فوائد من كتاب تسهيل الوصول لفوائد سير أعلام النبلاء لفرحان العطار 2
عن الزهري قال : حدثت علي بن الحسين بحديث ، فلما فرغت قال :أحسنت هكذا حدثناه، قلت :ما أراني إلا حدثتك بحديث أنت أعلم به مني ؟ قال : لا تقل ذاك ، فليس ما لا يعرف من العلم ، إنما العلم ما عرف وتواطأت عليه الألسن . وقال جويرية بن أسماء ما أكل علي بن الحسين بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما قط .
عن عبد الله بن يزيد الهذلي : سمعت سليمان بن يسار يقول : سعيد بن المسيب بقية الناس ، وسمعت السائل يأتي سعيد بن المسيب فيقول : اذهب إلى سليمان بن يسار فإنه أعلم من بقي اليوم .
عن ثابت البناني قال كان الحسن في مجلس فقيل لأبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير : تكلم ؟ فقال : أوهناك أنا ؟ ثم ذكر الكلام ومؤنته ، قلت : ينبغي للعالم أن يتكلم بنية وحسن قصد ، فإن أعجبه كلامه فليصمت ، فإن أعجبه الصمت فلينطق ، ولا يفتر عن محاسبة نفسه ، فإنها تحب الظهور والثناء .
عن عاصم قال : تبعت الشعبي فمررنا بإبراهيم فقام له إبراهيم عن مجلسه ، فقال له الشعبي : أما إني أفقه منك حيا ، وأنت أفقه مني ميتا ، وذاك أن لك أصحاب يلزمونك فيحيون علمك .
قال وهب لعطاء الخراساني : كان العلماء قبلنا قد استغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم ، فكانوا لا يلتفتون إليها ، وكان أهل الدنيا يبذلون دنياهم في علمهم ، فأصبح أهل العلم يبذلون لأهل الدنيا علمهم ، رغبة في دنياهم ، وأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم ، لما رأوا من سوء موضعه عندهم .
عن وهب قال : قرأت في بعض الكتب : ابن آدم لا خير لك في أن تعلم ما لم تعلم ولم تعمل بما علمت ، فإن مثل ذلك كرجل احتطب حطبا ، فحزم حزمة فذهب يحملها فعجز عنها ، فضم إليها .أخرى
عن وهب : الأحمق إذا تكلم فضحه حمقه ، وإذا سكت فضحه عيه ، وإذا عمل أفسد ، وإذا ترك أضاع ، لا علمه يعينه ، ولا علم غيره ينفعه ، تود أمه أنها ثكلته ، وامرأته لو عدمته ، ويتمنى جاره منه الوحدة ، ويجد جليسه منه الوحشة .
عن الربيع بن أنس قال : اختلفت إلى الحسن عشر سنين أو ما شاء الله ، فليس من يوم إلا أسمع منه مالم أسمع قبل ذلك .
عن خالد بن صفوان قال : لقيت مسلمة بن عبد الملك فقال : يا خالد أخبرني عن حسن أهل البصرة ؟ قلت : أصلحك الله أخبرك عنه بعلم ، أنا جاره إلى جنبه ، وجليسه في مجلسه ، وأعلم من قلبي به ، أشبه الناس سريرة بعلانية ، وأشبهه قولا بفعل ، إن قعد على أمر قام به ، وإن قام على أمر قعد عليه ، وإن أمر بأمر كان أعمل الناس به ، وإن نهى عن شيء كان أترك الناس له ، رأيته مستغنيا عن الناس ورأيت الناس محتاجين إليه ، قال : حسبك كيف يضل قوم هذا فيهم ؟ .
قال أبو سعيد بن الأعرابي في طبقات النساك : كان عامة من ذكرنا من النساك يأتون الحسن ويسمعون كلامه ، ويذعنون له بالفقه في هذه المعاني خاصة ، وكان عمرو بن عبيد وعبد الواحد بن زيد من الملازمين له ، وكان له مجلس خاص في منزله لا يكاد يتكلم فيه إلا في معاني الزهد والنسك وعلوم الباطن ، فإن سأله إنسان غيرها تبرم به وقال إنما خلونا مع إخواننا نتذاكر ، فأما حلقته في المسجد فكان يمر فيها الحديث والفقه ، وعلم القرآن واللغة وسائر العلوم ، وكان ربما يسأل عن التصوف فيجيب ، وكان منهم من يصحبه للحديث ، وكان منهم من يصحبه للقرآن والبيان ، ومنهم من يصحبه للبلاغة ، ومنهم من يصحبه للإخلاص وعلم الخصوص كعمرو بن عبيد وأبي جهير وعبد الواحد بن زيد وصالح المري وشميط وأبي عبيدة الناجي وكل واحد من هؤلاء اشتهر بحال يعني في العبادة .
قال القاسم بن محمد : لأن يعيش الرجل جاهلا بعد أن يعرف حق الله عليه ، خير له من أن يقول ما لا يعلم .
سئل عطاء عن شيء ، فقال : لا أدري ، قيل : ألا تقول برأيك ؟ قال : إني أستحيي من الله أن يدان في الأرض برأيي .
قال مكحول : ما استودعت صدري شيئا سمعته إلا وجدته حين أريد ثم قال شعبة كان مكحول أفقه أهل الشام . قال سعيد : كان إذا سئل عن شيء لا يجيب حتى يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، هذا رأي والرأي يخطىء ويصيب .
قال أبو هلال : سألت قتادة عن مسألة فقال : لا أدري . فقلت : قل فيها برأي ، قال : ما قلت برأي منذ أربعين سنة - وكان يومئذ له نحو من خمسين سنة – قلت : فدل على أنه ما قال في العلم شيئا برأيه . قال : قتادة باب من العلم يحفظه الرجل ، لصلاح نفسه وصلاح من بعده ، أفضل من عبادة حول .
عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال : كنا نكتب الحلال والحرام ، وكان ابن شهاب يكتب كلما سمع ، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس ، وبصر عيني به ومعه ألواح أو صحف يكتب فيها الحديث وهو يتعلم يومئذ . وعن أبي الزناد قال : كنت أطوف أنا والزهري ومعه الألواح والصحف فكنا نضحك به .
عن الحسن بن عمارة قال : أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث ، فألفيته على بابه فقلت : إن رأيت أن تحدثني ؟ قال : أما علمت أني قد تركت الحديث ؟ فقلت : إما أن تحدثني وأما أن أحدثك ؟ فقال : حدثني ، فقلت : حدثني الحكم عن يحيى بن الجزار سمع عليا رضي الله عنه يقول : ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا ، حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا ، قال فحدثني بأربعين حديثا .
عن مالك قال : إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذونه ، لقد أدركت في المسجد سبعين ممن يقول : قال فلان ، قال رسول الله ، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت المال لكان به أمينا ، فما أخذت منهم شيئا ، لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن ، ويقدم علينا الزهري وهو شاب ، فنزدحم على بابه . قلت : كان مالكا انخدع بخضاب الزهري فظنه شابا .
عن عبيد الله بن عمر قال : كان يحيى بن سعيد يحدثنا فيسح علينا مثل اللؤلؤ ، فإذا طلع ربيعة قطع حديثه إجلالا لربيعة وإعظاما .
عن يحيى بن سعيد قال : أهل العلم أهل وسعة ، وما برح المفتون يختلفون ، فيحلل هذا ، ويحرم هذا ، وإن المسألة لترد على أحدهم كالجبل ، فإذا فتح لها بابها قال : ما أهون هذه .
عن مالك قال :كنا ندخل على ايوب السختياني ، فإذا ذكرنا له حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى نرحمه .
بكى ربيعة يوما ، فقيل : ما يبكيك ؟ قال : رياء حاضر ، وشهوة خفية ، والناس عند علمائهم كصبيان في حجور امهاتهم ، إن امروهم ائتمروا ، وان نهوهم انتهوا .
أرسل الأمير عيسى بن موسى إلى الأعمش بألف درهم ، وصحيفة ليكتب فيها حديثا ، فكتب فيها : بسم الله الرحمن الرحيم ، وقل هو الله أحد ، ووجه بها إليه فبعث إليه : يا ابن الفاعلة ظننت أني لا أحسن كتاب الله ؟ فبعث إليه أظننت أني أبيع الحديث ؟ .
قال الوليد بن مسلم : سألت الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وابن جريج : لمن طلبتم العلم ؟ كلهم يقول لنفسي ، غير أن ابن جريج فإنه قال : طلبته للناس . قلت : ما أحسن الصدق ، واليوم تسأل الفقيه الغبي : لمن طلبت العلم ؟ فيبادر ويقول : طلبته لله ، ويكذب ، إنما طلبه للدنيا ، ويا قلة ما عرف منه .
جعل أبو حنيفة على نفسه إن حلف بالله صادقا أن يتصدق بدينار ، وكان إذا أنفق على عياله نفقة ، تصدق بمثلها . وقال ابن المبارك : أبو حنيفة أفقه الناس . وقال الشافعي : الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة .
قال معمر : لقد طلبنا هذا الشأن وما لنا فيه نية ، ثم رزقنا الله النية من بعد . وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر قال : كان يقال : إن الرجل يطلب العلم لغير الله ، فيأبى عليه العلم حتى يكون الله . قلت : نعم يطلبه أولا والحامل له حب العلم ، وحب إزالة الجهل عنه ، وحب الوظائف ونحو ذلك ، ولم يكن علم وجوب الإخلاص فيه ، ولا صدق النية ، فإذا علم حاسب نفسه وخاف من وبال قصده ، فتجيئه النية الصالحة كلها أو بعضها ، وقد يتوب من نيته الفاسدة ويندم ، وعلامة ذلك أنه يقصر من الدعاوى وحب المناظرة ، ومن قصد التكثر بعلمه ، ويزري على نفسه ، فإن تكثر بعلمه أو قال : أنا أعلم من فلان ، فبعدا له .
قال أمية بن خالد سمعت شعبة يقول : ما من الناس أحد أقول إنه طلب الحديث يريد به الله إلا هشام صاحب الدستوائي وكان يقول : ليتنا ننجو من هذا الحديث كفافا ، لا لنا ولا علينا ، ثم قال شعبة : إذا كان هشام يقول هذا فكيف نحن ؟
قال عون بن عمارة : سمعت هشاما الدستوائي يقول : والله ما أستطيع أن أقول أني ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل ؟ قلت : والله ولا أنا فقد كان السلف يطلبون العلم لله فنبلوا وصاروا أئمة يقتدى بهم ، وطلبه قوم منهم أولا لا لله وحصلوه ، ثم استفاقوا وحاسبوا أنفسهم ، فجرهم العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق .
عن عبد الرحمن بن مهدي : سمعت سفيان يقول : ما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط ، إلا عملت به ولو مرة .
قيل لسفيان الثوري : إلى متى تطلب الحديث ؟ قال : وأي خير أنا فيه خير من الحديث فأصير إليه ، إن الحديث خير علوم الدنيا .
قال ابن المبارك : كنت أقعد إلى سفيان الثوري ، فيحدث فأقول ما بقي من علمه شيء إلا وقد سمعته ، ثم أقعد عنده مجلسا آخر ، فيحدث فأقول : ما سمعت من علمه شيئا .
عن سفيان قال : وددت أني قرأت القرآن ووقفت عنده ، لم أتجاوزه إلى غيره وعن سفيان قال : من يزدد علما يزدد وجعا ، ولو لم أعلم كان أيسر لحزني . وعنه قال : وددت أن علمي نسخ من صدري ، ألست أريد أن أسأل غدا عن كل حديث رويته : أيش أردت به ؟ .
قال يحيى القطان : كان الثوري قد غلبت عليه شهوة الحديث ، ما أخاف عليه إلا من حبه للحديث . قلت : حب ذات الحديث والعمل به لله مطلوب من زاد المعاد ، وحب روايته وعواليه والتكثر بمعرفته مذموم مخوف ، فهو الذي خاف منه سفيان والقطان وأهل المراقبة ، فإن كثيرا من ذلك وبال على المحدث .
قال سفيان الثوري : من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم ، خرج من عصمة الله ، ووكل إلى نفسه . وعنه : من يسمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه ، لا يلقيها في قلوبهم . قلت : أكثر أئمة السلف على هذا التحذير ، يرون أن القلوب ضعيفة ، والشبه خطافة .
أقام الخليل في خص له بالبصرة ، لا يقدر على فلسين ، وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال ، وكان رحمه الله مفرط الذكاء .
أيوب بن المتوكل : كان الخليل إذا أفاد إنسانا شيئا ، لم يره بأنه أفاده ، وإن استفاد من أحد شيئا ، أراه بأنه استفاد منه . قلت : صار طوائف في زماننا بالعكس .
قال محمد بن الحسن : أقمت عند مالك ثلاث سنين وكسرا ، وسمعت من لفظه أكثر من سبع مئة حديث ، فكان محمد إذا حدث عن مالك أمتلأ منزله ، وإذا حدث عن غيره من الكوفيين لم يجئه إلا اليسير .
قال الهيثم بن جميل : سمعت مالكا سئل عن ثمان وأربعين مسألة ، فأجاب في اثنتين وثلاثين منها ب : لا أدري . وعن خالد بن خداش قال : قدمت على مالك بأربعين مسألة ، فما أجابني منها إلا في خمس مسائل .
قال عبد الله بن يزيد بن هرمز : ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول لا أدري ، حتى يكون ذلك أصلا يفزعون إليه . قال ابن عبد البر : صح عن أبي الدرداء لا أدري نصف العلم .
قال مطرف بن عبد الله سمعت مالكا يقول : سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سننا ، الأخذ بها اتباع لكتاب الله ، واستكمال بطاعة الله ، وقوة على دين الله ، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ، ولا النظر في شيء خالفها ، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور ، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا .
إن عبد الله العمري العابد كتب إلى مالك ، يحضه على الأنفراد والعمل ، فكتب إليه مالك : إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق ، فرب رجل فتح له في الصلاة ، ولم يفتح له في الصوم ، وآخر فتح له في الصدقة ، ولم يفتح له في الصوم ، وآخر فتح له في الجهاد ، فنشر العلم من افضل أعمال البر ، وقد رضيت بما فتح لي فيه ، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه ، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر .
قال أحمد بن أبي الحواري : جاء رجل من بني هاشم الى عبدالله ابن المبارك ، ليسمع منه فأبى أن يحدثه ، فقال الشريف لغلامه : قم فإن أبا عبدالرحمن لايرى أن يحدثنا ، فلما قام ليركب جاء ابن المبارك ليمسك بركابه ، فقال ، يا أبا عبدالرحمن تفعل هذا ولاترى أن تحدثني ؟ فقال : أذل لك بدني ، ولا أذل لك الحديث .
عن إسحاق بن إبراهيم الطبري قال : مارأيت أحدا أخوف على نفسه ، ولا أرجى للناس من الفضيل ، وكان صحيح الحديث ، صدوق اللسان ، شديد الهيبه للحديث إذا حدث ، وكان يثقل عليه الحديث جدا ، وربما قال لي : لو أنك طلبت مني الدنانير ، كان أيسر علي من أن تطلب مني الحديث ، فقلت : لو حدثتني بأحاديث فوائد ليست عندي ، كان أحب إلي من أن تهب لي عددها دنانير ، قال : إنك مفتون ، أما والله لو عملت بما سمعت ، لكان لك في ذلك شغل عما لم تسمع . سمعت سليمان بن مهران يقول : إذا كان بين يديك طعام تأكله ، فتأخذ اللقمة فترمي بها خلف ظهرك ، متى تشبع ؟ .
قال حرملة سمعت الشافعي يقول : ما رأيت أحدا فيه من آله العلم ما في سفيان بن عيينه ، ومارأيت أكف عن الفتيا منه ، قال : وما رأيت أحدا أحسن تفسيرا للحديث منه . وقال ابن المديني : كان سفيان إذا سُئل قال : لا أُحسن ، فنقول ومن نسأل ؟ فيقول : سل العلماء ، وسل الله التوفيق .
عن ابن مهدي قال : كنت أجلس يوم الجمعة ، فإذا كثر الناس فرحت ، وإذا قلوا حزنت ، فسألت بشر بن منصور فقال : هذا مجلس سوء فلا تعد إليه ، فما عدت إليه .
كان يقال : إذا لقي الرجل الرجل فوقه في العلم ، فهو يوم غنيمته ، وإذا لقي من هو مثله ، دراسه وتعلم منه ، وإذا لقي من هو دونه ، تواضع له وعلمه ، ولا يكون إماما في العلم ، من حدث بكل ما سمع ، ولا يكون إماما من حدث عن كل أحد ، ولا من يحدث بالشاذ والحفظ للإتقان .
قال ابن وهب : كان أول أمري في العبادة قبل طلب العلم ، فولع بي الشيطان في ذكر عيسى ابن مريم عليه السلام : كيف خلقه الله تعالى ، ونحو هذا ، فشكوت ذلك إلى شيخ فقال لي : ابن وهب ، قلت : نعم ، قال : اطلب العلم ، فكان سبب طلبي العلم . قلت : مع أنه طلب العلم في الحداثة ، نعم وحدث عنه خلق كثير ، وانتشر علمه وبعد صيته .
قال يونس الصدفي : ما رأيت اعقل من الشافعي ، ناظرته يوما في مسألة ثم افترقنا ، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال : يا ابا موسى ألا يستقيم ان نكون اخوانا وإن لم نتفق في مسألة ؟ قلت : هذا يدل على كمال عقل هذا الامام وفقه نفسه ، فما زال النظراء يختلفون .
كان الشافعي بعد أن ناظر حفصا الفرد يكره الكلام ، وكان يقول : والله لأن يفتي العالم فيقال : أخطأ العالم ، خير له من ان يتكلم فيقال : زنديق ، وما شيء أبغض إلي من الكلام واهله . قلت : هذا دال على ان مذهب ابي عبد الله ، أن الخطأ في الأصول ، ليس كالخطأ في الاجتهاد في الفروع .
قال الشافعي : من تعلم القرآن عظمت قيمته ، ومن تكلم في الفقه نما قدره ، ومن كتب الحديث قويت حجته ، ومن نظر في اللغة رق طبعه ، ومن نظر في الحساب جزل رأيه ، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه .
قال حرملة : سمعت الشافعي يقول : وددت أن كل علم أعلمه تعلمه الناس ، أوجر عليه ولا يحمدوني .
قال يونس بن عبد الأعلى سمعت الشافعي يقول : يا يونس الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة ، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء ، فكن بين المنقبض والمنبسط . وقال لي : رضى الناس غاية لا تدرك ، وليس إلى السلامة منهم سبيل ، فعليك بما ينفعك فالزمه . وعن الشافعي : العلم ما نفع ، ليس العلم ما حفظ .
عن أحمد بن يونس قال : قلت إذا رجعت من عند سفيان الثوري أخذت نفسي بخير ما علمت ، وإذا أتيت مالك بن مغول تحفظت من لساني ، وإذا أتيت شريكا رجعت بعقل تام ، وإذا أتيت مندل بن علي أهمتني نفسي من حسن صلاته .
عن محمد ابن أبي بشر قال : أتيت أحمد بن حنبل في مسألة ، فقال : ائت أبا عبيد فإن له بيانا لا تسمعه من غيره ، فأتيته فشفاني جوابه ، فأخبرته بقول أحمد فقال : ذاك رجل من عمال الله ، نشر الله رداء عمله ، وذخر له عنده الزلفى ، أما تراه محببا مألوفا ، ما رأيت عيني بالعراق رجلا اجتمعت فيه خصال هي فيه ، فبارك الله له فيما اعطاه من الحلم والعلم والفهم .
قال المروذي قال لي أحمد : ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به ، حتى مر بي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم ، وأعطى أبا طيبة دينارا ، فأعطيت الحجام دينارا حين احتجمت .
قال يحيى بن معين : ما رأيت مثل أحمد ، صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الخير .
قال المروذي : كان أبو عبد الله أحمد بن حنبل اذا ذكر الموت خنقته العبرة ، وكان يقول : الخوف يمنعني اكل الطعام والشراب ، واذا ذكرت الموت هان علي كل امر الدنيا ، إنما هو طعام دون طعام ، ولباس دون لباس ، وإنها ايام قلائل ، ما اعدل بالفقر شيئا ، ولو وجدت السبيل لخرجت حتى لا يكون لي ذكر . وقال : أريد أن أكون في شعب بمكة حتى لا أعرف ، قد بليت بالشهرة ، إني أتمنى الموت صباحا ومساء . قال المروذي لأحمد : أن رجلا يريد لقاءه ، فقال : أليس قد كره بعضهم اللقاء ، يتزين لي وأتزين له ، لقد استرحت ما جاءني الفرج إلا منذ حلفت أن لا احدث ، وليتنا نُترك ، الطريق ما كان عليه بشر بن الحارث ، فقلت : له إن فلانا قال : لم يزهد أبو عبد الله في الدراهم وحدها ، قال : زهد في الناس ، فقال : ومن أنا حتى أزهد في الناس ! الناس يريدون أن يزهدوا في .
عن المروذي قال : لم أر الفقير في مجلس أعز منه في مجلس أحمد ، كان مائلا إليهم مقصرا عن أهل الدنيا ، وكان فيه حلم ، ولم يكن بالعجول ، وكان كثير التواضع ، تعلوه السكينة والوقار ، وإذا جلس في مجلسه بعد العصر للفتيا لا يتكلم حتى يسأل ، وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدر .
عن ابراهيم بن هانئ قال : اختفى أبو عبد الله أحمد بن حنبل عندي ثلاثا ثم قال : اطلب لي موضعا قلت : لا آمن عليك ، قال : افعل فإذا فعلت افدتك ، فطلبت له موضعا فلما خرج قال : اختفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة ايام ثم تحول .
كان يجتمع في مجلس أحمد بن حنبل زهاء خمسة آلاف أو يزيدون ، نحو خمس مئة يكتبون ، والباقون يتعلمون منه حسن الادب والسمت .
قال أحمد بن حنبل : لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق ، وإن كان يخالفنا في أشياء فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضا .
قال سحنون : أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علما وعنه قال : أنا أحفظ مسائل فيها ثمانية أقاويل من ثمانية أئمة فكيف ينبغي أن أعجل بالجواب وقيل إن زيادة الله الأمير بعث يسأل سحنونا عن مسألة فلم يجبه و قال : ما وجدت من باع آخرته بدنيا غيره إلا المفتي وقيل كان إذا قرئت عليه مغازي ابن وهب تسيل دموعه وإذا قريء عليه الزهد لابن وهب يبكي .
قال عمرو بن عثمان المكي ما رأيت أحدا من المتعيدين في كثرة من لقيت منهم أشد اجتهادا من المزني ولا أدوم على العبادة منه وما رأيت أحدا أشد تعظيما للعلم وأهله منه وكان من أشد الناس تضييقا على نفسه في الورع وأوسعه في ذلك على الناس وكان يقول أنا خلق من أخلاق الشافعي .
ابن الحداد الإمام شيخ المالكية وكان يذم التقليد ويقول : هو من نقص العقول أو دناءة الهمم . ويقول : ما للعالم وملاءمة المضاجع .
قال محمد بن جرير الطبري : استخرت الله و سألته العون على ما نويته من تصنيف التفسير قبل أن أعمله ثلاث سنوات فأعانني .
عن ابن خزيمة قال : كنت إذا أردت أن أصنف الشيء أدخل في الصلاة مستخيراً حتى يفتح لي ثم أبتدئ التصنيف .
عن زاهر بن أحمد السرخسي يقول : لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد دعاني فأتيته فقال : اشهد علي أني لا أكفر أحدا من أهل القبلة لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد وإنما هذا كله اختلاف العبارات . قلت : وبنحو هذا أدين وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول : أنا لا أكفر أحدا من الأمة .
عن إبراهيم قال : من أراد أن يتعطل ويتبطل فليلزم الرخص وقال علم الفناء والبقاء يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبودية وما كان غير هذا فهو من المغالطة والزندقة .
قال عروة بلغنا أن الناس بكوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا ليتنا متنا قبله نخشى أن نفتن بعده فقال معن بن عدي : لكني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا .
عن عمار أنه قال : ثلاثة من كن فيه فقد استكمل الإيمان أو قال من كمال الايمان الإنفاق من الإقتار والإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم .
روى أيوب عن أبي قلابة وغيره أن فلانا مر به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أوصوني ، فجعلوا يوصونه وكان معاذ بن جبل في آخر القوم فقال : أوصني يرحمك الله قال : قد أوصوك فلم يألوا وإني سأجمع لك أمرك ، اعلم أنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا ، وأنت إلى نصيبك إلى الآخرة أفقر ، فأبدأ بنصيبك من الآخرة ، فإنه سيمر بك على نصيبك من الدنيا فينتظمه ثم يزول معك أينما زلت .
قال عبد الله بن مسعود لو : سخرت من كلب لخشيت أن أكون كلبا وإني لأكره أن أرى الرجل فارغا ليس في عمل آخرة ولا دنيا .
عن عبد الله بن مسعود قال : من أراد الآخرة أضر بالدنيا ومن أراد الدنيا أضر بالآخرة يا قوم فأضروا بالفاني للباقي .
عن ابن مسعود أنه كان يقول إذا قعد : إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة والموت يأتي بغتة من زرع خيرا يوشك أن يحصد رغبة ومن زرع شرا يوشك أن يحصد ندامة ولكل زارع مثل زرع ، لا يسبق بطيء بحظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له فمن أعطي خيرا فالله أعطاه ومن وقي شرا فالله وقاه المتقون سادة والفقهاء قادة ومجالستهم زيادة .
عن جرير بن عبد الله قال : نزلت بالصفاح في يوم شديد الحر فإذا رجل نائم في حر الشمس يستظل بشجرة معه شيء من الطعام ومزوده تحت رأسه ملتف بعباءة فأمرته أن يظلل عليه ونزلنا فانتبه فإذا هو سلمان فقلت له : ظللنا عليك وما عرفناك ، قال : يا جرير تواضع في الدنيا فإنه من تواضع يرفعه الله يوم القيامة ، ومن يتعظم في الدنيا يضعه الله يوم القيامة ، لو حرصت على أن تجد عودا يابسا في الجنة لم تجده ، قلت : وكيف ؟ قال : أصول الشجر ذهب وفضة ، وأعلاها الثمار ، يا جرير تدري ما ظلمة النار ؟ قلت : لا ، قال : ظلم الناس .
أوخي بين سلمان وأبي الدرداء ، فسكن أبو الدرداء الشام ، وسكن سلمان الكوفة وكتب أبو الدرداء إليه : سلام عليك أما بعد ، فإن الله رزقني بعدك مالا وولدا ، ونزلت الارض المقدسة ، فكتب إليه سلمان : اعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد ولكن الخير أن يعظم حلمك ، وأن ينفعك علمك ، وإن الأرض لا تعمل لأحد ، اعمل كأنك ترى ، واعدد نفسك من الموتى .
كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد : سلام عليك أما بعد ، فإن العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله ، فإذا أبغضه الله بغضه إلى عباده . وقال أبو وائل عن أبي الدرداء : إني لآمركم بالأمر وما أفعله ولكن لعل الله يأجرني فيه .
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : لولا ثلاث ما أحببت البقاء ساعة ، ظمأ الهواجر ، والسجود في الليل ، ومجالسة أقوام ينتقون جيد الكلام كما ينتقى أطايب الثمر .
قال معاوية بن قرة قال أبو الدرداء : ثلاثة أحبهن ويكرههن الناس ، الفقر والمرض والموت ، أحب الفقر تواضعا لربي ، والموت اشتياقا لربي ، والمرض تكفيرا لخطيئتي .
جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال : أوصني ؟ قال : اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء ، وإذا ذكرت فاجعل نفسك كأحدهم ، وإذا أشرفت نفسك على شيء من الدنيا فانظر إلى ما يصير .
عن فضالة بن عبيد قال : ثلاث من الفواقر : إمام إن أحسنت لم يشكر ، وإن أسأت لم يغفر ، وجار إن رأى حسنة دفنها ، وإن رأى سيئة أفشاها ، وزوجة إن حضرت آذتك ، وإن غبت خانتك في نفسها وفي مالك .
عن يونس بن جبير قال : شيعنا جندبا فقلت له : أوصنا ؟ قال : أوصيكم بتقوى الله وأوصيكم بالقرآن ، فإنه نور بالليل المظلم ، و هدى بالنهار ، فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقة ، فإن عرض بلاء فقدم مالك دون دينك ، فإن تجاوز البلاء فقدم مالك ونفسك دون دينك ، فإن المخروب من خرب دينه ، والمسلوب من سلب دينه ، واعلم أنه لا فاقة بعد الجنة ، ولا غنى بعد النار .
قال المبرد : قيل للحسن بن علي : إن أبا ذر يقول الفقر أحب إلي من الغنى ، والسقم أحب إلي من الصحة ؟ فقال : رحم الله أبا ذر ، أما أنا فأقول : من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن شيئا ، وهذا حد الوقوف على الرضى بما تصرف به القضاء .
قال الأحنف : ثلاث فيّ ما أذكرهن إلا لمعتبر ، ما أتيت باب سلطان إلا أن أدعى ، ولا دخلت بين اثنين حتى يدخلاني بينهما ، وما أذكر أحدا بعد أن يقوم من عندي إلا بخير .