فوائد من كتاب المحتضرين
حكمــــــة
عن ثابت البناني قال: « كان شاب له رهق، وكانت أمه تعظه، تقول: يابني، إن لك يوما، فاذكر يومك، إن لك يوما فاذكر يومك. فلما نزل أمر الله، انكبت عليه أمه فجعلت تقول: يابني، قد كنت أحذرك مصرعك هذا وأقول لك: إن لك يوما فاذكر يومك. قال: يا أمه، إن لي ربا كثير المعروف، وإني لأرجو أن لا يعدمني اليوم بعض معروف ربي أن يغفر لي. قال: يقول ثابت: فرحمه الله لحسن ظنه بربه في حاله تلك »
حكمــــــة
عن حميد قال: « كان لي ابن أخت مرهق، فمرض، فأرسلت إلي أمه، فأتيتها، فإذا هي عند رأسه تبكي، فقال: يا خالي ما يبكيها؟ قلت: ما تعلم منك، قال: أليس إنما ترحمني؟ قلت: بلى، قال: فإن الله أرحم بي منها. فلما مات أنزلته القبر مع غيري، فذهبت أسوي لبنه فاطلعت في اللحد، فإذا هو مد بصري، فقلت لصاحبي: رأيت ما رأيت؟ قال: نعم فليهنئك ذاك فظننت أنه بالكلمة التي قالها »
حكمــــــة
قال سلمان: دخلت على أبي بكر في مرضه فقلت: يا خليفة رسول الله، اعهد إلي عهدا ؛ فإني لا أراك تعهد إلي بعد يومك هذا شيئا، قال: « أجل يا سلمان، إنها ستكون فتوح، فلا أعرفن ما كان من حظك منها ما جعلت في بطنك أو ألقيته على ظهرك، واعلم أنه من صلى الصلوات الخمس فإنه يصبح في ذمة الله، فلا تقتلن أحدا من أهل ذمة الله ؛ فيطلبك الله بذمته، فيكبك على وجهك في النار »
حكمــــــة
قال كعب لعمر: يا أمير المؤمنين، اعهد ؛ فإنك ميت في ثلاثة أيام، فقال عمر: الله إنك تجد عمر بن الخطاب في التوراة؟ قال: اللهم لا، ولكن أجد صفتك وحليتك، قال: وعمر لا يحس أجلا ولا وجعا. فلما مضت ثلاث طعنه أبو لؤلؤة، فجعل يدخل عليه المهاجرون والأنصار فيسلمون عليه، ودخل في الناس كعب، فلما نظر إليه عمر قال: فأوعدني كعب ثلاثا يعدها ولا شك أن القول ما قال لي كعب وما بي حذار الموت إني لميت ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب.
حكمــــــة
قال عبد الله بن سلام لمن حضر تشحط عثمان في الموت حين ضربه أبو رومان الأضحى: ماذا كان قول عثمان وهو يتشحط؟ قالوا: سمعناه يقول: « اللهم اجمع أمة محمد، اللهم اجمع أمة محمد، اللهم اجمع أمة محمد » ثلاثا. قال: والذي نفسي بيده لو دعا الله علي تلك الحال أن لا يجتمعوا أبدا ما اجتمعوا إلى يوم القيامة.
حكمــــــة
« لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي رحمه الله أتاه ابن النباح حين طلع الفجر يؤذنه بالصلاة وهو مضطجع متثاقل، فعاد الثانية وهو كذاك، ثم عاد الثالثة، فقام علي يمشي وهو يقول: شد حيازيمك للموت فإن الموت آتيك ولا تجزع من الموت إذا حل بواديك فلما بلغ الباب الصغير شد عليه عبد الرحمن بن ملجم فضربه، فخرجت أم كلثوم بنت علي فجعلت تقول: ما لي ولصلاة الغداة؟ قتل زوجي أمير المؤمنين صلاة الغداة، وقتل أبي صلاة الغداة »
حكمــــــة
دخلت جماعة على معاوية فرأوا في جلده غضونا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: « أما بعد، فهل الدنيا أجمع إلا ما قد جربنا ورأينا؟ أما والله لقد استقبلنا زهرتها بجدتنا، وباستلذاذ منا لعيشنا، فما لبثنا الدنيا أن نقضت ذلك منا حالا بعد حال، وعروة بعد عروة، فأصبحت الدنيا وقد وترتنا، وأحلقتنا، واستلامت إلينا ؛ فأف للدنيا من دار، ثم أف للدنيا من دار »
حكمــــــة
آخر خطبة خطبها معاوية قال فيها: « أيها الناس، إني من زرع قد استحصد، وإني قد وليتكم، ولن يليكم بعدي إلا من هو شر مني، كما كان قبلي خير مني. ويا يزيد إذا وفى أجلي فول غسلي رجلا لبيبا، فإن اللبيب من الله بمكان، فلينعم الغسل، وليجهر بالتكبير، ثم اعمد إلى منديل في الخزانة فيه ثوب من ثياب النبي صلى الله عليه وسلم وقراضة من شعره وأظفاره، فاستودع القراضة أنفي وفمي وأذني وعيني، واجعل الثوب يلي جلدي دون أكفاني. ويا يزيد احفظ وصية الله في الوالدين، فإذا أدرجتموني في جريدتي، ووضعتموني في حفرتي، فخلوا معاوية وأرحم الراحمين »
حكمــــــة
عن ابن عباس قال: لما احتضر معاوية قال: « يا بني، إني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا، وإني دعوت بمشقص، فأخذت من شعره، وهو في موضع كذا وكذا، فإذا أنا مت فخذوا ذلك الشعر فاحشوا به فمي ومنخري » فحدثني بعض أهل العلم، عن شيخ من قريش: أن معاوية لما قال ذلك تمثلت ابنته: إذا مت مات الجود وانقطع الندى من الناس إلا من قليل مصرد وردت أكف السائلين وأمسكوا من الدين والدنيا بخلف مجدد كلا يا أمير المؤمنين، يدفع الله عنك، فقال معاوية متمثلا: وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع ثم أغمي عليه. ثم أفاق فقال لمن حضره من أهله: اتقوا الله، فإن الله يقي من اتقاه، ولا تقى لمن لا يتقي الله. ثم قضى
حكمــــــة
لما احتضر معاوية جعل يقول: « لعمري لقد عمرت في الدهر برهة ودانت لي الدنيا بوقع البواتر وأعطيت جم المال والحلم والنهى وسلم قماقيم الملوك الجبابر فأضحى الذي قد كان مما يسرني كلمح مضى في المزمنات الغوابر فيا ليتني لم أغن في الملك ساعة ولم أغن في لذات عيش نواضر وكنت كذي طمرين عاش ببلغة من الدهر حتى زار ضنك المقابر »
حكمــــــة
لما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة، نظر إلى غسال بجانب دمشق يلوي ثوبا بيده ثم يضرب به المغسلة، فقال عبد الملك: والله ليتني كنت غسالا، أكلي كسب يدي يوما بيوم، وأني لم أل من أمر الناس شيئا قال عبد العزيز، عن أبيه: فأخبر بذلك أبو حازم، فقال: الحمد لله الذي جعلهم إذا حضرهم الموت يتمنون ما نحن فيه، وإذا حضرنا الموت لم نتمن ما هم فيه.
حكمــــــة
عن ابن سابط الجمحي: أنه خرج من قنسرين وهو قافل، فأشار لي إنسان إلى قبر عبد الملك بن مروان، فوقفت أنظر، فمر عبادي فقال: لم وقفت ها هنا؟ قلت: أنظر إلى قبر هذا الرجل، الذي قدم علينا مكة في سلطان وأمر، ثم عجبت إلى ما رد إليه. فقال: ألا أخبرك خبره لعلك ترهب؟ قلت: ما خبره؟ قال: هذا ملك الأرض بعث إليه ملك السماوات والأرض، فأخذ روحه، فجاء به أهله فجعلوه ها هنا، حتى يأتي الله يوم القيامة مع مساكين أهل دمشق.
حكمــــــة
كان سليمان بن عبد الملك يأخذ المرآة، فينظر فيها، فيبصر من قرنه إلى قدمه ويقول: « أن الملك الشاب ». فلما نزل مرج دابق وفشت الحمى في عسكره، فنادى بعض خدمه، فجاءت بطشت، فسقطت. فقال لها: ما شأنك؟ قالت: محمومة. قال: فأين فلانة؟ قالت: محمومة. فلم يعد أحدا إلا قالت: محموم فقال سليمان: « الحمد لله الذي جعل خليفته في الأرض ليس له من يوضئه، ثم التفت إلى خاله الوليد بن القعقاع العبسي فقال: قرب وضوءك يا وليد فإنما هذي الحياة تعلة ومتاع فاعمل لنفسك في حياتك صالحا فالدهر فيه فرقة وجماع ومات في مرضه »
حكمــــــة
لما احتضر سليمان بن عبد الملك جعل يقول: « إن بني صبية صغار أفلح من كان له كبار قال: فيقول عمر بن عبد العزيز: أفلح المؤمنون يا أمير المؤمنين. ويقول سليمان: إن بني صبية صيفيون أفلح من كان له شتويون قال: فيقول عمر: أفلح المؤمنون يا أمير المؤمنين » حدثنا عبد الله قال: وحدثني بعض أهل العلم: أن آخر ما تكلم به سليمان أن قال: أسألك منقلبا كريما. ثم قضى
حكمــــــة
قالت لي فاطمة بنت عبد الملك - امرأة عمر بن عبد العزيز -: كنت أسمع عمر في مرضه الذي مات فيه يقول: « اللهم أخف عليهم موتي ولو ساعة من نهار. فلما كان اليوم الذي قبض فيه خرجت من عنده، فجلست في بيت آخر، بيني وبينه باب، وهو في قبة له، فسمعته يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين). ثم هدأ. فجعلت لا أسمع له حركة ولا كلاما. فقلت لوصيف كان يخدمه: ويلك انظر أمير المؤمنين أنائم هو؟ فلما دخل عليه صاح فوثبت، فدخلت، فإذا هو ميت، قد استقبل القبلة، وأغمض نفسه، ووضع إحدى يديه على فيه، والأخرى على عينيه »
حكمــــــة
لما ثقل عمر بن عبد العزيز، دعي له طبيب، فلما نظر إليه قال: أرى الرجل قد سقي السم، ولا آمن عليه الموت. فرفع عمر بصره إليه فقال: « ولا تأمن الموت أيضا على من لم يسق السم ». قال الطبيب: هل حسست بذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، قد عرفت حين وقع في بطني. قال: فتعالج يا أمير المؤمنين، فإني أخاف أن تذهب نفسك. قال: « ربي خير مذهوب إليه. والله لو علمت أن شفائي عند شحمة أذني ما رفعت يدي إلى أذني فتناولته. اللهم خر لعمر في لقائه. فلم يلبث إلا أياما حتى مات. رحمه الله »
حكمــــــة
لما حضر عمر بن عبد العزيز الموت بكى، فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ أبشر، فإن الله قد أحيا بك سننا، وأظهر بك عدلا. فبكى ثم قال: « أليس أوقف فأسأل عن أمر هذا الخلق؟ فوالله لو رأيت أني عدلت فيهم لخفت على نفسي أن لا تقوم بحجتها بين يدي الله إلا أن يلقنها حجتها، فكيف بكثير مما صنعنا؟ قال: ثم فاضت عيناه. فلم يلبث إلا يسيرا بعدها حتى مات. رحمه الله »
حكمــــــة
عن ليث بن أبي رقية عن عمر بن عبد العزيز قال: لما كان في مرضه الذي مات فيه قال: أجلسوني. فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت. ثلاث مرات. ولكن لا إله إلا الله. ثم رفع رأسه، فأحد النظر، فقال له: إنك لتنظر إلي نظرا شديدا يا أمير المؤمنين؟ قال: إني لأرى حضرة، ما هم إنس ولا جن. ثم قبض.
حكمــــــة
حبس هشام بن عبد الملك عياض بن مسلم - وكان كاتبا للوليد بن يزيد - وضربه وألبسه المسوح. فلم يزل محبوسا حتى مات هشام. فلما ثقل هشام وصار في حد لا يرجى لمن كان في مثله الحياة، فرهقته غشية وظنوا أنه قد مات، فأرسل عياض بن مسلم إلى الخزان: احتفظوا بما في أيديكم، فلا يصلن أحد إلى شيء. وأفاق هشام من غشيته، فطلبوا من الخزان شيئا، فمنعوهم، فقال هشام: أرانا كنا خزانا للوليد ومات هشام من ساعته. فخرج عياض من الحبس، فختم الأبواب والخزائن. وأمر بهشام فأنزل عن فراشه، ومنعهم أن يكفنوه من الخزائن. فكفنه غالب - مولى هشام - ولم يجدوا قمقما يسخن فيه الماء، حتى استعاروه فقال الناس: إن في هذا لعبرة لمن اعتبر
حكمــــــة
« لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة قال له ابنه: يا أبتاه، إنك قد كنت تقول لنا: ليتني كنت ألقى رجلا عاقلا عند نزول الموت حتى يصف لي ما يجد، وأنت ذلك الرجل، فصف لي الموت. قال: » والله يا بني لكأن جنبي في تخت، وكأني أتنفس من سم إبرة، وكأن غصن الشوك يجر به من قدمي إلى هامتي. ثم قال: ليتني كنت قبل ما قد بدا لي في قلال الجبال أرعى الوعولا والله ليتني كنت حيضا أعركتني الإماء بدريب الإذخر «
حكمــــــة
عن ابن شماسة قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فجعل يبكي، وولى وجهه الجدار، وجعل ابنه يقول: ما يبكيك؟ أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ فأقبل بوجهه فقال: « إن أفضل ما تعد علي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. فإذا أنا مت فلا تتبعني نائحة ولا نار. وإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا. وأقيموا عند قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمه، حتى آنس بكم وأنظر ما أراجع به رسل ربي »
حكمــــــة
عن عمرو بن قيس: أن معاذ بن جبل لما حضره الموت قال: انظروا أصبحنا؟ قال: فقيل: لم نصبح. حتى أتي فقيل له: قد أصبحت. قال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار. مرحبا بالموت. مرحبا، زائر مغب حبيب جاء على فاقة. اللهم إنك تعلم أني كنت أخافك، فأنا اليوم أرجوك. إني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري الأنهار، ولا لغرس الشجر، ولكن لظمإ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.
حكمــــــة
لما مرض حذيفة مرضه الذي مات فيه، قيل له: ما تشتهي؟ قال: « أشتهي الجنة. قالوا: فما تشتكي؟ قال: الذنوب. قالوا: أفلا ندعو لك الطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني. لقد عشت فيكم على خلال ثلاث: للفقر فيكم أحب إلي من الغنى، وللضعة فيكم أحب إلي من الشرف، وإن من حمدني منكم ولامني في الحق سواء. ثم قال: أصبحنا؟ أصبحنا؟ قالوا: نعم. قال: اللهم إني أعوذ بك من صباح النار. حبيب جاء على فاقة. لا أفلح من ندم »
حكمــــــة
عن عمير بن إسحاق قال: دخلت أنا ورجل من قريش على الحسن بن علي، فقام، فدخل المخرج، ثم خرج فقال: « لقد لفظت طائفة من كبدي أقلبها بهذا العود ولقد سقيت السم مرارا، وما سقيته مرة أشد من هذه. قال: وجعل يقول لذلك الرجل: سلني قبل أن لا تسألني. قال: ما أسألك شيئا. يعافيك الله. قال: فخرجنا من عنده، ثم عدنا إليه من غد وقد أخذ في السوق، فجاءه حسين حتى قعد عند رأسه فقال: أي أخي، من صاحبك؟ قال: تريد قتله؟ قال: نعم. قال: لئن كان صاحبي الذي أظن لله أشد له نقمة، وإن لم يكن به ما أحب أن يقتل بريئا »
حكمــــــة
لما اشتكى أبو بكرة عرض عليه بنوه أن يأتوه بطبيب، فأبى. فلما ثقل وعرف الموت من نفسه وعرفوه منه قال: « أين طبيبكم ليردها إن كان صادقا؟ قالوا: وما يغني الآن؟ قال: ولا قبل قال: فجاءت ابنته أمة الله، فلما رأت ما به بكت، فقال: أي بنية، لا تبكي. قالت: يا أبتاه، فإن لم أبك عليك فعلى من أبكي؟ قال: لا تبكي، فوالذي نفسي بيده، ما في الأرض نفس أحب إلي أن تكون خرجت من نفسي هذه، ولا نفس هذا الذباب الطائر. ثم أقبل على حمران - وهو عند رأسه - فقال: ألا أخبرك لماذا أخشيته؟ والله إن أمر فيحول بيني وبين الإسلام »