4. فوائد من كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي
حكمــــــة
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ تَرَكَ نَصِيبَهُ مِنْ الدُّنْيَا اسْتَوْفَى حَظَّهُ مِنْ الاخِرَةِ. قَالَ آخَرُ: تَرْكُ التَّلَبُّسِ بِالدُّنْيَا قَبْلَ التَّشَبُّثِ بِهَا أَهْوَنُ مِنْ رَفْضِهَا بَعْدَ مُلاَبَسَتَهَا. قَالَ آخَرُ: لِيَكُنْ طَلَبُك لِلدُّنْيَا اضْطِرَارًا، وَتَذَكُّرُك فِي الامُورِ اعْتِبَارًا، وَسَعْيُك لِمَعَادِك ابْتِدَارًا.
حكمــــــة
قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: كُلُّ امْرِئٍ يَجْرِي مِنْ عُمُرِهِ إلَى غَايَةٍ تَنْتَهِي إلَيْهَا مُدَّةُ أَجَلِهِ، وَتَنْطَوِي عَلَيْهَا صَحِيفَةُ عَمَلِهِ، فَخُذْ مِنْ نَفْسِك لِنَفْسِك، وَقِسْ يَوْمَك بِأَمْسِك، وَكَفَّ عَنْ سَيِّئَاتِك، وَزِدْ فِي حَسَنَاتِك قَبْلَ أَنْ تَسْتَوْفِيَ مُدَّةَ الاجَلِ وَتُقَصِّرْ عَنْ الزِّيَادَةِ فِي السَّعْيِ وَالْعَمَلِ.
حكمــــــة
رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: غَرَّ جَهُولاً أَمَلُهْ يَمُوتُ مَنْ جَا أَجَلُهْ وَمَنْ دَنَا مِنْ حَتْفِهِ لَمْ تُغْنِ عَنْهُ حِيَلُهْ وَمَا بَقَاءُ آخِرٍ قَدْ غَابَ عَنْهُ أَوَّلُهْ وَالْمَرْءُ لاَ يَصْحَبُهُ فِي الْقَبْرِ الا عَمَلُهْ.
حكمــــــة
قَالَ الْجَاحِظُ، فِي كِتَابِ الْبَيَانِ وُجِدَ مَكْتُوبًا فِي حَجَرٍ: يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ رَأَيْت يَسِيرَ مَا بَقِيَ مِنْ أَجَلِك، لَزَهِدْت فِي طَوِيلِ مَا تَرْجُو مِنْ أَمَلِك، وَلَرَغِبْت فِي الزِّيَادَةِ مِنْ عَمَلِك، وَلَقَصَّرْت مِنْ حِرْصِك وَحِيَلِك، وَإِنَّمَا يَلْقَاك غَدًا نَدَمُك، لَوْ قَدْ زَلَّتْ بِك قَدَمُك، وَأَسْلَمَك أَهْلُك وَحَشَمُك، وَتَبَرَّأَ مِنْك الْقَرِيبُ، وَانْصَرَفَ عَنْك الْحَبِيبُ.
حكمــــــة
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: النَّاسُ طَالِبَانِ يَطْلُبَانِ: فَطَالِبٌ يَطْلُبُ الدُّنْيَا فَارْفُضُوهَا فِي نَحْرِهِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَدْرَكَ الَّذِي يَطْلُبُهُ مِنْهَا فَهَلَكَ بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، وَطَالِبٌ يَطْلُبُ الاخِرَةَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبًا يَطْلُبُ الاخِرَةَ فَنَافِسُوهُ فِيهَا.
حكمــــــة
دَخَلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه الشَّامَ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الشَّامِ اسْمَعُوا قَوْلَ أَخٍ نَاصِحٍ، فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكُمْ تَبْنُونَ مَا لاَ تَسْكُنُونَ، وَتَجْمَعُونَ مَا لاَ تَأْكُلُونَ إنَّ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكُمْ بَنَوْا مَشِيدًا، وَأَمَّلُوا بَعِيدًا، وَجَمَعُوا كَثِيرًا فَأَصْبَحَ أَمَلُهُمْ غُرُورًا، وَجَمْعُهُمْ ثُبُورًا، وَمَسَاكِنُهُمْ قُبُورًا.
حكمــــــة
قَالَ أَبُو حَازِمٍ: إنَّ الدُّنْيَا غَرَّتْ أَقْوَامًا فَعَمِلُوا فِيهَا بِغَيْرِ الْحَقِّ فَعَاجَلَهُمْ الْمَوْتُ فَخَلَّفُوا مَالَهُمْ لِمَنْ لاَ يَحْمَدُهُمْ وَصَارُوا لِمَنْ لاَ يَعْذُرْهُمْ، وَقَدْ خُلِقْنَا بَعْدَهُمْ فَيَنْبَغِي أَنْ نَنْظُرَ لِلَّذِي كَرِهْنَاهُ مِنْهُمْ فَنَجْتَنِبَهُ، وَاَلَّذِي غَبَطْنَاهُمْ بِهِ فَنَسْتَعْمِلَهُ.
حكمــــــة
حَفَرَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَم فِي دَارِهِ قَبْرًا فَكَانَ إذَا وَجَدَ فِي قَلْبِهِ قَسْوَةً جَاءَ فَاضْطَجَعَ فِي الْقَبْرِ فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَقُولُ: {رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}. ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ: قَدْ أَرْجَعْتُك فَجِدِّي. فَمَكَثَ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ.
حكمــــــة
كَتَبَ رَجُلٌ إلَى صَالِحِ بْنِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ: الْمَوْتُ بَابٌ وَكُلُّ النَّاسِ دَاخِلُهُ فَلَيْتَ شَعْرِي بَعْدَ الْبَابِ مَا الدَّارُ فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: الدَّارُ جَنَّاتُ عَدْنٍ إنْ عَمِلْت بِمَا يُرْضِي الالَهَ وَإِنْ خَالَفْت فَالنَّارُ هُمَا مَحَلاَنِ مَا لِلنَّاسِ غَيْرُهُمَا فَانْظُرْ لِنَفْسِك مَاذَا أَنْتَ مُخْتَارُ.
حكمــــــة
اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لِنَافِذِ قُدْرَتِهِ وَبَالِغِ حِكْمَتِهِ، خَلَقَ الْخَلْقَ بِتَدْبِيرِهِ وَفَطَرَهُمْ بِتَقْدِيرِهِ، فَكَانَ مِنْ لَطِيفِ مَا دَبَّرَهُ وَبَدِيعِ مَا قَدَّرَهُ، أَنَّهُ خَلَقَهُمْ مُحْتَاجِينَ وَفَطَرَهُمْ عَاجِزِينَ، لِيَكُونَ بِالْغِنَى مُنْفَرِدًا وَبِالْقُدْرَةِ مُخْتَصًّا حَتَّى يُشْعِرَنَا بِقُدْرَتِهِ أَنَّهُ خَالِقٌ، وَيُعْلِمَنَا بِغِنَاهُ أَنَّهُ رَازِقٌ، فَنُذْعِنَ بِطَاعَتِهِ رَغْبَةً وَرَهْبَةً وَنُقِرَّ بِنَقَائِصِنَا عَجْزًا وَحَاجَةً. ثُمَّ جَعَلَ الانْسَانَ أَكْثَرَ حَاجَةً مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحَيَوَانِ مَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ عَنْ جِنْسِهِ، وَالانْسَانُ مَطْبُوعٌ عَلَى الافْتِقَارِ إلَى جِنْسِهِ. وَاسْتِعَانَتُهُ صِفَةٌ لاَزِمَةٌ لِطَبْعِهِ، وَخِلْقَةٌ قَائِمَةٌ فِي جَوْهَرِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَخُلِقَ الانْسَانُ ضَعِيفًا}. يَعْنِي عَنْ الصَّبْرِ عَمَّا هُوَ إلَيْهِ مُفْتَقِرٌ وَاحْتِمَالِ مَا هُوَ عَنْهُ عَاجِزٌ.
حكمــــــة
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ: اسْتِغْنَاؤُك عَنْ الشَّيْءِ خَيْرٌ مِنْ اسْتِغْنَائِك بِهِ. وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى الانْسَانَ بِكَثْرَةِ الْحَاجَةِ وَظُهُورِ الْعَجْزِ نِعْمَةً عَلَيْهِ وَلُطْفًا بِهِ؛ لِيَكُونَ ذُلُّ الْحَاجَةِ وَمُهَانَةُ الْعَجْزِ يَمْنَعَانِهِ مِنْ طُغْيَانِ الْغِنَى وَبَغْيِ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ الطُّغْيَانَ مَرْكُوزٌ فِي طَبْعِهِ إذَا اسْتَغْنَى، وَالْبَغْيَ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ إذَا قَدَرَ. وَقَدْ أَنْبَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ عَنْهُ فَقَالَ: {كَلاً إنَّ الانْسَانَ لِيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}. ثُمَّ لِيَكُونَ أَقْوَى الامُورِ شَاهِدًا عَلَى نَقْصِهِ، وَأَوْضَحَهَا دَلِيلاً عَلَى عَجْزِهِ.