10. حياة السلف بين القول والعمل
حكمــــــة
الاحتساب: قيل لداود الطائي رحمه الله: لو تنحيت من الظلّ إلى الشمس، فقال: هذه خُطًا لا أدري كيف تكتب؟ (قال ابن رجب رحمه الله: فهؤلاء القوم لما صلحت قلوبهم، فلم يبق فيها إرادة لغير الله صلحت جوارحهم فلم تتحرك إلا لله عزّ وجلّ وبما فيه مرضاته، والله أعلم. جامع العلوم والحكم / 100، 101) [جامع العلوم والحكم / 100-101].
حكمــــــة
رفعة الله للمؤمنين والصالحين: قال مالك بن دينار رحمه الله: بلغني أنه يدعى يوم القيامة بالمذكر الصادق، فيوضع على رأسه تاج الملك، ثم يؤمر به إلى الجنة. فيقول: إلهي إن في مقام القيامة أقوامًا قد كانوا يعينوني في الدنيا على ما كنت عليه. قال: فيفعل بهم مثل ما فعل به، ثم ينطلق يقودهم إلى الجنة لكرامته على الله تعالى. [الحلية (تهذيبه) 1 / 428].
حكمــــــة
رفعة الله للمؤمنين والصالحين: قال أشعث بن شُعبة: قدم هارون الرشيد الرّقة فانْجَفَل الناس خلف عبد الله بن المبارك رحمه الله وتقطَّعت النِّعال وارْتَفَعَتْ الغبرة، وأشرفت أم ولد أمير المؤمنين من برجٍ من قصر الخشب، فلما رأت الناس قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدِم الرّقة يقال له: عبد الله بن المبارك. فقالت: هذا والله الملْك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَطٍ وأعوان. [السير (تهذيبه) 2/766].
حكمــــــة
رفعة الله للمؤمنين والصالحين: عن العُتبيّ، عن أبيه، قال: دخل سالم بن عبد الله رحمه الله على سُليمان بن عبد الملك، وعلى سالم ثيابٌ غليظة رثَّة فلم يزل سليمان يُرحِّب به، ويرفعُه حتى أقعده معه على سريره، وعمر بن عبد العزيز في المجلس، فقال له رجل من أُخريات الناس: ما استطاع خالُكَ أن يلبَسَ ثيابًا فاخرةً أحسنَ مِن هذه، يدخل فيها على أمير المؤمنين؟ قال: وعلى المتكلم يثاب سريَّة، لها قيمة، فقال له عُمر: ما رأيتُ هذه الثيابَ التي على خالي وضَعَتهُ في مكانك، ولا رأيتُ ثيابَك هذه رفعتك إلى مكان خالي ذاك. [السير (تهذيبه) 2/532].
حكمــــــة
حفظ الله للصالحين وذكر بعض كراماتهم: عن سلمان الفارسي رضى اله عنه قال: إنما مثل المؤمن في الدنيا كمثل المريض معه طبيبه الذي يعلم داءه ودواءه، فإذا اشتهى ما يضره منعه وقال لا تقربه، فإنك إن أتيته أهلكك، فلا يزال يمنعه حتى يبرأ من وجعه، وكذلك المؤمن يشتهي أشياء كثيرة مما قد فضل به غيره من العيش، فيمنعه الله - عزَّ وجلَّ - إياه، ويحجزه حتى يتوفاه، فيدخله الجنة. [صفة الصفوة 1/258].
حكمــــــة
حفظ الله للصالحين وذكر بعض كراماتهم: عن سفينة رضى الله عنه ـ مهران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ: أنه ركب سفينة في البحر، فانكسرت بهم، قال: فتعلقت بشيء منها حتى خرجت إلى جزيرة، فإذا فيها الأسد، فقلت: أبا الحارث: أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطأطأ رأسه وجعل يدفعني بجنبيه، يدلني على الطريق فلما خرجت إلى الطريق همهم فظننت أنه يودعني. [المنتظم 5 / 141].
حكمــــــة
حفظ الله للصالحين وذكر بعض كراماتهم: قال ابن مسعود رضى الله عنه: إن العبد ليهمّ بالأمر من التجارة والإمارة حتى ييسِّر له، فينظر الله إليه فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإني إن يسّرته له أدخلته النار فيصرفه الله عنه، فيظلُ يتطير، يقول: سبقني فلان، دهاني فلان، وما هو إلا فضل الله عزَّ وجل. [الجامع المنتخب / 140].
حكمــــــة
حفظ الله للصالحين وذكر بعض كراماتهم: عن محمد بن نصر رحمه الله قال: خرجت من مصر، ومعي جارية لي فركبت البحر أريد مكة فغرقت وذهبت مني ألفا جزء، وصرت إلى جزيرة أنا وجاريتي، قال: فما رأينا فيها أحدًا، قال: وأخذني العطش فلم أقدر على الماء وأجهدت فوضعت رأسي على فخذ جاريتي مستسلمًا للموت، فإذا رجل قد جاءني ومعه كوز، فقال لي: هاه، فأخذت وشربت وسقيت الجارية ثم مضى، فما أدري من أين جاء ولا أين ذهب. [المنتظم 13 / 55].
حكمــــــة
حفظ الله للصالحين وذكر بعض كراماتهم: قال ابن كثير رحمه الله: كان أبو نصر المروزي إمامًا في القراءات، وله فيها المصنفات، وسافر في ذلك كثيرا، واتفق له أنه غرق في البحر في بعض أسفاره، فبينما الموج يرفعه ويضعه إذ نظر إلى الشمس قد زالت فنوى الوضوء، وانغمس في الماء ثم صعد فإذا خشبة فركبها وصلى عليها ورزقه الله السلامة ببركة الصلاة، وعاش بعد ذلك دهراً. [البداية والنهاية 12/213].
حكمــــــة
الفرج بعد الشدة: عن سفيان قال: أُتي زياد برجل فأمر به ليقتل، فلما أحس الرجل بالموت قال: ائذنوا لي أتوضأ وأصلي ركعتين فأموت على توبة، لعلي أنجو من عذاب الله، فقال زياد: دعوه فليتوضأ وليصل ما بدا له، قال: فتوضأ وصلى كأحسن ما يكون، فلما قضى صلاته أُتي به ليُقتل، فقال له زياد: هل استقبلت التوبة؟ قال: أي والذي لا إله غيره، فخلى سبيله. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/374].
حكمــــــة
التخفي وكتمان الأعمال الصالحة: * عن بريدة بن الحصين رضى الله عنه قال: شهدتُ خيبر، وكنتُ فيمن صعد الثُّلمة، فقاتلتُ حتى رُئي مكاني، وعليَّ ثوبٌ أحمر، فما أعلم أني ركبتُ في الإسلام ذنبًا أعظمَ عليَّ منه- أي الشهرة. قلت: بلى، جُهَّال زماننا يعدُّون اليومَ مثلَ هذا الفعل من أعظم الجهاد، وبكلِّ حالٍ فالأعمالُ بالنيّات، ولعل بريدةَ رضى الله عنه بازدرائه على نفسه، يصيرُ له عملُه طاعةً وجهادًا! وكذلك يقعُ في العمل الصالح، رُبَّما افتخر به الغِرُّ ونَوَّهَ به، فيتحولُ إلى ديوان الرياء. قال الله تعالى: " وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا " [الفرقان:23]. [السير (تهذيبه) 1/291].
حكمــــــة
التخفي وكتمان الأعمال الصالحة: عن ابن محيريز قال: صحبت فضالة بن عبيد رضى الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أوصني رحمك الله، قال: أحفظ عني ثلاث خصال، ينفعك الله بهن؛ إن استطعت أن تعرف ولا تعرف فافعل، وإن استطعت أن تسمع ولا تتكلم فافعل، وإن استطعت أن تجلس ولا يجلس إليك فافعل. [الحلية (تهذيبه) 2 / 168].
حكمــــــة
التخفي وكتمان الأعمال الصالحة: قال أيوب السختياني رحمه الله: ما صدق عبدٌ قطُّ، فأحب الشهرة. [السير (تهذيبه) 2/626]. عن إبراهيم بن أدهم رحمه الله قال: ما صدق الله عبدٌ أحبَّ الشُّهرة. قال الذهبي رحمه الله: علامةُ المخلص الذي قد يحبُّ شهرةً، ولا يشعُرُ بها، أنه إذا عُوتِبَ في ذلك، لا يحرَدُ ولا يُبرِّئ نفسه. بل يعترِفُ، ويقول: رَحِمَ اللهُ مَنْ أهدى إليَّ عيوبي، ولا يكن معجبًا بنفسه، لا يشعرُ بعيوبها، بل لا يشعر أنه لا يشعر، فإن هذا داءٌ مُزمِن. [السير (تهذيبه) 2/708].
حكمــــــة
التخفي وكتمان الأعمال الصالحة: قال عبدة بن سليمان المروزي: كنا سريَّةً مع ابن المبارك رحمه الله في بلاد الروم، فصادفنا العدوّ، فلما التقى الصفَّان، خرج رجل من العدو، فدعا إلى البِراز، فخرج إليه رجل فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله، ثم دعا إلى البراز، فخرج إليه رجل، فطارده ساعةً فطعنَه فقتله فازدحم إليه الناسُ، فنظرتُ فإذا هو عبد الله بن المبارك، وإذا هو يكتُم وجهه بكُمِّه، فأخذت بطرف كمه فمددتُه، فإذا هو هو فقال: وأنتَ يا أبا عمرو ممن يُشَنِّع علينا. [السير (تهذيبه) 2 / 767].
حكمــــــة
التخفي وكتمان الأعمال الصالحة: قال الحسنُ بنُ الربيع: قُرِيءَ كتابُ الخليفةِ إلى ابن إدريس رحمه الله، وأنا حاضر: من عبدِ الله هارون أمير المؤمنين إلى عبد الله بن إدريس، قال: فشهق ابن ادريس شهقة، وسقط بعد الظهر فقمنا إلى العصر وهو على حاله، وانتبه قُبَيل المغرب، وقد صَبَبْنَا عليه الماءَ ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، صار يَعْرِفني حتى يكتبَ إليَّ! أيُّ ذنب بَلَغ بي هذا؟!. [السير (تهذيبه) 2 / 796].
حكمــــــة
التخفي وكتمان الأعمال الصالحة: عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، ونحن ستة نفر نعتقب، قال: ونقبت أقدامنا، ونقبت قدماي وتساقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق. فسميت غزوة ذات الرقاع، لما كنا نعصب على أرجلنا الخرق، قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث ثم ذكر ذلك فقال: ما كنت أصنع أن أذكر هذا الحديث، - كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه - وقال: الله يجزي به. [الحلية (تهذيبه) 1 / 200].
حكمــــــة
التخفي وكتمان الأعمال الصالحة: قال أبو سليمان المكتب: صحبت كرزًا رحمه الله إلى مكة، فكان إذا نزل أخرج ثيابه فألقاها في الرحل، ثم تنحى للصلاة، فإذا سمع رغاء الإبل أقبل، فاحتبس يومًا عن الوقت، فانبث أصحابه في طلبه، فكنت فيمن طلبه، قال: فأصبته في وهدة يصلي في ساعة حارة، وإذا سحابة تظله، فلما رآني أقبل نحوي فقال: يا أبا سليمان لي إليك حاجة، قال: قلت: وما حاجتك يا أبا عبد الله؟ قال: أحب أن تكتم ما رأيت، قال: قلت: ذلك لك يا أبا عبد الله، فقال: أوثق لي، فحلفت ألا أخبر به أحدًا حتى يموت. [الحلية (تهذيبه) 2 / 147].
حكمــــــة
التخفي وكتمان الأعمال الصالحة: عن أبي حازم رحمه الله قال: اكتُم حسناتِك، كما تكتم سيئاتِك. (قال ابن القيم رحمه الله: إظهار الحال للناس عند الصادقين: حمق وعجز، وهو من حظوظ النفس والشيطان. وأهل الصدق والعزم لها أستر وأكتم من أرباب الكنوز من الأموال لأموالهم. ا.هـ بتصرف. مدارج السالكين 3/290) [السير (تهذيبه) 2/637].
حكمــــــة
التخفي وكتمان الأعمال الصالحة: كان لحسان بن أبي سنان رحمه الله في حانوته سترٌ، فكان يخرج سلة الحساب وينشر حسابه، ويُصعد غلامًا على الباب، ويقول: إذا رأيت رجلاً قد أقبل، ترى أنه يريدني فأخبرني. ثم يقوم فيصلي، فإذا جاء رجلٌ أخبره الغلام، فيجلس كأنه على الحساب. [موسوعة ابن أبي الدنيا 1/180].
حكمــــــة
حال بعض السلف الذين يرون إظهار الأعمال الصالحة: عن نصر بن علي قال: كان عبد الله بن غالب رحمه الله إذا أصبح يقول: لقد رزقني الله البارحة خيرًا؛ قرأت كذا، وصليت كذا، وذكرت كذا، وفعلت كذا. فيقال له: يا أبا فراس: إن مثلك لا يقول مثل هذا ! فيقول إن الله تعالى يقول: " وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ " [الضحى: 11] وأنتم تقولون: لا تحدث بنعمة. [الحلية (تهذيبه) 1 / 384].
حكمــــــة
برّ الوالدين وصلة الرحم: قال المأمون: لم أر أحدًا أبرَّ من الفضل بن يحيى رحمه الله بأبيه، بلغ من برّه به أن يحيى كان لا يتوضأ إلا بماء مسخَّن وهما في السجن، فمنعهما السجّان من إدخال الحطب في ليلة باردة، فقام الفضل حين أخذ يحيى مَضْجَعه إلى قُمْقُم كان يُسَخّن فيه الماءُ، فملأه ثم أدناه من نار المصباح، فلم يزل قائمًا وهو في يده حتى أصبح. [عيون الأخبار 3 / 102].
حكمــــــة
برّ الوالدين وصلة الرحم: قال أبو إسحاق الفزاري لعبد الله بن المبارك رحمهما الله: يا أبا عبد الرحمن كان رجل من أصحابنا جَمع من العلم أكثر مما جمعتَ وجمعتُ، فاحتُضر فشهَّدُّته، فقلت له: قل: لا إله إلا الله، فيقول: لا أستطيع أن أقولها!، ثم تكلم فيتكلم، قال ذلك مرتين، فلم يزل على ذلك حتى مات!، قال: فسألت عنه فقيل: كان عاقا بوالديه، فظننت أنه حُرم كلمةَ الإخلاص لعقوقه بوالديه. [موسوعة ابن أبي الدنيا 5/360].
حكمــــــة
برّ الوالدين وصلة الرحم: عن غسان بن المفضل حدثني رجل من قريش قال: كان عمرو بن عبيد يأتي كهمسًا رحمه الله يسلم عليه، ويجلس عنده هو وأصحابه، فقالت له أمه: إني أرى هذا وأصحابه وأكرههم وما يعجبوني فلا تجالسهم، قال: فجاء إليه عمرو وأصحابه فأشرف عليهم فقال: إن أمي قد كرهتك وأصحابك فلا تأتوني. [الحلية (تهذيبه) 2 / 319].
حكمــــــة
برّ الوالدين وصلة الرحم: قال جعفر الخُلْدي: كان الأَبّار رحمه الله من أزهد الناس، استأذن أُمَّه في الرحلة إلى قُتَيْبَة، فلم تأذن له، ثم ماتت، فخرج إلى خراسان، ثم وصل إلى بلخ وقد مات قُتَيْبَة، فكانوا يُعزُّونه على هذا، فقال: هذا ثمرةُ العلم، إني اخترتُ رضى الوالدة. [السير (تهذيبه) 2/1101].
حكمــــــة
حال السلف مع الفتن والمحن: عن سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه قال: كنا قومًا يصيبنا ظلف العيش بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدته، فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك، ومرنا عليه وصبرنا له، ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، خرجت من الليل أبول وإذا أنا أسمع بقعقعة شيء تحت بولي؛ فإذا قطعة جلد بعير فأخذتها فغسلتها، ثم أحرقتها فوضعتها بين حجرين ثم استفها، وشربت عليها من الماء فقويت عليها ثلاثًا. [الحلية (تهذيبه) 1 / 94].
حكمــــــة
حال السلف مع الفتن والمحن: عن سعيد بن وهب قال: دخلت مع سلمان الفارسي رضى الله عنه قال على صديق له من كندة نعوده، فقال له سلمان: إن الله - عزَّ وجلَّ - يبتلي عبده المؤمن بالبلاء، ثم يعافيه فيكون كفارةً لما مضى، فَيستعتِب فيما بقي، وإن الله - عزَّ وجلَّ - يبتلي عبده الفاجر بالبلاء، ثم يعافيه فيكون كالبعير عَقَله أهله، ثم أطلقوه فلا يدري فيم عقلوه، ولا فيم أطلقوه حين أطلقوه؟. [صفة الصفوة 1/260].