1. حياة السلف بين القول والعمل
آداب العالم
((بداية الهداية)) (ص: 64).
قال الغَزاليُّ: (وإن كنتَ عالِمًا، فآدابُ العالِمِ: الاحتمالُ، ولزومُ الحِلمِ، والجُلوسُ بالهيبةِ على سمتِ الوَقارِ مع إطراقِ الرَّأسِ، وتركُ التَّكبُّرِ على جميعِ العِبادِ إلَّا على الظَّلَمةِ؛ زَجرًا لهم عن الظُّلمِ، وإيثارًا للتَّواضُعِ في المحافِلِ والمجالِسِ، وتَركُ الهَزلِ والدُّعابةِ، والرِّفقُ بالمتعَلِّمِ، والتَّأنِّي بالمتعَجرِفِ، وإصلاحُ البليدِ بحُسنِ الإرشادِ، وتَركُ الأنَفةِ من قولِ: لا أدري، وصَرفُ الهِمَّةِ إلى السَّائِلِ وتفهُّمُ سؤالِه، وقَبولُ الحُجَّةِ، والانقيادُ للحَقِّ، وزَجرُ المتعَلِّمِ عن أن يريدَ بالعِلمِ النَّافِعِ غيرَ وَجهِ اللهِ تعالى، وصَدُّه عن أن يشتَغِلَ بفَرضِ الكفايةِ قَبلَ الفَراغِ من فَرضِ العَينِ، وفَرضُ عينِه إصلاحُ ظاهِرِه وباطِنِه بالتَّقوى)
حكمــــــة
ذم الهوى وفضل من خالفه: كان أبو سليمان الداراني رحمه الله يقول: كنت بالعراق، أمرُّ على تلك القصور والمراكب والملابس والمطاعم التي للملوك فلا تلتفت نفسي إلى شيء من ذلك، وأمرُّ على التمر، فتكاد نفسي تقع عليه. فذُكر ذلك لبعض العارفين فقال: تلك الشهوات آيسَ نفسَه منها فأيسَتْ، والتمرة أطمعها فيه فطمعت [الجامع المنتخب /197].
حكمــــــة
ذم الهوى وفضل من خالفه: قال الشيخ عبد الله الأرمني رحمه الله: اجتزت مرة في سياحتي براهب في صومعة، فقال لي: يا مسلم ما أقرب الطرق عندكم إلى الله - عزَّ وجلَّ - قلت: مخالفة النفس، قال: فردَّ رأسه إلى صومعته، فلما كنت بمكة زمن الحج إذا رجل يسلم علي عند الكعبة، فقلت: من أنت، فقال: أنا الراهب، قلت بم وصلت إلى هاهنا، قال: بالذي قلت. وفي رواية: عرضت الإسلام على نفسي فأبت فعلمت أنه حق فأسلمت، وخالفتها. فأفلح وأنجح. [البداية والنهاية 13/222].
حكمــــــة
ذم الهوى وفضل من خالفه: عن الفيض بن إسحاق قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ليس في الأرض شيء أشد من ترك شهوة. ثم حدثنا، عن حصين، عن بكر بن عبد الله رحمه الله قال: الرجل عبد بطنه، عبد شهوته، عبد زوجته، لا بقليل يقنع، ولا من كثير يشبع، يجمع لمن لا يحمده، ويقدم على من لا يقدره. [الحلية (تهذيبه) 3/17].
حكمــــــة
ذم المراء والجدال بوجه عام: عن سلم بن قتيبة، قال: مر بي بشير بن عبد الله بن أبي بكرة رحمه الله فقال: ما يجلسك؟ قلت: خصومة بيني وبين ابن عم لي ادَّعى شيئا في داري. قال: فإن لأبيك عندي يدا، وإني أريد أن أجزيك بها، وإني والله ما رأيت من شيء أذهب لدينٍ، ولا أنقص لمروءةٍ، ولا أضيع للذَّةٍ، ولا أشغل لقلبٍ من خصومة، قال: فقمت لأرجع. فقال خصمي: ما لك؟ قلت: لا أخاصمك. قال: عرفت أنه حقي. قلت: لا، ولكني أكرم نفسي عن هذا، وسأبقيك بحاجتك. قال: فإني لا أطلب منك شيئا، هو لك. [موسوعة ابن أبي الدنيا 4 / 325].
حكمــــــة
ذم المراء والجدال في الدين: عن سليمان بن يسار، قال: إن رجلاً من بني تميم يقال له: صُبيغ بن عِسْل، قدم المدينة، وكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر رضى الله عنه فبعث إليه، وقد أعد له عراجين النخل، فلما دخل عليه جلس، فقال له عمر رضى الله عنه: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله صبيغ، فقال عمر رضى الله عنه: وأنا عبد الله عمر، ثم أهوى إليه، فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال يضربه حتى شجه، فجعل الدم يسيل على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي. [الشريعة / 81].
حكمــــــة
ذم المراء والجدال في الدين: عن الزبير بن عربي أن رجلاً سأل ابن عمر - رضي الله عنهما - عن استلام الحجر، فقال له: رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله، فقال له الرجل: أرأيت إن غلبت عنه؟ أرأيت إن زوحمت؟ فقال له ابن عمر: اجعل أرأيت باليمن، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله. [خرجه الترمذي وصححه:871] قال ابن رجب رحمه الله: ومراد ابن عمر أنه لا يكن لك هم إلا في الاقتداء بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا حاجة إلى فرض العجز عن ذلك أو تعسره قبل وقوعه، فإنه قد يفتر العزم عن التصميم على المتابعة، فإن التفقه في الدين، والسؤال عن العلم إنما يحمد إذا كان للعمل لا للمراء والجدال. جامع العلوم والحكم / 121.
حكمــــــة
ذم المراء والجدال في الدين: قال الحسن البصري رحمه الله: المؤمن لا يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله - عزَّ وجلَّ - فإن قبلت حمد الله - عزَّ وجلَّ - وإن رُدت حمد الله - عزَّ وجلَّ - وعلا. [الشريعة / 79]. قال البربهاري رحمه الله: واعلم ـ رحمك الله ـ أَنَّهُ ما كانت زندقة قط، ولا كفر، ولا شرك، ولا بدعة، ولا ضلالة، ولا حيرة في الدين: إلاَّ من الكلام، وأصحاب الكلام، والجدل، والمِراء، والخصومة. شرح السنة /86. قال الأوزاعي رحمه الله: هي شداد المسائل. وقال عيسى بن يونس: هي ما لا يحتاج إليه من كيف وكيف. جامع العلوم والحكم / 123.
حكمــــــة
ذم المراء والجدال في الدين: قال الأوزاعي رحمه الله: إنّ الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط، فلقد رأيتهم أقلّ الناس علمًا. [جامع العلوم والحكم / 123]. قال الأوزاعي رحمه الله: هي شداد المسائل. وقال عيسى بن يونس: هي ما لا يحتاج إليه من كيف وكيف. جامع العلوم والحكم / 123.
حكمــــــة
ذم المراء والجدال في الدين: عن معن بن عيسى قال: انصرف مالك بن أنس رحمه الله يومًا من المسجد، وهو متكئ على يدي، فلحقه رجل يقال له: أبو الحورية، كان يُتَّهم بالإرجاء، فقال: يا عبد الله، اسمع مني شيئًا، أكلمك به، وأحاجك، وأخبرك برأيي، قال: فإن غلبتني؟ قال: إن غلبتك اتبعني، قال: فإن جاء رجل آخر، فكلمنا فغلبنا؟ قال: نتبعه، فقال مالك رحمه الله تعالى: يا عبد الله: بعث الله - عزَّ وجلَّ - محمدًا صلى الله عليه وسلم بدين واحد، وأراك تنتقل من دين إلى دين، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التنقُّل. [الشريعة / 66].
حكمــــــة
التحذير من مجادلة أهل البدع والأهواء: عن معمر قال: كان طاوس رحمه الله جالساً وعنده ابنه فجاء رجل من المعتزلة فتكلم في شيء فأدخل طاوس أصبعيه في أذنيه وقال: يا بني أدخل أصبعك في أذنيك حتى لا تسمع من قوله شيئا فإن هذا القلب ضعيف، ثم قال: أي بني أسدد، فما زال يقول أسدد حتى قام الآخر. [تلبيس إيليس: 26].
حكمــــــة
توقير العلم وأهله:قال إبراهيم بن إسحاق الحربي: كان عطاء بن أبي رباح رحمه الله عبدًا أسودًا لامرأة من أهل مكة، وكان أنفه كأنه باقلاة قال: وجاء سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين إلى عطاء هو وابناه، فجلسوا إليه وهو يصلي، فلما صلى انفتل إليهم، فما زالوا يسألونه عن مناسك الحج، وقد حوّل قفاه إليهم، ثم قال سليمان لابنيه: قُوما فقاما فقال: يا ابنيّ لا تَنِيا في طلب العلم، فإني لا أنسى ذلّنا بين يدي هذا العبد الأسود. [صفة الصفوة 2/525].
حكمــــــة
توقير العلم وأهله: عن ابن أبي أوَيس قال: كان مالك بن أنس رحمه الله إذا أراد أن يحدِّث توضأ وجلس على صدر فراشه، وسرّح لحيته، وتمكن من الجلوس بوقار وهيبة، ثم حدّث. فقيل له في ذلك، فقال: أحبّ أن أعظّم حديثَ النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحدّث به إلا على طهارة متمكنًا. وكان يكره أن يحدّث في الطريق وهو قائم أو مستعجِل. فقال: أحب أن يُفهَم ما أحدّث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. [صفة الصفوة 2 / 504].
حكمــــــة
توقير العلم وأهله: قال معن بن عيسى: كان مالك بن أنس رحمه الله إذا أراد أن يحدّث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل وتبخّر وتطيّب، وإذا رفع أحدٌ صوته عنده قال: اغضض من صوتك، فإن الله - عزَّ وجلَّ - يقول: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ " [الحجرات: 2] فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم. [صفة الصفوة 2/504].
حكمــــــة
توقير العلم وأهله: قال الأستاذ ابن العميد رحمه الله: ما كنت أظنُّ أن في الدنيا حلاوةً ألذّ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها، حتى شاهدت مذاكرة أبي القاسم الطَّبراني وأبي بكر الجِعابي رحمهما الله بحضرتي، فكان الطَّبراني يغلب أبا بكر بكثرة حفظه، وكان أبو بكر يغلب بفطنته وذكائه حتى ارتفعت أصواتُهما، ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه، فقال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي فقال: هات، فقال: حدثنا أبو خليفة الجُمَحي، حدثنا سُليمان بنُ أيوب وحَدَّث بحديث، فقال الطَّبراني: أناسليمان بن أيوب ومني سمعه أبو خليفة، فاسمع مني حتى يَعْلُو فيه إسنادُك، فخجل الجعابي، فوددت لو أن الوزارة لم تكن وكنتُ أنا الطبراني، وفرحت كفرحه، أو كما قال. [السير (تهذيبه) 3/1273].
حكمــــــة
توقير العلم وأهله: عن أبي إسحاق الحربي أنه قال: كان هشيم بن بشير رجلاً كان أبوه صاحب صحناة(إدام يُتخذ من السمك الصغار)وكواميخ(نوع من الإدام)، فطلب ابنه هشيم الحديث واشتهاه، وكان أبوه يمنعه. فكتب الحديث حتى جالس أبا شيبة القاضي رحمه الله، وكان يناظر أبا شيبة في الفقه، فمرض هشيم، فقال أبو شيبة: ما فعل ذلك الفتى الذي كان يجيء إلينا؟ قالوا: عليل. فقال: قوموا بنا حتى نعوده، فقام أهل المجلس جميعًا يعودونه حتى جاؤوا إلى منزل بشير، فدخلوا إلى هشيم، فجاء رجل إلى بشير ويده في الصحناة. فقال: الحق ابنك، قد جاء القاضي إليه يعوده، فجاء بشير والقاضي في داره فلما خرج قال لابنه: يا بني قد كنت أمنعك من طلب الحديث، فأما اليوم فلا، صار القاضي يجيء إلى بابي، متى أمَّلْت أنا هذا؟ [المنتظم 9 / 89، 90].
حكمــــــة
تعريف العلم وكيفية أخذه، وبيان فضله: عن كميل بن زياد قال: أخذ علي بن أبي طالب رضى الله عنه بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان، فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال: يا كميل بن زياد، القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة؛ فعالم رباني؛ ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق. العلم خير من المال، العلم يحرسك وأن تحرس المال، العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة. ومحبة العالم دين يدان بها. العلم يكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته، وصنيعة المال تزول بزواله. مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر. أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. [الحلية (تهذيبه) 1 / 86].