10. فوائد من كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي
حكمــــــة
قال بشر بن المعتمر، في وصيته في البلاغة: إذا لم تجد اللفظة واقعة موقعها، ولا صائرة إلى مستقرها، ولا حالة في مركزها، بل وجدتها قلقة في مكانها، نافرة عن موضعها، فلا تكرهها على القرار في غير موضعها، فإنك إن لم تتعاط قريض الشعر الموزون، ولم تتكلف اختيار الكلام المنثور، لم يعبك بترك ذلك أحد. وإذا أنت تكلفتهما ولم تكن حاذقا فيهما عابك من أنت أقل عيبا منه، وأزرى عليك من أنت فوقه. وأما المناسبة فهي أن يكون المعنى يليق ببعض الالفاظ إما لعرف مستعمل، أو لاتفاق مستحسن، حتى إذا ذكرت تلك المعاني بعد تلك الالفاظ كانت نافرة عنها، وإن كانت أفصح وأوضح لاعتياد ما سواها.
حكمــــــة
اعلم أن للكلام آدابا إن أغفلها المتكلم أذهب رونق كلامه، وطمس بهجة بيانه، ولها الناس عن محاسن فضله بمساوي أدبه، فعدلوا عن مناقبه بذكر مثالبه. فمن آدابه: أن لا يتجاوز في مدح ولا يسرف في ذم وإن كانت النزاهة عن الذم كرما والتجاوز في المدح ملقا يصدر عن مهانة. والسرف في الذم انتقام يصدر عن شر، وكلاهما شين وإن سلم من الكذب.
حكمــــــة
حكي عن الاصمعي أن الرشيد سأله يوما عن أنساب بعض العرب فقال: على الخبير سقطت يا أمير المؤمنين. فقال له الفضل بن الربيع: أسقط الله جنبيك أتخاطب أمير المؤمنين بمثل هذا الخطاب؟ فكان الفضل بن الربيع، مع قلة علمه أعلم بما يستعمل من الكلام في محاورة الخلفاء من الاصمعي الذي هو واحد عصره وقريع دهره.
حكمــــــة
اعلم أن من الحزم لكل ذي لب أن لا يبرم أمرا ولا يمضي عزما الا بمشورة ذي الرأي الناصح، ومطالعة ذي العقل الراجح. فإن الله تعالى أمر بالمشورة نبيه صلى الله عليه وسلم مع ما تكفل به من إرشاده، ووعد به من تأييده، فقال تعالى: {وشاورهم في الامر}. قال قتادة: أمره بمشاورتهم تألفا لهم وتطييبا لأنفسهم. وقال الضحاك: أمره بمشاورتهم لما علم فيها من الفضل. وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: أمره بمشاورتهم ليستن به المسلمون ويتبعه فيها المؤمنون وإن كان عن مشورتهم غنيا.
حكمــــــة
قال بعض البلغاء: إذا أشكلت عليك الامور وتغير لك الجمهور فارجع إلى رأي العقلاء، وافزع إلى استشارة العلماء، ولا تأنف من الاسترشاد، ولا تستنكف من الاستمداد. فلان تسأل وتسلم خير لك من أن تستبد وتندم. وينبغي أن تكثر من استشارة ذوي الالباب لا سيما في الامر الجليل فقلما يضل عن الجماعة رأي، أو يذهب عنهم صواب، لإرسال الخواطر الثاقبة وإجالة الافكار الصادقة فلا يعزب عنها ممكن ولا يخفى عليها جائز.