3. فوائد من كتاب بهجة المجالس
عن عمر رضي الله عنه قال أيضاً: لا يقيم أمر الله إلاّ رجلٌ يتكلم بلسانه كله، يخاف الله في الناس، ولا يخاف الناس في الله.
في أول كتاب كتبه عليّ بن أبي طالب : أمّا بعد، فإنه أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الحق حتى اشتري، وبسطوا الجور حتى اقتدي.
قال مجّاعة بن مرارة الحنفي لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما: إذا كان الرأي عند من لا يقبل منه، والسلاح عند من لا يستعمله، والمال عند من لا ينفقه، ضاعت الأمور.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الملك والدين أخوان، لا غنى بأحدهما عن الآخر،فالدّين أّس، والملك حارس فما لم يكن له أس فمهدوم، وما لم يكن له حارس فضائع.
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: من الملوك من إذا ملك زهّده الله فيما في يديه، ورغبه فيما يد غيره،وأشرب قلبه الإشفاق على ماعنده،فهو يحسد على القليل، ويتسخّط على الكثير.
ولّي عليُّ بن أبي طالب عمَّ المختار بن أبي عبيد عكبرا،وقال له بين يدي أهلها: استوف منهم خراجهم، ولا تجدن عندك ضعيفاً ولا رخصة. ثم قال له: رح إليَّ، قال: فرحت إليه، فقال لي: قد قلت لك بين أيديهم ما قلت، وهم قومٌ خدعٌ،وأنا الآن آمرك بما إن قبلته وإلا أخذك الله به دوني، وإن بلغني خلاف ما أمرتك به عزلتك، لا تتبعنّ لهم رزقاً يأكلونه، ولا كسوة شتاء ولا صيف، ولا تضربن رجلا منهم سوطاً في طلب درهم،ولا تقمه في السجن في طلب درهم، فإنا لم نؤمر بذلك، ولا تستعر لهم دابّة يعملون عليها، فإن أمرنا أن نأخذ منهم العفو.
قال عمرو بن العاص لابنه: يا بنيّ!! احفظ عني ماأوصيك به، إمام عدل خير من مطر وبل، وأسدٌ حطوم خيرٌ من إمام ظلوم، وإمام ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم.
رسالة أردشير بن بابك إلى الملوك بعده : من أردشير ملك الملوك، إلى الملوك الكائنين بعده: الخراج عمود المملكة بكنفه تعيش الرعية، وتحفظ الأطراف والبيضة، فاختاروا للعمل عليه أولى الطينة الحرة، من ذوي العقل والحنكة، وكفّوهم بسني الأرزاق يحموا أنفسهم من الارتفاق، فمااستغزر بمثل العدل، ولا استنزر بمثل الجور.
من كلام الفرس في هذا الباب: لا ملك إلا برجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة ،ولا عمارة إلا بعدل. ومن قولهم أيضاً: مثل الملك الذي يأخذ أموال رعيته ويجحف بهم، مثل من يأخذ الطّين من أصول حيطانه، فيطيَّن به سطوحه فيوشك أن تقع عليه البيوت. ومن كلامهم أيضاً، وينسب إلى أرسطاطاليس: العالم بستانٌ سياجه الدولة، الدولة سلطان تحيه به السُّنة، السُّنة سياسة يسوسها الملك، الملك راع يعضّده الجيش، الجيش أعوان يكنفهم المال، المال رزق تجمعه الرعية، الرعية عبيدٌ يتعبّدهم العدل، العدل مألوفٌ وهو صلاح العالم.
قال عبد الملك بن عمير: كان مكتوباً في مجلس زياد الذي يجلس فيه للناس بالكوفة، في أربع زوايا بقلم جليل: الوالي شديدٌ في غير عنف،ليِّنٌ في غير ضعف، العطية لأربابها والأرزاق لأوقاتها، البعوث لا تجمر، المحسن يحازى بإحسانه، والمسيء يؤخذ على يديه. فكان كلّما رفع رأسه قرأه.
قال قتيبة بن مسلم: ملاك الأمر في السلطان: الشِّدة على المذنب، والِّلين للمحسن، وصدق القول.
قال الوليد بن عبد الملك لأبيه عبد الملك: ياأمير المؤمنين! ماالسياسة ؟ فقال: هيبة الخاصة مع شدع عفتها، واقتياد قلوب العامة بالإنصاف منها. قال مسلمة بن عبد الملك: ماحمدت نفسي على ظفر ابتدأته بعجز، ولا ذممتها على مكروه ابتدأته بحزم.
قال أبو جعفر المنصور: الذي عليّ للرعية أن أحفظ سبلهم،فينصرفون آمنين في سبيلهم ولا يصدّون عن حجهم، وقضاء نسكهم، وأن أضبط ثغورهم، وأحصّنها من عدوهم وأن أختار قضاتهم، وأعزل بالحق كيلا يصل ظلم بعضهم إلى بعض، وأن أرفع أقدار فقهائهم وعلمائهم، وأكف جهالهم عن حكمائهم.
كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجَّاج: صف لي الفتنة حتى كأني أراها رأي العين. فكتب إليه: لوكنت شاعراً لوصفتها لك في شعري، ولكني أصفها لك بمبلغ رأيي وعلمي، الفتنة تلقح بالنجوى، وتنتج بالشكوى، فلما قرأ كتابه، قال: إن ذلك لكما وصفت، فخذ من قبلك بالجماعة، وأعطهم عطايا الفرقة، واستعن عليهم بالفاقة،فإنها نعم العون على الطاعة، فأخبر بذلك أبو جعفر المنصور فلم يزل عليه حتى مضى لسبيله.
قال بعض الحكماء من ملوك الفرس، لحكيم من حكماء مملكته: أي الملوك أحزم ؟ قال:من غلب جدُّه هزله، وقهر لبُّه هواه، وأعرب عن ضميره فعله، ولم يختدعه رضاه عن خطئه، ولاغضبه عن كيده.
لما أراد عمرو بن العاص المسير إلى مصر، قال له معاوية: إني أريد أن أوصيك. قال: أجل. فأوص. قال: انظر فاقة الأحرار فاعمل في سدها، وطغيان السفلة فاعمل في قمعها، واستوحش من الكريم الجائع واللئيم الشبعان، فإنما يصول الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع.
قال عمر بن الخطاب: دلّوني عن رجل أستعمله فقد أعياني أمر المسلمين. قالوا له: عبد الرحمن بن عوف، قال لهم: ضعيف، قالوا له: فلان. قال: لا حاجة لي به. قالوا :فمن تريد ؟ قال: رجل إذا كان أميرهم كان كأنّه رجل منهم، وإذا لم يكن أميرهم كان كأنه أميرهم. قالوا: ما نعلمه إلا الرّبيع بن زياد الحارثي. قال: صدقتم. قال أبو عمر: والربيع بن زياد هذا، كان فاضلا جليلا في قومه،ولاَّه معاوية خراسان، فاستكتب الحسن بن أبي الحسن فكان كاتبه، فلما بلغه قتل معاوية حجر بن عديّ، قال: الَّلهم إن كان للربيع عندك خير فاقبضه إليك وعجّل، فزعموا أنه لم يبرح من مجلسه حتى مات.
كتب بعض ملوك العجم إلى ملك آخر منهم: قلوب الرعية خزائن ملوكها، فما أودعوها فليعلموا أنه فيها. قال الإسكندر لأرسطاطاليس:أوصني. قال: فانظر من كان له عبيد فأحسن سياستهم فولّه الجند، ومن كانت له ضيعةٌ فأحسن تدبيرها فولّه الخراج.
وقال بعض الحكماء: لا تصغِّر أمر من جاء يحاربك، فإنك إن ظفرت لم تحمد وإن عجزت لم تعذر. قيل لكسرى ذي الأكتاف، وكان ضابطاً لمملكته: بم ضبطت ملكك? قال: بثمان خصال، لم أهزل في أمر ولا نهي، ولم أخلف وعداً ولا وعيداً، وولّيت للغنى لا للهوى، وعاقبت للأدب لا للغضب، وأوطأت قلوب الرعية الهيبة من غير ضغينة،وملأتها محبة من غير جرأة،وأعطيتها القوت، ومنعتها الفضول.
قال عبد الملك بن عمير: سمعت زياداً وهو يخطب، فقال بعد حمد الله والثناء عليه: إنا أصبحنا لكم ساسة وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذي ملّكنا، ونذود عنكم بفيء الله الذي خوَّلنا، فلنا عليكم الطاعة فيما أحسنَّا، ولكم العدل فيما ولينا، فاستوجبوا عدلنا بطاعتكم ومحض ودّنا بمناصحتكم، ومهما قصَّرت فيه من أداء حقكم فلن أقصر في ثلاث:لست محتجباً عن ذي حاجة ولو أتاني طارقاً بليل، ولا مجمِّراً لكم جيشاً، ولا حابساً عنكم عطاء ولا رزقاً لإبّانة، فادعوا الله لأئمتكم بالصلاح، فإنهم ساستكم المذبُّون وكهفكم الذي إليه تأوون،فإن تصلحوا يصلحوا، ولا تشعروا قلوبكم بغضتهم فيشتدَّ عيظكم، ويطول حزنكم، ولا تدركوا حاجتكم، فإنه لو استجيب لكم فيهم كان شراً لكم، نسأل الله أن يعين كلاًّ على كلّ.
كان يقال: ينبغي للملك أن يعمل بثلاث خصال: تأخير العقوبة عند الغضب، وتعجيل مكافأة المحسن بإحسانه، والعمل بالأناة فيما يحدث له، فإن له في تأخير العقوبة إمكان العفو،وفي تعجيل المكافأة بالإحسان: المسارعة إلى الطاعة، وفي الأناة انفساح الرأي وإيضاح الصواب.
ذكر المبرّد قال: كان بعض عقلاء ملوك الفرس إذا شاور من قد رتّبهم لمشورته فقصّروا في الرأي، دعا الذين قد وكّلهم في أرزاقهم فعاقبهم، فيقولون: يخطئ أهل مشورتك فتعاقبنا نحن. فيقول: نعم. إنهم لم يخطئوا إلاّ بتعلق قلوبهم بأرزاقهم فإذا اهتمُّوا لحاجاتهم أخطأوا.
قال بعض الحكماء لبعض الملوك: أوصيك بأربع خصال ترضى بهن ربَّك، وتصلح معهن رعيتك: لا يغرنَّك ارتقاء السهل إذا كان المنحدر وعراً، ولا تعدن وعداً ليس في يديك وفاؤه، واعلم أن الأمور بغتاتٌ فبادر، واعلم أن الأعمال جزاء، فاتَّق العذاب.
كان يقال: من سعى بدليل في التدبير لم يقعد به إلاّ سابق قضاء لا يملك. قال زياد: كمال الرأي شدةٌ في غير إفراط، ولين في غير إهمال.
ضرب مصعب بن الزبير وجه الأسقف بالقضيب، فقال:إني أجد في الإنجيل: لا ينبغي للإمام أن يكون سفيهاً ومنه يلتمس الحلم، ولا ينبغي له أن يكون جائراً ومن عنده يلتمس العدل
سألت بنو إسرائيل موسى عليه السلام أن يعرّفهم الزمان الذي يرضى فيه الله عن الناس، فقال: إذا استعمل منهم الهيِّن البرّالخّير. وفي خبر آخر: علامة رضا الله عن عباده أن يستعمل عليهم خيارهم، وأن ينزل الغيث في أوانه، وعلامة سخطه عليهم أن يولى عليهم شرارهم، وينزل عليهم الغيث في غير أوانه.
قال معاوية لابن الكوَّاء: صف لي الزمان، فقال: أنت الزمان إن تصلح يصلح، وإن تفسد يفسد . قال الأعور السلمي: يا معشر بني سليم أنذركم السلطان فإنه أصبح صعباً حنوطاً يغضب كما يغضب الصبي، ويفترس كما يفترس الأسد.
قال عبد الملك بن مروان: لقد كنت أمشي في الزرع فأتقي الجندب أن أقتله، وإن الحجاج اليوم ليكتب إليّ بقتل فئام من النّاس فما أحفل بذلك.
قال بعض الولاة لأعرابي: قل الحق وإلا أوجعتك ضرباً، فقال وأنت فاعمل به، فما توعَّدك الله به أشدُّ مما توعدني به.
قال بعض الحكماء: من زال عن أبصار الملوك زال عن قلوبهم. قال ابن المعتز: أشقى النَّاس بالسُّلطان صاحبه، كما أن أقرب الأشياء إلى النار أسرعها احتراقاً.
قالوا: السلطان كالنار، من تباعد منها لم ينل من دفئها شيئاً،ومن تقرب منها أحرقته. ذكر أعرابي الملوك فقال: الملك أقرب ما تكون إليه أخوف ما تكون منه، شاهده يظهر حبك، وغائبه يبتغي غيرك.
قال المأمون: لو كنت مع العامة لم أصحب السلطان. قالوا : لا تغتر بالأمير إذا غشك الوزير. ومنهم من قال: لا تثق بالأمير إذا خانك الوزير.
قال العباس بن محمد المنصور: ياأمير المؤمنين ؟ إنما هو سيفك ودرعك،فادرع بدرعك من شكرك واحصد بسيفك من كفرك.
كان يقال:إذا نزلت من الوالي بمنزلة الثّقة فاعزل عنه كلام الخنا والملق، ولا تكثرنّ له الدعاء في كل كلمة،فإن ذلك يشبه الوحشة، وعظّمه ووقّره في الناس .
قال الشعبيّ: أخطأت عند عبد الملك بن مروان في أربع: حدثني بحديث يوماً فقلت :أعده عليّ فقال: أما علمت أن أمير المؤمنين لا يستعاد وقلت له حين أذن لي عليه: أن الشعبي فقال: ما أدخلناك حتى عرفناك. وكنيت عنده رجلا، فقال أما علمت أنه لا يكنى أحد عند أميرالمؤمنين. وحدثني بحديث فسألته أن يكتبه. فقال:إنا نكتِّب ولا نكتَّب.
قال عبد الله بن عباس، قال لي أبي:إني أرى أمير المؤمنين -يعني عمر بن الخطاب- يدنيك دون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فاحفظ عني ثلاثاً: لا يجدنّ عليك كذباً، ولا تغتابن عنده مسلماً،ولا تفشين له سرّاً. فقيل له:يا ابن عباس كل واحدة خير من ألف،فقال: كل واحدة خير من عشرة آلاف.
قال عمر بن الخطاب لهنيّ إذ ولاه الحمى:يا هني اضمم جناحك، واتق دعوة المظلوم. كان يقال: أربعة تشتد معاشرتهم المتواني، والفرس الجموح، والسلطان الشديد المملكة والعالم.
قال المهلب لابنه:يا بني اخفض جناحك واشتدّ في سلطانك،فإن الناس للسلطان أهيب منهم للقرآن. كان يقال: ثلاثة من عازّهم رجعت عزّته ذلاًّ، السَّلطان والوالد والعالم.
بصق عبد الملك يوماً فقصر بصاقه، فوقع فوق البساط، فقام رجل من المجلس يمسحه بثوبه. فقال عبد الملك: أربعة لا يستحيا من خدمتهم: السلطان، والوالد، والضيف، والدابة. وأمر للرجل بصلة.
كتب إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عامل له: إنّ مدينتنا قد احتاجت إلى مرمّة. فكتب إليه عمر: حصّن مدينتك بالعدل، ونقّ طريقها من الظلم.
قال معاوية بن أبي سفيان:من وليناه من أمورنا شيئاً فليجعل الرفق بين الأمانة والعدل. كان يقال: ليس شيءٌ أحسن عند الله من حلم إمام ورأفته.
قال محمد بن كعب القرظي: قال لي عمر بن عبد العزيز:صف لي العدل يا ابن كعب. قلت: بخٍ بخٍ، سألت عن أمر عظيم. كن لصغير الناس أباً، ولكبيرهم ابناً،وللمثل منهم أخاً،وللنساء كذلك،وعاقب الناس بقدر ذنوبهم على قدر احتمالهم، ولا تضربن لغضبك سوطاً واحداً فتكون من العادين.
قال زياد لابنه عبيد الله يا بنيّ:إذا دخلت على أمير المؤمنين فادع له، واصفح صفحاً جميلا، ولا تريّن متهالكا عليه، ولا منقبضاً عنه.
قال مالك: قيل لأبي الدرداء: يردُّك معاوية، وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الّلهمَّ غفراً. من يأت أبواب السلطان يقم ويقعد.
قال معاوية يوماً، وقد ذكر من كان قبله:أما أبو بكر فهرب عن الدنيا،وهربت عنه. وأما عمر فأقبلت إليه وهرب منها، وأما عثمان فأصاب من الدنيا وأصابت منه، وأما أنا فقد داستني الدنيا ودستها. قال أبو عمر رضي الله عنه: سكت عن عليّ، وأنا أقول: وأما عليّ فأصابت الدنيا منه ولم يصب منها.
كان يقال: يوم من أيام إمام عادل أفضل من مطر أربعين صباحاً أحوج ما تكون الأرض إليه. قال بعض الحكماء الناس يحبّون سلطانهم على الدِّين، والتواضع ولين الجانب، وينقادون لشدة الطّيش.
قال المهلب: خير الولاة من كان في رعيته كأنه غائب عنها، وهو شاهد فيها وكان المحسن في أيامه آمناً والمسيء خائفاً.
كان زياد إذا أتي بصاحب زلة، أخرّ عقوبته أياماً يسأل عن قضيته مخافة الزيادة في العقوبة. تعرَّض رجل للحسن بن سهل، فقال:من أنت ؟ فقال: أنا الذي أحسنت إليَّ عام كذا فقال الحسن: مرحباً بمن توسل إلينا بنا. وهذا عندي مأخوذ من قول معاوية: أحب الناس إلي، من له عندي يد ثم أحبهم إليّ بعده من لي عنده يد.
صعد عبد الملك المنبر، فقال في خطبته: يا معشر رعيتنا سألتمونا سيرة أبي بكر وعمر، ولم تسيروا فينا ولا في أنفسكم سيرة رعية أبي بكر وعمر، ولكن نسأل الله أن يعين كلاً على كل.
قال الشعبي:دخلت يوماً على ابن هبيرة وبين يديه رجل يريد قتله، فقلت: أصلح الله الأمير، أنت على فعل مالم تفعل أقدر منك على ما فعلت، ولأن تندم على العفو خير من أن تندم على العقوبة. قال: صدقت يا شعبي. وأمر بالرجل إلى السجن.
قال المأمون: تحتمل الملوك لأصحابهم كل شيء إلا ثلاث خصال:القدح في الملك، وإفشاء الأسرار، والتعرض للحرم.
قيل لأعرابي: من أنعم الناس عيشاً ؟ قال: من لم يعرف السلطان ولم يعرفه السلطان، وكان في كفاف وغنى. وأما أهل الآخرة فطريقتهم الإعراض عنهم، وترك معاشرتهم.
قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي : حدثونا أن الحسن البصري نظر إلى قوم صحبوا السلطان واتسعت دنياهم، فقال:ماتنظرون إليهم، فوالله لئن كانوا من أهل الجنة لقد عجل لهم قليل من كثير ذخرلهم، ولئن كانوا من أهل النار لقد أعطوا قليلاً من كثير صرف عنهم فأتاهم، فارحموا ولا تغبطوا.
شكت الرعية بعض العمال، فارتضى العامل بسهل بن عاصم فسأله الأمير:فقال: مافي عاملك مايشتكى إلا أن الله أمر بأمرين، امتثل فينا أحدهما وترك الآخر، قال الله عز وجل: "إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان"، فعدل فينا ولم يحسن إلينا، وفي العدل بغير إحسان عطب الرعية، فقال له الأمير: صدقت قد وليتك مكانه.
من كلام ابن المعتز : لا يدرك الغنى بالسلطان إلا نفس خاشعة، وجسم متعب، ودين منثلم. من شارك السلطان في عز الدنيا، شاركه في ذل الآخرة.
قال مطرِّف لا تنظر إلى خفض عيش الملوك ، ولكن انظر إلى سرعة ظعنهم، وسوء منقلبهم. مثل أصحاب السلطان كقوم رقوا جبلا ثم وقعوا منه، فكان أبعدهم في المرتقى أقربهم من التلف.
سئل رجل من بني أمية عاقل، فقيل له: أخبرنا عن أول شيء كان بدء زوال ملككم، فقال: سألت فاسمع، وإذا سمعت فافهم. تشاغلنا عن تفقد ما كان تفقده يلزمنا، ووثقنا بوزراء آثروا مرافقهم على منافعها، وأبرموا أموراً أسروها عنا، فظلمت رعيتنا، ففسدت نياتهم لنا، وجدب معاشنا فخلت بيوت أموالنا، وقل جندنا فزالت هيبتنا، واستدعاهم أعداؤنا فظاهروهم علينا، وكان أكثر الأسباب في ذلك استتار الأخبار عنا.
إذا رغب الملك عن العدل رغبت الرعية عن الطاعة. لا صلاح للخاصَّة مع فساد العامة، ولا نظام للدَّهماء مع دولة الغوغاء.
السلطان كالنار:إن باعدتها بطل نفعها، وإن قاربتها عظم ضررها. صاحب السلطان كراكب الأسد، يهابه الناس وهو لمركبه أهيب. ثلاثة لا أمان لهم: السّلطان والبحر والزمان.
قال الحسن البصري: لقد أتى علينا زمان وإنما يقال:تاجر بني فلان وكاتب بني فلان، ما يكون في الحي إلا التاجر الواحد والكاتب الواحد، قال الحسن: لقد كان الرجل يأتي الحي العظيم فلا يجد به كاتباً.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكاتبه عبيد الله بن أبي رافع: إذا كتبت فألن دواتك، وأطل من قلمك،وفرج بين السطور، وقارب بين الحروف.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله:إذا كتبتم فأرقّوا الأقلام، وأقلوا الكلام واقتصروا على المعاني، وقاربوا بين الحروف، تكتفوا من القراطيس بالقليل.
قال المأمون: الخطّ لسان اليد، وهو أفضل أجزاء اليد. قال بعض الملوك:للكاتب الناصح ثلاث خصال: رفع الحجاب عنه، واتهام الوشاة عليه،و دفع غائلة العدوّ عنه.
قال ابن القرِّيّة:خط القلم يقرأ بكل مكان، وفي كل زمان، ويترجم كل لسان، ولفظ الإنسان لا يجاوز الآذان. قال أبو ساسان حضين بن المنذر:ما رأيت بارياً لا يقيم الخط إلا رأيته لا يقيم الشعر.
قيل لنصر بن سيار: فلان لا يخطّ، قال :تلك الِّزمانة الخفية. قال بعض البلغاء:صورة الخط في الإبصار سواد، وفي الأنصار بياض، وهذا عندي مأخوذ من قول ابن المعتز: القلم يخدم الإرادة، ولا يمل الاستزادة، على أرض بياضها مظلم، وسوادها مضيء.
قال ابن القاسم: سئل مالك عن النصراني أيستكتب? قال: لا أرى ذلك، وذلك أن الكاتب يستشار، فيستشار هذا في أمور المسلمين! ، ما يعجبني أن يستكتب.
قدم كتاب أبي عبيدة على عمر بن الخطاب، وعنده أبو موسى، فقال له: يا أبا موسى! ادع كاتبك حتى يقرأ كتاب أبي عبيدة بالفتح. فقال: إنه لا يدخل المسجد.قال: ولم، أجنبٌ هو ؟ قال: لا. ولكنه نصرانيّ، فصاح عليه صيحة وانتهره، قال: عزمت عليك إلا عزلته، ثم قال: لا تقرّبوهم بعد أن أبعدهم الله، ولا تكرموهم بعد أن أهانهم الله، ولا تشاوروهم بعد أن جهّلهم الله، قال أبو موسى: فعزلته وطردته .
قال بعض الحكماء : أعجل الأمور عقوبة وأسرعها لصاحبها: سرعة ظلم من لا ناصر له إلا الله، ومجاورة النعم بالتقصير، واستطالة الغنيّ على الفقير.
قال كعب لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما : ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء ، فقال عمر :إلا من حاسب نفسه، قال كعب:والذي نفسي بيده إنها لكذلك إلا من حاسب نفسه ما بينهما حرف. يعني في التوراة.
خرج عمر بن عبد العزيز يوماً ، فقال: ما شاء الله! كان الوليد بن عتبة بالشام، والحجاج بالعراق وقرَّة بن شريك بمصر، وعثمان بن حيَّان بالحجاز، ومحمّد بن يوسف باليمن، امتلأت الأرض ظلماً وجورا.
قال سعيد بن المسيب:لأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة. قال جعفر بن محمد: لأن أندم على العفو خير من أن أندم على العقوبة
طلب عبد الملك بن مروان رجلا فأعجزه ثم ظفر به، فقال رجاء بن حيوة: ياأمير المؤمنين! قد صنع الله ما أحببت من ظفرك به، فاصنع ماأحبَّ الله من عفوك عنه.
قال رجل للمنصور حين ظفر بأهل الشام،وقد أجلبوا عليه وخالفوه مع عبد الله ابن علي: الانتقام عدلٌ،والتجاوز فضل، ونحن نعيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين ولا يبلغ أرفع الدرجتين
كان يقال: أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه. قال المهلب بن أبي صفرة: خير مناقب الملوك العفو.
قال معاوية رحمه الله: ماوجدت شيئاً ألذَّ عندي من غيظٍ أتجرعه، ولم يعرف قيمة الأبَّهة من لم يجرعه الحلم غصص الغيظ. قال المأمون: وددت أن أهل الجرائم عرفوا رأيي في العفو، فسلمت لي صدورهم.
أوحى الله إلى موسى: اذكرني عند غضبك،أذكرك عند غضبي، فلا أمحقك فيمن أمحق،وإذا ظلمت فارض بنصرتي لك، فإنها خيرٌ من نصرتك لنفسك. قال عيسى عليه السلام: يباعدك من غضب الله ألا تغضب.
قال سليمان بن داود عليهما السلام: أعطينا ماأعطي الناس وما لم يعطوا،وعلِّمنا ما علِّم الناس ومالم يعلَّموا، فلم نر شيئاً أفضل من العدل في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وخشية الله في السِّر والعلانية.
قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه:إنما يعرف الحلم ساعة الغضب. وعنه أيضاً:عدوُّ العقل الغضب
كان يقال: أول الغضب جنون، وآخره ندم ولا يقوم عزّ الغضب بذلِّ الاعتذار. روي: كل العطب في الغضب.
قيل للشعبي: لأي شيء يكون السّريع الغضب سريع الفيئة، ويكون بطيء الغضب بطيء الفيئة ؟ قال: لأن الغضب كالنار فأسرعها وقوداً أسرعها خموداً. وهذا الخبر أصح عن عبد الله بن حسن حكاية عن كسرى، ذكره ابن عائشة القرشي التيميّ عنه قال: قيل لعبد الله بن حسن: مابال الرجل الحديد أسرع رجعةً من البطيء ؟ فقال: سئل كسرى عن ذلك، فقال:مثلهمامثل النار في الحطب، أسرعها وقوداً أسرعها خمود اً.
أراد المنصور خراب المدينة لإطباق إهلها على حربه مع محمد بن عبد الله بن حسن، فقال له جعفر بن محمد: ياأمير المؤمنين! إن سليمان أعطي فشكر، وإن أيوب ابتلي فصبر، وإن يوسف قدر فغفر، وقد جعلك الله من قبيل الذين يعفون ويصفحون فطفئ غضبه وسكت
شهد سوَّار القاضي مجلس أبي جعفر المنصور يوماً فرآه قد غضب على أهل البصرة، فقال له: ياأمير المؤمنين! لا تغضب لله بما يغضب الله.
العرب تمدح بترك الغضب. كان يقال: من أغضبته أنكرته. قالوا: إذا غضب الرجل فليستلق، وإذا أعيا فليرفع رجليه.
قال أبو الدَّرداء: من خاف أدلج،ومن أدلج بلغ المنزل. قال مطرِّف بن عبد الله الشِّخِّير: لووزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا.
قال لقمان لابنه: يا بنيّ ارج الله رجاءٍلا تأمن فيه مكره، وخف الله مخافة لا تأيسنّ فيها من رحمته، فقال: كيف أستطيع ذلك، وإنما لي قلب? فقال يا بني! إن المؤمن كذي قلبين قلب يخاف به، وقلب يرجو به.
قال عليّ بن أبي طالب: خذوا عني هذه الكلمات، فلو رحَّلتم فيها المطيَّ حتى أنضيتموها لم تبلغوها: لا يرجو عبد إلاّ ربّه، ولا يخاف إلاّ ذنبه. وذكر كلاماً قد ذكرته بتمامه في كتاب "بيان العلم وفضله".
كان يقال: من خاف الله ورجاه آمنه خوفه، ولم يحرمه رجاءه. وقف محمد بن سليمان على قبر أبيه،فقال: اللهم إني أمسيت أخافك عليه وأرجوك له، فحقق رجائي، وآمن خوفي عليه.
قال مسلم بن يسار: ماأدري فيم خوف امرئ ورجاؤه إذا لم يمنعاه من ركوب شهوة إن عرضت له، أو لم يصبّراه على مصيبة إن نزلت به.
كتب بعض العلماء إلى بعض إخوانه: أمابعد، فإنه من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء.
قال عيسى عليه السلام: إنما النّاس مبتلًى ومعافًى، فإذا رأيتم أهل البلاء فارحموهم، وسلوا الله العافية. قال علي بن الحسين: ماصاحب البلاء الذي قد طال به أحقّ بالدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء.
قال مطرِّف بن الشِّخِّير: لأن أعافى فأشكر،أحبّ إليَّ من أن أبتلى فأصبر، قال مطرِّف: ونظرت في النعمة التي لا يشوبها كدر فإذا هي العافية.
قال سليمان التَّيمي:إن المؤمن ليبتلى ويعافى، فيكون بلاؤه كفارةً واستعتاباً، وإن الكافر ليبتلى ويعافى فيكون مثل بعيرٍ عقل،لا يدري فيم عقل ولا لم أرسل.
قال أكثم بن صيفي:العافية الملك الخفيّ. كان يقال: لا خير في بدن لا ينكأ ولا في مال لا يرزأ.
قال إبراهيم النَّخعي: كانوا يكرهون أن يسألوا الله العافية بحضرة المبتلى. كان يقال: من عمل بالعافية فيمن هو دونه رزقها ممن هو فوقه.
قال محمد بن سيرين كنا بساباط المدائن، فمر بي رجل، فقيل لي:هذا حجم كسرى، فدعوته فقلت له:أنت حجمت كسرى ؟ قال: نعم. قال وكم حجمته ؟ قال:واحدة. قلت: ولم اقتصر على واحدة ؟ قال: كان يقول: آخذ من الدواء أدناه ، فإن كان نافعاً من نفعه، وإن كان ضارَّاً لم أكن استكثرت من ضرره.
روى النزَّال بن سبرة عن عليّ، أنه قال: من ابتدأ غداءه بالملح أذهب الله عنه كل دائه،ومن أكل إحدى وعشرين زبيبة كل يوم لم يرفي جوفه شيئاً يكرهه، واللحم ينبت اللحم، والثريد طعام العرب، ولحم البقر داء، ولبنها دواء، وسمنها شفاء، والشحم يخرج مثله من الداء.قال النزال: أظنه يريد شحم البقر
قال عليّ رضي الله عنه:وما استشفي بأفضل من السمن،والسمك يذيب البدن، أو قال:الجسد، ولم تستشف النفساء بشيء أفضل من الرطب ، والسواك وقراءة القرآن يذهبان البلغم، ومن أراد البقاء -ولا بقاء- فليباكر الغداء، وليخفف الرِّداء، وليقلّ غشُّيان النّساء. قيل له: ياأمير المؤمنين وما خفة الرِّداء ؟ قال: خفة الدَّين.