخساء، وصغر النفس، وهذه كلها قبائح ومذام ولو لم يكن من ثمراتها إلا قلة الغيرة وخنوثة الطبع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: { أتعجبون من غيرة سعد أنا أغير منه، والله أغير مني ومن غيرته أن حرم الفواحش }.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
كان بعض الصلحاء يجلس بجانب ملك ينصحه ويقول له: أحسن إلى المحسن بإحسانه فإن المسيء ستكفيه إساءته، فحسده على قربه من الملك بعض الجهلة وأعمل الحيلة على قتله، فسعى به للملك فقال له: إنه يزعم أنك أبخر، وأمارة ذلك أنك إذا قربت منه يضع يده على أنفه لئلا يشم رائحة البخر، فقال: له انصرف حتى أنظر، فخرج فدعا الرجل لمنزله وأطعمه ثوما فخرج الرجل من عنده وجاء للملك وقال له مثل قوله السابق: أحسن للمحسن كعادته، فقال له الملك: ادن مني فدنا منه فوضع يده على أنفه مخافة أن يشم الملك منه رائحة الثوم، فقال الملك في نفسه: ما أرى فلانا إلا قد صدق، وكان الملك لا يكتب بخطه إلا بجائزة أو صلة فكتب له بخطه لبعض عماله: إذا أتاك صاحب كتابي هذا فاذبحه واسلخه واحش جلده تبنا وابعث به إلي فأخذ الكتاب وخرج فلقيه الذي سعى به فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: خط الملك لي بصلة، فقال: هبه مني فقال: هو لك فأخذه ومضى إلى العامل فقال العامل في كتابك أن أذبحك وأسلخك: فقال: إن الكتاب ليس هو لي، الله الله في أمري حتى أراجع الملك، قال: ليس لكتاب الملك مراجعة، فذبحه وسلخه وحشا جلده تبنا وبعث به، ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته وقال مثل، قوله، فعجب الملك وقال: ما فعل الكتاب؟ فقال: لقيني فلان فاستوهبه مني فدفعته له، فقال الملك: إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر، قال: ما قلت ذلك، قال: فلم وضعت يدك على أنفك وفيك؟ قال: أطعمني ثوما فكرهت أن تشمه، قال: صدقت ارجع إلى مكانك فقد كفى المسيء إساءته.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
وعظ بعض الأئمة بعض الأمراء فقال: إياك والكبر فإنه أول ذنب عصي الله تعالى به، ثم قرأ: {، وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } الآية، وإياك والحرص فإنه أخرج آدم من الجنة أسكنه الله جنة عرضها السموات والأرض يأكل فيها إلا شجرة واحدة نهاه عنها فمن حرصه أكل منها فأخرجه الله من الجنة، ثم قرأ: { قال اهبطا منها جميعا } الآية، وإياك والحسد فإنه الذي حمل ابن آدم على أن قتل أخاه حين حسده ثم قرأ: { واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين }.
حكمــــــة
الزواجر عن اقتراف الكبائر - ابن حجر الهيتمي
روي أن موسى صلى الله وسلم على نبينا وعليه لما تعجل إلى ربه - عز وجل - رأى في ظل العرش رجلا فغبطه بمكانه، وقال: إن هذا لكريم على ربه فسأل ربه عز وجل أن يخبره باسمه، فلم يخبره باسمه وقال: أحدثك من عمله بثلاث: كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، وكان لا يعق والديه، وكان لا يمشي بالنميمة.