الزواجر عن اقتراف الكبائر - 5
حكمــــــة
عن وهب بن منبه رضي الله عنه: أن راهبا في صومعته أراد الشيطان أن يضله فعجز عنه فناداه ليفتح له فسكت، فقال: إن ذهبت ندمت فسكت، فقال: أنا المسيح، فأجابه وقال: إن كنت المسيح فما أصنع بك؟ ألست قد أمرتنا بالعبادة والاجتهاد ووعدتنا القيامة، فلو جئتنا اليوم بغير ذلك لم نقبله منك، فأخبر أنه الشيطان جاء ليضله فلم يستطع، ثم قال: له سلني عما شئت أخبرك، قال: ما أريد أن أسألك عن شيء فولى الشيطان مدبرا، فقال له الراهب: ألا تسمع قال: بلى. قال: أخبرني أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم؟ قال: الحدة إن الرجل إذا كان حديدا قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة.
حكمــــــة
قال الله تعالى: { إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها } ذم الكفار بما تظاهروا به من الحمية الصادرة عن الغضب بالباطل، ومدح المؤمنين بما أنزل الله عليهم من السكينة والطمأنينة الناشئ عنها إلزامهم كلمة التقوى وأنهم هم أهلها وأحق بها.
حكمــــــة
لو لم يكن في الرياء إلا إحباط عبادة واحدة لكفى في شؤمه وضرره، فقد يحتاج الإنسان في الآخرة إلى عبادة ترجح بها كفة حسناته، وإلا ذهب به إلى النار، ومن طلب رضا الخلق في سخط الله تعالى سخط عليه وأسخطهم عليه أيضا على أن رضاهم غاية لا تدرك وما أرضى قوما إلا أغضب آخرين، ثم أي غرض له في مدحهم وإيثاره على ذم الله وغضبه مع أن مدحهم لا يفيده نفعا ولا يدفع عنه ضرا.
حكمــــــة
ينادى على رءوس الخلائق يوم القيامة ويقال للمرائي: يا فاجر، يا غادر، يا مرائي أما استحييت إذا اشتريت بطاعة الله تعالى عرض الحياة الدنيا، راقبت قلوب العباد واستهزأت بنظر الله تعالى وطاعته، وتحببت إلى العباد بالتبغيض إلى الله - تعالى -، وتزينت لهم بالشين عند الله تعالى، وتقربت إليهم بالبعد من الله تعالى.
حكمــــــة
الرياء في أمور ثلاثة: الولايات وهي أعظمها آفة فليتركها الضعفاء رأسا، والصلوات ونحوها فلا ينبغي أن يتركها الضعفاء ولا الأقوياء، ولكن يجاهدون في دفع شوائب الرياء عنها، والتصدي للعلوم، وهي مرتبة وسطى بين تينك المرتبتين لكنها بالولايات أشبه، وإلى الآفات أقرب فالحذر منها في حق الضعيف أسلم. وبقيت مرتبة رابعة وهي جمع المال، وإنفاقه، فمن العلماء من فضله على الاشتغال بالذكر والنوافل، ومنهم من عكس ؛ والحق أن فيه آفات عظيمة كطلب الثناء، واستجلاب القلوب وتميز النفس بالإعطاء.
حكمــــــة
استأذن رجل عمر رضي الله عنه أن يعظ الناس إذا فرغ من صلاة الصبح فمنعه، فقال: تمنعني من نصح الناس؟ فقال: أخشى أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا، فينبغي أن لا يغتر الإنسان بما جاء في فضائل التذكير بالله والعلم لأن خطره عظيم، ولسنا نأمر أحدا بتركه إذ ليس فيه نفسه آفة إنما الآفة في إظهاره بالتصدي له وعظا، وإقراء وإفتاء ورواية.
حكمــــــة
كثيرين ربما يتركون الطاعات خوف الرياء، وليس ذلك بمحمود مطلقا، فإن الأعمال إما لازمة للبدن لا تتعلق بالغير ولا لذة في عينها كالصلاة والصوم والحج، فإن كان باعث الابتداء فيها رؤية الناس وحدها فهذا محض معصية فيجب تركه ولا رخصة فيها على هذه الكيفية، وإن كان الباعث نية التقرب إلى الله تعالى ؛ لكن عرض الرياء عند عقدها شرع فيها وجاهد نفسه في دفع ذلك العارض، وكذا لو عرض في أثنائها فيرد نفسه للإخلاص قهرا حتى يتمها فإن الشيطان يدعوك أولا إلى الترك، فإذا عصيته وعزمت وشرعت دعاك للرياء، فإذا أعرضت عنه وجاهدته إلى أن فرغت ندمك حينئذ، وقال: لك أنت مراء، ولا ينفعك الله بهذا العمل شيئا حتى تترك العود إلى مثل ذلك العمل فيحصل غرضه منك فكن منه على حذر فإنه لا أمكر منه.
حكمــــــة
في كتم العمل فائدة الإخلاص والنجاة من الرياء وفي إظهاره فائدة الاقتداء وترغيب الناس في الخير ولكن فيه آفة الرياء، وقد أثنى الله على القسمين فقال - عز قائلا -: { إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } لكنه مدح الإسرار لسلامته من تلك الآفة العظيمة التي قل من يسلم منها.
حكمــــــة
ليس كل شوب من الرياء مفسدا للعمل ومحبطا له، بل السرور إما محمود بأن يشهد أن الله أطلعهم عليه إظهارا لجميل أحواله ولطفه به، فإنه في نفسه يستر طاعته ومعصيته، ثم الله تعالى يستر معصيته ويظهر طاعته ولا لطف أعظم من ستر القبيح، وإظهار الجميل فيكون فرحه بجميل نظر الله ولطفه به لا بحمد الناس وقيام المنزلة في قلوبهم: { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا }.
حكمــــــة
المخلصون علموا شدة حاجتهم وفاقتهم في القيامة وأن لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ولا يجزي والد عن ولده ولا مولود عن والده، ويشتغل الصديقون بأنفسهم، فيقول كل واحد منهم: نفسي نفسي، فضلا عن غيرهم، وكل من وجد في نفسه فرقا بين اطلاع الصغار والمجانين واطلاع غيرهم على عباداته فعنده شوب من الرياء. إذ لو علم أن الله هو النافع الضار القادر على كل شيء وغيره هو العاجز عن كل شيء لاستوى عنده الصغار وغيرهم، ولم تتأثر نفسه بحضور كبيرهم ولا صغيرهم