6. فوائد من كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي
حكمــــــة
قال بعض البلغاء: ليكن غرضك في اتخاذ الاخوان واصطناع النصحاء تكثير العدة لا تكثير العدة، وتحصيل النفع لا تحصيل الجمع، فواحد يحصل به المراد خير من ألف تكثر الاعداد. وإذا كان التجانس والتشاكل من قواعد الاخوة وأسباب المودة، كان وفور العقل وظهور الفضل يقتضي من حال صاحبه قلة إخوانه؛ لأنه يروم مثله، ويطلب شكله وأمثاله من ذوي العقل والفضل أقل من أضداده من ذوي الحمق والنقص؛ لأن الخيار في كل شيء هو الاقل، فلذلك قل وفور العقل والفضل. وقد قال الله تعالى: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون}. فقل بهذا التعليل إخوان أهل الفضل لقلتهم، وكثر إخوان ذوي النقص والجهل؛ لكثرتهم.
حكمــــــة
قال بعض البلغاء: لا يزهدنك في رجل حمدت سيرته، وارتضيت وتيرته، وعرفت فضله، وبطنت عقله عيب تحيط به كثرة فضائله، أو ذنب صغير تستغفر له قوة وسائله. فإنك لن تجد، ما بقيت، مهذبا لا يكون فيه عيب، ولا يقع منه ذنب. فاعتبر نفسك، بعد، أن لا تراها بعين الرضى، ولا تجري فيها على حكم الهوى، فإن في اعتبارك واختيارك لها ما يؤيسك مما تطلب، ويعطفك على من يذنب.
حكمــــــة
اعلم أن السرف والتبذير قد يفترق معناهما. فالسرف: هو الجهل بمقادير الحقوق، والتبذير: هو الجهل بمواقع الحقوق. وكلاهما مذموم، وذم التبذير أعظم؛ لأن المسرف يخطئ في الزيادة، والمبذر يخطئ في الجهل. ومن جهل مواقع الحقوق ومقاديرها بماله وأخطأها، فهو كمن جهلها بفعاله فتعداها وكما أنه بتبذيره قد يضع الشيء في غير موضعه، فهكذا قد يعدل به عن موضعه؛ لأن المال أقل من أن يوضع في كل موضع من حق وغير حق.