فوائد من كتاب التهجد وقيام الليل 2
حكمــــــة
عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال كنا نغازي مع عطاء الخراساني قال فكان يحيي الليل صلاة فإذا ذهب من الليل ثلثه أو نصفه نادى وهو في فسطاطه يا عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر ويا هشام بن الغاز ويا فلان ويا فلان قوموا فتوضؤوا وصلوا فلقيام هذا الليل وصيام هذا النهار أيسر من مقطعات الحديد وشراب الصديد الوحاء الوحاء ثم يقبل على صلاته.
حكمــــــة
قالت أم سعيد بن علقمة النخعي وكانت أمة طائية قالت كان بيننا وبين داود الطائي حائط قصير أسمع حسه عامة الليل لا يهدأ قالت وربما سمعته يقول همك عطل على الهموم وحالف بيني وبين السهاد وشوقي إلى النظر إليك أوبق مني الشهوات وحال بيني وبين اللذات فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب قالت وربما ترنم بالآية فأرى أن جميع نعيم الدنيا جمع في ترنمه وكان يكون في الدار وحده وكان لا يصبح فيها أي كان لا يسرج.
حكمــــــة
قال تزوج رياح القيسي امرأة فبنى بها فلما أصبح قامت إلى عجينها فقال لو نظرت امرأة تكفيك هذا قالت إنما تزوجت رياحا القيسي لم أرني أني تزوجت جبارا عنيدا فلما كان الليل نام ليختبرها فقامت ربع الليل ثم نادته قم يا رياح فقال أقوم فقامت الربع الآخر ثم نادته فقالت قم يا رياح فقال أقوم ولم يقم فقامت الربع الآخر ثم نادته فقالت قم يا رياح فقال أقوم فقالت مضى الليل وعسكر المحسنون وأنت نائم ليت شعري من غرني بك يا رياح قال وقامت الربع الباقي.
حكمــــــة
عن حكيم بن محمد الأخنسي قال بلغني أن داود وسليمان عليهما السلام لم يؤتيا الملك ليتنعما إنما أوتيا الملك ليتعبدا فلم يكن أحد في زمانهما أشد اجتهادا في العبادة منهما ما كان طيبهما إلا الكندر وما كان دهنهما إلا الزيت وكان سليمان إذا جنه الليل غل نفسه ولبس مدرعا من شعر وطول الليل قائما وقاعدا وباكيا وداعيا فإذا أصبح تصفح وجوه الأشراف حتى يجيء إلى المساكين فيقعد معهم ويقول يا رب مسكين مع المساكين.
حكمــــــة
عن أبي أراكة قال صليت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه صلاة الفجر فلما سلم انفتل عن يمينه ثم مكث كأن عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح قال وحائط المسجد أقصر مما هو الآن قال ثم قلب يده وقال والله لقد رأيت أصحاب محمد فما أرى اليوم شيئا يشبههم لقد كانوا يصبحون صفرا غبرا بين أعينهم أمثال ركب المعزى قد باتوا سجدا وقياما يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم فإذا أصبحوا فذكر الله مادوا كما تميد الشجر في يوم ريح وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم والله لكأن القوم باتوا غافلين ثم نهض فما رئي يضحك حتى ضربه ابن ملجم عدو الله الفاسق.
حكمــــــة
عن السري بن يحيى يذكرعن يزيد الرقاشي أن صفوان ابن محرز المازني كان إذا قام إلى تهجده من الليل قام معه سكان داره من الجن فصلوا بصلاته واستمعوا لقراءته قال السري فقلت ليزيد وأنى علم ذلك قال كان إذا قام سمع لهم ضجة فاستوحش لذلك فنودي لا ترع يا أبا عبد الله فإنما نحن إخوانك نقوم للتهجد كما تقوم فنصلي بصلاتك قال فكأنه أنس بعد ذلك إلى حركتهم.
حكمــــــة
عن مهدي بن ميمون قال كان واصل مولى أبي عيينة جارا لنا وكان يسكن في غرفة فكنت أسمع قراءته من الليل وكان لا ينام من الليل إلا يسيرا قال فغاب غيبة إلى مكة فكنت أسمع القراءة من غرفته على نحو من صوته كاني لا أنكر من الصوت شيئا قال وباب الغرفة مغلق قال فلم نلبث أن قدم من سفره فذكرت ذلك له فقال وما أنكرت من ذلك هؤلاء سكان الدار يصلون بصلاتنا ويستمعون لقراءتنا قال قلت أفتراهم قال لا ولكني أحس بهم وأسمع تأمينهم عند الدعاء وربما غلب علي النوم فيوقظوني.
حكمــــــة
عن عبد الله بن مسعود قال يعجب الله من خصلتين يعملهما العباد رجل قام من الليل فتوضأ فأحسن الوضوء ثم قام إلى الصلاة قال فيقول الله انظروا إلى عبدي هذا قام من بين أهل داره رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي ورجل يلقى العدو في الزحف ففر أصحابه وأقام فيقول الله انظروا إلى عبدي فر أصحابه وأقام رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي.
حكمــــــة
كان رجل من العباد قلما ينام من الليل قال فغلبته عينه ذات ليلة فنام عن جزئه قال فرأى فيما يرى النائم كأن جارية وقفت عليه كان وجهها القمر المستتم قال ومعها رق فيه كتاب فقالت أتقرأ أيها الشيخ قال نعم قالت فاقرأ لي هذا الكتاب قال فأخذته من يدها ففتحته فإذا فيه مكتوب (أألهتك لذة نوم عن خير عيش... مع الخيرات في غرف الجنان) (تعيش مخلدا لا موت فيها... وتنعم في الخيام مع الحسان) (تيقظ من منامك إن خيرا... من النوم التهجد بالقرآن) قال فوالله ما ذكرتها قط إلا ذهب عني النوم.
حكمــــــة
عن يحيى بن سعيد بن أبي الحسن قال كان أبي سعيد بن أبي الحسن إذا جن عليه الليل قام فتوضأ ثم عمد إلى محرابه فلم يزل قائما فيه يصلي حتى يصبح قال قال إني نمت ذات ليلة عن وقتي الذي كنت أقوم فيه فإذا شاب جميل قد وقف علي فقال قم يا سعيد إلى خير ما أنت قائم إليه قال قلت وما هو رحمك الله قال قم إلى تهجدك فإن فيه رضاء ربك وحظ نفسك وهو شرف المؤمنين عند ملكهم يوم القيامة قال فحدثت به أخي الحسن فقال قد طاف بي هذا الشاب الذي طاف بك قديما فما ذكرته لأحد حتى الآن ولولا أنك ذكرته ما أخبرتك به.
حكمــــــة
عن ميسرة القيسي أنه كان ذات ليلة قائما يصلي وقد قهورت النجوم فمرت به آية فاستبكى لها فبكى ثم سجد فنام في سجوده فرأى قائلا يقول له ماذا تريد يا ميسرة قال أريد رضى ربي قال عليك حل رضوانه فماذا تريد قال أريد جوارح قوية وهمة مساعدة على طاعة الله قال هما لك فماذا تريد قال أريد ميتة سريعة وميتة طيبة قال وذاك لك فأصبح فقص رؤياه على أهله قال فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتى مات مطعونا.
حكمــــــة
قال الحسن لقد صحبت أقواما يبيتون لربهم في سواد هذا الليل سجدا وقياما يقومون هذا الليل على أطرافهم تسيل دموعهم على خدودهم فمرة ركعا ومرة سجدا يناجون ربهم في فكاك رقابهم لم يملوا كلال السهر لما قد خالط قلوبهم من حسن الرجاء في يوم المرجع فأصبح القوم بما أصابوا من النصب لله في أبدانهم فرحين وبما يأملون من حسن ثوابه مستبشرين فرحم الله امرءا نافسهم في مثل هذه الأعمال ولم يرض من نفسه لنفسه بالتقصير في أمره واليسير من فعله فإن الدنيا عن أهلها منقطعة والأعمال على أهلها مردودة قال ثم يبكي حتى تبتل لحيته بالدموع.
حكمــــــة
كان الحسن يقول: إن لله عبادا هم والجنة كمن رآها فهم فيها متكئون وهم والنار كمن رآها فهم فيها معذبون قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة وحاجاتهم خفيفة وأنفسهم عفيفة أما الليل فصافي أقدامهم مفترشي جباههم يناجون ربهم في فكاك رقابهم وأما النهار فحكماء علماء أبرار أتقياء قد براهم الخوف فهم أمثال القداح فينظر إليهم الناظر فيقول مرضى وما بهم من مرض ويقول قد خولطوا وقد خالط القوم أمر عظيم.
حكمــــــة
عن وهب بن منبه قال لن يبرح المتهجدون من عرصة القيامة حتى يؤتوا بنجائب من اللؤلؤ قد نفح فيها الروح فيقال لهم انطلقوا إلى منازلكم من الجنة ركبانا قال فيركبونها فتطير بهم متعالية والناس ينظرون إليهم فيقول بعضهم لبعض من هؤلاء الذين قد من الله عليهم من بيننا قال فلا يزالون كذلك حتى تنتهي بهم إلى مساكنهم وأفنيتهم من الجنة.
حكمــــــة
قال عبد الله بن غالب الحداني لما برز العدو على ما آسى من الدنيا فوالله ما فيها للبيب جزل والله لولا محبتي بمباشرة السهر بصفحة وجهي وافتراش الجبهة لك يا سيدي والمراوحة بين الأعضاء والكراديس في ظلم الليالي رجاء ثوابك وحلول رضوانك لقد كنت متمنيا لفراق الدنيا وأهلها قال ثم كسر جفن سيفه ثم تقدم فقاتل حتى قال فحمل من المعركة وإن به لرمقا فمات دون العسكر قال فلما دفن أصابوا من قبره رائحة المسك قال فرآه رجل من إخوانه فيما يرى النائم فقال يا أبا فراس ما صنعت قال خير الصنيع قال إلام صرت قال إلى الجنة قال بم قال بحسن اليقين وطول التهجد وظمأ الهواجر قال فما هذه الرائحة الطيبة التي توجد من قبرك قال تلك رائحة التلاوة والظمأ قال قلت أوصني قال بكل خيرا وصيتك قلت أوصني قال اكسب لنفسك خيرا لا تخرج عنك الليالي والأيام عطلا فإني رأيت الأبرار نالوا البر بالبر.
حكمــــــة
عن سفيان قال بلغنا أنه إذا كان من أول الليل نادى مناد ألا ليقم العابدون قال فيقومون فيصلون ما شاء الله ثم ينادي ذلك أو غيره في شطر الليل ألا ليقم القانتون قال فيقومون قال فهم كذلك يصلون إلى السحر فإذا كان السحر نادى مناد أين المستغفرون قال فيستغفر أولئك ويقوم آخرون يسبحون قال يعني يصلون قال فيلحقونهم قال فإذا طلع الفجر وأسفر نادى مناد ألا ليقم الغافلون قال فيقومون من فرشهم كالموتى نشروا من قبورهم قال سفيان فتراه كسلان ضجرا قد بات ليلة جيفة على فراشه وأصبح نهاره يخطب على نفسه لعبا ولهوا قال وترى صاحب الليل منكسر الطرف فرح القلب.