فوائد من كتاب تسهيل الوصول لفوائد سير أعلام النبلاء لفرحان العطار 2
حكمــــــة
عن الزهري قال: حدثت علي بن الحسين بحديث، فلما فرغت قال:أحسنت هكذا حدثناه، قلت:ما أراني إلا حدثتك بحديث أنت أعلم به مني؟ قال: لا تقل ذاك، فليس ما لا يعرف من العلم، إنما العلم ما عرف وتواطأت عليه الألسن. وقال جويرية بن أسماء ما أكل علي بن الحسين بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما قط.
حكمــــــة
عن خالد بن صفوان قال: لقيت مسلمة بن عبد الملك فقال: يا خالد أخبرني عن حسن أهل البصرة؟ قلت: أصلحك الله أخبرك عنه بعلم، أنا جاره إلى جنبه، وجليسه في مجلسه، وأعلم من قلبي به، أشبه الناس سريرة بعلانية، وأشبهه قولا بفعل، إن قعد على أمر قام به، وإن قام على أمر قعد عليه، وإن أمر بأمر كان أعمل الناس به، وإن نهى عن شيء كان أترك الناس له، رأيته مستغنيا عن الناس ورأيت الناس محتاجين إليه، قال: حسبك كيف يضل قوم هذا فيهم؟.
حكمــــــة
قال أبو سعيد بن الأعرابي في طبقات النساك: كان عامة من ذكرنا من النساك يأتون الحسن ويسمعون كلامه، ويذعنون له بالفقه في هذه المعاني خاصة، وكان عمرو بن عبيد وعبد الواحد بن زيد من الملازمين له، وكان له مجلس خاص في منزله لا يكاد يتكلم فيه إلا في معاني الزهد والنسك وعلوم الباطن، فإن سأله إنسان غيرها تبرم به وقال إنما خلونا مع إخواننا نتذاكر، فأما حلقته في المسجد فكان يمر فيها الحديث والفقه، وعلم القرآن واللغة وسائر العلوم، وكان ربما يسأل عن التصوف فيجيب، وكان منهم من يصحبه للحديث، وكان منهم من يصحبه للقرآن والبيان، ومنهم من يصحبه للبلاغة، ومنهم من يصحبه للإخلاص وعلم الخصوص كعمرو بن عبيد وأبي جهير وعبد الواحد بن زيد وصالح المري وشميط وأبي عبيدة الناجي وكل واحد من هؤلاء اشتهر بحال يعني في العبادة.
حكمــــــة
عن الحسن بن عمارة قال: أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث، فألفيته على بابه فقلت: إن رأيت أن تحدثني؟ قال: أما علمت أني قد تركت الحديث؟ فقلت: إما أن تحدثني وأما أن أحدثك؟ فقال: حدثني، فقلت: حدثني الحكم عن يحيى بن الجزار سمع عليا رضي الله عنه يقول: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا، حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا، قال فحدثني بأربعين حديثا.
حكمــــــة
عن مالك قال: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذونه، لقد أدركت في المسجد سبعين ممن يقول: قال فلان، قال رسول الله، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت المال لكان به أمينا، فما أخذت منهم شيئا، لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن، ويقدم علينا الزهري وهو شاب، فنزدحم على بابه. قلت: كان مالكا انخدع بخضاب الزهري فظنه شابا.
حكمــــــة
قال معمر: لقد طلبنا هذا الشأن وما لنا فيه نية، ثم رزقنا الله النية من بعد. وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر قال: كان يقال: إن الرجل يطلب العلم لغير الله، فيأبى عليه العلم حتى يكون الله. قلت: نعم يطلبه أولا والحامل له حب العلم، وحب إزالة الجهل عنه، وحب الوظائف ونحو ذلك، ولم يكن علم وجوب الإخلاص فيه، ولا صدق النية، فإذا علم حاسب نفسه وخاف من وبال قصده، فتجيئه النية الصالحة كلها أو بعضها، وقد يتوب من نيته الفاسدة ويندم، وعلامة ذلك أنه يقصر من الدعاوى وحب المناظرة، ومن قصد التكثر بعلمه، ويزري على نفسه، فإن تكثر بعلمه أو قال: أنا أعلم من فلان، فبعدا له.
حكمــــــة
قال عون بن عمارة: سمعت هشاما الدستوائي يقول: والله ما أستطيع أن أقول أني ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل؟ قلت: والله ولا أنا فقد كان السلف يطلبون العلم لله فنبلوا وصاروا أئمة يقتدى بهم، وطلبه قوم منهم أولا لا لله وحصلوه، ثم استفاقوا وحاسبوا أنفسهم، فجرهم العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق.
حكمــــــة
قال مطرف بن عبد الله سمعت مالكا يقول: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سننا، الأخذ بها اتباع لكتاب الله، واستكمال بطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا.
حكمــــــة
إن عبد الله العمري العابد كتب إلى مالك، يحضه على الأنفراد والعمل، فكتب إليه مالك: إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم من افضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر.
حكمــــــة
عن إسحاق بن إبراهيم الطبري قال: مارأيت أحدا أخوف على نفسه، ولا أرجى للناس من الفضيل، وكان صحيح الحديث، صدوق اللسان، شديد الهيبه للحديث إذا حدث، وكان يثقل عليه الحديث جدا، وربما قال لي: لو أنك طلبت مني الدنانير، كان أيسر علي من أن تطلب مني الحديث، فقلت: لو حدثتني بأحاديث فوائد ليست عندي، كان أحب إلي من أن تهب لي عددها دنانير، قال: إنك مفتون، أما والله لو عملت بما سمعت، لكان لك في ذلك شغل عما لم تسمع. سمعت سليمان بن مهران يقول: إذا كان بين يديك طعام تأكله، فتأخذ اللقمة فترمي بها خلف ظهرك، متى تشبع؟.
حكمــــــة
قال ابن وهب: كان أول أمري في العبادة قبل طلب العلم، فولع بي الشيطان في ذكر عيسى ابن مريم عليه السلام: كيف خلقه الله تعالى، ونحو هذا، فشكوت ذلك إلى شيخ فقال لي: ابن وهب، قلت: نعم، قال: اطلب العلم، فكان سبب طلبي العلم. قلت: مع أنه طلب العلم في الحداثة، نعم وحدث عنه خلق كثير، وانتشر علمه وبعد صيته.
حكمــــــة
عن محمد ابن أبي بشر قال: أتيت أحمد بن حنبل في مسألة، فقال: ائت أبا عبيد فإن له بيانا لا تسمعه من غيره، فأتيته فشفاني جوابه، فأخبرته بقول أحمد فقال: ذاك رجل من عمال الله، نشر الله رداء عمله، وذخر له عنده الزلفى، أما تراه محببا مألوفا، ما رأيت عيني بالعراق رجلا اجتمعت فيه خصال هي فيه، فبارك الله له فيما اعطاه من الحلم والعلم والفهم.
حكمــــــة
قال المروذي: كان أبو عبد الله أحمد بن حنبل اذا ذكر الموت خنقته العبرة، وكان يقول: الخوف يمنعني اكل الطعام والشراب، واذا ذكرت الموت هان علي كل امر الدنيا، إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنها ايام قلائل، ما اعدل بالفقر شيئا، ولو وجدت السبيل لخرجت حتى لا يكون لي ذكر. وقال: أريد أن أكون في شعب بمكة حتى لا أعرف، قد بليت بالشهرة، إني أتمنى الموت صباحا ومساء. قال المروذي لأحمد: أن رجلا يريد لقاءه، فقال: أليس قد كره بعضهم اللقاء، يتزين لي وأتزين له، لقد استرحت ما جاءني الفرج إلا منذ حلفت أن لا احدث، وليتنا نُترك، الطريق ما كان عليه بشر بن الحارث، فقلت: له إن فلانا قال: لم يزهد أبو عبد الله في الدراهم وحدها، قال: زهد في الناس، فقال: ومن أنا حتى أزهد في الناس ! الناس يريدون أن يزهدوا في.
حكمــــــة
قال سحنون: أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علما وعنه قال: أنا أحفظ مسائل فيها ثمانية أقاويل من ثمانية أئمة فكيف ينبغي أن أعجل بالجواب وقيل إن زيادة الله الأمير بعث يسأل سحنونا عن مسألة فلم يجبه و قال: ما وجدت من باع آخرته بدنيا غيره إلا المفتي وقيل كان إذا قرئت عليه مغازي ابن وهب تسيل دموعه وإذا قريء عليه الزهد لابن وهب يبكي.
حكمــــــة
عن زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد دعاني فأتيته فقال: اشهد علي أني لا أكفر أحدا من أهل القبلة لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد وإنما هذا كله اختلاف العبارات. قلت: وبنحو هذا أدين وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفر أحدا من الأمة.
حكمــــــة
روى أيوب عن أبي قلابة وغيره أن فلانا مر به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصوني، فجعلوا يوصونه وكان معاذ بن جبل في آخر القوم فقال: أوصني يرحمك الله قال: قد أوصوك فلم يألوا وإني سأجمع لك أمرك، اعلم أنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك إلى الآخرة أفقر، فأبدأ بنصيبك من الآخرة، فإنه سيمر بك على نصيبك من الدنيا فينتظمه ثم يزول معك أينما زلت.
حكمــــــة
عن ابن مسعود أنه كان يقول إذا قعد: إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة والموت يأتي بغتة من زرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة ومن زرع شرا يوشك أن يحصد ندامة ولكل زارع مثل زرع، لا يسبق بطيء بحظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له فمن أعطي خيرا فالله أعطاه ومن وقي شرا فالله وقاه المتقون سادة والفقهاء قادة ومجالستهم زيادة.
حكمــــــة
عن جرير بن عبد الله قال: نزلت بالصفاح في يوم شديد الحر فإذا رجل نائم في حر الشمس يستظل بشجرة معه شيء من الطعام ومزوده تحت رأسه ملتف بعباءة فأمرته أن يظلل عليه ونزلنا فانتبه فإذا هو سلمان فقلت له: ظللنا عليك وما عرفناك، قال: يا جرير تواضع في الدنيا فإنه من تواضع يرفعه الله يوم القيامة، ومن يتعظم في الدنيا يضعه الله يوم القيامة، لو حرصت على أن تجد عودا يابسا في الجنة لم تجده، قلت: وكيف؟ قال: أصول الشجر ذهب وفضة، وأعلاها الثمار، يا جرير تدري ما ظلمة النار؟ قلت: لا، قال: ظلم الناس.
حكمــــــة
أوخي بين سلمان وأبي الدرداء، فسكن أبو الدرداء الشام، وسكن سلمان الكوفة وكتب أبو الدرداء إليه: سلام عليك أما بعد، فإن الله رزقني بعدك مالا وولدا، ونزلت الارض المقدسة، فكتب إليه سلمان: اعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد ولكن الخير أن يعظم حلمك، وأن ينفعك علمك، وإن الأرض لا تعمل لأحد، اعمل كأنك ترى، واعدد نفسك من الموتى.
حكمــــــة
عن يونس بن جبير قال: شيعنا جندبا فقلت له: أوصنا؟ قال: أوصيكم بتقوى الله وأوصيكم بالقرآن، فإنه نور بالليل المظلم، و هدى بالنهار، فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقة، فإن عرض بلاء فقدم مالك دون دينك، فإن تجاوز البلاء فقدم مالك ونفسك دون دينك، فإن المخروب من خرب دينه، والمسلوب من سلب دينه، واعلم أنه لا فاقة بعد الجنة، ولا غنى بعد النار.