5. فوائد من كتاب بهجة المجالس
قال بعض الفلاسفة : أظلم الناس لنفسه من تواضع لمن لا يكرمه ، ورغب فيمن يبعده. قال عبد الملك بن مروان : أفضل النّاس من تواضع عن رفعة ، وزهد عن قدرة ، وأنصف عن قوة .
قال بزر جمهر : وجدنا التواضع مع الجهل والبخل ، أحمد من الكبر مع الأدب والسخاء فأعظم بحسنه سترت من صاحبها سيئتين ، وأقبح بسيئة غطّت من صاحبها حسنتين.
كان يقال : من حقوق الشّرف أن تتواضع لمن هو دونك ، وتنصف من هو مثلك ، وتنبل على من هو فوقك.
قالوا : ثلاثة من حقائق الإيمان : الاقتصاد في الإنفاق ، والابتداء بالسلام والإنصاف من نفسك. قال مالك رضى اللّه عنه :ليس في الإنسان شئٌ أقل من الإنصاف.
قال جعفر بن سعد : ما أقلّ الإنصاف ، وما أكثر الخلاف ، الخلاف موكل بكلّ شئ حتى القذاة في رأس الكوز ، فإذا أردت أن تشرب الماء جاءت إلى فيك ، وإذا أردت أن تصب من رأس الكوز لتخرج رجعت.
قال الحسن : إن اللّه لم يأمر نبيّه بمشاورة أصحابه حاجة منه إلى رأيهم ، ولكنه أراد أن يعرفهم ما في المشورة من البركة.
قال عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه : شاور في أمرك من يخاف اللّه عز وجل. قال عامر بن الظّرب : الرأى نائم والهوى يقظان ، فلذلك يغلب الهوى الرأى.
قيل لرجل من بنى عبس. ما أكثر صوابكم ؟! قال : نحن ألفٌ وفينا حازم واحد ، ونحن نشاوره ونطيعه ، فصرنا ألف حازم.
كان يقال : بإجالة الفكرة يستدرّ الرأى المصيب . كان علىّ بن أبى طالب يقول : رأى الشيخ خير من مشهد الغلام .
مرّ حارثه بن زيد بالأحنف بن قيس فقال : لولا أنك عجلان لشاورتك في بعض الأمر؟ فقال : يا حارثه أجل ، كانوا لايشاورون الجائع حتى يشبع والعطشان حتى ينقع ، والأسير حتى يطلق ، والمضلّ حتى يجد ، والراغب حتى يمنح.
كان يقال : استشر عدوّك العاقل ، ولا تستشر صديقك الأحمق ، فإن العاقل يتقي على رأيه الزّلل ، كما يتقي الورع على دينه الجرح.
قال بعض البلغاء : لا نتيجة لرأى إلا عن طاعة ونصيحة ، ولا نتيجة لمشورة إلا عن محبة ومودة. وقال بعضهم : لاتترك الأمر مقبلا ، وتطلبه مدبراً ، فإن ذلك من ضعف العقل وقلة الرأى.
كان يقال : لا تدخل في رأيك بخيلا فيقصّر فعلك ، ولا جباناً فيخوّفك مالا تخاف ، ولا حريصاً فيعدك مالا يرجى.
قال الملهب : إذا كان الرأى عند من يملكه دون من يبصره ضاعت الأمور. قال أكثم بن صيفى : المشورة مادة الرأى.
قال الحكماء : إذا كنت مستشيراً فتوخّ ذا الرأى والنصيحة ،فإنه لا يكتفى برأى من لا ينصح ، ولا نصيحة لمن لا رأى له.
قال ابن هبيرة لبعض ولده : ولا تشر على مستبدّ ، ولا على عدوّ ، ولا على متّلون ، ولا على لجوج ، ولا تكون أول مستشار ، ولا أول مشير ، وإياك والرأى الفطير ، وخف اللّه في المستشير ، فإن التماس موافقه لؤم ، وسوء الاستماع منه خيانة.
قال سليمان عليه السلام لابنه : يا بنى لا تقطع أمراً حتى تشاور مرشداً فإنك إذا فعلت ذلك لم تندم. كان يقال : من اجتهد رأيه وشاور صديقه ، قضى ما عليه.
قال عمرو بن العاص : ما نزلت بى قطّ عظيمةٌ فأبرمتها حتى أشاور عشرةً من قريش مرتين فإن أصبت كان الحظّ لى دونهم ، وإن أخطأت لم أرجع على نفسى بلائمة.
كان يقال : أمران جليلان لا يصلح أحداهما إلاّ بالتفرّد ، ولا يصلح الآخر إلا بالتّعاون ، الملك والرّأى ، فإن استقام الملك بالشركاء استقام الرأى بالاستبداد ، وهذا لا يكون أبداً.
قال الأحنف : اضربوا الرأى بعضه ببعض يتولّد منه الصّواب ، وتجنّبوا منه شدة الحزم ، واتّهموا عقولكم ، فإن فيها نتائج الخطأ ، وذمّ العاقبة.
قال بعض الحكماء : حقيق أن يوكّل إلى نفسه ، من أعجب برأيه. قال عبد الملك : اللحن هجنة الشريف ، والعجب آفه الرأى.
قال قتيبه بن مسلم : من أعجب برأيه ، لم يشاور كفيا ، ولم يوات نصيحاً. قال عبد الملك بن مروان : لأن أخطئ وقد استشرت أحب إلىّ من أن أصيب من غير مشورة.
قال بزر جمهر : أفره الدّواب لاغنى به عن السّوط ، وأعفّ النساء لا غنى بها عن الزواج ، وأعقل الرجال لا غنى به عن المشورة.
قال قتيبه بن مسلم : الخطأ مع الجماعة خيرٌ من الصواب مع الفرقة ، وإن كانت الجماعة لا تخطئ ، والفرقة لا تصيب.
قال المأمون : ثلاثٌ لا يعدم المرء الرشد فيهنّ : مشاورة ناصح ، ومداراة حاسد ، والتحبب إلى الناس.
كان عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه يستشير في الأمر ، حتى إن كان ربما استشار المرأة ، فأبصر في رأيها فضلا.
كان يقال : ما من قوم تمالئوا على أمرهم ، ثم شاوروا امرأة إلا تبّر اللّه أمرهم. قال عبد الملك بن مروان : لأن أخطئ وقد استشرت أحب إلىّ من أن أصيب من غير مشورة.
كان يقال : من طلب الرّخصة من الإخوان عند المشورة ، ومن الفقهاء عند الشبهة ، من الأطباء عند المرض ، أخطأ الرّأى ، وحمل الوزر ، وازداد مرضاً .
قال عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه : من كتم سره كان الخيار بيده ، ومن عرّض نفسه للتّهمة فلا يلومنّ من أساء الظنّ به.
قال عمرو بن العاص : ما استودعت رجلا سرّاً فأفشاه فلمته ، لأنى كنت به أضيق صدراً حين استودعته إياه.
قال أكثم بن صيفي : إن سرّك من دمك ، فانظر أين تريقه. كان يقال : احفظوا أسراركم كما تحفظون أبصاركم وكان يقال : أكثر ما يتم به التدبير الكتمان.
قال أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه في كتابه إلى خالد بن الوليد : احرص على الموت توهب لك الحياة .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبعض بني عبسٍ : كم كنتم في يوم كذا ؟ قال : كنا مائه ، لم نكثر فنتوا كل ونفشل ، ولم نقلَّ فنذلَّ. قال : فيم كنتم تظهرونّ على أعدائكم ، ولستم بأكثر منهم ؟ قال : كنا نصبر بعض الناس هنيهة.
وفد على عمر بن الخطاب بفتح ، فقال : متى لقيتم عدوكم ؟ قالوا : أول النهار. قال : فمتى انهزموا ؟ قالوا : آخر النهار ، فقال : إناّ للّه! وأقام الشرك للإيمان من أول النهار إلى آخره!! واللّه إن كان هذا إلاّ عن ذنب بعدى ، أو أحدثته بعدكم ، ولقد استعملت يعلى بن أميّة على اليمن استنصر لكم بصلاحه.
قال عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه ، لعمرو بن معدى كرب : أخبرنى عن السّلاح.قال : سل عما شئت. قال : الرّمح ، قال : أخوك وربما خانك. قال النّبل ؟ قال : منايا تخطئ وتصيب. قال : التّرس ، قال : ذلك المجنّ وعليه تدور الدوائر, قال : الدّرع ، قال : مشغلة للرّاجل متعبةٌ للفارس ، وإنها لحصنٌ حصين. قال : السيف ؟ قال : قارعتك أمّك على الثّكل. قال عمر : بل أمّك. قال : أخبرني عن الحرب قال : مرّة المذاق إذا قلصت عن ساق من صبر لها عرف ومن ضعف عنها تلف .
قال عمر بن الخطاب :الجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث يشاء ، فالجبان يفر عن أهله وولده ،والجرئ يقاتل عمن لا يؤؤب به إلى رحله
قال عمر بن الخطّاب : لا تلم أخاك على ما يكون العذر في مثله. قال الأحنف : إيّاك وما يعتذر منه ، فإنّه قلمّا اعتذر أحدٌ فسلم من كذب .
قال الحسن بن علىّ رضى اللّه عنهما : لو أنّ رجلا شتمني في آذني هذه ، واعتذر إلى في أذني هذه لقبلت عذره.
قال الأحنف :إذا اعتذر إليك معتذر ،فلتلقه بالبشر. اعتذر إلى قتيبة بن مسلم رجل فقبل منه ،ثم قال :لا يدعونك أمرٌ قد تخلصت منه إلى الدخول فيما لعّلك لا تتخلص منه.
اعتذر رجلٌ إلى أبى عبيد الله الوزير الكاتب ،فأساء الاعتذار ،فقال أبو عبيد الله : ما رأيت اعتذاراً أشبه باستئناف ذنب من هذا.
قال بعض الحكماء : وعد الكريم نقد ، ووعد اللئيم تسويف كان يحيى بن خالد يقول : المواعيد شباك الكرام يصيدون بها محامد الإخوان ، ألا تراهم يقولون : فلانٌ ينجز الوعد ، ويفي بالضمان ، ويصدق في المقال ، ولولا ما تقدم من حسن موقع الوعد ، لبطل حسن هذا المدح.
كان يحيى بن خالد ، يقول : إنّ الحاجة إذا لم يتقدمها وعدٌ تنتظر نجحه ، لم تتجاوب الأنفس سرورها ، فدع الحاجة تختمر بالوعد ، ليكون لها عند المصطنع حسن موقع ولطف محل.
من كلام يحيى بن خالد بن برمك أيضاً : " لا " الكريم أنجح من " نعم " الئيم ، لأنّ " لا " الكريم ، ربما كانت في وقت غضب ، وإبّان سآمة ، " ونعم " الئيم تصدر عن تصنع وفساد نيّة وقبح مآل.
قال ابن الكلبي ، عن أبيه : كان عرقوبٌ رجلا من العماليق ، فأتاه أخ له يسأله شيئاً ،فقال له عرقوب : إذا طلع نخلى فلما طلع أتاه فقال له : إذا بلح ، فلما بلح أتاه ، فقال :إذا زهى ،فلما زهى أتاه ،فقال :إذا أرطب ،فلما أرطب أتاه ، فقال : إذا ثمر ، فلمّا ثمر جذّه ليلا ، ولم يعطيه شيئاً ، فضربت به العرب المثل في خلف الوعد.
قال الحكماء : من خاف الكذب ، أقل المواعيد. قالوا : أمران لا يسلمان من الكذب ، كثرة المواعيد ، وشدة الاعتذار.
ذكر أبو بكر الصديق عند ابن عباس ، فقال : كان واللّه بالمسلم حفيا ، وعلى الكافر قسيا ، وعن اللذة سليا ، يتواضع حيث لا توهن نصرته ، ويعلو حين لا تخاف سطوته ، القرآن قائده ، الموت إمامه ، لأن الأمر بين عينيه ، وعاقبته بين يديه ، رحمه اللّه وأحسن عنا مجازاته.
ذكر ابن عباس أبا بكر رضى الله عنهما ،فقال :كان ثاني اثنين إذهما فى الغار ، وثاني اثنين في العريش ،وثاني اثنين في القبر.
سئل عبد اللّه بن عباس عن علىّ بن أبى طالب ، فقال : ما شئت من ضرس قاطع في العلم بكتاب اللّه ، والفقه في سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وكانت له مصاهرة النبي صلى اللّه عليه وسلم ، والتبطن في العشيرة ، والنجدة في الحرب ، والبذل للماعون.
قال عمر وبن أمية الضّمرىّ للنجاشى ،حين وجهّه إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :أيها الملك!كأنك في الرّأفة علينا منّا ،لم نرجك قطّ لأمر إلا نلناه ،ولم نخفك قطّ على أمر إلا أمنّاه.
وقف حيّان بن مالك بن جعفر على قبر عامر بن الطّفيل ،فقال :كان واللّه لا يضل حتى يضل النّجم ،ولا يعطش حتى يعطش البعير ،ولا يهاب حتى يهاب السيل.
وصف أبو مهديةّ الأعرابي قوماً ،فقال :أدبتهم الحكمة ،وأحكمتهم التجربة ،ولم تغررهم السلامة المنطوية على الهلكة ،ورحل عنهم التسويف الذى قطع الناس به مسافة آجالهم ،فذلت ألسنتهم بالوعد ،وأنبسطت أيديهم بالإنجاز ،فأحسنوا المقال وشفعوه بالفعال.
قال عليّ بن حسين : إذا قال فيك رجلٌ مالا يعلم من الخير ، أوشك أن يقول فيك ما يعلم من الشّر.
قال الحسن :ذمّ الرجل نفسه في العلانيه مدحٌ لها في السرّ. كان يقال :من أظهر عيب نفسه فقد زكّاها.
افتخر رجلان عند عليّ بن أبي طالب رضى اللّه عنه ، فقال : أتفتخران بأجساد بالية ، وأرواح في النار ؟ ! إن يكن لكما عقلٌ فلكما أصل ، وإن لم يكن لكما خلق فلكما شرف ، وإن يكن لكما تقوى فلكما كرم ، وإلاّ فالحمار خير منكما ، ولستما خيراً من أحد.
قال عليّ بن أبي طالب رضى اللّه عنه : العاقل من لم يحرمه نصيبه من الدنيا حظّه من الآخرة. كان يقال :إذا كان علم الرجل أكثر من عقله ،كان قميناً أن يضرّه علمه.
قال عليّ بن أبي طالب في وصيته لابنه : لا مال أعوذ من العقل ، ولا فقر أشدّ من الجهل ، ولا وحده أوحش من العجب ، ولا مظاهرة كالمشاورة ، ولا حسب كحسن الخلق.
قال عمرو بن العاص :ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر ،ولكنه الذي يعرف خير الشرين. قال أردشير بن بابك :نموّ العقل بالعلم .
قال العتبيّ :العقل نوعان ،فأحدهما ما تفرد الله بصنعته ،والآخر ما يستفيده المرء بأدبه وتجربته ،ولا سبيل إلى العقل المستفاد إلاّ بصحة العقل المركب ،فإنهما إذا اجتمعنا قوّى كلٌّ منهما صاحبه ،كما أن النار في الظلمة نور للبصر
كتب عمر بن عبد العزيز رضى اللّه عنه ، إلى بعض عماله : أمّا بعد ، فإنّ العقل المفرد لا يقوى به على أمر العامّة ،ولا يكتفي به في أمر الخاصّة ،فأحي عقلك بعلم العلماء والأشراف من أهل التّجارب والمروءات ،والسّلام.
قال أيوب بن القرّيّة :الناس ثلاثة :عاقلٌ ،وأحمق ،وفاجرٌ ،فالعاقل :الدّين شريعته ،والحلم طبيعته ،والرأى الحسن سجيتّه ،إن نطق أصاب ،وإن سمع وعى ،وإن كلّم أجاب.والأحمق :إن تكلّم مجل ،وإن حدّث وهل ،وإن استنزل عن رأيه نزل.وأما الفاجر :فإن ائتمنته خانك ،وإن صحبنه شانك.
قال مطرّف بن الشّخّير :عقول كلّ قوم على قدر زمانهم. قيل لابن شبرمة :ما حدّ الحمق ؟ قال :لا حدّ له.
كان يقال :ستّ خصال تعرف في الجاهل :الغضب في غير شئ ،والكلام في غير نفع ،والعطيّة في غير موضعها ،وإفشاء السّر ،والثقة بكلّ أحد ،ولا يعرف صديقه من عدوه.
كان يحيى بن خالد ،يقول :ثلاثة أشياء تدلّ على عقول أربابها :الكتاب على مقدار عقل كاتبه ،والرسول على مقدار عقل مرسله ،والهديّة على مقدار عقل مهديها.
قال ابن الأعرابي :سمّى الرجل أحمق ،لأنه لا يميز كلامه من رعونته قال :والحمق أيضاً الكساد ،يقال :انحمقت السّوق إذا كسدت ،ومنه الرجل الأحمق لأنه كاسد العقل لا ينتفع برأيه ولا بعزمه. والحمق أيضاً :الغرور ،يقال :سرنا في ليالٍ محمّقات ، إذا كان القمر فيهن يستتر بغيم أبيض رقيق ، فيغتّر الناس بذلك يظنون أن قد أصبحوا فيسيرون حتّى يملوا.
قال الحسن البصرى : صلة العاقل إقامةٌ لدين اللّه ، وهجران الأحمق قربة إلى اللّه ، وإكرام المؤمن خدمةٌ للّه وتواضعٌ له.
قال عبد بن الحسن : حمق الرجل يفسد دينه ، ولا دين لمن لا عقل له. كان يقال : إذا تمّ العقل نقص الكلام.
قال على بن أبي طالب : لا تؤاخ الأحمق ، ولا الفاجر ، أمّا الأحمق فمدخله ومخرجه شين عليك ، وأما الفاجر : فيزيّن لك فعله ، ويود أنك مثله.
قال بعض الحكماء :ينبغي للعاقل أن يتمسك بستّ خصال :أن يحفظ دينه ،ويصون عرضه ،ويصل رحمه ،ويحفظ جاره ،ويرعى حقّ إخوانه ،ويحزن عن البذاء لسانه.
كان الحسن البصرىّ إذا أخبر عن أحد بصلاح ،قال :كيف عقله ؟ ثم يقول :ما يتم دين أمرئٍ حتّى يتم علقه.
قال بعض الحكماء :وكّل الحرمان بالعقل ،والرزق بالجهل ،ليعتبر العاقل فيعلم أنّ الرزق ليس عن حيلة.
قال الحسن :لأنا للعاقل المدبر ،أرجى منّى للأحمق المقبل. كان يقال :الأحمق بشأنه أعلم من العاقل بشأن غيره.
سمع الأحنف رجلا يقول : ما أبالى أمدحت أم هجيت. فقال : استرحت من حيث تعب الكرام. قالت العرب : استراح من لا عقل له.
قال بعض الحكماء : من الحمق التماس الإخوان بغير وفاء ، والتماس الآخرة بالرّياء. والتماس مودة النّساء بالغلظة ، والتماس العلم والفضل بالدّعة والخفض .
كان أشعب الطّمع كثير الإلمام بسالم بن عبد اللّه بن عمر ، فأتاه يوماً وهو في حائط مع أهله ، فمنعه البواب من الدخول عليه من أجل عياله ، وقال : إنّهم يأكلون. فمال عن الباب ، وتسوّر عليهم الحائط ، فلمّا رآه سالم ، قال : سبحان اللّه يا أشعب! على عيالى وبناتي تتسوّر. فقال له "لقد علمت مالنا في بناتك من حقّ ، وإنك لتعلم ما نريد". فقال له : انزل يأتك من الطّعام ما تريد.
طويسٌ الذي تضرب به العرب المثل في الشّؤم ، هو رجلٌ من أهل المدينة مولى لبني مخزوم ، واسمه عيسى بن عبد اللّه ، وهو أول من أظهر الخنا والمجون بالمدينة ، وكان مغنيا يضرب الدف ، وسئل عن والده ، فقال : ولده ، فقال ، ولدت يوم مات النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وفطمت يوم مات أبو بكر ، وختنت يوم قتل عمر ، وتزوجت يوم قتل عثمان ، وولد لي يوم قتل على بن أبي طالب فيقولون في أمثالهم السّائرة. أشأم من طويس.
كان بعض أمراء خراسان يتشاءم بالحول ، فمتى رأى أحول ضربه بالسّياط ، وربما ضرب بعضهم خمسائة سوط ، وحدث أنه ركب في بعض الأيام ، فرأى أحول فأمر بضربه ، وكان الأحول جلداً ، فلما فرغ من ضربه ، قال له : أيها الأمير! أصلحك اللّه ، لم ضربتني ? قال : لأني أتشاءم بالحول. قال : فأينا أشدّ شؤماً على صاحبه ، أنت رأيتني ولم يصبك إلاّ خير ، وأنا رأيتك فضربتني خمسائة سوط ، فأنت إذا أشد شؤماً. فاستحيا منه ولم يضرب بعده أحداً.
كانت في سعيد بن فروخ بن القطان ، والد يحيى سعيد الفقيه ، غفلة شديدة مشهورة ، فخرج يوم الجمعة وقد تهيأ للصلاة ، فلقى رجلا من أهل البصرة كثير المزاح ، فقال له : قد أخروا الجمعة إلى غد ، فقال : حسن. ورجع إلى منزله.
كان الشّعبي يوماً جالساً في مجلسه ، والناس يتناظرون في الفقه عنده ، معه شيخ يطيل السكوت ، فقيل له يوماً : لو سألت عن مسألة تنتفع بها ، فقال : إني لأجد في قفاي حكّة ، أفترى لي أن أحتجم ؟ فقال الشعبي : الحمد لله الذي نقلنا من الفقه إلى الحجامة .