فوائد من كتاب الصبر والثواب عليه 2
قال الحجاج لحطيط : اصدقني . قال : « سلني ، فقد عاهدت الله إن خلوت لي لأقتلنك ، وإن عذبتني لأصبرن وإن سألتني لأصدقن » فقال : ما قولك في عبد الملك ؟ قال : « ما أسفهك تسألني عن رجل أنت خطيئة من خطاياه وقد ملأت الأرض فسادا ؟ » قال : فهل خلوت لك ؟ قال : « مرة واحدة ، فحال بيني وبينك شيء منعني منك » . قال : كأني قد عرفت ، أما الثالثة فلا تصبر عليها . قال : « ما شاء الله » . قال : دونك يا معد . قال : فعذبه بكل شيء ، ثم جاء فقال : ما يبالي . فقال الحجاج : أله حميم ؟ قالوا : أم وأخ . قال : فوضع على أمه الدهق . فقال حطيط : « يا أمه : اصبري ، اصبري » . قال : فقتلها .
عن الحسن ، أن رجلا ، كان يقال له عقيب ، كان يعبد الله تعالى على جبل ، وكان في ذلك الزمان رجل يعذب الناس بالمثلات ، وكان جبارا ، فقال عقيب : « لو نزلت إلى هذا فأمرته بتقوى الله كان أوجب علي » ، فنزل من الجبل فقال له : « يا هذا اتق الله » . فقال له الجبار : يا كلب ، مثلك يأمرني بتقوى الله ؟ لأعذبنك عذابا لم يعذب به أحد من العالمين . قال : فأمر به أن يسلخ من قدمه إلى رأسه وهو حي ، فسلخ ، فلما بلغ بطنه أن أنة ، فأوحى الله إليه : عقيب ، اصبر أخرجك من دار الحزن إلى دار الفرح ، ومن دار الضيق إلى دار السعة ، فلما بلغ السلخ إلى وجهه صاح ، فأوحى الله إليه : عقيب ، أبكيت أهل سمائي وأهل أرضي ، وأذهلت ملائكتي عن تسبيحي ، لئن صحت الثالثة لأصبن عليهم العذاب صبا ، فصبر حتى سلخ وجهه مخافة أن يأخذ قومه العذاب .
عن عبد الله بن المبارك ، « أن الحجاج ، قطع يد رجل ورجله ، ثم أمر به أن يحمل إلى الكوفة فيصلب على بابه قال : فحمل في سفينة ، حتى إذا قاربوا الكوفة ، وكان فيهم رجل كأنه سمع خشخشة ، فقال : ما لكم ؟ قالوا : هذا الموضع الذي أمرنا فيه بصلبك ، فنخاف أن تلقي نفسك في الماء . قال : أنا ألقي نفسي ؟ فوالله إن الذباب ليقع على يدي أو رجلي فأكره أن أحكه مخافة أن أعين على نفسي . قال : وسمعوه يدعو : اللهم إني أعوذ بك أن أفر من بأس الناس إلى بأسك ، وأعوذ بك أن أجعل فتنة الناس كعذابك ، وأعوذ بك أن يرى الناس في خيرا ولا خير في اللهم أرد بي خيرا وافعله بي ، إنك فعال لما تريد »
قال أبو عبد الرحمن المغازلي : دخلت على رجل مبتلى بالحجاز ، فقلت : كيف تجدك ؟ قال : أجد عافيته أكثر مما ابتلاني به ، وأجد نعمه علي أكثر من أحصيها . فقلت : أتجد لما أنت فيه ألما شديدا ؟ فبكى ثم قال : سلا بنفسي عن ألم ما بي ما وعد عليه سيدي أهل الصبر من كمال الأجور في شدة يوم عسير . قال : ثم غشي عليه ، فمكث مليا ، ثم أفاق فقال : إني لأحسب أن لأهل الصبر عند الله غدا في القيامة مقاما شريفا لا يتقدمه من ثواب الأعمال شيء ، إلا ما كان من الرضا عن الله جل وعز .
قال سعيد بن جبير : « الصبر اعتراف العبد لله بما أصابه منه ، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر »
عن يونس بن يزيد قال : سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن ما منتهى الصبر ؟ قال : « أن يكون يوم تصيبه المصيبة مثله قبلها »
عن قيس بن الحجاج في قول الله : فاصبر صبرا جميلا قال : « أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يعرف من هو ؟ »
عن عمرو بن قيس الملائي :" فصبر جميل " قال : « الرضا بالمصيبة ، والتسليم » عن الحسن قال : الكظيم : الصبور .
عن خالد بن خداش قال : قال لنا صالح المري : « لو كان الصبر حلوا ما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : اصبر ولكن الصبر مر »
عن الحسن قال : « سب رجل رجلا من الصدر الأول ، فقام الرجل وهو يمسح العرق عن وجهه ، وهو يتلو : ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور » . قال الحسن : « عقلها والله وفهمها إذ ضيعها الجاهلون .
عن محمد بن سوقة قال : كان يقال : « انتظار الفرج بالصبر عبادة » قال عبد الله بن المبارك : « من صبر فما أقل ما يصبر ، ومن جزع فما أقل ما يتمتع »
عن عمرو بن قيس الماصر ، أن حطيطا كان مولى لبني ضبة ، وأنه لما رفع من بين يدي الحجاج وقد بلغ العذاب منه وما يتكلم ، جاء ذباب فوقع على جراحته . فقال : « حس » . فقيل له : صبرت على العذاب ، وإنما هو ذباب قال : « إن هذا ليس من عذابكم » .
عن علي بن الحسن بن أبي مريم قال : « كان رجل بالمصيصة ذاهب النصف الأسفل ، لم يبق منه إلا روحه في بعض جسده ضرير على سرير ملقى ، مثقوب له للبول فدخل عليه داخل فقال : كيف أصبحت يا أبا محمد ؟ قال : ملك الدنيا منقطع إلى الله تبارك وتعالى ما لي إليه من حاجة إلا أن يتوفاني على الإسلام »
عن علي بن الحسن قال : قال رجل مرة : لأمتحنن أهل البلاء . قال : فدخلت على رجل بطرسوس وقد أكلت الأكلة أطرافه . فقلت : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت والله وكل عضو مني يألم على حدته من الوجع ، لو أن الروم في شركها وكفرها اطلعت علي لرحمتني مما أنا فيه ، وإن ذلك لبعين الله أحبه إلي أحبه إلى الله وما قدر ما أخذ ربي مني ؟ وددت أن ربي قد قطع مني الأنامل التي بها اكتسبت الإثم وأنه لم يبق مني إلا لساني يكون له ذاكرا . قال : فقال له الرجل : متى بدأت بك هذه العلة ؟ فقال : أما كفاك ؟ الخلق كلهم عبيد الله وعياله فإذا رأيت من العباد عيلة فالشكوى إلى الله ، ليس الله يشتكى إلى العباد .
عن محمد بن سلام الجمحي قال : سمعت يحيى بن عمر الحنفي ، وذكر عن رجل من بني حنيفة قال : « أرادوا شيخا لهم كان به داعي العلاج ، فأبى وقال : وجدت الله قد نحل أهل الصبر نحلا ما نحله غيرهم من عباده » قيل : ما هو رحمك الله ؟ قال : سمعته يقول تبارك اسمه : « إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب فما كنت لأعدل بذلك شيئا أبدا » قال : فلم يتعالج وكان إذا اشتد به الوجع قال : « حسبي الله ونعم الوكيل » فيسكن عنه الألم ، ويجد لذلك خفة وهدوءا .
عبد الجليل القيسي قال : لما أمر ابن زياد بالشجاء أن يمثل بها ، جاء الذي يريد أن يلي ذلك منها ومعه الحديد والحبال ، فقالت : « إليكم عني ، أتكلم بكلمات يحفظهن عني من سمع بهن » . قال : فحمدت الله وأثنت عليه ثم قالت : « هذا آخر يومي من الدنيا ، وهو غير مأسوف عليه وأرجو أن يكون أول أيامى من الآخرة ، وهو اليوم المرغوب فيه ثم قالت : إن علمي ، والله ، بفنائها هو الذي زهدني في البقاء فيها ، وسهل علي جميع بلواها ، فما أحب تعجيل ما أخر الله ، ولا تأخير ما عجل الله » . ثم قدمت ، فمثل بها حتى ماتت .
كان مالك بن دينار يبكي ويبكي أصحابه ، ويقول في خلال بكائه : « اصبروا على طاعته ، فإنما هو صبر قليل وغنم طويل ، والأمر أعجل من ذلك »
عن أبي إسحاق ، عن ميثم ، أن موسى عليه السلام قال : أي رب ، أي عبادك أصبر ؟ قال : أكظمهم للغيظ .
كان حبيب أبو محمد يقول لإخوانه : اشكا ماذا اشكا فاذو : كأنكم بعاقبة الصبر محمودة ، ليت شعري ما يصنع في القيامة من غبن أيامه الحالية ، ثم يبكي حتى تسيل الدموع على لحيته .
قال لصعصعة بن صوحان : ما المروءة ؟ قال : « الصبر والصمت : الصبر لمن غاظك وإن بلغ منك ، والصمت حتى تسأل »
عن مسمع بن عاصم قال : قال لي عبد الواحد بن زيد : « من نوى الصبر على طاعة الله صبره الله عليها وقواه لها ، ومن عزم على الصبر عن معاصي الله أعانه الله على ذلك وعصمه عنها » . قال : وقال لي : يا سيار ، « أتراك تصبر لمحبته عن هواك فيخيب صبرك ؟ لقد أساء بسيده الظن من ظن به هذا وشبهه » قال : ثم بكى عبد الواحد حتى خفت أن يغشى عليه ، ثم قال : « بأبي أنت يا مسمع ، نعمه رائحة وغادية على أهل معصيته ، فكيف ييأس من رحمته أهل محبته ؟ »
عن عبد الواحد بن زيد قال : قال لي عابد من أهل الشام : « أما والله يا أبا عبيدة ليعلمن الصابرون غدا أن موئل الصبر موئل كريم هنيء غير مردي وليعلمن أهل الاستخفاف بمعاصي الله أن ذلك كائن عليهم وبالا ، ولبئس سبيل الخائف الغرة وترك الحذر والاحتراس مما يخاف وبكى »
قال ابن السماك : « من امتطى الصبر قوي على العبادة ، ومن أجمع اليأس استغنى عن الناس ، ومن أهمته نفسه لم يول تربتها غيره ، ومن أحب الخير وفق له ، ومن كره الشر جنبه ، ومن رضي بالدنيا من الآخرة حظا فقد أخطأ حظ نفسه ، ومن أراد الحظ الأكبر من الآخرة سعى لها سعيها وأعمل نفسه لها ، وهانت عليه الدنيا وجميع ما فيها ، والصبر عن الدنيا رأس الزهد فيها ، والصبر عن المعاصي هو الكره لها ، والصبر على طاعة الله فرع الخير وتمامه »
عن خلف بن إسماعيل قال : قال لي رجل من عقلاء الهند : « لا يكون الصبر إلا في رجل له عند الله عظيم من الذخر ، ولرب صابر برز به صبره أمام المتقين يوم القيامة ، والصبر في كل شيء حسن ، وهو في طاعة الله وعن معصيته أحسن »
عن أبي الدرداء قال : « إنها ستكون أمور تنكرونها فعليكم فيها بالصبر صبر كقبض على الجمر ، ولا تقولوا : تغير ، حتى يكون الله يغير »
عن الزهري قال : « وقعت في رجل عروة بن الزبير الآكلة ، فصعدت في ساقه ، فبعث إليه الوليد بن عبد الملك فحمل إليه الأطباء ، فقالوا ليس له دواء إلا أن تقطع رجله قال : فقطعت رجله وهو جالس عند الوليد ، فما تضور وجهه »
قال علي بن أبي طالب : « لو كان الصبر رجلا كان أكمل الرجال ، وإن الجزع والجهل والشره والحسد لفروع أصلها واحد »
قال بعض حكماء الهند : « الصبر قوة من قوى العقل ، وبقدر مولد العقل ينمى الصبر » قال أبو خيرة النحوي : « الصبر أعلى خلال الكرم »
عن مضر أبو سعيد القارئ قال : قال بعض العباد على بعض السواحل : إنك والله أيها المرء ما التمست اتباع رضوانه بشيء أبلغ فيما تريد من اجتناب سخطه قال : ثم بكى وقال : وكيف وغرور الأمال تلهينا عن سرعة ممر الآجال ؟ قال : ثم بكى وقال : لا تعجب أيها المرء من سهو وغفلة غلبا على عقولنا ، فنحن نحرص على الدنيا ونعمل لها ، غير مستزيدين في أرزاقنا ، بالحرص عليها والعمل لها ، وندع حظنا في هذه الدار الفانية من الدار الباقية ، التي يرزق أهلها فيها بغير حساب ، وإنما جعلت هذه الدار سبيلا إلى الوصلة إلى الدار الأخرى قال : فإن أعمالنا وحرصنا على طلب الدار الآخرة يزيد في أرزاقنا ولذاتنا في الدنيا والآخرة ، ثم بكى وقال : يا عبد الله ، احتجز الصبر على إرادته يبلغك خير إرادتك لديه ، فما رأينا مثل الصبر على طاعته شيئا .
قال عمر بن ذر في دعائه : « أسألك اللهم خيرا يبلغنا ثواب الصابرين لديك ، وأسألك اللهم شكرا يبلغنا مزيد الشاكرين لك ، وأسألك اللهم توبة تطهرنا بها من دنس الآثام حتى نحل بها عندك محلة المنيبين إليك ، فأنت ولي جميع النعم والخير ، وأنت المرغوب إليه في كل شديدة وكرب وضر ، اللهم وهب لنا الصبر على ما كرهنا من قضائك ، والرضا بذلك طائعين ، وهب لنا الشكر على ما جرى به قضاؤك من محبتنا ، والاستكانة لحسن قضائك ، متذللين لك خاضعين ؛ رجاء المزيد والزلفى لديك يا كريم ، اللهم فلا شيء أنفع لنا عندك من الإيمان بك ، وقد مننت به علينا فلا تنزعه منا ولا تنزعنا منه حتى تتوفانا عليه ، موقنين بثوابك ، خائفين لعقابك ، صابرين على بلائك ، راجين لرحمتك يا كريم »
قال أبو عمران الجوني : « ما أعطي عبد - بعد الإيمان - أفضل من الصبر إلا الشكر ، فإنه أفضلهما وأسرعهما ثوابا »
قال قتادة : « الصبر من الإيمان بمنزلة اليدين من الجسد ، من لم يكن صابرا على البلاء لم يكن شاكرا على النعماء ، ولو كان الصبر رجلا لكان كريما جميلا »
قال عمر بن ذر : « من أجمع على الصبر في الأمور فقد حوى الخير ، والتمس معاقل البر وكمال الأجور »
عن درست القزاز قال : قال لي حبيب أبو محمد : « إن أردت أن تعرف فضل ثواب الصبر على جميع أعمال البر ، فانظر إلى أهل البلاء مع أهل العافية ، ثم ميز ما بينهم ، واعلم أن الله عز وجل لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض »
عن عمر بن ذر قال : لرجل آذاه جار له : « اصبر أي أخي ، فوالله ما أرى أن لثواب الصبر في القيمة مثلا . أي أخي ، عليك بالصبر تدرك به ذخر أهله ، واعلم أن الصبر مواهب ، ولن يعطاه إلا من كرم على سيده ، فاغتنمه ما قدرت عليه ؛ لأنك ستجد عاقبته عاجلا وآجلا إن شاء الله »
قال ابن عمر حين أتته بيعة يزيد : « إن كان خيرا رضينا ، وإن كان بلاء صبرنا » قال عبد العزيز بن أبي رواد : كان يقال : « القول بالحق والصبر عليه يعدل بأعمال الشهداء »
مر وهب بن منبه برجل أعمى مجذوم مقعد عريان وبه وضح وهو يقول : « الحمد لله على نعمته » فقال رجل كان مع وهب : أي شيء عليك من النعمة وأنت على هذه الحال ؟ فقال الرجل : « ارم ببصرك إلى أهل المدينة ، فانظر إلى كثرة أهلها ، أو لا أحمد الله على نعمته أنه ليس أحد فيها يعرف الله غيري ؟ »
« قام موسى عليه السلام في بني إسرائيل بخطبة أحسن فيها ، فأعجب بها ، فقالت له بنو إسرائيل : أفي الناس أعلم منك ؟ قال : لا . فأوحى الله تبارك وتعالى إليه : إن في الناس من هو أعلم منك . فقال : أي رب ، ومن أعلم مني وقد آتيتني التوراة وفيها علم كل شيء ؟ فأوحى الله إليه : أعلم منك عبد من عبادي حملته الرسالة ، ثم بعثته إلى ملك جبار عنيد ، فقطع يديه ورجليه ، وجدع أنفه ، فأعدت إليه ما قطع منه ، ثم أعدته إليه رسولا ثانية ، فولى وهو يقول : رضيت لنفسي ما رضيت لي ، ولم يقل كما قلت أنت عند أول وهلة : إني أخاف أن يقتلون »
عن القاسم بن عبد الواحد ، أن زيادا ، أتي بذي الثفنات ، فقطع يديه ورجليه وقال : كيف تجدك ؟ فقال : « أفسدت علي دنياي ، وأفسد عليك آخرتك » . فأرسل إلى امرأة كانت عنده يسألها عنه . قالت : لا أدري ، إلا أني لم أفرشه فراشا ليلا ولا نهارا ، ولم أتخذ له طعاما نهارا . قال : إنك لتحدثينني أنه يصوم النهار ويقوم الليل . فأعتق مائة رقبة .
عن أبي حيان التيمي قال : دخلوا على سويد بن شعبة - وكان من أفاضل أصحاب عبد الله وأهله تقول له : نفسي فداؤك ، ما نطعمك ؟ ما نسقيك ؟ فأجابها بصوت له ضعيف : « بليت الحراقف ، وطالت الضجعة ، والله ما يسرني أن الله نقصني منه قلامة ظفر »
كان الربيع بن خيثم قد أصابه الفالج قال : فسال من فيه ماء أجن على لحيته ، فرفع يده فلم يستطع أن يمسحه ، فقام إليه بكر بن ماعز فمسحه عنه ، فلحظه ربيع ثم قال : « يا بكر ، ما أحب أن هذا الذي بي بأعتى الديلم على الله تعالى »
عن قرة النحات قال : قلت لعابد من أهل الأردن ممن كان يأوي جبالها : أوصني قال : « اقتن فعل الخيرات ، وتوصل إلى الله بالحسنات ، فإني لم أر شيئا قط أرضى للسيد مما يحب ، فبادر محبته يسرع في محبتك » ، ثم بكى ، فقلت : زدني رحمك الله قال : « الصبر على محبة الله وإرادته رأس كل بر ، أو قال : كل خير »
عن قرة النحات قال : قال لي عابد بفلسطين : كان يقال : « الصبر من الرضا بمنزلة الرأس من الجسد ، لا يصلح أحدهما إلا بالآخر »
عن إبراهيم ، أن أم الأسود ، أقعدت من رجليها ، فجزعت ابنة لها ، فقالت : « اللهم إن كان خيرا فزد »
عن ابن أبي رواد قال : رأيت في يد محمد بن واسع قرحة ، فكأنه رأى ما شق علي منها ، فقال : « أتدري ماذا لله علي في هذه القرحة من النعمة ؟ » فسكت ، فقال : « حين لم يجعلها على حدقتي ولا على طرف لساني ، ولا على طرف ذكري » . قال : فهانت علي قرحته .
عن ليث قال : أخبرت طلحة بن مصرف ، عن طاوس ، أنه كان يكره الأنين ، فما سمع له أنين في مرضه حتى مات .
كان مطرف بن عبد الله بن الشخير يقول : لأن أعافى فأشكر ، أحب إلي من أن ابتلى فأصبر . وزعم أن أبا العلاء كان يقول : اللهم أي ذاك كان أحب إليك فاجعله لي .
عن سعيد بن جبير قال : « الصبر على نحوين : أما أحدهما فالصبر عما حرم الله ، والصبر لما افترض الله من عبادته ، وذلك أفضل الصبر ، والصبر الآخر في المصائب ، وهو اعتراف النفس لله لما أصاب العبد ، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه ، فذلك الصبر الذي يثيب عليه الأجر العظيم ، وإنك لتجد الرجل صبورا عند المصيبة ، جليدا وليس بمحتسب لها ، ولا راج لثوابها ، وفي كل الملل تجد الصبور على المصيبة ، فإذا تفكرت في صبر المصائب وجب صبران : أحدهما لله ، والآخر خليقة تكون في الإنسان » ، وسئل عن الجزع فقال : « الجزع على نحوين : أحدهما في الخطايا أن يجزع الرجل إليها ، والآخر في المصائب ، فأما جزع المصيبة فهو ألا يحتسبها العبد عند الله ولا يرجو ثوابها ، ويرى أنه سوء أصابه ، فذلك الجزع ، ويفعل ذلك وهو متجلد لا يبين منه إلا الصبر »
قال يزيد الرقاشي : وتواصوا بالحق قال : « الحق كتاب الله وتواصوا بالصبر قال : الصبر على طاعة الله »
كان يزيد الرقاشي يقول : « يا معشر الشيوخ الذين لم يتركوا الذنوب حتى تركتهم ، فيا ليتهم إذ ضعفوا عنها لا يتمنون أن تعود لهم القوة عليها حتى يعملوا بها »
قال رجل للأحنف بن قيس : ما أصبرك قال : « الجزع شر الحالين ، يباعد المطلوب ، ويورث الحسرة ، ويبقي على صاحبه عارا .
قال بكر بن خنيس : « مررت بمجذوم وهو يقول : وعزتك وجلالك لو قطعتني بالبلاء قطعا ما ازددت لك إلا حبا »
عن عبد الواحد بن زيد قال : خرجت أنا ، وفرقد السبخي ، ومحمد بن واسع ، ومالك بن دينار ، نزور أخا لنا بأرض فارس ، فلما جاوزنا رامهرمز إذا نحن بنويرة في سفح جبل ، فتراكضنا نحوه ، فإذا نحن برجل مجذوم يتقطر قيحا ودما ، فقال له بعضنا : يا هذا ، لو دخلت هذه المدينة فتداويت وتعالجت من بلائك هذا فرفع طرفه إلى السماء وقال : إلهي أتيت بهؤلاء ليسخطوني عليك لك الكرامة والعتبى بأن لا أخالفك أبدا .