فوائد من سير السلف الجزء الخامس
حكمــــــة
قال أبو محمد الجريري: من استولى عليه النفس صار أسيرا في حكم الشهوات محصورا في سجن الهوى وحرم الله على قلبه الفوائد، فلا يستلذ بكلامه، ولا يستحليه، وإن كثر ترداده على لسانه. قال الله عز وجل: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} [الأعراف: 146] لا يفهمونه ولا يجدون له لذة، صرف الله عن قلوبهم فهم مخاطباته، وأغلق عليهم سبيل فهم كتابه وسلبهم الانتفاع بالمواعظ، فلا يعرفون طريق الحق ولا يسلكون سبيله.
حكمــــــة
عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: خرجت مع أبي من قرية نريد قرية فضللنا الطريق فبينما نحن كذلك إذا نحن برجل قائم يصلي، فدنونا منه فإذا حوض يابس وقربة يابسة، وقد انتظرناه لينفتل من صلاته فلم ينفتل، فأقبل عليه أبي، فقال: يا هذا قد ضللنا الطريق وأومأ بيده نحو الطريق، فقال له أبي: ألا تجعل في قربتك ماء؟ فأومأ بيده أن لا، فما برحنا أن جاءت سحابة فمطرت، فإذا ذلك الحوض ملآن، فمضينا حتى أتينا القرية فذكرنا لهم شأن الرجل فقالوا: ذلك فلان لا يكون بأرض إلا سقوا. فقال أبي: الحمد لله، كم من عبد لله صالح لا نعرفه.
حكمــــــة
قال أبو مسلم: دخل جماعة على العباس الطامذي فقرأ الرجل القرآن فما زال العباس يبكي وتسيل دموعه على لحيته حتى تعجب الناس منه، فلما سكن قال له بعض الحاضرين: يا أبا الفضل ما لنا إذا قرئ القرآن عندنا لا نبكي كما بكيت؟ فأخذ العباس بلحية نفسه، وقال: رجل جلس بباب الله كذا وكذا سنة، ووجد من البلوى والفقر ما وجد، فإذا سمع كلام الله فزع قلبه، ويجيئني سوقي فيقول: لم لا أجد من البكاء مثل ما تجد؟ ليس هذا الأمر باللعب إنما هو الصدق.
حكمــــــة
سئل ابن عطاء: ما المروءة؟ قال: أن لا تستكثر لله عملا، وقال ابن عطاء: من ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه والتأدب بآدابه قولا وفعلا وعزما وعقدا ونية، وقال: العلم الأكبر: الهيبة والحياء فمن عري عنهما عري عن الخيرات.
حكمــــــة
قال ابن عطاء: من تأدب بأدب الصالحين فإنه يصلح لبساط الكرامة، ومن تأدب بأدب الأولياء فإنه يصلح لبساط القربة، ومن تأدب بأدب الصديقين فإنه يصلح لبساط المشاهدة، ومن تأدب بأدب الأنبياء فإنه يصلح لبساط الأنس والانبساط، وقال: من العبد الاجتهاد ومن الله التوفيق، ومن العبد الاستعانة ومن الله القربة، ومن العبد الأدب ومن الله الكرامة.
حكمــــــة
قال إبراهيم بن المولد: إن العبد إذا أصبح كان مطالبا من الله بالطاعة ومن نفسه بالشهوة ومن الشيطان بالمعصية لكن الله تعالى رفق به حيث أمره في ابتداء صباحه بأمره وبعث إليه مناديا يناديه إلى الله عز وجل، وهم المؤذنون يكبرون في أذانهم تكبيرا، فهم يقولون: الله أكبر، الله أكبر ليكبر بقلبه أمر سيده فيبادر إلى طاعته ويخالف نفسه وشيطانه فإن بادر إليه أكرمه بالظفر على نفسه وغلبته لشهوته وأعانه على عدوه بقطع الوسواس من قلبه فإن من بادر إلى بابه دخل في حزبه وكان غالبا لا مغلوبا.