فوائد من كتاب أسباب الرزق لخليل إبراهيم أمين
حكمــــــة
من أسباب الرزق: السبب الأول: التوكل على الله: أول هذه الأسباب هو التوكُّلُ على الله عز وجل: يقول الله تعالى: " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا " [الطلاق: 3]. قال شتير: سمعتُ عبد الله (أي ابن مسعود) يقول: «إن أشدَّ آية في القرآن تفويضًا: " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ". قال مسروق: صدقت» الطبري (28/90). وقال الربيع بن خثيم في تفسيره: «أي يرزقه من كل ما ضاق على الناس» السنة (14/298).
حكمــــــة
إن والتوكُّل على الله مقام جليل القدر، عظيم الأثر، أمر الله به في مواطن كثيرة من كتابه فقال: " وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " [إبراهيم: 11] وقال: " وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ " [الفرقان: 58] وقال: " فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ " [هود: 123] وجعل التوكل سببا لمحبته فقال: " إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " [آل عمران: 159] وشرطًا للإيمان فقال: " وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " [المائدة: 23] وشعارًا لأهله فقال: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " [الأنفال: 2] وضمن لمن توكل عليه القيام بأمره وكفايته ما أهمه فقال: " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ".
حكمــــــة
لا يقتضي التوكُّل على الله ترك الأخذ بالأسباب؛ ألم يقل الله: " فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ " [الملك: 15] وقال: " فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ " [الجمعة: 10]. وها هم أنبياء الله - عليهم السلام - وهم أفضل المتوكِّلين - كانت لهم حرفَ يعملون بها ؛ فآدم عليه السلام حرَّاثًا ونوح عليه السلام نجارًا وإدريس عليه السلام خياطًا وموسى عليه السلام راعيًا وداود عليه السلام زرادًا وعيسى عليه السلام نجارًا ومحمد صلى الله عليه وسلم راعيًا وتاجرًا. كذا حكاه ابن عباس.
حكمــــــة
من أسباب الرزق: السبب الثاني: تقوى الله: يقول الله عز وجل: " وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " [الطلاق: 2، 3]. قال ابن كثير: «يجعل له من أمره مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب؛ أي من جهة لا تخطر بباله» تفسير ابن كثير (4/400).
حكمــــــة
يقول الله عز وجل: " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " [الأعراف: 96]. قال ابن عباس - رضي الله عنهما: «أي لوسَّعْنا عليهم الخير، ويَسَّرناه لهم من كل جانب». تفسير أبي السعود (3/253).
حكمــــــة
يقول الله عز وجل: " وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ " [المائدة: 66]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لأكثر تعالى بذلك الرزق النازل عليهم من السماء والنابت لهم من الأرض» تفسير ابن كثير (2/86).
حكمــــــة
من ثمرات التَّقوى: - معية الله: " إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا " [النحل: 128]. - محبة الله: " إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ " [التوبة: 4، 7]. - ولاية الله: " وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ " [الجاثية: 19] " وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ " [الأنفال: 34].
حكمــــــة
من ثمرات التَّقوى: تيسير الأمور؛ " وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا " [الطلاق: 4]. - تكفير الذنوب: " وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا " [الطلاق: 5]. - السلامة من الخوف والحزن: " فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " [الأعراف: 35].
حكمــــــة
من ثمرات التَّقوى: قبول الأعمال الصالحة: " إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ " [المائدة: 27]. - فتح البركات من السماء " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ " [الأعراف: 96]. - رد كيد الأعداء: " وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا " [آل عمران: 120].
حكمــــــة
من ثمرات التَّقوى: حصول العلم: " وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ " [البقرة: 282]. - والنجاة من النار: " وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا " [مريم: 71، 72]. - الفوز بالجنة: " إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا " [النبأ: 31-35]. - العاقبة الحميدة: " وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " [القصص: 83] " وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى " [طه: 132].
حكمــــــة
الأرحامُ الواجب على العبد صلتهم: الصواب: مطلق الأقارب ؛ وهم من بينه وبين الآخر نسبٌ؛ سواء كان يرثه أم لا، وسواء كان ذا محرم أم لا (انظر شرح مسلم) وتكون صلة الرحم بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء، ومعناها الجامع: «إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة» تحفة الأحوذي.
حكمــــــة
فضائل صلة الرحم: بجانب أنها من أسباب سعة الرزق فهي كذلك: من أسباب رحمة الله تعالى: فعن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: «قال الله عز وجل: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها اسمًا من اسمي؛ فَمَن وصَلَها وصلتُه، ومن قطعها قطعته» أخرجه أبو داود وهو صحيح.
حكمــــــة
فضائل صلة الرحم: بجانب أنها من أسباب سعة الرزق فهي كذلك: صلة الرَّحم: صفةٌ محمودةٌ في الدُّنيا ومأجورٌ عليها في الآخرة: فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر امرأةً قطُّ خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى» أخرجه مسلم.
حكمــــــة
من أسباب الرزق: السبب الرابع: الاستغفار والتوبة: يقول الله عز وجل: " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا " [نوح: 10-12] قال الإمام القرطبي: «في هذه الآية والتي في هود دليل على أن الاستغفار يستنزَل به الرزق والأمطار»تفسير القرطبي.
حكمــــــة
شكا رجل إلى الحسن البصري الجدب، فقال له: «استغفر الله». وشكا آخر إليه الفقر، فقال له: «استغفر الله». وشكا إليه آخر جفافَ بستانه فقال له: «استغفر الله». فقالوا له في ذلك: «أتاك رجال يشكون أنواعًا فأمرتهم كلَّهم بالاستغفار؟» فقال: ما قلت من عندي شيئًا، إن الله تعالى يقول في سورة نوح: " اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارً ا ". القرطبي.
حكمــــــة
يقول الله عز وجل حاكيًا عن نوح وهو يدعو قومه إلى الاستغفار: " وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ " [هود: 52]. أمر هود - عليه السلام - قومه بالاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة، وبالتوبة عما يستقبلونه، ومن اتصف بهذه الصفة يسَّر الله عليه رزقه، وسهَّل عليه أمره، وحفظ شأنه. تفسير ابن كثير.
حكمــــــة
قال سبحانه وتعالى: " وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ " [هود: 3]. قال عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما: يتفضل إليكم بالرزق والسعة. زاد المسير. وقال القرطبي: «أي يمتعكم بالمنافع من سعة الرزق والعيش» القرطبي.
حكمــــــة
من فضائل الاستغفار: الاستغفار سبب في غفران الذنوب: قال تعالى: " وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا " [النساء: 110]. في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أذنب عبد ذنبًا، فقال: أي رب، أذنبت ذنبًا فاغفر لي. فقال: علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به فقد غفرت له..» الحديث. متفق عليه.
حكمــــــة
من فضائل الاستغفار: الاستغفار يرفع الدرجات: الاستغفار يرفع العبد من المقام الأدنى إلى الأعلى، ومن الناقص إلى التام، ومن المكروه إلى المحبوب، وقد شُرع الاستغفار في خواتيم الأعمال الفاضلة كالفراغ من الصلاة، وعند الإفاضة من عرفات، وبعد قيام الليل في وقت السحر، وعند الفراغ من المجلس، وأمر الله به نبيه بعد أن بلغ رسالة ربه كما في سورة النصر، وختم به بعض سور القرآن مثل سورة المزمل وسورة المدثر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من مائة مرة؛ فالاستغفار فضله عند الله عظيم، وأجره كبير.
حكمــــــة
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ابغوني في ضعفائكم؛ فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم» مسند أحمد.فمن هو الضعيف؟ قال ابن الأثير: هو الذي يُضعفه الناس، ويتجبرون عليه؛ للفقر ورثاثة الحال (القاموس).والضَّعف منه ما هو لازم للشخص؛ كالعمى، والعرج، والشلل، والنوع ونحوها، ومنه ما هو عارض؛ كالمرض، والغُربة، والفقر، والصغر، والحبس.
حكمــــــة
من أسباب الرزق: السبب السادس: الإنفاق في سبيل الله: قال تعالى: " وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " [سبأ: 39]. قال ابن كثير: «يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب»(تفسير ابن كثير). قال الإمام الرازي: «من أنفق فقد أتى بما هو شرط حصول البدل، ومن لم ينفق فالزوال لازم للمال، ولم يأت بما يستحق عليه البدل، فيفوت من غير خلف وهو التلف» (التفسير الكبير).
حكمــــــة
يقول سبحانه: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " [البقرة: 267، 268]. قال ابن عباس - رضي الله عنهما: «اثنان من الله واثنان من الشيطان»: " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ "، يقول: لا تنفق مالك وأمسكه لك؛ فإنك تحتاج إليه. " وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ "، " وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ " على هذه المعاصي " وَفَضْلًا " في الرزق(تفسير الطبري).قال القاضي ابن عطية: «المغفرة هي الستر على عباده في الدنيا والآخرة، والفضل هو الرزق في الدنيا والتوسعة فيه»(المحرر الوجيز).
حكمــــــة
عن أبي هريرة رضي الله عنه يُبلغ به عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: «يا ابن آدم! أنفق أُنفق عليك»(صحيح مسلم). قال الإمام النووي - رحمه الله: قولُه - عز وجل: «أنفق أُنفق عليك» هو معنى قوله - عز وجل: " وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ " ؛ فيتضمَّن الحثّ على الإنفاق معنى في وجوه الخير والتبشير بالخلف من فضل الله تعالى(مسلم بشرح النووي).
حكمــــــة
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنفق يا بلال! ولا تخش من ذي العرش إقلالا»(شعب الإيمان للبيهقي). ومعناه: أي أتخشى أن يُضيع مثلك من هو يدبِّر الأمر من السَّماء إلى الأرض؛ أي: أتخاف أن يخيِّب أملك ويقلل رزقك مَنْ رحمتُه عَمَّت أهلَ السماء والأرض، والمؤمن والكافر، والطيور والدَّوابَّ(انظر مرقاة المفاتيح).
حكمــــــة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينا رجل بفلاة من الأرض، فسمع صوتًا في سحابة: " اسق حديقة فلان ". فتنحَّى ذلك السَّحاب، فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتَتَبَّع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله! ما اسمك؟ قال: فلان للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله! لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان. لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذا قلت هذا، فإني أنظر ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأرد فيها ثلثه»(صحيح مسلم).
حكمــــــة
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان أخوان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يحترف، فشكا المحترف أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لعلَّك تُرزق به»(جامع الترمذي).قال الملا علي القاري: قولُه - صلى الله عليه وسلم: «لَعَلَّكَ تُرزقُ به». بصيغة المجهول؛ أي: أرجو أو أخاف أنك مرزوقٌ ببركته؛ لا أنه مرزوق بحرفتك فلا تمنن عليه بصنعتك (مرقاة المفاتيح).ومن عجيب ما قرأتُ عن الإنفاق أن عجوزا رُؤيَتْ وهي تَبْكي على جار لها مات فقيل لها: بماذا استحقَّ هذا منك؟ فقالت: جاورنا وما فينا إلا من تَحلُّ له الصدقة، ومات عنا وما منا إلا من تجب عليه الزكاة.
حكمــــــة
من أسباب الرزق: السبب السابع: تفريغُ القلب لعبادة الله تعالى: - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم! تفرغ لعبادتي أملأ صدرَك غنى، وأَسُدُّ فقرك، وإن لا تفعل ملأت يَدَكَ شُغْلًا، ولم أَسُدّ فقرَك»(صحيح سنن الترمذي). - عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ابن آدم! تفرَّغْ لعبادتي أملأ قلبك غنى وأملأ يديك رزقًا، يا ابن آدم! لا تباعدني فأملأ قلبَك فقرأ، وأملأ يديك شغلاً»(السلسلة الصحيحة).
حكمــــــة
العبادة: اسم جامع لما يحبُّه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، وتكون العبادة عبادةً إذا كانت مأخوذةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودًا بها وجهَ الله تعالى، والتفرغ لعبادة الله تعالى هو الوسيلة إلى السعادة الأبدية والنجاة من جميع الشرور، وليس معنى التفرغ للعبادة هو القعود عن الكسب والانقطاع عن طلب الرزق؛ فما كان الإسلام يومًا ما يدعو إلى نصب سوق البطالة والكسل.
حكمــــــة
المعنى الأعَمَّ والأشملَ للعيادة يتحقق بأمور منها: أولا: تحقيق التوحيد الخالص لله - عز وجل وهذه هي الحنيفية ملة إبراهيم - عليه السلام، وبه أمر جميع الجنِّ والإنس؛ كما في قوله - سبحانه وتعالى: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " [الذاريات: 56]، ويعبدون: أي يوحِّدون، والرب هو المعبود سبحانه ثانيًا: تصحيح النية عند القيام بأي عمل أو قول أو فعل من الأمور المباحة أن تكون لله عز وجل؛ فالزارع والصانع والتاجر والطبيب لو نوى بعمله نفع المجتمع المسلم، كان عمله عبادة، والنوم يكون عبادة بأن ينوي به المسلم الراحة للتقوِّي على عبادة الله عز وجل، وكذلك جميع الأعمال ثالثًا: أن يكون العبدُ حاضر القلب والجسد أثناء العبادة، خاشعًا لله الواحد الأحد، مستحضرًا عظمة الرب تعالى، مستشعرًا أنه يناجي الملك المقتدر، ويكون كما جاء في الحديث: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك». رواه مسلم في صحيحه، ولا يكون ممن تكون أجسادهم في المساجد وقلوبهم خارجها (مفاتيح الرزق، د/ فضل إلهي).
حكمــــــة
من أسباب الرزق: السبب الثامن: النكاح: قال تعالى: " وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " [النور: 32]. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: " أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى ".
حكمــــــة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة حقٌّ على الله عونهم الناكح يريد العفاف والمكاتب يريد الأداء والغازي في سبيل الله»(رواه أحمد والترمذي والنسائي). وقال ابن كثير – رحمه الله: " المعهود من كرم الله تعالى ولطفه أن يرزقه ما فيه كفاية لها وله ". [تفسير ابن كثير].
حكمــــــة
من أسباب الرزق: السبب التاسع: المتابعة بين الحج والعمرة: عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحَجِّ والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكيرُ خَبَثَ الحديد والذهب والفضة، وليس للحَجَّة المبرورة ثوابٌ إلا الجنة » (مسند أحمد).
حكمــــــة
من فضائل الحج والعمرة: استلامُ الحجر الأسود: وأنه يشهد لمن استلمه بحقٍّ؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله ليبعثه الله يوم القيامة، له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق». وعنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نَزَلَ الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضًا من اللبن، فَسَوَّدَتْه خطايا بني آدم»(رواه الترمذي).
حكمــــــة
من فضائل الحج والعمرة: استلامُ الركنين: فعن ابن عبيد بن عمير عن أبيه أن ابن عمر كان يزاحم على الركنين زحامًا ما رأيت أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إنك تزاحم على الركنين زحامًا ما رأيت أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يزاحم عليه. فقال: إن أفعل فإني سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من طاف بهذا البيت أسبوعًا فأحصاه كان كعتق رقبة». وسمعتُه يقول: «لا يضع قدمًا ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه خطيئة وكتب له بها حسنة»(الترمذي).
حكمــــــة
كما أن للرزق أسبابا جالبةً فهناك أسباب مانعة، فإذا كان العمل بالطاعات جماع الخير كله، وأوسع أبواب طلب الرزق، فكذلك الذنوب والمعاصي من أكبر الأبواب التي تُغلق دون صاحبها أبواب الرزق، وتُضيِّق على قوته، وتُعسر عليه أسباب معيشته؛ فعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يَرُدُّ القدرَ إلَّا الدعاء، وإن الرجلَ لَيُحْرم الرزق بالذنب يصيبه» (ابن ماجه كتاب الفتن)في رواية له: «.. وإن الرجل ليُحرم الرزق بخطيئة يعملها» (ابن ماجه المقدمة).
حكمــــــة
يقول العلامة ابن سعدي - رحمه الله - عند تفسير قوله تعالى: " أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ " [البقرة: 12] لأنه - أي عمل المنافقين - سببٌ لفساد ما على الأرض من الحبوب، والثمار، والأشجار، والنبات ؛ لما يحصل فيها من الآفات التي سببها المعاصي (تيسير الكريم الرحمن).